إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 27
السبت 18 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : فلسطين والإسلام بين الأمس واليوم
التاريخ : 1969-02-19
المرجع : كتاب آراء ومواقف - ص: 163

 

 محاضرة لسماحة المفتي الشيخ حسن خالد في وهران بالجزائر


لم تعد القضية الفلسطينية، في هذه المرحلة التاريخية بالذات، قضية أو مشكلة سهلة التناول، وذلك بالنظر للأطماع الاستعمارية التي توجهت إلى دول المنطقة العربية، فرأت أن وجود إسرائيل في فلسطين مع ما تحمله من واقع العزل، وإمكان الصراع واستمراره هو خير ضمان للإبقاء على تفكك دول المنطقة واستغلالها من جميع الوجوه: الاقتصادي منها ، والسياسي، والاستراتيجي وما إلى ذلك. على أن الأمر إذا كان على هذا القدر من الصعوبة والتعقيد فإن ذلك يحملنا على زيادة العمل من أجل التماسك العربي والإسلامي. والإكثار من الأضواء نلقيها على جوانب القضية، لتتكشف لنا – ولغيرنا أيضا- مختلف الأبعاد والاتجاهات التي تتحرك فيها قضية المصير. ومضاعفة إرادة النضال والانصراف إلى توظيف الإمكانات جميعها لصالح معركتنا مع العدو.

وليس موضوعنا أيها السادة فلسطين والإسلام بين الأمس واليوم إلا محاولة متواضعة لإلقاء الضوء على جانب من جوانب القضية وأن صفة التواضع التي نراها لهذه المحاولة ليست هنا وفي هذا المكان نتيجة لموقع خلقي، أو وليدة شعور بضرورة المجاملة، إنما هي صفة واقعية يفرضها المكان والزمان، أعني جزائر اليوم، التي ستظل في تاريخنا العربي الحديث الشعلة المضيئة في حركة النضال العربي الإسلامي.

إن شعلة المليون شهيد سوف تظل تضيء دروب أمتنا جيلاً بعد جيل.

إن نضال الأحرار، في سهول الجزائر على جبال الأوراس سوف يظل في طليعة الإنجازات العربية والإسلامية التحررية التي هي سمة من سمات فخر الأمة العربية والإسلامية في حاضر الزمن ومستقبله.

فتحية صادقة من لبنان لهذا النضال الكبير، أرى من واجبي أن أتوجه بها إليكم، قبل أن أبدأ الحديث في هذه المحالة المتواضعة.

مشكلة فلسطين وصراع الأيديولوجيات

وإذا كانت الأطماع الاستعمارية ووسائلها – أيها السادة – تشكل حاجز التعقيدات الخارجية الذي يقف في وجه محاولات التحرر من كابوس الوجود الصهيوني في فلسطين والأرض المحتلة فإن صراع النظريات الشائعة في المجتمع العربي والإسلامي، وهي النظريات: الإسلامية، والقومية، والاشتراكية يشكل من ناحية أخرى حاجر التعقيدات الداخلية الذي يقف – للأسف- في وجه هذه المحاولات نفسها الرامية إلى التحرر من كابوس الوجود الصهيوني حتى ليبدو للمتتبع للأحداث أن هذه الأطماع الخارجية، وهذا الصراع الداخلي، إنما أصبحا، على غير إرادة منا عنصرين أساسيين مكملين أحدهما للآخر، من أجل تدعيم الوجود الصهيوني والاستعماري في فلسطين والمنطقة المجاورة.

تقول النظرة القومية: إن شعوب المنطقة العربية يعيشون اليوم في إطار زماني ومكاني واحد، وهم على اختلاف كياناتهم السياسية تباين ظروفهم الاجتماعية مهيئون للاندماج في شكل معين، بل وضروري ملح، من أشكالا لوحدة العربية التي تقوم أصلا على معطيات موضوعية واضحة، أهمها وحدة الأرض ووحدة اللغة ووحدة الآمال والمشاعر ووحدة المصير. وقد برزت هذه الدعوة في مطلع القرن العشرين وقدر لها أن تناضل ضد أشكال السيطرة والتحكم في أجزاء هذه الأرض الواحدة، ابتداء من آخر العهد العثماني وامتداداً إلى عهد الانتداب، بل وحتى عهد الجامعة العربية، إلى جانب كونها واقعاً استهلاكياً إنما تشكل في الوقت نفسه تكريساً عملياً للتناقض الأساسي القائم لين الكيانات الموزعة والدعوة إلى الوحدة العربية الشاملة.

ولقد نشطت الدعوة إلى القومية العربية إثر قيام دولة إسرائيل، كياناً دخيلاً في المنطقة، فكانت المسؤولية الكبرى في نظر أصحاب هذه الدعوة خس مسؤولية تعدد الكيانات العربية بما تحمل من اختلافات سياسية وتخوفات وحساسيات داخلية ومحلية.

أما النظرية الاشتراكية فقد جاءت بشكل تطور حتمي ومنطقي، لمضمون النظرية القومية العربية سالفة الذكر، ذلك أن المشكلة أصحبت في نظر الاشتراكيين، مبنية على منطق القياس التالي:

أنه إذا كان واقع التمسك بالكيانات الجزئية هو السبب الرئيسي الذي سمح بخلق إسرائيل فإن المتمسكين بهذه الكيانات، بما يمثلون من أطماع وسيطرة وتحكم، باتوا يمثلون، عند أصحاب هذه النظرية الطبقة البرجوازية الحاكمة المتواطئة حكما ومصلحة مع الرأسمالية العالمية، التي كانت السبب المباشر في خلق إسرائيل.

وبناء على هذه الفرضية، فقد أصبح الصراع الطبقي، وما يرمي إليه من تحرير داخلي وخارجي للطاقات الاقتصادية والسياسية هو الحركة التاريخية الجدلية الضرورية، والذي سوف يؤدي حتما إلى انتصار الطبقات الشعبية وتحرير الكيانات من واقع الأنظمة العربية التقليدية وصهرها في بوتقة الوحدة. وبالتالي فإن منطلق الصراع هذا، هو وحده الكفيل بالقضاء، بالنتيجة، على دولة إسرائيل كدولة عنصرية استعمارية دخيلة على الأرض العربية.

وإذا كانت النظرية الاشتراكية قد جاءت وعلى الأخص في مرحلتها الأولى، كتطوير مكمل للنظرية القومية..

فإن النظرية الإسلامية جاءت معارضة لهاتين النظرتين معاً: ذلك أن أصحاب هذه النظرية يرون أن شعوب هذه المنطقة العربية، إنما تدين في أغلبيتها الساحقة بدين الإسلام، لذلك فإن الحديث عن أية وحدة في هذه المنطقة، لا يجوز إلا أن يضع هذا الاعتبار في المقام الأول، وذلك لأسباب تاريخية ووجدانية: أهمها أن العرب لم يبنوا حضارتهم السالفة، ولم ينجحوا في فتوحاتهم الغابرة، إلا عندما كانوا يحملون لواء الدعوة إلى الإسلام متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله، هذا بالإضافة إلى أن هذه النظرية من شأنها، في نظر هؤلاء تعبئة المشاعر والطاقات الوجدانية والمادية في الدول  الإسلامية والمسلمين. ولقد كان من ذيول هذه النظرية مناوأة الداعين إلى الاشتراكية واعتبارها نظاماً اقتصادياً وضعياً لا يتفق مع تعاليم الإسلام، إلى جانب مناوأتهم للداعين للوحدة العربية واعتبار الكيانات الحالية في ظل الدعوة إلى الإسلام، وضعاً صالحاً وممكناً، للوقوف في وجه الخطر الصهيوني في فلسطين.

الأهمية الإستراتيجية للمنطقة

إن المتتبع لهذه النظريات الثلاث يدرك بوضوح مدى الإخلاص الذي يصدر عنه غالبية دعاة كل من هذه النظريات كما يدرك في الوقت نفسه مدى الخطورة المتسمرة مع استمرار الصراع، ومواقف التحدي المتواصلة المتبادلة، وإن هذه الخطورة تكمن، في أن هذا الصراع أصبح على غير رغبة منا، جزءاً من سياسة "توتر الصراع" الذي تعتمده السياسة الاستعمارية في المنطقة لأبعاد فكرة الوحدة، من أي نوع كانت، عن هذه المنطقة الحساسة من العالم، ذالك أن تشتيت القوى وتوزيع الإمكانيات، وخلق إسرائيل لهذه الغاية بالذات، إنما يشكل كل ذالك الإستراتيجية الاستعمارية، لبسط السيطرة ومد النفوذ. يتضح ذلك لنا من تقرير السيد هنري كامبل بانرمان الذي كان رئيساً للوزارة البريطانية في حكومة الأحرار 1907 الذي طلب من فئة من العلماء والمفكرين أن  يتقدموا إليه بملاحظاتهم ودراساتهم حول أسباب ضعف قوة الاستعمار وجاء في التقرير ما يلي:

"إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يربط الشرق بالغرب، والممر الطبيعي للقارتين الآسيوية والأفريقية، وملتقى طرق العالم ويكمن الخطر المهدد للعالم في هذا البحر، ففي حوضه تتوافر له وحدة تاريخية ودين واحد ولغة واحدة وآمال واحدة: أي أن له كل مقومات التجمع والترابط والاتحاد وتتوافر له من ثرواته الطبيعية وكثرة تناسل أهله كل أسباب القوة والتحرر والنمو، وأن الخطر ليكمن على كيان الإمبراطوريات الاستعمارية من تحرر هذه المنطقة وتثقيف شعبها وتطورها وتوحيد اتجاهاتها وتجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة، ولذا كان على الدول ذات المصالح الاستعمارية المشتركة أن تعمل على استمرار سياسة التفرقة والتجهيل والتأخر في هذه المنطقة، وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتخاصم وتناحر...

ولقد كان من توصيات هذا التقرير ضرورة اتخاذ إجراء مستعجل قوامه:

فضل الكتلة العربية الإفريقية  عن الكتلة العربية الآسيوية بحاجز بشري صديق للاستعمار، وعدو للعرب في الكتلتين وجاء أول مندوب سام بريطاني على فلسطين عام 1920 وهو هربرت صموئيل اليهودي الصهيوني يقنع الوزارة البريطانية بقبول توطين اليهود ذاكراً أن قرب الدولة اليهودية من مصر سوف يؤدي خدمة جلي للإمبراطورية، كما جاء من قبل المؤتمر السابع للحركة الصهيونية في بازل عام 1905 بقراره الداعي إلىإقامة الدولة اليهودية في فلسطين  والبلاد المجاورة لها، والممتدة من النيل إلى الفرات، لتلعب هذه الدولة الدور الذي أراده لها هرتزل مفكر الصهيونية الأول عام 1896 في كتابه الدولة اليهودية، حيث قال: أما بالنسبة لأوروبا فإننا سنشكل في فلسطين قسماً من السور المواجه لآسيا فنكون طليعة حراس الحضارة في وجه البربرية.

وهكذا كانت إسرائيل إما ما يمكن أن نستخلصه من الفقرة السابقة التي وردت في تقرير السيد هنري كامبل بانرمان: فهو أن الاستعمار لم ير الخطورة على وجوده في الوحدة الدينية فحسب، والتي يتميز بها شعب هذه المنطقة، ولا في وحدة اللغة والتاريخ والآمال، ولا في وحدة الثروات الطبيعية وتكاملها فحسب، إنما رأى الخطورة في كل هذه الأمور مجتمعة.

الجانب الاسلامي هو المحرر لفلسطين

ونحن  لا نهدف إلى تنبي نظرية معينة  من هذه النظريات الثلاث دون سواها وإنما نهدف وعلى وجهه الدقة إلى التركيز على جانب معين من جوانب المشكلة التي وضعنا لها عنوان: "فلسطين والإسلام بين الأمي واليوم"، المشكلة التي نرى أنه ينبغي أن تحكمها نظرية "تكامل النظريات" التي يمكن بها وحدها أن تقف في مواجهة هذه الخطورة الاستعمارية المتكاملة الأهداف: وهو التركيز على الجانب الإسلامي وإن هذا التركيز على هذا الجانب الإسلامي ليس إذن إلا نتيجة لما يسمح المجال به، ولما يمكن أن يقال في مثل هذا الموقف بالذات.

تاريخ أسود لليهود

وإذا كانت إسرائيل، كأداة عزل استعمارية قد استطاعت اليوم أن تلعب الدور الذي أراده الاستعمار لها، فإن اليهودية كانت أسبق من الاستعمار نفسه في القيام بهذا الدور المعتمد على أسلوبا التفرقة والدس بين العرب والمسلمين فحاربتهم في قوميتهم، وسيطرت على تجارتهم، ومنعت عنهم التحرر الاقتصادي، إذا صح هذا التعبير، في تلك الحقبة من تاريخنا القديم.

فالعرب في يثرب من الأوس والخزرج عبدوا الأوثان، وقد وقفوا وحدة متراصة في مواجهة اليهود الذين كانوا يتسلطون على مقدرات التجارة والممتلكات وكان هؤلاء العرب على اتصال بالمسيحيين أتباع الدولة الرومانية الشرقية، الذين كانوا على عداء مستحكم مع اليهود، فلما رأي اليهود أ وحدة الأوس والخزرج يمكن أن تقف عائقاً في وجه رغبتهم في السيطرة على مقدرات الحياة الاقتصادية، وعائقاً في وجه حروبهم مع المسيحيين: لجأوا إلى أسلوب التفرقة والدس والوقيعة بين الأوس والخزرج فوقعت الواقعة بين الطرفين وكان "بعاث" هو اليوم المشهود الذي اقتتل فيه الطرفان، فتشتت الشمل من جراء ذلك وتوزعت القوة بحيث قدر لليهود فيما بعد أن يؤمنوا بطشهم، ويتفرغوا إلى تجارتهم ويزيدوا أرباحهم ويستعيدوا ثرواتهم وديارهم وعقارهم.

وبقي اليهود مستمرئين لهذا الأسلوب حتى عندما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بدعوته السمحة، وصالح الأوس والخزرج على الإسلام حيث أن شاس بن قيس وهو أحد اليهود جاء مرة يذكر جمعاً من الأوس والخزرج بما كانوا عليه من خلاف، ويصور لهم يوم "بعاث" الذي اقتتلوا به، فاستيقظت أحقادهم النائمة، وعادوا إلى الاقتتال من جديد، فتدخل النبي صلى الله عليه وسلم مذكراً إياهم بأخوة الإسلام، فإذا بهم يندمون ويعودون إلى ما كانوا عليه من مودة وصفاء.

وكما أوقع اليهود بين الأوس والخزرج، كذلك رأيناهم يوقعون بين الأنصار والمهاجرين عندما غزا رسول الله  صلى الله عليه وسلم غزوة المريسيع وهي التي هدم فيها صنمهم مناة الطاغية. وقد حدث أن اقتتل رجلان في هذه الغزوة. أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار، فنصر كلا منهما بنو قومه وكادت تحدث الفتنة بين المهاجرين ولأنصار في هذه الغزوة لولا أن تدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسم النزاع وقضى على الفتنة.

على أن الدس والوقيعة والاستغلال إذا كانت تتمثل في شيء لدى اليهود في صدر الإسلام، فإنها تتمثل أكثر ما تتمل فيما ذهبوا إليه من محاولات ومكائد كانوا يدبرونها لرسول الله  محمد صلى الله عليه وسلم بالرغم من المعاهدة الكريمة التي عقدها معهم:

ذلك أن اليهود عندما رأوا من أمر الإسلام ما رأوا، من انتشار وازدهار خافوا من غلبة الإسلام، فاستاءوا وراحوا يكيدون لمحمد وللمسلمين الذين التفوا من حوله، منكرين عليه نبوته، مشككين بما جاء به من عقائد، حتى أنهم دسوا من أحبارهم بين صفوف المسلمين من أظهر إسلامه وأظهر في مجالسهم غاية التقوى ثم ما لبث حتى راح يبدي شكوكه، ويلفي عليه مجالسهم غاية التقوى، ثم ما لبث حتى راح يبدي شكوكه، ويلفي عليه (صلى الله عليه وسلم) الأسئلة التي لا ترمي إلا إلى التشكيك وزعزعة الإيمان.

فسألوه: من هو الذي خلق الله، إذا كان الله هو خالق كل شيء؟ فأجابهم رسول الله بما أوحى رب العالمين إليه: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ».

 وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز في حق هؤلاء اليهود الذين كانوا يدخلون بين صفوف المسلمين للدس والوقيعة:« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ، وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ، قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ، وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ، وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ».

ولما لم يجد اليهود في هذا الأسلوب نفعاً حاولوا تغييره: بأن التمسوا وسيلة أخرى عندما راحوا يحاولون أن يفتنوا محمداً عن دينه، فجاؤوا إليه يطلبون منه أن يحكم لهم في خصومة كانت بينهم وبين بعض العرب مقابل أن يتبعوه ويسلموا فحفظه الله سبحانه وتعالى من هذه الفتنة وأ،زل عليه الآية: «  وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ ».

ونحن هنا أيها السادة لسنا في معرض الإحاطة بكل ما أظهره اليهود في الإسلام للعرب والمسلمين ولرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من دسائس ومكائد ولسنا في معرض سرد الآيات الكريمة الكثيرة التي جاءت تدلل على كل ذلك، إنما حسبنا هذه السورة الخاطفة نستحضرها من تاريخنا القديم، لتتجلى أمام أعيننا حقيقة واحدة هي أن الأسلوب واحد، وأن الخصم واحد، وأن الغاية واحدة، إن كان بالنسبة لليهود في تاريخنا القديم، أو بالنسبة لليهود الصهاينة في تاريخنا المعاصر.

إن اليهودية بعد أن أدخلت عليها زوراً بعض التعاليم لا تختلف عن الصهيونية العنصرية التي نعاني من اعتداءاتها المتكرر اليوم، إن اليهودية في كل المصادر تدعو إلى التفرقة العنصرية: ففي سفر سولين من التلمود جاء ما يلي: (إن اليهودي أقرب إلى الله من الملائكة وأن من يصفع يهودياً يقترف جرماً لا يعادله فظاعة إلا جرم من تطاول على العزة الإلهية!) وهذا هو المؤرخ والفيلسوف الفرنسي ارنست رينان يقول: يبقى اليهودي التلمودي الصهيوني غريباً عمن حوله أينما حل، لا رائد له سوى مصلحة أبناء جنسه وكثيراً ما أصبح آفة ونكبة على البلاد التي احتضنته.

معاملة الإسلام الحسنة لليهود

على أنه بالرغم من عداء اليهود وتآمرهم على الإسلام والمسلمين.. فإن التاريخ يذكر لنا كيف بادر الرسول الكريم حفاظاً منه على وحدة يثرب، إلى مودة اليهود في صدر الإسلام، وفتح لهم صدره، وقربهم منه، وربط بينهم وبينه وبرابطة المودة والاخاء، على اعتبار أنهم أصحاب كتاب وموحدون. وكانت سيرة النبي الكريم تثبت يوماً بعد يوم، إمكانية تعايش الإسلام مع اليهود بالنظر إلى ما أبداه محمد صلى الله عليه وسلم من مودة وعطف وتسامح معهم: فعقد معهم معاهدة صداقة وتحالف، وحرية في الاعتقاد: فلليهود دينهم وأمنهم.

ثم إن حماية الإسلام لليهود خلال الفتوحات الإسلامية معروفة مشهورة، والإسلام حتى عصرنا الحديث، ينظر بتسامح كلي، وسعة صدر متناهية إلى اليهود، على أساس من الرغبة في التعاون والمودى، بشرط أن لا ينزلوا بهذه الأمة جرائم التفرقة المخربة المبنية على العداء والعنصرية، كدأب الصهيونية في كل زمان ومكان.

وجاء الفتح الإسلامي إلى بلاد الشام بروجه السمحة لا ليعامل المسيحيين بالعنف كما أراد اليهود، وإنما ليسيطر التاريخ سمو هذه الدعوة وترفع العاملين على نشرها عن الأهواء والأحقاد والضغائن، ونحن لا نزال نذكر ما ورد في كتب المؤرخين من سمات هذه الروح الإسلامية، وعلى الأخص ما جاء في كتاب مجير الدين الحنبلي: من أن أهل بيت المقدس المسيحيين طلبوا أن تكون مصالحتهم على يد عمر بن الخطاب نفسه، لما سمعوا من عدله وعظم نفسه، فجاء إليهم وحرر لهم كتاباً سنة 16 هـ منهم فيه على أنفسهم جاء فيه: "أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من حدها ولا من صليبهم، ولا شيء من أموالهم ولا يكرهون على غير دينهم ولا يضار على أحد منهم" وشهد بذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان. ونحن لا نزال نذكر كيف أ، عمر بن الخطاب لما ذهب إلى بيت لحم ليشاهدها، وصادف أن حضرته الصلاة وهو في كنيسة القيامة، رفض أن يصلي داخل الكنيسة وقال للبطريك صفرونيوس: لا أريد أن أصلي داخل الكنيسة حتى لا يحتج المسلمون بذلك ليستولوا عليها قائلين: إن عمر قد صلى ها هنا.

ثم أتت موقعة صلا الدين وما حملت من نبل وكرم، تثبت بشهادة أعدائه أنفسهم، أن المسلمين مترفعون عن الضغائن، متسامحون في معاملتهم، إيجابيون في بناء المجتمعات القائمة على المحبة والتآخي.

ذكرياتنا في فلسطين

وإذا كانت هذه الصور المشرقة لمحات من تراثنا الإسلامي في فلسطين، فإن حقيقة هذا التراث، الذي ما زال اليهود إلى اليوم ينكرونه على العرب والمسلمين، إنما تمد إلى ما قبل ذلك، ونعني إلى معجزة الإسراء والمعراج، التي باتت تشكل بالنسبة إلينا تراثاً روحياً لا يمكن التخلي عنه لأنه بات جزءاً من كياننا الروحي كله.

إن كتب السيرة تذكر لنا كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات تلك الليلة عند ابنة عمته أم هاني، وصلى العشاء الآخرة ثم نام.. وها هي ذي أم هانيء تقول: "ولما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله فلما صلى الصبح وصلينا معه قال:  يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم قد صليت صلات الغداة معكم الآن كما ترين". وتذكر كتب السيرة أن الإسراء كان على ظهر البراق وهو على شكل حيوان غريب بجناحين كبيرين وقف بسيدنا محمد عند جبل سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام، ثم وقف به في بيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام، ثم انطلق به حتى بلغ بيت المقدس فصلى رسول الله على أطلال هيكل سليمان ومعه إبراهيم وموسى وعيسى، ثم أتى بالمعراج فارتكز النبي الكريم على صخرة يعقوب ومن هناك صعد سراعاً إلى السموات السبع. ومن أحاديث محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال في بيت المقدس (من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس).

وإذا كانت هذه الصورة هي الإشارة الأولى إلى تراثنا الإسلامي في فلسطين، فإن هناك صوراً أخرى بها تجمع خيوط التراث الذي أصبح اليوم منتهكاً مهاناً، يحتاج إلى من يصونه ويدفع عنه جريمة الطغاة وعبث العابثين في كل مدينة من مدن فلسطين القديمة، وفي حطين قبر للنبي شعيب، وفي مدينة الخليل مسجد إبراهيم الخليل، وفي غزة التي تعرف بغزة هاشم، قبر جد الرسول هاشم بن عبد مناف، وفي القدس مركز التراث فيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله بقوله« سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ » والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) .

واستمر الحكم الإسلامي في فلسطين يعزز هذا التراث حتى جاء الإفرنج ليغيروا معالم هذا التراث، وبقوا في بلاد الشام زهاء تسعين عاماً، عاد بعدها صلاح الدين بن أيوب ليطرد الإفرنج منها، ويعيد الحم العربي الإسلامي مع ما عرف به من نبل وشرف وتسامح.

محاولات الصهاينة وتحايلاتها

وبقي الحكم الإسلامي عزيزاً وبقي التراث الإسلامي كريماً في بلاد الشام وفي غير بلاد الشام، إلى أن بدأ الضعف يجب في جسم الدولة العثمانية، وبدأ الطامعون الاستعماريون يتحرشون حول تركة فلقد قال هرتزل: (إذ أعطانا جلالة السلطان فلسطين فإننا تنول حل مشاكل تركيا المالية حلا تاماً) ولقد رد السلطان عبد الحميد عليه في حزيران عام 1869: بأن الإمبراطورية التركية لا تخصني، ولكنها تخص الشعب، فلا أستطيع أن أوزع أي جزء منها. ليدخر اليهود ملياراتهم وعندما تتقسم الإمبراطورية فإنهم يستطيعون الحصول على فلسطين بدون بدل، إنما جثثنا فقط هي التي ستتقسم ولن أرضى مطلقاً بأن يشرح جسمنا ونحن أحياء.

 وإذا كان هذا الرف الإٌسلامي الأصيل قد اتخذ لنفسه إزاء المطامع الصهيونية الاستعمارية هذه الصورة من صور التعبير الصامد، إلا أن ذلك لم يكن كافياً بأي حال من الأحوال، للوقوف في وجه القوة الرأسمالية الاستعمارية، والمكائد الصهيونية التي بلغت ذروتها آنذاك.

ومما هو جدير بالذكر للتنبيه على استمرار الدس والوقيعة والتفرقة في السياسة اليهودية، أن الدعاية الصهيونية اعتمدت إلى جانب الأكاذيب التي اعتمدها على ادعاء التنافر بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية، وعلى تضخيم صورة هذا التنافر بشكل أصبح الاعتقاد فيه سائداً لدى دول الغرب، بأن هذا التنافر التاريخي لا يمكن تجاوزه نظراً للاختلاف الجوهري في العقائد، وما يستتبع ذلك من تفصيلات تعمق شقة الخلاف باستمرار بين هاتين الحضارتين.

وجاءت الدعاية الصهيونية هذه مع ما جاءت به من مزاعم الخبث والدهاء، لتزيد من تأجج نار الحقد الاستعماري والمطامع الاقتصادية في صدر الدول الغربية، وإذا كان وعد بلفور هو بمثابة القوة السنادية الاستعمارية الدافعة التي قذفت باليهود بشكل رسمي إلى فلسطين، فإن المساعدات المالية الهائلة والإمدادات العسكرية التي لم تعرف الحد، والتي اشتركت فيها كل من أميركا ودول أوروبا الغربية، كانت بمثابة حجر الثقل الذي مكن اليهود من عملية التملك في فلسطين، والبقاء فيها على حساب شعب عربي آمن، أجلي عن أرضه وممتلكاته قهراً وبقوة الحديد والنار.

الصهيونية والاستعمار

إن المتتبع لتاريخ الحروب الثلاثة في فلسطين أن يتبين من غير مشقة هذا الارتباط العضوي بين الصهيونية والاستعمار: فرائحة الأسلحة الفاسدة في حرب 1948 لا تزال تزكم الأنوف، والتحالف العدواني الثلاثي على أرض مصر 1956 ما زال ماثلاً بقسوة أمام ضمير العالم، بشكل  يفوق بكثير طاقتها الاقتصادية، ما زال يؤكد أن مستودعات الأسلحة في أميركا وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا كانت مفتوحة لحساب إسرائيل بكرم عجيب وسخاء مريب. إننا نقول هذا مع هذا الموقف المشرف الجديد الذي وقفة الجنرال ديغول منذ بداية حرب ال 67 حتى اليوم، من استنكاره للعدوان الصهيوني إلى رفضه الاحتلال الصهيوني إلى حجبه السلاح وقطع التبديل عن إسرائيل، إن هذا الموقف الذي حظي بتقدير كل عربي في هذه المنطقة، وكل منصف في العالم أجمع، ويظل بحاجة إلى تأكيد فرنسي يوماً بعد يوم، ولا سيما الرحلة التي أصبحت فيها القضية الفلسطينية، بشكلها الدولي على مستوى الدول الأربع، والذي سيكون لفرنسا فيه بجانب الاتحاد السوفييتي دور أساسي بترقية العرب والمسلمون باهتمام وجدية، ليبنوا على أساسه مستقبلا جديداً من العلاقات والمصالح الجديرة بالشعوب العزيزة الكريمة الحرة، وفي هذه المرحلة من الترقب العربي والإسلامي لحل أزمة  الشرق الأوسط تحت ضغط القوى العربية الثورية الذاتية، وفي ظل المقاومة الفلسطينية البطولية كم هو جدير بنا أن نتساءل عم احل بالتراث الإسلامي في فلسطين؟ لنجد الجواب في الإرهاب الصهيوني الذي تسوقه دولة الاستعمار الجديد كل يوم إلى العرب ومقدساتهم، بالرغم من مواقف الصمود البطولية، ومظاهرات الرفض التي يقوم بها أخوتنا، رجالاً ونساء في الأرض المحتلة، إن العسكرية الصهيونية النازية لم تتورع عن اتباع أقسى أنواع الاضطهاد والعسف في سبيل تحقيق غاياتها العدوانية في التوسع ومد السيطرة على الأرض العربية المحتلة.

فالتقارير الواردة من هناك تفيد أن العدو استمر في سياسة هدم البيوت والأحياء والقرى وتخريب الممتلكات والضغوط الاقتصادية، في الطرد والإجلاء للعرب، وفي الاستيطان لليهود، وسلب الممتلكات، وفي القتل والتعذيب الفرادي والجماعي وفي انتهاك المقدسات والاستيلاء عليها.

وإليكم أيها السادة بعض التفصيلات الرهيبة عن أعمال الإرهاب والعنف والتنكيل التي تمارسها السلطات الإسرائيلية مع المواطنين العرب والمسلمين في الأرض المحتلة، لنتبين مدى ما أصاب أمتنا وتراثنا على أيدي النازيين الجدد من خزي وعار ومهانة علنا نعتبر ونستفيد.

1- جرى إدخال فتيات عربيات سجينات عاريات على جنود الأعداء في القشلة في مدين القدس وذلك بتاريخ 20 – 10-1967.

2- أدخلت السجينتان المسلمتان الآنسة لطفية إبراهيم الهواري والسيدة عبله شفيق طه، وهي حامل في شهرها الثالث، في الأسبوع الأول من آب (أغسطس 1967) إلى غرفة المومسات في سجن الكوبية في القدس، فأصابهما من الضرب المبرح وقص الشعر والتعرية التامة على مرأى من الجيش وإطفاء السجائر في مواضع من الأجساد ما أفقدهما الرشد وأحالهما إلى مستشفى المنطقة.

3- بتاريخ 28-3-1968 وجه سماحة مفتي القدس الشيخ سعد الدين العلمي بالاشتراك مع المطران كيوس مطران طائفة الروم الكاثوليك، مذكرة إلى قناصل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتركيا وبلجيكا وإنكلترا بالقدس وتتضمن احتجاجاً على أعمال القتل والعدوان التي يلاقيها المواطنون العرب من السلطات الإسرائيلية.

4- قامت السلطات الإسرائيلية خلال تموز (يوليو) 1967 بهدم قرى بأكملها في منطقة اللطرون وسويت بالأرض تماماً، وترك أهلها من غير مأوى. وقد قامت السلطات الإسرائيلية بالعدوان نفسه بالنسبة إلى قرى كثيرة في مناطق أخرى ذكرتها الصحافة ووسائل الإعلام.

5- أصدر وزير المالية الإسرائيلي بتاريخ 18 نيسان (أبريل) 1968 قراراً يقضي باستملاك ما مساحته 1.160.000 متراً مربعاً من الأراضي الواقعة داخل أسوار مدينة القدس، وحيازتها حيازة فورية وتشتمل هذه الأراضي مع ما تشتمل عليه على ما يلي: مسجد المحارب – مسجد عثمان بن عفان – المسجد العمري – مسجد الخانقاه الفخرية – مسجد الشيخ عمر المجرد – دار القراء للمسلمين – مدرسة الخانقاه الفخرية وهي وقف القاضي فخر الدين منذ عام 1331 ميلادية ومدرسة دار الحديث الشريف وهي وقف الأمير شرف الدين  منذ عام 1267 ميلادية – والمدرية الطشتمارية التي بناها الأمير طشتمر عام 1382 ميلادية

6- درب جريدة الجيروزلم بوست الإسرائيلية في عددها الصادر بتاريخ 3-2-65 أن عددا من العرب المقيمين في إسرائيل، بعث بمذكرة إلى الحكومة طلب فيها: " أن تعيد إسرائيل المساجد المصادرة إلى المسلمين وأن تخلي بعضها من المقاهي والمواقع الخسيسة التي أقيمت فيها" ذلك أن السلطات اليهودية قد سمحت باستيلاء اليهود على الجوامع فاستولوا عليها وحولوا مسجد حطين إلى إسطبل للبغال، ومسجد قرية الزيت إلى حانة، ومسجد قرية عين حوض إلى ستوديو تصوير، ومسجد صغير إلى معرض رسم!!

7- في النسخ المدرسية من القرآن الكريم التي تدرس العربية داخل فلسطين وفي الأرض المحتلة حذفت وألغت السلطات الإسرائيلية قبل حرب حزيران وبعدها عدة آيات من مختلف سور القرآن الكريم وهي الآيات التي تدعو الجهاد والتبشير بالدعوة الإسلامية وانتصارها.

8- حين احتل الإسرائيليون الضفة الغربية وغزة قاموا على الفور بإلغاء عدة فصول من الكتب المدرسية العربية في التاريخ والتربية الوطنية، من بينها كل الدروس المتعلقة بالثورة الجزائرية، وثورة اليمن وكذلك كل الدروس المتعلقة بحروب صلاح الدين الأيوبي ضد الغزو الإفرنجي.

9- نشرت جريدة الجروزلم بوست في عددها الصادر بتاريخ 8/8/1967 تحت عنوان "الحاجة إلى تخلية 82 متراً مربعاً آخر من ساحة حائط البراق" خبراً عن عزم السلطة الاسرائيلية على الإستيلاء على مساحات من ساحة المسجد الأقصى والاستيلاء على حائط البراق وإقامة كنيس يهودي ضمن ساحة المسجد.

10- قامت فئة من اليهود يوم الإثنين الواقع في 23/9/1968 بالاعتداء على الحرم الإبراهيمي في الخليل بأن أدت الشعائر الدينية في الحرم.

11- في أوائل آب (أغسطس) 1967 صادرت السلطات الإسرائيلية مفاتيح أبواب المسجد الأقصى وفتحته للزوار  اليهود الذين  راحوا يدخلون إلى المسجد أثناء الصلاة  ويتعمدون التشويش على المصلين، وفي 15 من الشهر نفسه صعد كبير حاخام الجيش الاسرائيلي مع جنود حرسه ويهود آخرين إلى صحن مسجد قبة الصخرة المشرفة في أردية دينية ومعهم كتب الصلاة وأقاموا صلاتهم، التي استمرت ساعتين في داخل الحرم القدسي الشريف.. وأعلن المسؤولون الإسرائيليون بعد ذلك أن هذا الحرم هو ملك لليهود وسوف يبنون على أنقاضه عاجلاً أم آجلاً هيكل سليمان.

12- وفي المذكرة الاحتجاجية التي قدمها زعماء الضفة الغربية المسلمون إلى السلطات الإسرائيلية حول ضم القدس للأراضي المحتلة جاء ما يلي:
إننا نلاحظ أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية أخذت تتدخل تدخلاً غير مشروع، ومخالف لأحكام الدين الإسلامي في شؤون المسلمين وفيما يلي جانب من هذا التدخل:

أ‌- مراقبة وزارة الأديان في إسرائيل لخطبة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى بالقدس وقيام الوزارة بحذف كثير من فقرات الخطبة بما في ذلك آيات من القرآن الكريم.

ب‌- إدخال الزوار الإسرائيليون من الرجال والنساء إلى المسجد الأقصى بحالة غير محتشمة تتعارض مع أصول الدين والتقاليد العربية والإسلامية.

ج- هدم مسجدين إسلاميين من ضمن المغاربة بالقدس الذي هدمته السلطات الإسرائيلية، علماً بأن هذا الحي بأكمله من الأوقاف الإسلامية.
د- التعدي على الحرم الإبراهيمي بالخليل وإغلاقه أمام المسلمين أيام الأسبوع فيما عدا ساعات قليلة أيام الجمعة، مع فتحه أمام الإسرائيليين طيلة أيام الأسبوع لممارسة طقوس فيه تتعارض مع أحكام الدين الإسلامي.
هـ- تدخل وزارة الأديان الإسرائيلية في شؤون الأوقاف الإسلامية.
و- الاستيلاء على الأرض الوقفية المعروفة بأرض (الناظر( الواقعة في طريق الطور بالقدس والتصرف بها دون علم الأوقاف خلافاً لمصلحة الوقف.
ز- محاولة وزارة الأديان الإسرائيلية التدخل في شؤون المحاكم الشرعية بما فيها محكمة الاستئناف الشرعية بالقدس.

أما ما جاء في الفقرة (جـ) أيها السادة من إشارة إلى هدم حي المغاربة الكائن ببيت المقدس فإنني أحب أن أعطيه مزيداً من الإيضاح والتفصيل: لنتبين معاً مدى التعسف الإسرائيلي بالممتلكات الإسلامية والتراث الإسلامي والمواطنين المسلمين:

ففي خلال يومي 10 و 11 – 6 – 1967 أجليت عائلات تسكن الدور التابعة لهذا الوقف وخلال الأيام التالية جرى هدم الدور والمباني والمساجد ونتج عن ذلك تشريد 650 شخصاً فيهم الأطفال والنساء والشيوخ.

وقد جاء في بيان السيد روحي الخطيب أمين القدس العام أمام مجلس الأمن الدولي والمؤرخ في أيار (مايو) 1968 في وصف هذا العمل التعسفي ما يلي:
"بدأت السلطات الإسرائيلية بعد انقضاء الأسبوع الأول للاحتلال بحملة جديدة ضد المساكن والسكان في حي المغاربة، هذا الحي الذي تملكه الجماعات الإسلامية من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وجرفت بها مائة وخمسة وثلاثين منزلاً من الوقف الإسلامي الصحيح الذي اشتهر باسم ذلك الشيخ المسلم التقي بو مدين الغوث. لقد هدمت المنازل وأزيلت معالمها خلال يومين، عندما كان منع التجول مفروضاً على المدينة لمدة ثماني عشرة ساعة، ولم يعط أولئك السكان الفقراء ساعتين أو ثلاث للنزوح عن حيهم.

ولقد أصيب هؤلاء السكان بالذهول ولم تمكن غالبيتهم من إنقاذ متاعهم سوى ما استطاعوا حمله على مناكبهم، إذا لم يكن لهم أطفال آثروا إنقاذهم بدل المتاع،وتفرق المواطنون الذاهلون في الأزقة والطرق المجاورة، ولجأ بعضهم إلى القرى المجاورة وجرى هدم مسجدين صغيرين ضمن مجموعة الأبنية التي هدمت.

إن مأساة التراث الإسلامي في العدوان على وقف "أبو مدين" أكثر مما تجلى ونحن ننظر إلى ما آلت إليه الحال في هذه الروح الإسلامية الصافية التي تميز بها هذا الزاهد العابد "أبو مدين شعيب بن سيدنا الشيخ أبي عبد الله محمد بن الشيخ أبي مدين شعيب المغربي العثماني المالكي" رحمه الله، هذه الروح الإسلامية النقية التي أكد فيها الواقف الكريم، عندما حرر وثيقة الوقف في العشرين من رمضان المبارك سنة 720 للهجرة على ارتباط المغرب العربي المسلم بالأرض المقدسة الشريفة وبشعائر الدين الحنيف، فذكر أن من شروط الواقف على المتولي: عمل الخيرات وإقامة الشعائر الدينية وتلاوة الفاتحة مرات عدة من قبل كل مستفيد من خيرات الوقف على أن تهدى التلاوة إلى روح الرسول الكريم محمد صلاة الله وسلامه عليه.

ولقد جاء في كتاب الوقف ما يلي: "يؤكد على ضرورة أن يكون هذا الوقف وقفاً صحيحاً شرعياً قاطعاً صريحاً مرعياً وحبساً دائماً سرمدياً وصدقة جارية ومعروفاً مؤكداً وسبيلا خالصاً لأهله مؤبداً، والمستحقين على الدوام، وقفاً عليهم ولهم مرصداً محرما بحرمات الله العظيم ابتغاء لوجهه الكريم، وطلبا لثوابه العميم يوم يجزي الله المتصدقين، لا يباع ذلك ولا شيء منه ولا من حقوقه ولا من حدوده، ولا يملك أو ينقض ولا يحل عقد من عقوده ولا يرجع هذا الوقف لغير أهله ولا يعود على غيرهم ولا يتبدل، محفوظاً على شروطه المبينة، لا يبطله  تقادم  دهر ولا يوهنه اختلاف عصر، كلما مر عليه زمان أكده، وكلما أتى عليه أوان بينه وسدده، أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين".

أيها السادة:
إن هذا الوجود التراثي الإسلامي الخير الذي عمر في أرضنا الطيبة الشريفة الطاهرة زهاء سبعمائة من السنين زال في أقل من سبع ساعات ظلماً وبغياً وعدواناً!!!

وإذا كانت المسؤولية في كل ما آلت إليه أحوال تراثنا الإسلامي في فلسطين تقع على عاتق الصهيونية وأداتها الاستعمار الغربي، ونحن هنا لا نجد فرقاً في النتيجة بين القضيتين، نقول: إنه إذ كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز على الإطلاق، أن نعفي أنفسنا كمسلمين من مسؤولية الوصول إلى هذه النتائج من الخذلان والتقهقر.

لقد قامت الثورة المصرية لتعلن في دستورها أن دين الدولة هو الإسلام، وراحت إلى جانب التركيز على هذا الجانب في الدعوة إلى العمل الموحد، تركز من جانب آخر على الدعوة العربية القومية التي تجمع بين المشرق العربي ومغربه، داعية إلى التحرر من الاستعمار والى شتى أشكال التحرر الداخلي والخارجي، ورأى العالم العربي بشعوبه التي عانت الكثير من ألوان التأخر  والشظف، الأمل الكبير يتمثل في هذه الثورة المصرية الجديدة، فتعلقت الشعوب المتوثبة بهذه الثورة، وكان تعلق الشعوب العربية هذا بمثابة إشارة الخطر التي أحس بها الاستعمار في قلب المنطقة العربية، وكان كسر مصر لاحتكار السلاح السبب الرئيسي الذي دفع الاستعمار إلى انتهاج سياسة خلق التوازن في القوى في هذه المنطقة، من أجل ذلك كان حلف بغداد، واتخذ هذا الحلف له صفة العمل الإسلامي للوقوف في وجه الثورة التحررية الجديدة في مصر بالرغم من أن هذه كانت قد أعلنت في دستورها أن دين الدولة هو الإسلام.
إن اليهود الذين استطاعوا أن يوظفوا الخلافات التي كانت سائدة بين الأوس والخزرج في صدر الإسلام لن يتورعوا عن طريق أحفادهم الصهاينة عن توظيف الخلافات العربية والإسلامية في تاريخنا المعاصر لصالحهم كذلك.

إن دول المنطقة العربية وشعوبها مدعوة – في هذه المرحلة – إلى رفض كل سياسة من شأنها أن تقسم الوجود العربي والإسلامي إلى معسكرات يتربص بعضها بالبعض الآخر، إن نار القضية الفلسطينية هي السبب الرئيسي والضروري لإذابة جليد التناقضات العربية والإسلامية في هذه المنطقة من العالم.
إن علينا جمع شملنا، ولأم جروحنا، وإخفاء خلافاتنا، وتناسي أسباب الفرقة والنزاع، وتوحد الأمة العربية صفاً واحداً وقلباً واحداً لتضمن النصر المبين بفضل الله.

واجب العرب والمسلمين الآن

على ضوء هذا الواقع أرى أنه أصبح من الضروري في سبيل اعتماد النقاط التالية:

أولاً: تناسي التناقضات والخلافات العربية والإسلامية في الظروف الراهنة.

ثانياً: العمل على تعايش الكيانات العربية والإسلامية في ظل من التكامل الاقتصادي والعسكري تجاه إسرائيل.

ثالثا: إتباع سياسة خارجية موحدة يحكمها منطق الحق العربي في فلسطين.

وبعد أيها السادة:
فإن نظرية "تكامل النظريات" التي ندعو إليها في هذا الظرف الإسلامي والعربي الراهن، ليست في الحقيقة إلا محصلة واقع خطير نعيشه اليوم بكل جوانبه، إزاء التحدي الصهيوني المتربص بنا في قلب وجودنا وكياننا: ذلك أن الصهيونية أو العنصرية اليهودية الجديدة ليست معادية للإسلام فحسب، كما أنها ليست مناوئة للوحدة العربية فحسب، كما أنها لا تقف في وجه تحررنا الاقتصادي والطبقي فحسب، إنما هي تقف في مواجهة هذه التحديات الثلاثة مرة واحدة لا تفرق بينهما على الإطلاق لا نوعاً ولا درجة.

ولست أرى كالفداء موفقاً عملياً قوياً يعزز موقفنا السياسي داخلياً وخارجياً ويصون مهابتنا أمام أنفسنا وأمام الناس إن الحركات الفدائية في نظري نار تصهر ونور يضيء:

أما نارها المحرقة فقد استطاعت وحدها حتى الآن أن تذيب في أتون المعركة على أرضنا المحتلة وجوه التناقض بين تلك الإيديولوجيات المتصارعة على أرضنا.

وأما نورها الساطع الوهاج فقد سلط شعاعه على متاهات الجدل وحروب الكلام فكشف سقمها وفضح عقمها وحولها مقدساً وجهاداً مبروراً.

لقد كنا أحياناً قبل النكسة وأصبحنا غالباً بعد النكسة نتساءل: أي الحربين النظامية أم الشعبية أضمن نتيجة وأظفر عاقبة وأكثر انسجاماً مع واقعنا المرير؟

فما أخرجنا من تساؤلنا وما أنقذنا من حيرتنا إلا حركات الفدائيين الموفقة تعصف عصفاً وتقصف قصفاً وتقذف الموت في وجه العدو قذفاً.

إن الفدائيين الأبرار الصامدين في خط النار يسقون بدمائهم الزكية أرض الآباء والأجداد، وينتزعون للأمة العربية أسمى آيات التقدير والإجلال، ويلقون في قلوب الصهاينة من الذعر والرعب ما لم تستطع أن تفعل مصله جيوش منظمة.

ولعل أهم ما في الحركات الفدائية أنها أعادت إلى الشعب الفلسطيني البطل حقه الأساسي في وض المعركة مباشرة مع العدو الصهيوني، وهو الحق الذي حرم منه منذ عام 1948، وليجرن هذا الحق – بعون الله وتأييده – الشعب الفلسطيني كله إلى الانخراط في المقاومة الشعبية الكاملة التي تخشى الصهاينة أشد ما يخشون أن تتحول في الشرق الأوسط جزائر ثانية تنتزع الحق العربي انتزاعاً.

وكما حطمت الحركات الفدائية هذا الطوق الذي كان يحول بين الشعب العربي الفلسطيني وبين ممارسة حقه في قضية المصير... ستتمكن من تحطيم أطواق أعسر وأخطر مدى. أطواق الخرافات والأوهام التي ما تبرح تؤكد أن علينا كي نخوض المعركة أن نرقب تفوقنا العسكري وإلا فلا عمل ولا جهاد ولا نضال.

إن على المسلمين والعرب حكاماً ومحكومين أن يعدوا العدة التي أمر الله بها: « وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ». وحينئذ سيعود للعرب والمسلمين مجدهم وكرامتهم وستحرر – بفضل الله – فلسطين فقد ضمن الله سبحانه للمؤمنين المخلصين والمسلمين العاملين  النصر والغلبة: إن هم تمسكوا بهديه واعتصموا بدينه وساروا على تعاليمه: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ »  وقوله تعالى: « وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » فإذا نصرنا الله فلن يخذلنا وإن عصيناه واتبعنا غير تعاليمه أذلنا وأسلمنا إلى أنفسنا وإلى الشيطان «إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ».

والسلام عليكم ورحمة الله

 

   القسم السابق رجوع   

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة