إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 28
الاحد 19 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : دور الإسلامي في حروب التحرير
التاريخ : 1975-01-07
المرجع : مجلة الفكر الإسلامي ـ السنة السادسة ، العدد الأول ، ذي الحجة 1394هـ / كانون الثاني 1975م.

الحرب في نظر الأمم السابقة
نظرة الإسلام إلى الحرب
نظرة الإسلام إلى الإنسان والمجتمع
الحرب في الإسلام حربان
الجهاد في الإسلام
الجهاد أسلوب جديد
جهاد النبي (ص)
أقوال بعض العلماء حول تفسير آية الجهاد
القرآن الكريم والجهاد
فضل الجهاد النفسي
الجهاد النفسي أوقع في القلوب من الحروب
الحرب عند الضرورة
مراحل الدعوة
صبر الرسول (ص) واتباعه
تحرير نفوس المسلمين
الإسلام في نظرهم
بعض مقاصد الإسلام
إمكانية ثورة الرسول
مواقف للرسول
اختيار طريق الهجرة دليل على رحمة الرسول (ص)
الحرب بعد الجهاد النفسي
مثال رائع عن رحمة الرسول (ص) ورأفته بالناس
الرسول المعلن لا المقاتل
الرسول الهادي والمنقذ والمحرر
أصحابه من بعده على خطه
قتال المسلمين مع الأعداء قتال كره

قام سماحة الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية على رأس وفد إسلامي بزيارة لدولة الإمارات العربية استغرقت أسبوعاً عاد بعده في 17 من ذي القعدة عام 1349هـ .وقد كان في استقباله الدكتور جورج سعادة وزير الأشغال العامة ممثلاً الرئيس سليمان فرنجية ، كما استقبله قضاة الشرع والعلماء وحشد من المواطنين .

وقال سماحته : « إن زيارتي لدولة الإمارات كانت تلبية لدعوة من وزارة الإعلام والشؤون الثقافية بديوان الرئاسة ، لإلقاء محاضرة حول دور الإسلام في حروب التحرير.

وقد كانت الزيارة بعيدة المدى في تدعيم العلاقات اللبنانية مع دولة الإمارات . كما أنه ثبت لنا أن العالم العربي بجميع كياناته ، يسير بخطى ثابتة وموحدة نحو أهداف مشتركة بين أبناء الأمة العربية ، في طليعتها تخليص فلسطين ، ودفع عجلة التطور العربي إلى الأمام ، حتى تأخذ الأمة العربية مكانتها اللائقة بها .

وقد شعرت خلال الزيارة بما تجيش به قلوب أبناء دولة الإمارات من محبة واحترام لجميع اللبنانيين ، وحرص أكيد منهم ومن المسؤولين لزيادة الروابط بين لبنان ودولة الإمارات ، على كل الأصعدة : خدمة للأماني العربية والتطلعات التي نحرص عليها جميعاً ونتمنى على الله أن يكون معنا لنحققها ».

الحرب في نظر الأمم السابقة

لقد سبقت عهود الإسلام عهودٌ ، فظهرت قبله جيوشٌ ودولٌ وإمبراطوريات ، كما ظهرت دساتير وأنظمة ومبادئ . ونشبت حروب رفعت أقواماً ووضعت آخرين، فكانت حروب الأموريين والبابليين والآشوريين والحيثيين وحروب الإغريق واليونان والرومان والفرس وحروب المصريين والقرطاجيين .

ولو توقفنا قليلاً عند أخبار هذه الحروب على اختلاف أزماتها وبواعثها من حيث التفاصيل ، ونظرنا فيها بدقة وشمول ، بفكر مجرد وبصيرة مخلصة ، كما سجلتها بعض كتب التاريخ القديم كحروب الكلدانيين والآشوريين والفرس على يدي سناحريب الآشوري ، ونبوخذنصر الكلداني وكورش وقمبيز الفارسيين مع أندادهم من الأمم الأخرى كفيليب المقدوني ، وولده الإسكندر وقياصرة بيزنطة والمصريين في فترة من الزمن القديم ... لرأينا أن كل تلك الحروب التي شهدت ضرواتها ساحات سوريا وفلسطين ودجلة والفرات وتركيا وشبه الجزيرة العربية على العموم ، وخلفت وراءها ما خلفت : من دماء مسفوحة وأرواح مزهوقة، وحرث محروق وأرض مثارة ومساكن مدمرة ، نقول : « إن تلك الحروب التي عانى منها الإنسان القديم قروناً من الزمان لم تترك إلا المآسي والأحزان والأحقاد  من الإنسان على أخيه الإنسان والاستعداد الدائم للانتقام والثأر .

كل هذا يجعلنا نسجل بارتياح المنصف أن حروب الأمم السابقة كانت حروب أنانيات ومطامع أسفّت بالإنسان وهبطت بمفهوماته الروحية والوجدانية وأضفت من سلطانها عليه ، حتى عرته من كثير من محامده ، وأبرزت مثالبه فشابه بسلوكه وعمله سباع الغاب وكواسر الطير .

نظرة الإسلام إلى الحرب

أما الإسلام فقد غيّر نظرة الناس إلى الحروب وأقرّها وسيلة ، عند الضرورة القصوى ، لحماية المبادئ والعقائد والأخلاق الكفيلة بتحقيق العدالة والمساواة بين الناس وإصلاح المجتمعات  وتحرير الأفراد والشعوب من ضغوط الأفكار التقليدية البالية والعادات الجامدة الموروثة والعقائد والأخلاق المتخلفة الضارة .

نظرة الإسلام إلى الإنسان والمجتمع

ذلك أنه نظر إلى الإنسان نظرته إلى أساس الوجود الذي ينبغي تفريغ كل القوى ليصلح ويكتمل من كافة الوجوه وليعتز ويعيش في طمأنينة ورخاء . ونظر إلى المجتمع الإنساني على أنه الكيان الأساسي العظيم الذي يجب أن يصان ويكرّم وتبذل له كل الطاقات لتخلو أجواؤه من المنغصات ويبقى مرتعاً خصباً وسليماً لكفاءة الإنسان ونشاطه الخيّر...

الحرب في الإسلام حربان

ولذلك جعل الإسلام الحرب على وصفين وفي مرحلتين .
أ‌- حرب فكر ولسان تعلن بالتوجيه السديد والتوعية المخلصة الحكيمة والحوار اليقظ البناء والتربية الرؤومة الصادقة الحريصة الصابرة كما سيتضح ذلك في غصون هذا الحديث .
ب‌- حرب مواجهة بالسلاح كما عرفها المجتمع البشري قديماً وحديثاً .

الجهاد في الإسلام

ومن أجل هذا أحدث الإسلام لفظة الجهاد وفضّلها على لفظة الحرب التي ذكرها على سبيل الحكاية من ناحية وقلّل من استعمالها من ناحية ثانية لما توحي به على صراع مسلّح بين دولتين أو فئتين لأغراض ماديّة تبعث عليها مصلحة ذاتية متشعبّة عن غزيرة الهوى أو حبّ التسلط أو الدفاع عن النفس والكيان أمام سلطان جائر ، فهي على كل حال غالباً ما تكون ظالمة مدمّرة ضارة بالعباد ومخربّة للبلاد .

الجهاد أسلوب جديد

إن الجهاد أسلوب في الحرب جديد حازم ، مترق اعتمده الإسلام ، يبتدئ الإنسان فيه بالنضال السلمي حتى إذا استكمل تحريرها من دواعي ضعفها كالشهوات الجسدية والأهواء الشخصية . انتقل إلى المحيط فكافح ما فيه ظواهر الفساد هادماً معالمها ، حتى إذا تمكن من نفسه ومن المحيط أحرز ما يريد وإلا جاز له أن يلجأ إلى الدفاع عن النفس تعزيزاً للقيم والمبادئ التي يؤمن بها بمثل السلاح الذي يعتدي به عليه مصداقاً لقوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ».

 جهاد النبي (ص)

وهكذا إذاَ كانت الخطوات الأولى لبدء العمل الإسلامي ، فقد أسس محمد (ص)  الدعوة في نفوس أتباعه وأصلّها وحرّر عقولهم من التقاليد والعادات الوثنية الموروثة وخلّص نفوسهم من الانحرافات الاجتماعية والشخصية التي ولدّها فيها الهوى ، وأقام على أنقاضها أخوة صالحة مفتوحة على أشرف الخصال وأسمى العقائد والأفكار والمعاني والآداب ، كل ذلك في مدى ثلاث عشرة سنة من الصبر على مغريات الذات وعلى إيذاء المشركين ... والجهاد النفسي الرفيق .

أقوال بعض العلماء حول تفسير آية الجهاد

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : « وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » هو إشارة إلى امتثال جميع ما أمر الله به والانتهاء عن كل ما نهى الله عنه ، أي جاهدوا أنفسكم في طاعة الله وردوّها عن الهوى ، وجاهدوا الشيطان في ردّ وسوسته ، وجاهدوا الظلمة في ردّ ظلمهم وجاهدوا الكافرين في ردّ كفرهم ، ويؤكد هذا المعنى ما أورده من حديث أبي غالب عن أبي أمامه ، أن رجلاً سأل رسول الله (ص): أي الجهاد أفضل عند الجمرة الأولى فلم يجبه (ص)  ثم سأله عند الجمرة الثانية فلم يجبه ، ثم سأله عند جمرة العقبة فقال (ص)  أين السائل ؟ فقال ها أنذا !! فقال (ص)  « كلمة عدل عند سلطان جائر».

وقد قال الإمام الحسن البصري في تأويل الآية هذه « إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوماً في الدهر بسيف ».

ومفهوم هذا حتماً أن الجهاد حرب جديدة ذات أسلوب جديد لا يسفك فيها دم ولا تزهق روح فهو حرب حجة وبرهان تجيش القوى الأدبية الخيرة الفاعلة في الإنسان لتقاتل القوى الشريرة والنزعات الضالة فيه معانة بالأسلحة الروحية المخلصة التي هي اشد بأساً وأبعد أثراً من حرب المواجهة .

وما أروع قول الرسول (ص)  المنقول عنه في بعض الروايات التي أوردها الباجوري على ابن القاسم عقب رجوعه من إحدى الغزوات وفيه تأكيد عظيم لهذا المعنى العظيم . « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس ».

القرآن الكريم والجهاد

في ضوء هذا المعنى النبيل استخدم القرآن الكريم لفظة الجهاد في تحرير النفوس أولاً من الخصال الدنيئة كالحقد والحسد والبغضاء والشحناء ، وتخليتها من الصفات القبيحة كالغضب للنفس ومحابها وملاذها وثانياً في تحليتها بالأخوة المخلصة الغيور وخصالها المدعمة لها كإفشاء السلام والتهادي وإصلاح ذات البين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفواصل وتوقير الكبير والعطف على الصغير والرأفة بالضعفاء والمساكين وغير ذلك مما لا مجال لتعدادها هنا ... ولا يتحقق إلا بزمن مديد تجاهد فيه الذات بحرب نفسية داخلية صامتة تنتهي بنصر عوامل الخير وجنده وخذلان الفساد وأعوانه .

فكان إيراده سبحانه وتعالى لفظة الجهاد في مساق الحض على العبادة وفعل الخير والطاعات حيث يقول :
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ...».

فضل الجهاد النفسي

لعلّ هذا الأسلوب  الجديد ،الجهاد ، بمعنى الحرب النفسية تشهر من النفس على النفس ، ومن النفس على الآخرين بالعبارة الحكيمة والقدوة الحسنة والأسلوب الهادئ الرشيد أعمق أثراً في الذات ، حتى لنوشك أنْ نؤكّد أن أعظم الحركات الاجتماعية خطراً وأبعدها أثراً وأنجحها من حيث النهاية ليست الحركات الثورية المسلحة التي سرعان ما تنقلب إلى بيئتها الأولى فتعيش النظام السابق والأخلاق والقيم الاجتماعية السابقة بل إلى الحركات الهادفة المنظمة التي تعتمد الدرس والتخطيط والتحرك الاجتماعي العميق من داخل القواعد وبالدعوة الحسنة الخفيفة اللطيفة التي لا يحس بها إلا أصحابها في فترة تحركها الأولى ، وسرعان ما يفاجأ بها المجتمع وقد عمت الواقع وتأصلت في النفوس وبدّلت الناس غير الناس والنظام غير النظام ...

والجهاد بهذا المعنى أسلم طريق إلى تحرير الفرد وطباعه والأجواء الاجتماعية من كثير من رواسب الماضي التقليدية والعادات القبيحة الراسخة ومن ضغوط الأعراف الموروثة الضارة التي كانت ولا تزال ذات فعل شديد في نفوس الناس أفراداً وجماعات . أفلم يقل الله سبحانه وتعالى تأكيداً لهذا المعنى : « وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ »   ثم علق هذا بقوله : « قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ  ».


الجهاد النفسي أوقع في القلوب من الحروب

إن الجهاد أسلوب يعتمد الحوار والاتصال الشخصي والضغط على النفس ومقومّاتها عن طريق التأثير المنطقي والوجداني والبياني  والقدوة الصالحة ، وكل واحد منها ذو فعل عميق في الذات فكيف بها مجتمعه؟!

إن الحرب بأدواتها المدمرة ومظاهرها المرعبة ، ما كانت لتحرز ما يمكن أن يحرزه الجهاد النفسي بوسائله الرفيقة من نصر على القلوب والأفكار وهيمنة على الأفراد والمجتمعات .....

الحرب عند الضرورة

غير أن الجهاد النفسي قد يصطدم بحواجز عنيدة من النفوس المتكبرة التي لا ينفعها النصح ولا يثنيها الوعظ الحكيم ففي هذه الصورة يصبح استعمال السيف أمراً حتمياً دفاعاً عن النفس وصيانة للعقيدة وقيمها السامية .
                            ووضع الندى في موضع السيف للفتى                 مضر كوضع السيف في موضع الندى
     

مراحل الدعوة

وهذا ما كان من الرسول (ص)  في مطلع دعوته ... هذه الدعوة التي ظهرت على مراحل ...

أ‌- مرحلة إنذار العشيرة الأقربين والتواضع للإتباع المؤمنين التي أشار إليها الكتاب الكريم بقوله  تعالى : « وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ *  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  ».

ب‌- مرحلة تعميم الرسالة على الناس كافة مع الأعراض عن الجاهلين والصبر على ما يكون منهم من أذى وتنكيل وهي ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ  ».

صبر الرسول (ص)  واتباعه

وقد لقي (ص)  وصحبه المؤمنون من أبناء عشيرتهم وبني قومهم من الأذى القولي والفعلي ما تضيق به نفوس  الشجعان المناضلين وصفوه (ص)  بالجنون والسحر والكذب والكهانة والشعر وأغروه بالمال والنساء والرئاسة وهددوه بالتعذيب والقتل وجربّوا معه كل أسلحتهم ليثنوه عن طريقه فباؤوا بالخيبة يتناقلون قوله (ص)  لعمه : « والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ».

وتصدوا لأتباعه وجردوا عليهم كل سلاح ، سلاح الصد والأذى والتنكيل والقتل كما فعلوا مع بلال وعمّار ووالدته سمية ووالده ياسر . ثم أعلنوا مقاطعتهم للرسول ولأتباعه المؤمنين حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت واضطر الرسول (ص)  إزاء ضغوط أصحابه إلى أن يأذن لطائفة  منهم بسلوك المرحلة الثالثة ، وهي الهجرة إلى الحبشة .

وعلى الرغم من هجرة بعضهم ، صمد الأكثرون مع الرسول (ص)  صابرين على الأذى والعذاب حتى الموت ، بنفوس رضية غفّارة مؤثرين خط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ملتزمين بأمره تعالى : « قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ»  وقوله : « وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  » وقوله : « وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ».

تحرير نفوس المسلمين

وما كان بمقدورهم رضوان الله عليهم أن يمارسوا هذا الصبر العظيم على أذى بني قومهم تلك الحقبة من الزمن لو لم تتحرر نفوسهم من آصار الأباء والمجتمعات الخالية وتستر قلوبهم بضياء الحق والخير ويفهموا الحياة على حقيقتها من خلال إسلامهم العظيم...

الإسلام في نظرهم

لقد فهموا أن الإسلام دين يطلب من أتباعه نشدان التعايش مع الناس في محبة وصفاء وإخاء لتحقيق الأمان والطمأنينة في ربوعهم ، إليهم إلى حدّ ما وفترة من الزمن الصبر على الأذى والمغفرة للإساءة ومقابلة السيئة بالحسنة ... يطلب إليهم هذا كله ليكونوا أقدر على إحراز النجاح لدى الأفراد والمجتمعات وأنجح في اكتساب الأنصار والإتباع .

خصوصاً وأن الله تعالى لم يرتضِ الإسلام للناس ليحققوا به علواً في الأرض وسلطاناً شأن الغافلين عن المصير ... بل ليكسب القلوب وينتزعها من البؤر المفسدة والبيئات المظلمة ، وليحررها من العادات والتقاليد البالية التي خلفّها فيها قدم الزمان وجهالة الإنسان ... وليحررها كذلك من العبودية ، الإنسان لأخيه الإنسان ...

بعض مقاصد الإسلام

إنه دين يعلن بصراحة ووضوح : « لا إله إلا الله محمد رسول الله ». وأن لا استعانة ولا تبعية إلا لله الواحد القهار . وأن الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره ، وإن العطاء عطاء الله وأن العزة لله جميعاً . « قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ». يقول (ص)  : « إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ».
أثر هذه المقاصد في تحرير النفوس :

لقد حرر الله تعالى بهذا التوجيه العظيم نفوس المؤمنين من فعل الشعوذة والمشعوذين والشياطين والجن والعائذين بهم والمنهجين والكهان ، وخلص العقول والأفئدة من ضغوط الرؤساء والسادة الكبار وتقاليدهم التي يرفضها منطق الحياة الكريمة والعيش النبيل .

ولقد كان كل ذلك حتى كانت لمرحلة الثالثة مرحلة الإذن بالهجرة للرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه ولمن تشاء من أتباعه إلى يثرب مدينة الرسول (ص)  ومركز الأنصار الذين اتبعوه بإحسان ...

إمكانية ثورة الرسول

لقد كان في وسع الرسول (ص)  وصحبه أن يتصدوا للمشركين بثورة مسلحة حازمة ترد عنهم غائلة العدوان وتقف مد كبرياء قريش وطغيانهم ، ويكون الدم والموت والخراب الكثير على الجميع حتى يفرق الله بين الحق والباطل وينتصر للمظلوم من الظالم وتدول دولة البغي والجهل ، كان النبي (ص)  قادراً على أن يفعل هذا ، ولكنه شاء أن يكون له الأكثر من حصاد جهاده الطويل في قومه لعل الله يكتب التوفيق فيفوز بتحريرهم جميعاً من عبوديتهم لأنفسهم وللشيطان أو يحرر القدر الأكبر منهم أو يكون له من أصلابهم وأنسالهم فئة تكشف اسداف الظلام فتخرج إلى نور الحق وسعة الحرية .

مواقف للرسول

لذلك كان رسول الله (ص)  كلما بعث بعثاً أو أرسل سرية يقول لأصحابه : « تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم قبل أن تدعوهم ، فما على الأرض من أهل بيت من مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب إليَّ بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم »..

ويفسر هذا التطلع الرائع الذي يكشف عن قلب النبي (ص)  الكبير الذي كان يعلم أنه بعث هادياً ومنقذاً ومحرراً لا جابياً للأموال وباسطاً للنفوذ ، رده على الملك يوم جاءه مع جبريل عليه السلام يقول له « يا محمد السلام عليك ورحمة الله . إني ملك الجبال وإن الله قد أرسلني لأحقق لك ما شئت لو شئت أن أطبق عليهم الجبلين لفعلت ... فقد قال (ص)  يومئذ : «لا ... وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله . واللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون».

ولقد كان له (ص)  ما أراد . وكان من أصلاب أولئك المعاندين من حملوا راية الإسلام وخربوا بها يدركونها على كل سهل ورابية ، ويركزون معها في قلوب الناس حب الإسلام والمهابة من الله ، بل العمل المخلص المتفاني لإعلاء كلمة الله .. أليس خالد (رضي الله عنه)  ابن الوليد ، ويزيد ابن أبي سفيان ، وعكرمة ابن أبي جهل أولئك وأمثالهم الذي صمدوا للرسول دهره الأول كله ينالون منه ومن عقيدته وأصحابه ؟!!...

اختيار طريق الهجرة دليل على رحمة الرسول (ص)

لقد كانت المرحلة الثالثة ، واختار (ص)  طريق الهجرة إلى المدينة المنورة ، دون طريق الثورة والصدام المسلح مع المشركين يرعب الآمنين ويقلق الغادين والرائحين ، لأنه أراد أن يكسر النفوس ويبعث مكامن الحقد ومحركات الثأر ويزيد في إشعال نار العداوة بين أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة وتكون الفرقة إلى الأبد ... إنه اختار هذا الطريق ليكون في الوقت نفسه طريقاً مفتوحاً إلى قلوب العقلاء والحكماء والمفكرين من قريش وغير قريش يهزّها ويعيدها إلى صوابها لتنزع الغشاوة عن أعينها وتبصر النور المشع من هذه الرسالة الجديدة وتتعاطف معها .

لقد سلك الطريق الأخير الذي كان بإمكانه أن يسلكه ليحافظ على البقية من فعل وشائج القربة وصلة الرحم وعلاقات الجوار ليحول دون سفك الدماء وإزهاق الأرواح وهدر الطاقات والجهود ، ولا غرو فإنه (ص)  الرحمة المهداة والنعمة المسداة والآخذ بحجزنا عن النار ، والمنقذ من الضلال والمحرر من عبودية الهوى والشرك ، إنه الحريص على أن يباعد اتباعه وأعداءه عن النار ، إنه الحبل الذي يصل والقلب الذي يوفق واليد المباركة التي تمسح أحزان النفوس والكلمة الطيبّة التي تبارك الأيام وتسعد الأوقات...

الحرب بعد الجهاد النفسي

ولما لم تجد كل هذه الوسائل في ردع المشركين عن غيهم وردهم عن باطلهم وحسب بعضهم أن صبر المؤمنين عليهم جبن جبنٌ وموادعتهم ضعفٌ وتحملهم منهم مدى ثلاثة عشر عاماً ذلٌ وهوانٌ لم يعد ثمة من مفر من لقاء هذا العدو الباغي فأذن الله تعالى لنبيه وأتباعه بالدفاع عن عقيدتهم وعن أنفسهم ومقابلة السلاح بمثله بعيداً عن البغي فقال تعالى : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ».

قال الراغب الأصفهاني : « أمر الرسول أولاً برفق والاقتصار على الوعظ والمجادلة الحسنة ثم أذن في القتال ، ثم أمر بقتال من يأبى الحق بالحرب وذلك كان أمراً بعد أمر على حسب مقتضى السياسة».

ومن هنا كانت السرايا في الأشهر الأولى بعد الهجرة ثم تحولت إلى غزوات استحر فيها القتال بين القرشين أنصار الشرك والضلال والمسلمين جند الله وأنصار الحق ، في معارك مختلفة انتهت بدوران الدائرة على قريش ومن ولاهم فأدركوا أن الله حق ن وإن الإسلام هو الدين الذي ينبغي لهم الاستظلال به فدخلوا فيه أفواجاً ...

مثال رائع عن رحمة الرسول (ص)  ورأفته بالناس

كان ذلك يوم أن دخل رسول الله مكة التي أخرجه منها أهلها بغير حق ، فاتحاً سيداً كريماً فدانت له الرقاب وجاءته النفوس صاغرة ليسألها السؤال التاريخي ،ماذا تقولون ؟ وماذا تظنون ؟ كأنه يذكرهم بما فعلوه معه ومع أصحابه، وما أصابوه من ضنك وعذاب ، وكأنه يريد أن يعلمهم بأن السيادة لم تكن يوماً للغرطسة وإيذاء النفوس بقدر ما هي لخدمتها وتكريمها . وعندما أجابوه بقولهم : « نقول خيراً ونظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت أجابهم : لا أقول لكم إلا كما قال أخي يوسف لإخوته : « لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله ولي ولكم وهو أرحم الراحمين ». إذهبوا فأنت الطلقاء .

 الرسول المعلن لا المقاتل

لا عجب مطلقاً إنه رسول الله (ص)  الذي قال الله فيه : « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ».

الرسول الهادي والمنقذ والمحرر

إنه منقذ العرب الذي ألّف بين قلوبهم فاصبحوا بنعمة الله عليهم إخواناً . وهادي الإنسانية الذي كشف عن أعينها غشاوة الأحقاد وزوّد قلوبها بعواطف المحبة والإخاء ... إنه الذي ردّ على من عرف أنه هتف يوم مكة وقد أنشته مظاهر الياس التي كان محاطاً بها اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذّل الله قريشاً : « اليوم يوم المرحمة اليوم يعظم الله الكعبة وأعز الله قريشاً » إنه الذي قال فيه رب العالمين في معرض مخاطبة المشركين ومعاتبتهم على موقفهم المتنكر للحق الذي جاء به : « وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *  هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ » وقال فيه : « لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ »  وقال : « يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ *  يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» وقال : « الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  ».

إنه الذي اصطفاه الله لرسالته على فترة من الرسل وإعراض عن الهدى وغفلة عن الحق ليحرر أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم من قيود الماضي التي ختمت على أسماعهم وقلوبهم وجعلت على أبصارهم غشاوة ويهديهم صراطاً مستقيماً ...

أصحابه من بعده على خطه

ولقد انتقل (ص)  إلى الرفيق الأعلى وخلفه أصحابه ، فلم يحيدوا عن هذا الخط الواضح إذ ظلوا يعتبرون أنفسهم هداة ومرشدين ومنقذين ومحررين لا أسياداً وملوكاً غاضبين يذلون الرقاب ويعيثون في الأرض الفساد ... يؤيد هذا قول أبي بكر ( رضي الله عنه )  : « الضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ...» وقول عمر ( رضي الله عنه )  « لأحد ولاته ساوٍ بين الناس في القضية حتى لا يطمع في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك ». وقوله لعمرو ابن العاص يوم عدا ابنه على القبطي وضربه ولم ينتصف له منه ، يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتكم أمكم أحراراً ...؟

لقد ظلوا يعتبرون أنفسهم خلفاء لا ملوكاً وأمناء لا أصحاب حق يسوسون الرعية سياسة الراعي الشفيق حتى كان قول عمر المأثور عنه ويح عمر ليت أمه لم تلده ، ليتني كنت نسياً منسياً . كفى آل الخطاب أن يكون واحد منهم مسؤولاً أمام الله !!

قتال المسلمين مع الأعداء قتال كره

ولئن كنا لا ننكر أن الصحابة رضوان الله عليهم قد خربوا من الصحراء لملاقاة الفرس والروم والأقباط على تخوم الجزيرة وفي قلب أراضيهم ... فإنه ينبغي القول هنا إنهم قد إستجروا للقتال معهم وهم الذين يعلمون أن الله تعالى ما كتب عليهم القتال إى وهم يعرفون أنه كره لهم يقول تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » كما يعلمون أنهم ما أمروا إلا بقتال الذين يقاتلونهم مشروطاً ذلك بعدم الاعتداء يقول تعالى : « وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ».

ولقد علق المحققون من العلماء على مثل قوله تعالى :« وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً » بأنه يفهم منه أن قتالنا هذا المأمور به هو جزاء لقتالهم ومسبب عنه مثله قوله تعالى : « وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ »  يراد به . ألا تكون فتنة منهم للمسلمين عن دينهم بالإكراه بالضرب والقتال .

فلا غرو إذا صرح فقهاء المسلمين « بأن الأصل في الدماء الخطر إلا بيقين الإباحة ».

ومع ذلك كان قتال المسلمين رفيقاً ، يقاتلون من يقاتلهم ، ويسالمون من يسالمهم ولا يسوقون الناس بعصا واحدة، هذا أبو بكر ( رضي الله عنه )  يوصي أحد قواده وهو يزيد بن أبي سفيان مع جنده « لا تقتلوا وليداً ولا شيخاً ولا امرأةً ولا طفلاً ولا تعقروا بهيمةً إلا لمأكل ولا تغدروا إذا عاهدتم ولا تنقصوا إذا صالحتم ، وستمرون على قوم حبسوا أنفسهم في الصوامع فذروهم وما حبسوا أنفسهم له ».

إنهم ما كانوا يقاتلون أعداءهم لأنهم كانوا يخالفونهم في الدين ولكفرهم ، بل لأنهم اعتدوا وبدؤهم بقتال يقول تعالى : « عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *  لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».
يقول الإمام ابن تيمية : « فإباحة القتال من المسلمين مبنية على إباحة القتال من غيرهم » ويقول العلامة ابن القيم : « وفرض القتال على المسلمين لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم .

وقد توهم بعض العلماء أن قوله تعالى :« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ »   نسخ آية « لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ »  كمال قال سليمان بن موسى الكلاعي . فرد عليه وهمه باتفاق الجمهور على أن هذا المبدأ القرآني العام محكم لا نسخ فيه ، فقد حكى ابن تيمية اتفاق العلماء على أن آية الإكراه «ليست منسوخة ولا مخصومة وإنما النص  عام فلا نكره أحداً على الدين . والقتال لمن حاربنا ، فإن أسلم عصم ماله ودمه ، وإذا لم يكن من أهل القتال لا نقتله . ولا يقدر أحد قط أن ينقل أن رسول الله (ص)  لا ممتنعاً ولا مقدوراً عليه . ولا فائدة في إسلام مثل هذا ، لكن من أسلم قبل منه ظاهر الإسلام ».

بل لقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والحنابلة إلى أن مناط القتال لدى المسلمين هو الحرابة والمقاتلة وليس الكفر فلا يقتل شخص لمجرد مخالفته للإسلام أو لكفره بل لاعتدائه على الإسلام .

إن دخول جيوش المسلمين إلى سوريا والعراق ومصر وغيرها لم يكُ لاشباع رغبة القتال عندهم بل نصرةً للحث وتعزيزاً لمفهوم العدالة ومحافظة على حرية المؤمنين ومن يلوذ بهم ويدخل في ذمتهم ...

إن الإسلام لم يعرف في عهوده لكها العدوان التي دونت وقائعها في سجل التاريخ بل عرف الجهاد الذي يبني النفوس ويسلحها بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات ويصون كرامتها ويحفظ قيمها ومعاييرها السامية ويلتزم بقوله تعالى: « الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا »  وبقوله (ص)  رداً على من سأله : « الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله ؟! قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ».

لقد استهان الكسرويون والقيصريون والأقباط بكرامات الناس وحرياتهم فاستعبدوهم وساقوهم في السلم والحرب سوق الأنعام يستغلونهم في كل مرفق فلما رأوا معاملة المسلمين قواداً وجنوداً وثقوا بهم وأحبوهم وأقبلوا عليهم بارتياح يدخلون في دين الله أفواجاً .

لذلك قرّر أرنولد « أن من الخطأ أن نفترض أن محمداً في المدينة طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه ، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره انقطع عن دعوة المشركين إلى إعتناق الإسلام فهذا ابن سعد يعرض طائفة من الكتب التي بعث بها (ص)  من المدينة إلى الشيوخ وغيرهم من أعضاء القبائل العربية المختلفة بالإضافة إلى هذه الكتب التي أرسلها غلى الملوك والأمراء من خارج الجزيرة العربية يدعوهم إلى اعتناق الإسلام ».

وقرر ارنولد أيضاً عن لسان جورج سال مترجم القرآن الكريم إلى الإنكليزية أن الذين يتخيلون أن دعوة الإسلام انتشرت بحد السيف وحده ينخدعون انخداعاً عظيماً .

لقد بنى الإسلام علاقة اتباعه مع الأمم والشعوب الأخرى على أسس المحبة والإخاء الإنساني والانفتاح للخير العام لا على أسس الحقد الديني والعدواة العنصرية والتحدي العرقي ولذلك استطاع أن يفتح الآفاق من الصين شرقاً حتى الأطلس غرباً في أقل من نصف قرن ، وأن يحول أبناء تلك البلاد بطواعيتهم مخلصين للإسلام يدافعون عنه ويقاتلون في سبيله ويحملون رايته ليتابعوا مسيرة السابقين من الصحابة والتابعين بمثل ما كان لهم من حرارة الإيمان وصدق اليقين...

لقد حرر الإسلام الأفكار من العقائد الوثنية كعبادة الأصنام والكواكب والأشخاص. ونظر إلى كل هذه الأشياء النظرة الطبيعية الواقعية .

وحرر النفوس كما سبق من العادات والتقاليد الموروثة التي لا خير فيها كما حررها من الأخلاق والطبائع الذميمة.

وحررها من العبودية لغير الله. وسلك بالرقيق دروب التحرر الأكيدة كما أوجب على المسلمين كافة الأخذ بأيديهم لتوفير ذلك لهم .

نظم حياة الفرد، حيث أحسن صلته بالله ومع أخيه الإنسان، ونظم حياة الأسرة وأضفى على أجوائها من معاني المحبة والاحترام والتعاون ما لا مزيد عليه.

وحض على احترام الجماعة ووضع لها من الأنظمة والقوانين ما يكفل لها الطمأنينة ورغد العيش ، فرفض أن يطغي أحد على أحد أو فرد على فرد أو جماعة واعتبر الناس كلهم سواء أمام الله ثم أمام النظام ... وايم الله فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها يا عباس يا عم رسول الله ويا صفية يا عمة رسول الله لا أغني عنكم من الله شيئاً .

وقد حقق الإسلام هذا كله من طريقين : طريق الجهاد النفس وتربيتها وتزكيتها بالتعليم والتهذيب والدعوة الحكيمة وبالقوة حيث يكون لا مفر منها ولا مناص.

فكان دوره في حروب التحرير دوراً أدبياً غالياً تحميه وتسانده القوة في حالات الحاجة والضرورة محافظة على شرف الحق ومهابة الدين في النفوس ...

وعلى هذا نستطيع أن نقرر أن دور الإسلام في حروب التحرير كان مثالياً فريداً ، إذ لم تكن في الماضي البعيد أو القريب ولا في الحاضر حروب تحرير على مثل مستوى الحرب التي خاضها الإسلام في تاريخه العظيم ...

لقد اشتهر الفرس بشدة البأس وسعة السلطان ، واشتهر الهنود بأفيالهم الضخمة المرعية ، وكان اليونان إله الحرب «زيوس» كما اشتهر الرومان بإمبراطوريتهم المترامية الأطراف وبآثارهم العمرانية الكثيرة ، وكذلك اشتهر قدماء المصريين واليهود حتى قال د.أوسكار ليفي اليهودي : « نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه ومحركي الفتن فيه وجلاديه» وأظهر دليل على هذا وحشية اليهود في حروبهم في فلسطين سنة 1984 وخلال العدوان الثلاثي 1956 وحرب حزيران 1967 حتى باتوا مضرب المثل مضرب المثل في الفتك كما في مذابح دير ياسين والخليل ورام الله وغزة وكفر قاسم وغيرها ».

أما الإسلام فقد اشتهر بالمرحمة وبأن جنده كانوا يقاتلون إعلاءً لكلمة الله ودفاعاً عن الحق والعدالة وحرية الإنسان وكرامته . الأمر الذي جعله يسلك للحرب طريقين ، طريق الدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والحوار البناء والتربية الفكرية والنفسية الصالحة ، ثم طريق القتال دفاعاً عن العقيدة والنفس ، ويطلق على أسلوبه الجديد هذا لفظة الجهاد المنتزعة من المجاهدة والصبر والمعاناة إنزالاً للقتال منزلة البلاء المكروه يخوضه المسلم رغماً عنه وكرهاً منه رغبة في الحصول على ما هو الأفضل ...

قد سلك الإسلام دروب التحرير ، وأخذ على عاتقه بذل كل طاقة لتوفير طمأنينة الفرد الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والدينية والسياسة.

واعتبر الحياة بما فيها من زينة وتكاثر في الأموال والأولاد وتعاظم بالإباء والعلو في الأرض ن اعتبر كل لهواً ولعباً. ورأى أن خير ما يكسبه الإنسان في الحياة هو طاعة الله والبعد عن معاصيه . وأن الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره ورفض أن تكون للمسلم نخوة الجاهلية والتعاظم بالآباء . فالناس من آدم وآدم من تراب ولا فضل لعربي على أعجمي ولا عجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى.

لقد أراد أن يكون المسلم محباً لأخيه واعتبر إيمانه ناقصاً غذ لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه وكذلك بالنسبة للجار.

وحمّل المسلم مسؤولية الحياة ، مسؤولية كل شيء في محيطه ابتداءً من الأذى البسيط يميطه عن الطريق تثبيت دعائم الإيمان بالنفوس . ونصبه رقيباً على كل ذلك فقال تعالى : « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ » بل رأى أن تخليه عن هذه المهمة ظاهرة في إيمانه وصدقه مع الله .

لقد جعل المسلم، عامل بناء في المجتمع، حارساً أميناً على مكاسبه المادية والأدبية والدينية ، بل في كل ميدان وحقل ... وقال : »  خير الناس أنفعهم » وقال : « أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ».

هكذا كان دور الإسلام العظيم في تحقيق الشخصية الكريمة المتحررة من رواسب عهود الظلام والمتحصنة بشعارات الحق والخير والعدل.

وقد تبدلت الوجوه والمعالم الحضارية اليوم ، واختلفت المناهج في السلم والحرب ومن كل شيء ،وتغير وضع المسلمين ، فأصبحوا تبعاً بعد أن كانوا قادة ومعلمين ، وجردت عليهم أساليب الضغط والتأثير والإغراء ،والإخراج من الحدود والمعالم والعادات والخصال والفكر والأدب والشخصية الإسلامية ، بل وأصبح الكثير من مجتمعاتهم يخضع لهذه الضغوط ويعيش بعيداً عن رحاب الإسلام ومعطياته ، أسيراً لتيارات المدنية الحديثة في حقولها المختلفة ومشخصاتها الغربية عن إشراقه النور الرباني ومحرمة الإسلام وسموه...

وإذا كان آباؤنا قد جاهدوا في الماضي فساهموا مساهمة بناءه في تحرير الأفراد والشعوب ورفعوا عنهم الأغلال والآصار التي كانت عليهم وأسسوا حضارة وخلفوا وراءهم للأجيال اللاحقة بهم تراثاً فكرياً وعلمياً وأدبياً وأخلاقياً وتشريعياً زاهياً ، وقد كانوا بهذا كله أساتذة الأجيال لمرحلة زمنية تحسب بالقرون، ولا يزال العالم حتى اليوم وسيبقى يفيد من حصيلة جهودهم على كل صعيد وفي كل ميدان ؟!

وإذا كانوا قد تركوا لنا هذا التراث العظيم والسمعة الطيبة ، وفوق هذا كله الكتاب الكريم كتاب الله المبين والدستور الحكيم ومثله معه من سنة النبي محمد (ص)  وهما كافيان يما يحملان من فكر وتشريع وأدب وحكمة لتزويدنا بكل معطيات القوة والعزة والإبداع...

نقول إذا كانوا قد تركوا لنا هذا كله أفلا نستطيع أن نكون خير الخلف لخير سلف فنقوم بالدور الطليعي المثالي في خدمة الإنسان وتحريره من كوابيس الفكر المتحرف والحضارة المشوهة والأخلاق الممسوخة؟!

لقد حرر آباؤنا أمماً وشعوباً وأجيالاً من ضغوط المادة وقيود العادات والتقاليد المؤذية وأخرجوهم من الظلمات غلى النور أفلا نستطيع نحن أن ندلي بدلونا لهذه الفترة من عمر الدنيا فنمد يدنا إلى أنفسنا وإلى المجتمعات الحديثة التي أغرقتها المدينة المعاصرة بفتنتها الأخاذة وسرابها الخداع فننقذها مما هي فيه ونعيد إليها وراءها وبهاءها وصدقها وكمالها فنسعد كما سعد الأولون؟!...
 
  

   القسم السابق رجوع القسم التالي  

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة