إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 27
السبت 18 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : موقف النبي من الديانات الثلاث الوثنية واليهودية والنصرانية - 1-
التاريخ : 1980-02-10
المرجع : الفكر الإسلامي – السنة العاشرة – العدد الثاني – ربيع الثاني 1401 هـ / شباط 1981

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود
الخيص لأعمال اليهود ومواقفهم من الرسول والإسلام 
اضطهاد اليهود والرومان للمسيحية 
انتقال العدواة إلى أتباع عيسى عليه السلام
تشويه المسيحية بالوثنية  
وصولها إلى الجزيرة العربية
دخول النصرانية إليها عن طريق الرقيق
ظهورها في مكة والمدينة 
خديجة وبعض هؤلاء 
أبو طالب مع بحيرا 
بعض من تنصر وقرأ الإنجيل من العرب 
رسول الله ودسيسة المشتركين
المستشرقون وهذه القرية
وجود النصرانية والنصارى في الجزيرة
حادثة الأخدود 
بداية الموقف من النصرانية 
هجرة الحبشة 
تاريخ هذه الهجرة
عقيدة أهل الحبشة
الحكمة من اختيار الهجرة إليه 
إسلام النجاشي
موقف النبي والمؤمنين من الروم 
رهان أبي بكر
انفتاح الإسلام على الأفضل
موقف المخلصين من أهل الكتاب 
تعميم الدعوة 
موقف هرقل
موقف ملوك النصارى من كتب الرسل لأول وهلة 
الفرق بين موقع النصارى من النبي وموقع اليهود 
وفد نجران
العقيدة النصرانية  
امتناع وفد نجران من المباهلة 
الهوى وفعله في الإصرار على الباطل
بدء الصراع مع النصرانية  
لماذا أمر الرسول بإجلاء اليهود والنصارى 
تحرك الروم
الإسلام والنصارنية

ذات يوم تعدت جماعة من بني قينقاع على امرأة مسلمة وأوشكوا ان يهتكوا سترها فاستنجدت ببعض المسلمين ، وكانت واقعة بني قينقاع المشهورة حيث أرسل الرسول بجيش حاصرهم خمسة عشر يوماً نزلوا في نهايتها على حكمه صلى الله عليه وسلم ، ولكن تشفع بهم رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول وألح إلحاحاً شديداً في ذلك حتى اضطر معه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النزول على شفاعته فعفا عنهم واكتفى بإجلائهم عن منازلهن إلى اذرعات في الشام ، وفي هؤلاء نزل قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ » إلى قوله تعالى: « وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » .

ونقض بنو النضير عهدهم وحاولوا قتله صلى الله عليه وسلم وذلك بتثبيت العزم على إلقاء صخرة عليه ، فأنقذه منهم جبريل عليه السلام الذي أخبره بصنيعهم وقد حاصرهم أيضاً رسول الله حتى استسلموا ورضوا بأن يجلوا عن المدينة لا يحملون معهم إلا ما تحمله إبلهم من أموال ما عدا الدروع، فجلوا إلى خيبر ثم سار بعضهم إلى الشام ، وفي هذه الغزوة نزلت سورة الحشر بكاملها...

وكذلك فعل بنو قريظة الذين تآمروا على النبي مع قريش رغم عهدهم وذلك في وقعة الأحزاب فحاربهم الرسول بعد انتهاء وقعة الأحزاب ، ولم يقبل أن يكون جزاؤهم إلا القتل للرجال والسبي للذراري والنساء وتقسيم الأموال ، وفي هذه الغزوة نزلت سورة الأحزاب.

ولم تكن خيبر ووادي القرى وتيماء وفدك أقل إيذاء للرسول وتعدياً عليه وعلى أصحابه وتصدياً لدعوته واستهزاء بها من السابقين ولذلك لم يكن بد من تتبعهم جميعاً مرحلة بعد أخرى بغزوات عسكرية منظمة انتهت كلها بنصر المؤمنين وهزيمة اليهود وكسر شكيمتهم واستئصال شافتهم.

لقد بالغ هؤلاء اليهود في عداوتهم للإسلام ولمحمد عليه السلام وللحق فاتبعوا أهواءهم واستجابوا لأحقادهم وحسدهم 0 وتجاوزوا كل حد واعتبار. وكل معنى وقيمة ، ولم يبالوا بأية عقيدة أو دين ، ووصل بهم الأمر أن مالاؤا كما رأينا سابقاً الوثنيين ضده . بل مالاؤا مدعي النبوة والكذابين أمثال طلحة بن خويلد الأسدي والأسود العنسي.

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود

من الاطلاع على ما تقدم يتبين لنا مدى ما انغرز في نفس اليهود عامة من كره لغيرهم ورفض لكل خير أو حق أو علم يكون من سواهم وحقد أسود ينبعث من قلوب قدت من الصخور على أية جهة تدعى من دونها تعليم الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم .

كما ظهر لنا بالتالي بوضوح في الوقائع التي أدرجناها عمق غرور أنفسهم وكبرها  وتجلي حقدها على محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته الجديدة ، ورفضها الإصغاء لأية كلمة حق  والإستجابة لأية دعوى خيرة ذلك ان قلوبهم كما وصفوها كانت غلفاً ، وفي آذانهم وقر ، وعلى أبصارهم غشاوة وفي نفوسهم مرض.
وقد تجلى لنا من خلال ما نقلناه عنهم من فكر ووقائع وأخبار ما كان للرسول صلى الله عليه وسلم بتوجيه من الوحي العظيم من موقف تجاه هذه الطغام من البشر . ولكن مع ذلك فلا مندوحة من استعراض ذلك في حديث خاص به.

تلخيص لأعمال اليهود ومواقفهم من الرسول والإسلام

قد استهزأوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وشهروا به وجندوا له من أبنائهم وأتباعهم من يتفرغ لذلك واستهزأوا بالإسلام ، وهددوا المسلمين بقتالهم بعد غزوة بدر وفشلوا المعاهدة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم معهم ، وحاولوا شل حركته وقوته الفكرية والجسدية باستخدام كل الوسائل الظاهرة والباطنة حتى السحر ، كما حاولوا قتله بمختلف الوسائل ولكن حفظه الله تعالى من كيدهم  ، ثم نقضوا العهد ، وآذوا المسلمين اقتصادياً ، فجربوا كل الوسائل لإحتكار السلع بل والماء حتى كان أحدهم يبيع ماء بئر رومه للمسلمين الأمر الذي اضطر النبي لشرائها فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه ووهبها للمسلمين ، وعملوا جهاراً وخفاءً لتفريق وتفتيت جمع المسلمين ووحدتهم بإثارة دعاوى الجاهلية فيهم ولكن باؤوا بالفشل المبين بفضل الوحي الذي كان يتابع واقع المسلمين ويعزز وجودهم ، وتآمروا مع المشركين ضد النبي صلى الله عليه وسلم ونسوا أنهم أهل كتاب واتباع نبي.

كان كل ذلك منهم وغيره مما يجوز أن نكون قد غفلنا عنه في هذا البحث المختصر فماذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان تصديه له ؟

لا بد من التذكير بأننا عندما نذكر موقف الرسول صلى الله عليه وسلم نعني هنا بالغالب موقف الإسلام أي موقف الوحي الذي كانت ناصية الرسالة بيده ، ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من مكة مهاجراً بإذن الله تبارك وتعالى ومحفوظاً بعين رعايته وعنايته بكل الامدادات الأدبية والمادية التي يفتقر إليها .

فهو إذن لم يدخل المدنية إلا وكانت نفسه مهيأة تماماً لتحمل مسؤولياته فيها سواء كان في مواجهة اليهود خاصة أو مواجهة جميع سكان المدينة عامة ، ولقد كان من أهم ما شحنه به الوحي الكريم من ميزات ومشخصات لتحمل المسؤولية صفة الصبر وتوطين النفس لتلقي الكثير من الأذى والعنت ، والسلوك المنهجي الحكيم المميز بالمعاملة الحسنة لكسب المناوئين والمخالفين يقول تعالى : « صْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ » ويقول : «وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ » ويقول : « لَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ».

 ومن هنا كان تصدي الرسول صلى الله عليه وسلم للعدوان اليهودي ومكرهم ولاراجيفهم وحقدهم ونفاقهم تصدي المتمكن الواثق، العليم الخبير الذي لا يؤخذ على غرة أو غفلة أو من ضعف وكان تصرفه تصرف المالك لزمام أمره الذي لا يظلم ولا ينحرف ولا يزل ولا يجهل.

ولقد كان من مقتضى الحكمة الرائدة الهادية المهدية أن يتحمل الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرونة واللين وسعة الصدر والتحمل ، آملاً بتوفير الأجواء الصالحة لهؤلاء اليهود ومن انجرف معهم علهم يرشدون ويهتدون وبالتالي إذا لم يشاؤوا ذلك يقيم الحجة عليهم فيأخذهم بحق وينال منهم بعدل. حتى إذا ما اذن الله تعالى له بقتال المعتدين واجه ذلك مع اتباعه دون أن يكون قد تجاوز الحدود .

ولقد كشف الوحي الشريف بالإضافة إلى ما سبق ، سواء كان عن طريق القرآن أو الحديث النبوي ما انطوت عليه العقيدة اليهودية من زيف وتحريف وما اتسمت به من ضلال ووثنية كما كشف ما انطوت عليه النفس اليهودية من عنصرية وغرور ونفاق وأثره ونبه إلى خطر كل هذه الأمور على الجماعة الإنسانية بشكل عام والمسلمة بشكل خاص ، وان مراحل التعامل معهم التي تعرضنا للفت النظر إلى طرف منها فيما سبق لنوضح خذه الحقيقة بجلاء.

ولقد كان من سأم الرسول صلى الله عليه وسلم ويأسه من هؤلاء ومن أن تنزل الدعوة الصالحة من نفوسهم منزل الرضى والقبول أو أن يتحقق معهم قدر ولو ضئيل من التعاون والتفاهم يصلح معه التعايش، ان أعلن بحزم قاطع غضب الله عليهم ولعنته اياهم ، ونهيه المؤمنين عن مناصرتهم ومناصحتهم فقال تعالى: « أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ». وقال « ضرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ».

هؤلاء الذين عصوا الله في الماضي ولا يزالون الأنبياء بغير حق واعتدوا على حدوده ومحارمه ، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً وقابلوا تذكيرات الله تعالى ووصاياه وتحذيراته بقلوب هي كالحجارة أو أشد قسوة ، لا تخشع ولا تلين ولا ترتدع حتى قال فيهم تبارك وتعالى « ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ».

فلا عجب أن يأخذ الرسول منهم أشد المواقف أخيراً وبعد طول علاج وصبر ، وأن يطردهم نهائياً من الجزيرة العربية لتسلم للمسلمين وحدهم ولتنجوا من فكرهم وكيدهم وعبثهم وتلاعبهم بالحق ، روى الإمام أحمد عن أبي عبيدة بن الجراح قال : آخر ما تكلم به رسول الله قال : «اخرجوا يهود أهل الحجاز ونصارى نجران من جزيرة العرب ».

وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لاخرجن اليهود والنصاري من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً » بل انه ليبدوا لنا اليوم وفي هذا العصر الذي نعيش فيه ومن خلال تجاربنا الحديثة مع هؤلاء ان كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من أنزل العقاب سواء كان على صعيد الأفراد الذين تطرفوا في إيذائه وأيذاء المسلمين أو على صعيد الجماعة انه كان في ومحله ، بل دون ما يستحقون أحياناً آخذ بمبدأ « مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ » « لَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ »

لقد سلك صلى الله عليه وسلم مع اليهود كل سبيل للتفاهم والتعاون واستنجد بكل اسلوب ، ولم يبادر إلى اتخاذ اي موقف حاسم معهم إلا بعد أن أصبح عدم اتخاذه سينقلب عليه وعلى دعوته ، ولكنهم رغم ذلك لم ينتهوا ولم يراعوا بل ازداد طمعهم فيه وتابعوا تنفيذ خطة الحقد والتآمر والكيد والعدوان وذهبوا على التاريخ يلعبون بالأدوار تلو الأدوار لقتل عظيم في الإسلام أو لنسف كيان أو لتفريق جمع أو لنشر فتنة أو لدس فكرة خبيثة أو خبر كاذب.

ويقول المؤرخون أن كعب الأحبار هو الذي تآمر على قتل عمر رضي الله عنه وأن عبد الله بن سبأ هو الذي فرق المسلمين إلى سنة وشيعة وطوائف متعددة بما بثه فيهم من فكر وثني وشعوبي وما زينه لهم من مفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان ،  واليهود بالإجمال هم الذين بعثوا الحركة الصليبية في أوروبا وجيشوا جيوشها وأثاروا حفاظ الناس فيها حتى كان منها ما كان من بلاء ومحن على الشرق العربي خاصة وبلاد الإسلام والإنسانية عامة، حتى انتهوا أخيراً إلى محنة فلسطين التي لا تزال تكوي بلهيبها وتصلي بنارها .

فهل سيستمر يا ترى هذا البلاء وتتلاحق فتنته ، أم أن الله تعالى سيهدي قومنا ويجمع شملهم ويوقظ قلوبهم ويوقد النفوس بحراة الإيمان والإخلاص ويكون منهم الموقف الحاسم الكريم العزيز؟

اضطهاد اليهود والرومان للمسيحية

ما كان يمضي على مبعث عيسى عليه الصلام إلى بني إسرائيل وقت طويل حتى انبرت له اليهود بصلفها وغرورها ومكرها ، واجتهدت تدس عليه الدسائس للإيقاع به لدى السلطات الرومانية إذ ذاك ، حتى نجحت وأصدر الحاكم الروماني حكمه بصلبه ، ولكن الله تعالى أنقذه في الوقت المناسب إذ القى شبهه على أحد الذين تآمروا عليه فقبض عليه وصلب ورفع الله تعالى عيس عليه السلام إليه ولم يمكن عدوه منه فلم يصلبه ولم يقتله ولكن شبه به .

انتقال العدواة إلى أتباع عيسى عليه السلام

وفي أثر ذلك انتقلت هذه العدواة إلى أتباعه والمؤمنين به ، وانتقل إليهم معها التعذيب والتنكيل حتى اضطروا لأن يسيحوا في الأرض بحثاً عن النجاة والأمان . فوجد أكثرهم في رؤوس الجبال وبطون الأودية وأعماق الصحارى ملاذاً لهم يعوذون به من جبروت الحكام الرومانيين  وظلمهم .

تشويه المسيحية بالوثنية

ولم يكد يمضي على ذلك ثلاثة قرون حتى كان قد اندس إلى تعاليم عيسى عليه السلام بفعل الفلسفة الشائعة إذ ذاك والتي كان أحد أركانها أمينوس وأفلوطين ثم بفعل التنظيم الثالوثي في الوثنية القديمة لدولة الرومان كثير من الصوفية الهندية والوثنية الرومانية ، والتعاليم البوذية والبرهمية وشوهت جمالها وعكرت صفاءها وطمست ضياءها ولبست الحق فيها بالباطل...

وصولها إلى الجزيرة العربية

ولقد كانت الجزيرة العربية احدى المعاقل التي لجأ إليها بعض الفارين بدينهم من أولئك النصارى المعذبين ، فنقلوا بعض أبنائها عقيدتهم وتعاليمها ، وكان مع الزمن انتشار النصرانية في أطرافها.

دخول النصرانية إليها عن طريق الرقيق

ولقد كان دخول النصرانية أيضاً إلى الجزيرة العربية عن طريق تجارة الرقيق الأبيض والأسود من أفريقيا والإمبراطورية الرومانية والصقالبة والجرمان من الجنسين ذكوراً واناثاُ حتى تنصر من العرب قبائل عديدة ذكر منهم بعض المؤرخين قبائل غسان وتنوخ ولخم وخزام وسليخ وعاملة وغيرها.

ظهورها في مكة والمدينة

وكان للمدينة ومكة من هؤلاء النصارى الوافدين نصيب وكان منهم من يلقن تعاليمه ومعتقداته إلى من حوله خصوصاً وانه قد ثبت أن بعضهم تعلم العربية وتروض على النطق بها وان كان قد ظل الأكثرون منهم يرطنون أو يتلعثمون لدى التعبير بها .

خديجة وبعض هؤلاء

وقد نقل السهيلي ان السيدة خديجة كانت تسمى الطاهرة في الجاهلية والإسلام ، وإنها كانت تسمى سيدة قريش وان النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبرها عن جبريل ولم تكن سمعت باسمه قط ركبت إلى بحيرا الراهب واسمه سرجس فيما ذكر المسعودي عن جبريل فقال : قدوس... قدوس ... يا سيدة نساء قريش اني لك بهذا الإسم ؟ فقالت بعلي وابن عمي محمد اخبرني أنه يأتيه فقال قدوس  ... ما علم به إلا نبي مقرب ، فإنه السفير بين الله وبين أنبيائه ، وأن الشيطان لا يجترىء ان يتمثل به ولا أن يتسمى باسمه ، وروي في مكان آخر ان هذا الراهب ليس بحيرا وإنما هو نسطوراً وهو الذي لقبه ميسره ، وورد أنه كان بمكة غلام لعتبة بن ربيعة اسمه عداس كان عنده علم الكتاب وان خديجة أرسلت إليه تسأله عن جبريل فقال: قدوس ، قدوس ، اني لهذه البلاد أن يذكر فيها جبريل يا سيدة قريش فأخبرته بما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فقال عداس مثل مقالة الراهب فكان مما زادها الله تعالى به إيماناً ويقيناً .

أبو طالب مع بحيرا

ونقل أيضاً أن أبا طالب سافر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع سنين أو اثنتي عشرة سنة إلى الشام ومر في طريقه على بصرى ، ونزل على الراهب بحيرا الذي أخبره بأن ابن أخيه يكون له شأن عظيم وطلب إليه أن يحذر عليه اليهود .


بعض من تنصر وقرأ الإنجيل من العرب

وذكر المسعودي أسماء عدد ممن تنصر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من العرب ، فنذكر منهم ورقة بن نوفل وصيرمه ابن أبي أنس ، وابا عامر الأوسي وعبد الله بن جحش ، ومن هؤلاء من مات قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ومنهم من مات عنده ، مثل عبد الله بن جحش الأسدي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وقد مات عنها في الحبشة وتزوجها من بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زوجه إياها النجاشي ملك الحبشة وأمهرها عنه أربعمائة دينار .

رسول الله ودسيسة المشتركين

وروى البعض أن أغلب الرقيق الأبيض الذي كان في مكة ، كان على النصرانية وانه كان فيهم من تعلم العربية ونطق بها ، كما كان فيهم من لم يفقهها ، وقال ابن هشام ان رسول الله كان كثيراً ما يجلس عند المروة إلى مبيعه غلام نصراني يقال له جبر عبد لنبي الحضرمي وكانوا يقولون : « والله ما يعلم محمد كثيراً مما يأتي به الأحبر النصراني » فأنزل الله تعالى : « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ».

 والواقع هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتردد على هذا الغلام لما كان يستأنس ببعض ما لديه من عقيدة آملاً باقناعه باعتناق الإسلام .

وقد أشارت بعض كتب السير إلى غلام آخر بمكة اسمه بلعام وكان قينا ،  وذكرت ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليه ويخرج من عنده ، فقال المشركون انه كان صلى الله عليه وسلم يتعلم منه ، وقيل أن ذلك الرجل الذي قال أهل مكة ان الرسول كان يتعمل منه اسمه أبو اليسر وكان نصرانياً .

وقد ورد في كتاب الإصابة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم بمكة قينا اسمه بلعام وكان أعجمي اللسان ، فكان المشركون يرون الرسول يدخل عليه ويخرج من عنده ، فقالوا إنما يتعلم من بلعام .

المستشرقون وهذه القرية

ولقد استغل هذه الأخبار المنشورة في كتب السيرة بعض المستشرقين المغرضين فتعلقوا بها ونشطوا في الترويج لها ونفش مضمونها والدس من خلالها حتى خرجوا بها عما تحمله ، وقد بالغوا كثيراً فيها ، واعتمدوها للإثبات بأن محمداً مفتر وأنه أخذ كتابه ودينه عن أمثال هؤلاء .

وقد قال جولد تسيهر في أكثر من موضع من كتابه العقيدة والشريعة في الإسلام ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى رحمه الله ( وقد ساهم في تكوين عناصر هذه المذاهب ، يعني الإسلامية ، الدين اليهودي والدين المسيحي على حد سواء) ويقول : فتبشير النبي العربي ليس إلا مزجاً منتخباً من معارف وآراء دينية عرفها واستقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية ... وهذه التعاليم التي أخذها عن تلك العناصر الأجنبية كانت في رأيه كذلك ضرورة لتثبيت ضرب من الحياة في الاتجاه الذي تريده الإرادة الألهية.

وقد علق عليها الدكتور محمد يوسف موسى رحمه الله في أكثر من مناسبة تعليقات مستفيضة داحضة خصوصاً وان هذا الكتاب شأن أمثاله يكتفي بإيراد الشبهة ويعجز عن اسنادها بالدليل والبرهان متهرباً بأن المجال لا يتسع للإفاضة فيه ، وكان مما قاله رحمه الله ( يذكر يعني جولد تسيهر ، إن الإسلام اقتبس من الديانتين الموسوية والعيسوية في القواعد الوضعية الواقعية ، وليت شعري ماذا يريد بهذا الكلام المبهم ؟ فهل يريد أن في الإسلام صلاة كما فيهما صلاة ؟ ولكن أفلا يعلم أن الصلاة في الإسلام وغيرها فيهما وكذلك الصيام والزكاة).

ونقول اضافةً إلى ذلك أن نظام الحج وهيأته في الإسلام غير نظام الحج في الديانتين اليهودية والنصرانية ، ثم نظام البيوع والقصاص والديات ، والمواريث والوصايا والطلاق ، هل هي وغيرها كثير مما لا مجال لإيراده هنا موجودة في هاتين الديانتين ؟ وهل يستطيع محمد العربي القرشي الأمي أن يتدع مثل هذه الأنظمة التعبدية والاجتماعية والقانونية والسياسية في اشكالها البديعة العجيبة ومضامينها المدهشة ؟

ثم من قال أن محمداً صلى الله عليه وسلم ادعى أنه صاحب الإسلام ومبدعه إلا يكفي هؤلاء ما يكرره الله تعالة في القرآن الكريم مخاطباً إياه « إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ» و « إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ » و « قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ »  ليفهموا هذه الحقيقة ويعقلوها كما هي ؟

إن هذه  الحقيقة قد أقر بها المفكرون المحايدون منهم أمثال الدكتور موريس بوكاي يقول في كتابه التوراة والإنجيل والقرآن الكريم الحديث « إن القرآن نص الوحي المنزل على محمد من سيد الملائكة جبريل» ويقول : « والذي يدهش فكر من يواجه مثل هذا النص للمرة الأولى هو غزارة الموضوعات مثل الخلق والفلك وعرض بعض الموضوعات الخاصة بالأرض وجنس الحيوان والنبات وتكاثر الإنسان تلك الأمور التي نجد عنها في التوارة دون نص القرآن أخطاء علمية كبيرة تحملني على التساؤل : إذا كان كاتب القرآن بشر ، فكيف أمكنه في القرن السابع الميلادي كتابة مثل ما ثبت انه اليوم متفق مع المعارف العلمية الحديثة.

ويقول :« ان هذه الملاحظة الأخيرة تجعل افتراض من يرون محمداً كاتباً للقرآن مرفوضاً إذ كيف يتيسر لرجل حرم العلم في نشأته أن يصبح ، على الأقل من وجهة نظر القيمة الأدبية ، الكاتب الأول في الأدب العربي كله يخبر عن حقائق في النظام العلمي تتجاوز وسع اي كائن إنساني في هذا الزمن ودون أن يكون فيه أي أخطاء».

« إن الإعتبارات التي سنتوسع فيها في هذه الدراسة ، ستوصلنا من وجهة النظر العلمية فقط إلى الحكم بأن من المستحيل تصور رجل عاش في القرن السابع الميلادي ، واستطاع أن يورد في القرآن أفكاراً في موضوعات متنوعة جداً ، ليست افكار عصره ، تلتقي مع ما سيكشفه منها بعد قرون متأخرة عنه ، أما بالنسبة إلي فليس للقرآن أي تفسير بشري».

ان الذي نقل حول موضوع تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصرانية لا يعدو أن يكون ثمرة اثبات لقاء واحد أو إثنين أو مطلق لقاء مع بعض متنصرة الجزيرة أو  الوافدين إليها من الرهبان وكلها وأمثالها كثير لا تكفي لنقل هذا الدين الغني ، وهم المخالفون له في كثير من الأصول والفروع والشكل والموضوع.

هذا ومحمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً ، والذين آمنوا به من قومه المكيين والمدنيين وعرب الجزيرة واليهود والنصارى من أبناءها الذين عايشوا هؤلاء الذين ينسب إليهم تعلم الرسول منهم وأخذه عنهم لو رجح عندهم شيء من هذا لعرفوه ولما آمنوا به هو ولما اتبعوه ولما قاتلوا واستشهدوا في سبيل ذلك بل لكان الأصح والأفضل أن يكون إيمانهم بأولئك الذين أخذ عنهم ، وشيء من هذا لم يكن مما يقطع بسخف هذه الفرية وتهاترها.

على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكرر أكثر من مرة في أحاديثة ، كما ينقل مراراً في الكتاب عن رب العزة انه ومن سبقه من الأنبياء والرسل سواء كانوا من بني إسرائيل أو  من غيرهم ممن حملوا كتاباً أو صحيفة ، مبلغون لرسالات ربهم التي حملهم إياها إلى الناس وإنه وأولئك لا يملك تحريف ذلك إلا لحل به ما قاله تعالى :  « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ،  وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَاتَذَكَّرُونَ ،  تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ،  وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ،  لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ،  ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ، فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ».

وليس المطلوب هنا التوسع في مناقشة هذا الموضوع وان كان قد تعرضنا له برفق فلضرورة المقام ، ولكن مما لا بد منه تقرير ان محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول رب العالمين إلى الناس جميعاً وانه مع اخوته الرسل السابقين عليه قد اشتركوا في الأصول التي نقلوها عن الله وحيا الأمرالذي يوضح ان ما في تعاليمهم من شبة إنما مرده إلى أنها صادرة في أصولها عن معين واحد .

وجود النصرانية والنصارى في الجزيرة

ومما لا مشاحة فيه أن النصرانية كانت قد تسربت إلى قلب الجزيرة بعد ارتفاع عيسى عليه السلام بزمن ، وتمركزت في أطراف منها ، أهمها اليمن عامة ونجران خاصةً ، ويروى أن حادثة أصحاب الأخدود قد وقعت فيها وكانت سبب وجود النصرانية فيها وفيما حولها...

حادثة الأخدود

وقد نقل أنه قد نزل في نجران في غابر الأزمان أحد الصالحين من أهل دين عيسى عليه السلام المقيمين على الإنجيل واسمه فيميون وتعرف إليه أحد أبناء نجران واسمه عبد الله الثامر ، حفظ عنه اسم الله الأعظم وصار له شأن ، حتى انه كان لا يدعو الله لمريض إلا عوفي ، وكان لا يدعو لأحد إلا بعد أن يدخله في دين الله ، الأمر الذي جمع عليه اهل ندجران ، فرفع شأنه إلى الملك فدعاه وقال له : أفسدت على الناس وخالفت ديني ودين أبائي ، وأراد أن يقتله ، ولكنه عجز عن ذلك في كل محاولاته .

فقال له عبد الله لن تتمكن من ذلك حتى تؤمن بالله أمام جميع الناس فآمن وقتل الغلام فآمن جميع الناس برب الغلام فكان ذلك بداية إنتشار النصرانية في هذه المنطقة ، وحتى ينتقم الملك من الناس خد لهم أخدوداً والقي فيه الحطب، وأجج النار فيه فاشتعل ثم جعل يطرح عليه من أصر على النصرانية ، وفي هذه الحادثة أنزل الله تعالى مؤاسياً نبيه قوله : « قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ،  النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ،الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ،  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ، إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ، فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ، فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ،  بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ، وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ، فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ».

بداية الموقف من النصرانية

ويلوح لنا في هذه الصورة التي جزم المفسرون كافةً بأنها مكية انها من أوائل السور نزولاً ، لأنها قصدت إلى تعزيز معنويات المسلمين واستنهاض همتهم وثبيتهم في إيمانهم ، يقول الألوسي في تفسيره : ولا خلاف في مكيتها... ووجه مناسبتها لما قبلها باستمالها كالتي قبل على وعد المؤمنين ووعيد الكافرين مع التنوية بشأن القرآن وفخامة قدره ، وفي البحر ( أي تفسير المحيط لأبي حيان) أنه سبحانه وتعالى لما ذلك أنه أعلم يما يجمعه المشركون لرسول الله والمؤمنين من المكر والخداع والإيذاء بأنواع الأذى كالضرب والقتل والصلب والحرق بالشمس واحماء الصخر ووضع أجساد الذين يريدون أن يفتنوه عليه ، ذكر سبحانه وتعالى أن هذه الشنشنة كانت في من تقدم من الأمم ... فهذه السورة عظة لقريش ، وتثبيت لمن يعزره من المؤمنين.

وإذا كان الأمر كذلك فيفرض أن تكون بدايات موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من النصرانية كانت في أوائل عهده في الدعوة في مكة. ولعل استشهاده تعالى في حادثة الأخدود في هذه السورة لتدعيم المسلمين وشد أزر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه ما فيه من لفت النظر إلى النصارى وما يمكن أن يكون له معهم من أمل كبير في الاعتراف بالحق والرضوخ له .

هجرة الحبشة

وان الذي يرجح هذا الافتراض ان الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما رأى أصحابه في مطلع الدعوة يصيبهم من البلاء الشيء الكثير ، وإنهم سيكونون في كرب شديد أن استمروا في هذا الوضع فكر لهم بمخرج يخفف عنهم الشدة ويفرج عنهم ، فقال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى جعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه ، وإنهم بالفعل قد خرجوا ووجدوا عنده ما ترقبه لهم الرسول منه .

تاريخ هذه الهجرة

ولقد كان مخرجهم إلى الحبشة في رجب من السنة الخامسة من حين نبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الحبشة داراً للنصارى يعبدون المسيح ولا يقولون هو عبد الله .

عقيدة أهل الحبشة

يملكهم ملك يطلق عليه لقب النجاشي ، وقد كان نصرانياً على طريقة قومه ، شاب عقيدته ما شاب عقيدتهم من الوثنية واصابها ما أصابها من التحريف ولكنه مع ذلك احسن جوار المسلمين ، ورفض تسليمهم إلى قومهم الذي أرسلوا إليه من يطلب ذلك منه ، وقال كلمته ( والله لا أسلمهم) ثم قال للمهاجرين المسلمين : ( اذهبوا فأنتم شيوم) بأرضي أي (آمنون).

الحكمة من اختيار الهجرة إليه

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم عقيدته هذه ولكنه اختار لهم ما كان يعلمه عنه من حسن جواره ، وأمن بلاده في ظل عدله ، ولذلك قال له جعفر رضي الله عنه في حديثة معه ، ( لقد خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك).

إسلام النجاشي

وقد ظل النجاشي على حاله هذه من الاعتقاد إلى أن كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة كتباً يدعوه فيه إلى الإسلام ، فلما قرىء عليه اسلم وقال لو قدرت آتية لأتيته.

واختيار الرسول صلى الله عليه وسلم للنجاشي ملك الحبشة ليكون ملاذ المسلمين المعذبين في أرضهم، وتأمله في أن يجد أصحابه عنده الجوار السحن والأمان والاطمئنان وحرية الاعتقاد يدل على سلامة فكره ، وبساطته وعدم تعقده ، خصوصاً وانه يعلم أن النصاري قوم قد خالط دينهم وثنيات ووقع فيه انحرافات وتخريفات لكنهم على كل حال يظلون خيراً من المشركين وذك لأنهم قوم يؤمنون بالأنبياء والرسل ويحملون كتاباً ان لم يكن يصدق ما فيه ، فإنه لا يكذبه ، فهو في موقفه هذا من النصرانية خير من موقف اليهود من الإسلام  عندما فضلوا الوثنية عليه واعتبروها خيراً منه في حديثهم مع وفد قريش إليهم الذي جاء يستطلعهم خبر دين محمد .

موقف النبي والمؤمنين من الروم

والموقف نفسه يتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تجاه النصارى عندما انتصر آل ساسان في عهد أبرويز على هرقل ملك الروم ودخلوا الشام ظافرين سنة 614 م. ونزلت سورة الروم تبشر المسلمين بنصر قريب يحرزه الروم على الفرس كأنما تريد أن تواسي نفوسهم المألومة ، ولقد ورد أن المشركين كانوا يهتمون بأخبار فارس ويتمنون انتصارها على الروم لأنهم وأياهم أهل أوثان ، وكان المسلمون على العكس من ذلك يهتمون بأخبار الروم ويتمنون انتصارهم على الفرس ، فلما انتصر كسرى أبرويز على الروم وفتح القسطنطينية وبنى فيها بيت النار ساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنزل تعالى أوائل سورة الروم : « الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ،  فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ»

رهان أبي بكر

ولما بلغت هذه الأية مسامع أبي بكر خرج يتحدث بها في قومه ، فقال له ناس من قريش ، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال : بلى وذلك قبل تحريم الرهان ، فارتهم أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان واتفقوا أن البضع ست سنوات وجعلوا الرهان ثلاث قلائص، وجاء أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره عن الذي جرى بينه وبين القرشيين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :«هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث وتسع والعشر ، ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الأجل » ففعل أبو بكر وجعلوا القلائص سبعاً والأجل إلى تسع سنين ، ولم تمض هذه المدة ، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيلهم بالمدائن وبنوا رومية وكسب أبو بكر الرهائن ، ولكن لما قبضه أمره صلى الله عليه وسلم بالتصديق به .

انفتاح الإسلام على الأفضل

لقد كانت غلبة فارس على الروم أوائل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم وهي في مكة وأتباعه يومئذ قليل ، ولا شك أن مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم هذه من النجاشي ومن الروم تعبر دونما ريب عما يتحلى به الإسلام من الإنصاف والعدل ، وما يلتزمه من الاستقامة ويتصف به من الإنفتاح على الأفضل اياً كان ولمن كان .

موقف المخلصين من أهل الكتاب

وكذلك كان موقف اليهود والنصارى المخلصين الصادقين مع الله ومع أنفسهم ، فإنهم ما أن بلغهم مبعث نبي حتى بادروا إلى لقائه ودرس أوصافه وأحواله وأعماله ثم آمنوا به بعد ان تحققوا من انطباقها على الأوصاف الثابتة له في كتبهم ، وقد روت كتب السير والحديث انه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون رجلاً وهو في مكة أو قريب منها ، من النصارى حين ظهر خبره في الحبشة ، فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه ورجال قريش في أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا مساءلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ودعاهم وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه ، فلما قاموا من عنده اعترضهم ابو جهل في نفر من قريش فقالوا : «خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ؟ » ما نعلم ركباً أحمق منكم فقالوا سلام عليكم لا نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، لا نألوا لأنفسنا خيراً ، وفيهم نزلت الآيات الكريمة « الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ،  وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ،  أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ،  وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ »

تعميم الدعوة

ولئن كانت دعوة جميع الرسل السابقين من بني إسرائيل وغيرهم مقتصرة على أقوامهم فإن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة إلى الناس كافة وذلك بأمر الله الثابت في كتابه الكريم بقوله : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ، « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ».

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل عام الحديبة يوجه دعوته إلى قومه في مكة ومن حوله وإلى أهل المدينة ومن حولها ويتصدى لكل من يلقاه في المواسم خارج مكة وخارج المدينة وغيرهما ليبلغه الدعوة ، وما أن هادن قريشاً عام الحديبة حتى مد بصره إلى تخوم الجزيرة وما بعده ، واتجه في دعوته إلى العالمين ، فأرسل كتبه مع رسله إلى الملوك والأمراء جميعاً ، وإلى النصارى ، بالذات في الشام ومصر والحبشة.

موقف هرقل

وقد نقلت بعض كتب التفسير أنه لما تسلم هرقل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم جمع اساقفة الروم فألبوا عليه ذلك ، وتخلف عن الإجتماع كبيرهم ، فأرسل إليه ثلاثاً فأبى الحضور فسعى إليه ، فلما قابله قال له « أليس قد عرفت أنه رسول الله ؟ قال بلى ، قال أليس قد رأيت ما ركبوا مني ، فأنت أطوع فيهم مني فتعال فأدعهم ، قال أو تأذن لي في ذلك قال نعم ، قال فجاء بسواده إلى كنيستهم العظمى فلما رأوه خروا له سجداً الملك وغيره ، فقام في المذبح فقال : يا أبناء الموتى، هذا النبي الذي بشر به عيسى ، وأنا أشهد أن لا الله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فنخروا ووثبوا إليه فعضوه بأفواههم حتى قتلوه».

كما ورد  ان هرقل لما تسلم كتاب رسول الله من الرسول جعله في قصبة من ذهب وأمسكها عنده تعظيماً له بعد أن قال ما قال مما روته كتب الحديث ومما يؤكد معرفته للحق وثبوته له حيث قال : « يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والراشد وان يثبت ملككم فتتابعوا هذا النبي ، فحاصوا حيصة أحمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت دونهم ، فلما رأى هرقل نفرتهم ويئس من الإيمان منهم ردهم عليه وقال : اني قلت مقالتي آنفاً اختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فنكص على عقبية خوفاً على ملكه.

وقد جرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبليغ الناس أجمعين ومن ضمنهم النصارى رسلاً عديدين ، فأرسل كما رأينا إلى قيصر والمقوقس والنجاشي وإلى كسرى الذي مزق كتابه فاستحق دعاءه بأن يمزق الله ملكه فتمزق وإلى بأذان أمير كسرى على اليمن فأسلم مع أبناءه ، ثم إلى الحارث أبي شمر الغساني وإلى جيفر وإلى المنذر بن ساوى العبدي في البحرين فاسلم ثم إلى عديد من الأمراء ووجوه العرب فأسلم من  أسلم وعاند من عاند وكفر.

وثبت أن ملك مصر رد كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يسلم رغم انه اعترف بأنه رسول الله المنتظر والذي بشرت به الأنبياء من قبل.

موقف ملوك النصارى من كتب الرسل لأول وهلة

وليس صدفة أن يكون موقف ملوك النصارى في البداية ما كان عند تسلم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبهم تشهد بقرب بعثة نبي ذكرت أوصافه وهم لا شك عرفوا تحققها فيه صلى الله عليه وسلم ، فكتبهم ومفاجأة الرسول لهم بكتابه ودعوته لهم للإسلام واربكتهم وجعلتهم بسبب حرصهم على الملك وعلى زينة الحياة يترددون أيقبلون على الإسلام ويلبون نداء الرسول ويتخلون بالتالي عن الملك والسلطان وربما يموتون من جراء هجمة عامة الناس  وجهلائهم عليهم أم يؤثرون البقاء فيما هم فيه من الدعة والملك والنعيم؟ ولقد كان اختيار بعضهم هذا لضعفهم ، بينما كان اختيار أخرين الإسلام مهما كلفهم الأمر.
فقد آمن النجاشي وعزم على السعي إليه صلى الله عليه وسلم لولا تحققه من تعذر ذلك عليه ، واعترف المقوقس بأنه يجد معه آلة النبوة وانه ليس بالكاهن ولا الساحر وأرسل إليه الهدية المعروفة وتردد هرقل فأصابه الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخرى.

الفرق بين موقع النصارى من النبي وموقع اليهود

هذا ولا بد من الإشارة هنا إلى ما بين موقفي اليهود والنصارى من النبي صلى الله عليه وسلم من فرق في الفترة التي كان فيها صلى الله عليه وسلم مبلغاً لدعوته في مكة ، فقد ثبت كما أشرنا أن وجود النصارى في مكة والمدنية كان بعدد لا بأس به ، كما كان وجود اليهود في مكة وبخاصة في المدينة ، ولكن ثبت أن غالبية وجود النصارى كان في ظل الرق والعبودية ، فلم تكن في الأغلب كما كان لليهود حرية الحركة والعمل وحرية الرأي والكلام.

ومع ذلك فقد نقلت كتب السير إيمان البعض منهم جبر ويسار وكانا عبدين لآل الحضرمي ويعيش مولى لحويطب بن عبد العزى وبلعام وكان رومياً أعجمي اللسان وصهيب وكان في خدمة عبد الله بن جدعان وغيرهم وأنهم جميعاً قد أسلموا.

كما نقلت تآمر بعض متنصرة العرب على الإسلام وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل أبي عامر الراهب الذي تمكن من اقناع بعض شباب الأوس من اعتناق جينه وخروجهم معه مغاضبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤيدين لقريش ثم لما يأس من نجاح أهل مكة في القضاء على الرسول فر إللا بلاد الشام ليطلب مدداً من الروم .

ولكن بصورة عامة ظل النصارى مستضعفين وعاجزين عن المبادرة إلى موقف جماعي داخل الجزيرة من الرسول صلى الله عليه وسلم تخذيلاً أو تأييداً ، غير أن هذا لم يمنع من حصول الاحتكاك بين المسلمين والنصارى  على اختلاف أوصافهم وظروفهم من جهة ، وقيام الحوار الديني بينهم حول العقيدة وفي كثير من الأراء الدينية من جهة ثانية .

وهذا ما يسر للكتاب الكريم أخذ المواقف بالنسبة لعقائد النصرانية وسرد الكثير من الاحكام فيها ومن المعتنقين لها ، ويسر للمؤمنين منهم هذه المواقف وأدرك مداها وغورها .

وعلى كل حال فإن القرآن الكريم في الوقت الذي أصدر حكمه فيه على اليهود بأنهم أشد الناس مع المشركين عدواة للذين آمنوا فأبرز فيهم ظاهرة العداوة وما تحمل من معاني الحقد والكيد والتآمر والأذى وغير ذلك ، حكم على النصارى بأنهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا فنسب إليهم طبيعة الود والمحاسنة والملاينة مع أن أقربيتهم في المودة لا تنفي اتصافهم بالعداوة ، وما تستتبع أحياناً وذلك لأن التوجيه يهدف إلى طبائع هؤلاء وأولئك في الغالب التي تميزت به من دون الناس.

وفد نجران

ولقد كان من أبرز صور اللقاء والمواجهة بين الإسلام والنصرانية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بالذات ذلك الذي حصل بينه وبين وفد نجران الذي جاءه ليستمع إليه ويحاوره ويقرر موقفه منه.

وإن كانت السير لتنقل أحاديث مستفيضة عما جرى بين الرسول وزعماء هذا الوفد ويقول ابن اسحاق ( قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكباً فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم منهم ثلاثة يؤول إليهم أمرهم : العاقب أمير القوم وذو رأيهم واسمه عبد المسيح . والسيد شماسهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الايهم . وابو حارثة بن علقة اسقفهم وحبرهم وإمامهم وعالمهم .

ودخلوا المسجد عليهم ثياب الحيرة واردية مكفوفة بالحرير فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دعوهم) ثم أتوا النبي فأعرض عنهم ولم يكلمهم فقال لهم عثمان ذلك من أجل زيكم هذا فانصرفوا يومهم ذلك ، ثم غدوا بزي الرهبان فسلموا عليه فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام فأبوا وكثر الكلام والحجاج بينهم ، وتلا عليهم القرآن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإن أنكرتم ما أقول لكم فهلم اباهلكم. فقالوا يا ابا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما تريد ان نفعل فيما دعوتنا إليه .

فانصرفوا ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم ان محمداً لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ( يعني عيسى) ولقد علمتم ما لاعن قوم نبياً قط فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنه للإستئصال منكم أن فعلتم فإن كنتم قد أبيتم إلا ألف  دينكم والاقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم  فأتوا رسول اله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا ان لا نلاعبك وان نتركك على دينك فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألفي حلة وعلى عارية من الدروع والرماح والبعير والجياد وعلى أن لنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وملتهم وارضهم وأموالهم وغائبتهم وشاهدهم وبيعهم ، وانهم رجعوا إلى بلادهم ، فلم يلبث السيد والعاقب أن عادا إلى النبي واسلما.

العقيدة النصرانية

من معتقدات النصارى الأساسية أن المسيح هو الله وانه هو ابن الله ، وانه ثالث ثلاثة أما أنه هو الله في زعمهم ، فلأنه كان يحيي الموتى ويبرىء الأكمة والاسقام ، ويخبر بالغيوب ، ، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً فيكون وكان ذلك كله بأمر الله ، وأما انه هو ابن الله في زعمهم ، فلأنه لا أب له ، وأما انه ثالث ثلاثة في زعمهم فلأن الله تعالى يقول : فعلنا وأمرنا وقضينا ، ولو كان واحداً لقال فعلت وأمرت وقضيت ولذلك كان الله هو وعيسى ومريم.

ولما جرى الحوار مع رسول الله حول هذا دعا الرسول الحبرين إلى الإسلام فقال : لقد أسلمنا ، قال: إنكما لم تسلما ، قالا بلى قد أسلمنا قبلك ، قال كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير ، قالا فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت عنهما رسول الله ولم يجبهما حتى نزل قوله تعالى من صدر سورة آل عمران إلى نهاية بضع وثمانين آية منها .

ولقد كان في هذه الآيات رد حاسم قضى فيه على الشبه المصطنعة من أصحاب هذه العقيدة وبين العقيدة السليمة في الله كما ينبغي أن تكون . وخلاصة ما فيها :
1. أن الله واحد لا إله إلا هو الحي القيوم منزه عما يقوله النصارى وعما ينسبونه لعيسى من الموت والصلب والزوال عن سلطانه.
2. هذا الإله الواحد العظيم هو الذي أنزل على محمد الكتاب كما أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى ، وفي القرآن الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره .
3. ان الله العظيم الفرد الصمد عظيم السلطان متمكن من خلقه شديد العذاب والانتقام.
4. والله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو الذي يصور الخلق في الأرحام ، وهو يعلم ما يكيده الكائدون في أمر عيسى عليه السلام .
5. الله الجليل سبحانه وتعالى وقد أنزل عليك الكتاب وفيه آيات محكمات لا تحتمل التأويلات المتعددة ولا تتعارض عليها الاحتمالات وهي حجة له تعالى على عباده وعصمة لهم لأنها ترد الباطل ، وآيات متشابهات تتمثل بالناظر فيها إلى استجلاء وجوه مختلفة وطرق متباينة ، وقد ابتلى الله فيها العباد كما ابتلاهم بالحلال والحرام ، فأهل الزيغ يعطفون المتاشبه على أهوائهم ويحادلون به عن آرائهم فيضلون ويضلون ، أما الرساخون في العلم فيردونه إلى الحكم آخذاً من قوله تعالى: « فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ » وعلماً بأن الكل من عند الله فلا يخالف بعضه بعضاً .
6. وقد شهد الله انه لا إله إلا هو وانه قائم بالقسط فحسم بشهادته العليا التي لا تفتقر إلى تزكية لوثوقها من ذاتها ، ثم بشهادة الملائكة خير المخلوقات وأسماها، وشهادة حكماء الناس وأوفرهم نصيباً من العلم والإدراك .
7. إن الدين عند الله الإسلام ، واختلاف الذين أوتوا الكتاب في هذا بغي وعدوان على الحق .
8. أدع الذين يحاجونك إلى الإسلام فإن قبلوا فيها وقد اهتدوا والا فدعهم وشأنهم فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد .
9. والإسلام هو ما أنت عليه من التوحيد والتصديق برسالات الرسل ، أما أهل الكتاب فهم حائدون عن الطريق المستقيم ومنهم من قتل النبيين ، وافتروا على الله ما لم ينزل ، وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات.
10. يبصر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من أخبار الأولين المغيبة عليه ، بما اكتنف خلق مريم وحياتها وبدعاء زكريا بأن يكون له الولد واستجابه الله له بهبته يحيي عليه السلام وبيان مقام مريم عند الله وكيف بشرتها الملائكة بعيسى وما سيكون منه من عظائم الأمور وخوارقها .
11. وعيسى اذن ليس بدعاً في الناس انه من بني آدم خلقه الله  كما خلق آدم ومثله عند الله كمثل آدم الذي خلقه من تراب وقال له كن فكان .
12. وتأكيداً لصحة كل ما سبق تحدى القرآن الكريم النصارى وقال للرسول صلى الله عليه وسلم أطلب منهم المباهلة ، أي تعالوا نطلب من الله أن ينزل لعنته على الكافرين منا والكاذبين وعند ذلك يتبين الصادق من المفتري والمستقيم من المنحرف .

امتناع وفد نجران من المباهلة

وقد ذكرنا قبل أن وفد نجران النصارى استنكفوا عن هذه المباهلة خوفاً من خطرها عليهم الأمر الذي استلزم بوضوح كذب وبطلان ما هم عليه .
ولا ريب أن هذه الآيات كانت حاسمة بما كشفته من موقف محمد صلى الله عليه وسلم وموقف الإسلام من النصرانية ، وبما استندت إليه من حجج داحضة وبراهين قاطعة أكدت انحراف القوم وضلال ما هم عليه وزيغان قلوبهم عن الصراط المستقيم وان مصيره إلى حساب شديد وبخاصة بعد هذا البيان الذي ترتاح إليه العقول المنصفة وتطمئن له القلوب المخلصة التي لا يتحكم بها الهوى.

الهوى وفعله في الإصرار على الباطل

ورغم هذا فقد لعب الهوى بعقول أولئك وغيرهم وأصر كثير من نصارى الجزيرة ونصارى البلدان المتاخمة على البقاء على ما هم عليه فيما شرعه لهم أكابرهم من القوانين والناموس مما لم يوجد في كتب الأنبياء الأولين اليسير منه ذلك انه يمثل مجموعة مما نقل عن الأنبياء والحواريين ، وعن أكابرهم مما ابتدعوه لهم من دين المشركيين والوثنيين وما كانوا عليه من عبادة الصور والاستشفاع بأصحابها  والسجود لها والقول بالتثليث وعبادة الصليب واستحلال لحم الخنزير وتعبدهم بالرهبانية وامتناعهم عن الختان وتركهم الحدث والخبث.
فلا يوجبون غسل جناية ولا وضوء ولا يوجبون في صلاتهم اجتناب شيء من الخبائث اياً كانت بولاً أو عذرة أو غير ذلك .

بدء الصراع مع النصرانية

ولقد قلنا آنفاً ان كتب السير لم تشر مطلقاً إلى وقوع اي تصادم بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونصارى الجزيرة ، ولكن مع ذلك فإن هذا لم يمنع من أن يمارسوا معه اساليب الدس عليه وعلى الإسلام ويتحركوا التحرك الصامت الخبيء كما رأينا من أبي عامر الراهب ، وكما ثبت انه وقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث نقل بعض المؤرخين بانه لا يستبعد ان يكون أهل الكتاب عموماً قد ساعدوا في قيام حركة الردة في الجزيرة ، وحركة المتنبئين ومانعي الزماة للقضاء على الإسلام من الداخل ، هذا الإسلام الذي يعتبرونه خطراً عليهم ، كما لا يستبعدون ان يكون الأحباش والروم في جملة من كان يحرض على الدس للإسلام والتآمر عليه خصوصاً وأن بعض من أعلن الردة مثل ( النعمان الغرور) وهو نصارني قد تلقى هو ومن كان معه من النصارى المرتدين عوناً من الخراج ، ولعل هذا ما حمل الخليفة على اتباع قاعدة أجلاء الدساسين من أهل الكتاب مهما كان نوعهم من جزيرة العرب لحماية الإسلام من خطر الفتنة وخطر الردة .

لماذا أمر الرسول بإجلاء اليهود والنصارى

ولعل هذا الخبر يساعدنا إلى حد بعيد على فهم الحكمة فيما نقله امام أحمد عن أبي عبيدة بن الجراح قال كان آخر ما تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم : (اخرجوا يهود أهل الحجاز ونصارى أهل نجران من جزيرة العرب ).

إذ يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم قد لمس أحياناً ما كان يكيده له هؤلاء جميعاً سراً وعلناً مع ما يحملونه من الشبه الضالة والمضلة فأدرك بنظرته الصادقة الحكيمة مدى خطرهم على الحق والخير وعقيدة الإسلام وكيان المسلمين والجزيرة العربية قلعة الإسلام ، فأصدر حكمه وطلب من خلفائه أن يجدوا في تنفيذ ذلك من بعده .

تحرك الروم

ومما يؤكد صحة هذا الإتجاه ما وقع من الروم قبيل انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، هؤلاء الذين فرح المؤمنون بانتصارهم على الفرس واعتبروه نصراً للأديان الكتابية على الوثتنية ، فإنهم ما أن وصلهم خبر إنتشار دعوة الإسلام في الجزيرة وتمكنها من أرجائها حتى فكروا بما قد يصيب ملكهم فيها لو تم لهذا الدين الجديد استمرار الغلب على ما حوله والإنتشار ، ولذلك فقد بادروا إلى الائتمار به والكيد له والبطش به ان أمكنت فأرسلوا له جيشاً لجباً ، عدته في بعض الروايت مئة ألف مقاتل ، بل ومئتا الف مقاتل في رواية أخرى ، فكانت غزوة تبوك التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، ولم يقع فيها قتال ، لإنسحاب الروم بينما استمر الرسول صلى الله عليه وسلم مقيماً عدة أيام مع أصحابه ، تمكن فيها من عقد معاهدات صلح مع بعض نصارى تلك المنطقة مثل الأكيدر صاحب دومة الجندل الذي صالحه الرسول على الجزية ومثل صاحب أيلة ، ولم يكد يمضي على وفاة الرسول كبير وقت حتى اتسع هذا الصراع وانتقل إلى عقر دار الروم وكانت معارك انتهت بانتصارات حاسمة للإسلام والمسلمين على النصرانية واتباعها.

الإسلام والنصارنية

ولقد وضح من قبل انه لم يكن من محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه المؤمنين بادىء ذي بدء تجاه النصارى ، إلا أن تقدموا منهم بتعريفهم على الدين الجديد الذي هو الإسلام ودعوتهم لقبوله والدخول فيه خصوصاً وانه دين يؤيد الكثير من أصول دينهم من الإيمان بالكتب والنبيين والملائكة واليوم الآخر والحساب والعقاب والجنة والنار وغيرها ، وليس في هذا أي تجن أو تحد بل فيه كل الإحسان والمحبة وبخاصة إذا تأكد بأن المسلمين لم يكرهوا هؤلاء على الدخول في الإسلام .

بيد أن هؤلاء النصارى اعتبروا هذا من الرسول وصحبه تحدياً لسلطانهم ونفوذهم على الأرض فكبر عليهم ذلك واستصعبوا ان يقبلوا الرضوخ لعربي أمي والانقياد له ليكون لهم قائداً ومعلماً وهادياً فنفروا منه واعرضوا عنه قبل أن يكلفوا أنفسهم مسؤولية فهم ما عنده والتحقق مما إذا كان نبياً أو غير ذلك وهم أهل الكتاب الذين يخبرهم كتابهم بقرب مبعث نبي مخلص للناس ومنقذ لهم من الضلال المبين .

والذي يؤسف أن هذا النفور جعلهم ينطوون على كره وحقد أعميين وشديدين اندفعوا معهما ليكيلوا له ولاتباعه التهم ويفتروا عليه بالكذب ويحرضوا أناسهم دونما أي مبرر على النيل منه ومن دينه وأمته بقسوة وغلظة ، وهو الذي ما تكلم عن عيسى وأمه إلا خير الكلام وأحلاه وما تحدث عن الإنجيل والتوراة إلا أصدق الحديث .

ولم يقف الأمر بهؤلاء عند هذا الحد ، بل استطال حتى أقاموا بين الإسلام والنصارى حاجزاً من العداوة والحقد والخصومة الشديدة قائماً على الجهالة والهوى والعمى حتى إنتهى إلى خوض صراع مرير وأليم فكري وعقائدي من جهة ودموي وعسكري من جهة أخرى كوى بناره أناس براء ، واستطال مع تقلب الزمن وتعمقه تكون الغلبة فيه طوراً للمسلمين وأخرى للنصارى حتى كان هذا العصر الحديث الذي يشهد أحدث ما انتهى إليه العلم من اكتشافات على كل صعيد فتحت ابصار الناس وبصائرهم على دقيق صنع الله وروائع ابداعه وخلقه في الإنسان والحيوان والنبات والهواء والذر في الأرض وفي السماء وما بينهما .

ومع ذلك فقد استمر اصحاب الحقد على حقدهم تنازعهم أهواؤهم وتجرفهم أنانياتهم في اتجاه مداومة الصراع ومتابعة الحرب على الإسلام والمسلمين غير عابئين لما رأوا في الأرض وفي السماء والافاق والإنسان من دلائل تؤكد صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وصدق دعوته إلى الناس أجميعن وهو الذي حمل إليهم جميعاً قوله تعالى : « سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ،  أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ».

وان من أثار هذا الصراع المرير القائم على الحقد صنوفاً متعددة من النشاط التربوي التبشيري ، والنشاط الصحي التبشيري ، والنشاط التبشيري في الخدمات الرعائية العامة ، في حقول الصحة والزراعة والعمل الاجتماعي وغير ذلك التي يشهد أخطر آثارها اليوم لبنان وأفريقيا السوداء وأندونيسيا والهند وغيرها.
ولو يكلف هؤلاء أنفسهم بعض عناء المراجعة الفكرية لما يحاربون من فكر وعقيدة وسلوك لرأوا كيف أنهم يتجنون أولاً وقبل كل شيء على أنفسهم ثم بالتالي على الناس ويحملون إلى حد بعيد وزر تردي الأوضاع العامة في المجتمع الإنساني وتخلف ركبه في طريق التقدم والتطور ، كما يحملون وزر ما يعانيه هذا المجتمع الإنساني الكبير من آلام ويكابده من مشقة وحرمان وأحزان.

   رجوع القسم التالي  

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة