إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 28
الاحد 19 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : موقف النبي من الديانات الثلاث الوثنية واليهودية والنصرانية -3-
التاريخ : 1980-12-08
المرجع : مجلة الفكر الإسلامي – السنة التاسعة – العدد الثاني عشر – صفر 1041هـ / كانون الأول 1980

 موقف الإسلام من التنجيم والسحر


هذا هو القسم الثالث من البحث المطول تحت عنون « موقف النبي صلى الله عليه وسلم » من الديانات الثلاث الوثنية واليهودية والنصرانية» والبحث الأول كان مقدمة تناولت صدق رسالة النبي الكريم، فبداية حديث حول الوثنية وموقفه صلى الله عليه وسلم منها. والبحث الثاني كان استكمالاً لما تقدم في الباب نفسه في إطار موقف الإسلام من التنجيم والألاعيب الشيطانية ومن الخمور والشفاعة والقبور والتماثيل والاشراك من مختلف الوجوه . أما القسم الثالث في هذا العدد فيتناول الحديث عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود واليهودية.

اليهودية في مكة

مما ريب فيه أنه لم يكن في مكة قبل الإسلام يهود ذوو شأن ،ولذلك فليس ثمة ما يستدعي التطرق إلى الحديث عنهم في هذه المرحلة من عمر الإسلام اللهم إلا ما روته بعض كتب السيرة من تنبيه بعض الكهنة والرهبان لذوي النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة السهر عليه وحمايته من كيد اليهود ، أو ما روي ايضاً مما سنرى من بعض يهود المدينة كانوا يتآمرون عليه بعد بعثته مع قريش ويساعدونهم لتفشيل دعوته والقضاء عليه.

اليهود في المدينة

ولكن لا مجال لتجاهل مكانة اليهود في المدينة ثم موقفهم منه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وموقفه منهم حتى لقي ربه .

نبذة عن تاريخهم في الجزيرة

ومن الثابت أن اليهود قد هاجروا تباعاً من الشام إلى جزيرة العرب فراراً من ظلم الرومان والبيزنطيين، وإنهم اختاروا الجزيرة العربية لهجرتهم بعد أن تحققوا من انه سيبعث فيها نبي وان فيها أرضاً ستكون موضع مهاجرة وانهم بعد بحث طويل عرفوها بأوصافها وهي يثرب فكان أكثر تجمعهم فيها وحولها وهو ما ذكره السمهودي في كتابه خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ، وقد استقرت منهم في يثرب هذه ثلاث أسر كبيرة هي بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة ومنهم تبع الحميري الذي حمل جماعة منهم إلى جنوب الجزيرة فنشروا اليهودية في اليمن وما جاورها ، وبذلك كانت لليهود مستوطنات قديمة في شمال الجزيرة ، في يثرب وتبوك ووادي القرى وفي جنوبها في اليمن وما جاورها.

نهجهم في الجزيرة

لقد استقر هؤلاء اليهود محافظين على جنسيتهم اليهودية، ولم يندمجوا في المجتمع العربي اندماجاً كلياً لأحساسهم المقيم بغربتهم من ناحية ولعصبيتهم العرقية من ناحية ثانية.

عقيدتهم

واليهودية بمفهومها الحاضر غير اليهودية التي شرعها الله على لسان موسى وسجلها لهم في التوراة ذلك أن التوراة الحقيقية التي تحمل الدين الصحيح النقي، قد تغيرت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم واستبدل بها اليهود مواثيق أخرى جمعوا فيها من التعاليم ما جعلوه شريعة لهم وزعموا أنها من عند الله وإنها لا تعادلها توارة موسى في التقديس.

ترقبهم ظهور نبي

ولا ريب أن الله تعالى قد أرسل إلى اليهود رسلاً كثيرين من جنسهم لتذكيرهم بالحق والعودة بهم إلى الصراط المستقيم . وكان قد أخذ عليهم الميثاق بأن يستقيموا كما قال « وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ».

ولقد كان من ركائز هذا الميثاق الإيمان بمحمد عليه السلام ، وكانوا يعرفون مبعثه وينتظرونه ،وقد روت كتب السيرة انهم كانوا من قبل ظهوره يستفتحون على الذين كفروا ويقولون بأنه سيظهر بالجزيرة نبي وانهم سيكونون من أتباعه ، وسينتصرون به على منافسيهم من الأوس والخزرج، ولكنهم عند ظهوره نقضوا الميثاق وكفروا بمحمد وقد قال ابن عباس : « كانت اليهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود فعاذت بهذا الدعاء وقالوا : انا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا ان تخرجه لنا في آخر الزمان إلا تنصرنا عليهم ». قال فكانوا إذا التقوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به ، فأنزل الله تعالى «وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ».

التلمود عند اليهود

ولليهود كتاب آخر غير التوراة هو التلمود واليهود مختلفون فيه وفي الحكم عليه ما بين مادح وقادح، وهو عبارة عن مجموعة الشرائع المدنية والاجتماعية واليهودية المتوارثة ، وكلها من اضافة الأباء الأولين ،  وقد جمع ما بين عام 400م. و 500م.
وفي هذا التلمود حديث طويل عن عيسى عليه السلام وطعن فيه وحط من شأنه ،  كما فيه كلام مفصل عن كيفية معاملة اليهود لغيرهم وما يكنونه لهم من بغض ويبيتون لهم من شر.

موقف الرسول من اليهود في مكة

لم يكن في مكة لدى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم  وجود يهودي ذو بال وخطر ، كما كان أمرهم في المدينة ، بل كل الذين كان منهم أفراد قليلون لا يحسب لهم حساب ولا يخشى باسهم ، وكان الرسول وهو في مكة يبلغ الرسالة مفرغاً كل همه لتثبيت عقيدة التوحيد في مواجهة الوثنية ، بل والعمل على هدمها وإبطالها.

وعقيدة التوحيد تلتقي في الأساس مع عقيدة اليهود وتؤكد ما معهم ، ولذلك لم يكن ثمة اي داع للمصادمة مع اليهودية ، وإن آيات القرآن في هذه الفترة من الوحي كانت تتنزل مستعرضة ماضي اليهود وما كانوا يلاقونه من عذاب من مختلف الحكام على مر العصور ، ومتحدثة عن عاقبة الطغاة والظلمة والجاحدين لأنهم الله .

بل كان بعضها يشيد بما كان من أهل الكتاب عامةً واليهودية خاصةً من تصديقهم للرسالات فقد ورد قوله تعالى :« وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ » وقوله مستشهداً بهم على صدق الرسالة والقرآن « وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ » وقوله «فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ » وقوله « أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ »
وكل هذه الآيات مكية أي في فترة التي سبقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة...

ولو تتبعنا آيات القرآن الكريم وكثيراً من السور المكية لرأينا كيف أنها كانت توجه الرسول الكريم إلى هدى الأنبياء السابقين وتحضه على التآسي بسيرتهم والاقتداء بسلوكهم ، يقول تعالى بعد أن استعرض مجموعة أنبياء بني إسرائيل «  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ » وجميع هؤلاء الأنبياء من بني إسرائيل ... الأمر الذي حمل على القول بأن الإسلام في مطلع عهده لم يتخذ من اليهودية موقفاً معادياً ، بل على العكس كانت له مواقف كثيرة فتحت الباب أمام اليهود للثقة بالنبي والاطمئنان إليه والمبادرة إلى احسان العلاقة به وقبول دينه.

استمالة اليهود لمحمد

كان اليهود الذين يستوطنون المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها يحملون العقائد التي حوتها التوراة المحرفة والتلمود ، وهي عبارة عن وحدانية الله الخالق مشبوه بوثنية قديمة بعضها أسيوي والبعض الآخر افريقي ولم يستطع أنبياء بني اسرائيل مع كل جهودهم ، أن يعودوا باليهودية إلى أصولها الصحيحة في نفوس شعب إسرائيل ، وظل الاعتقاد لديه أنه شعب الله المختار ليعلم البشر الوحدانية، وإن الله قد أوصاه بالسبت والأعياد والوصايا العشر والتابوت ، كما عاهد بأن يجعل توارته في قلوب ابنائه . وظل موسى هو نبيهم ، وهم ينتظرون ظهور المسيح ليخلصهم من العذاب ويجمع شملهم . وشعب إسرائيل يؤمن بالبعث وبخلود الروح، وينكر نبوة عيسى ومحمد عليهما السلام ، وينكر بالتالي الإنجيل والقرآن.

ورغم هذه العقائد التي ينطوون عليها، فقد بادروا بمجرد دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إلى احسان استقباله والتودد إليه ، آملاً باستمالته إليهم وضمه إلى حلفهم ليعاونهم في تأليف الجزيرة وتوحيدها للتصدي لمجابهة النصرانية التي أجلتهم عن فلسطين التي يعتقدون بأنها أرض الميعاد ووطنهم القديم.

مقابلة الرسول لهذه المبادرة

ولقد رد الرسول تحية اليهود هؤلاء بأحسن منها ، بل سعى إلى توثيق صلاته بهم خصوصاً وأنهم في نظره أهل كتاب، وموحدون فكان يصوم يوم صومهم وكانت قبلته في الصلاة بيت المقدس حتى ستة عشر شهراً من هجرته كما ورد في الصحيح وهو البيت الذي تتوثب إليه قلوب اسرائيل.

عقد معاهدة معهم

وقد أنمت الأيام خطوات الصداقة هذه بينه وبين اليهود حتى اكتملت بعقد معاهدات صداقة وتحالف معهم كانت ولا تزال من الوثائق السياسية الرائعة في تاريخ الإسلام بل الإنسانية ، وأعدهم فيها صلى الله عليه وسلم وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم ، وقرر فيها حرية العقيدة وحرية الرأي وحرمة المدينة والحياة والمال، وتحريم الجريمة ، فكانت حدثاً جديداً منفتحاً في الحياة السياسية والمدنية إذ ذاك ، ومما جاء في هذه المعاهدة : (ان من تبعنا من يهود ، فان لهم النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ، وان اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاريبن وان يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللسمسلمين دينهم وأموالهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه فإنه لا يوتغ ، يهلك إلا نفسه ، وأهل بيته . وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وان بينهم النصر من حارب من أهل هذه الصحيفة.

أهل الكتاب في نظر الدعوة الحديثة

ومما هو ثابت في الإسلام إنه دين لا ينبغي إلا نشر السلام والعدل وجمع الكلمة على اساس من التوحيد الخالص لله وحده، لذلك كانت من النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقابلة ليهود المدينة ، وهم الذين يزعمون أنهم يحملون عقيدة التوحيد ، آملاً باجتذابهم إليه أيضاً وهم اشد بأساً من أهل مكة وأوفر مالاً وأكثر جمعاً وأحسن تنظيماً وأوسع علماً وخبرة تساندهم الحصون كما تساندهم ميول كثير من الأوسيين والخزرجيين إلى ديانتهم.

فافهمهم ان الدعوة الجديدة هي لهم وللعرب جميعاً . وقد جاءت الآيات الأولى نزولاً في المدينة تحمل طابع الدعوة العالمية وتصرح بدخول أهل الكتاب وهم اليهود والنصاري فيها ، بل تتوجه أحياناً إلى اليهود بإسمهم وتخصهم بالخطاب ، يقول تعالى : «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ،  وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ، وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ،  أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » وقال « وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ » .

أثر هذه المعاملة والمعاهدات

ولقد كان لهذا الرباط الاجتماعي المتواد بين النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه من جهة ويهود المدينة من جهة أخرى انعكاساته الطيبة على مجتمع المدينة، فنعم السكان بالإستقرار الاجتماعي والديني ، وسكن المسلمون إلى دينهم وكذلك اليهود ، لا يخاف أحد منهم اذى ولا يخشى عدوناً ، بل كان له أثره الكبير على مجتمع المسلمين بالذات الذين لا يزالون في مرحلة التجمع والتكوين ، إذ منحه فرصة الإلتفاف إلى الذات وتجميع القوى وتعزيز الوجود حتى لم يكد يمضي على ذلك كبير وقت حتى اشتد واستوى على سوقه وجعل يتسع وينتشر ويزداد اتباعه.

ريبة اليهود وبداية تخوفهم

ولم يكن هذا الواقع إلا ليبعث مع الزمن في نفوس اليهود الريبة من الدعوة الجديدة وصاحبها والتخوف من خطر نشاطه عليهم ، وبخاصة بعد ان بدأت تتسرب إلى بعض أبنائهم . بل وبعض أحبارهم أمثال عبدالله بن سلام ، فهم ما أحسنوا استقباله ولا أظهروا له المودة إلا ليكون لهم منه قوة على خصومهم النصارى ، أما بضمه إليهم أو بمحالفته ، وعيشه في ظلهم وتحت كنفهم . أما ان يزداد هو قوة ويكثر عدداً ، حتى بات يفكر بأخذ موقف من قريش رداً على ما كان منها تجاهه وتجاه اتباعه المؤمنين، ثم ينكشف جمعهم فينضم منهم من ينضم إليه من أبنائهم وبخاصةً بعض أحبارهم ، ويفشلون نهائياً في استمالة ويرون بأعينهم التفاف الناس حوله وازدياد اندماجهم بمجتمعه يوماً بعد يوم ، فهذا ما لم يكونوا ينتظرونه ، ولذلك بدأت تتفاعل الريبة في نفوسهم وتنعكس عليها خوفاً وحذاراً شديدين.

ابتداء العدواة

ولذلك لم يعد ثمة مناص من إعادة النظر في موقفهم الذي كان منهم وقت دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وبالفعل ، فقد اعتمدوا منهجاً جديداً للتعامل معه ، يظهرون فيه بشخصيتهم المتميزة ، ولا ينغمسون فيه في عدواة ظاهرة معه ، لقد اعتمدوا منهج الحوار والجدل وطرح الأسئلة عليه الذي ظاهره محاولة فهم ما عنده لتعقله ، وباطنه زعزعة يقين بعض من اتبعه ممن لا يزالون على عتبة الإيمان ، وصرف ممن يفكرون باتباعه نهائياً منه ، ولملمة فلول المناوئين له والمخالفين ، ليكونوا كتلة واحدة قادرة على المجابهة والمواجهة ، ثم إذا لم يجد هذا فحرب الدسائس والكيد والمخاتلة والنفاق ، ثم القتال السافر والمجابهة المسلحة...

صور من الجدل والأسئلة

ومن صور هذا الجدل الماكر ما جرى بين فنحاص اليهودي وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقد روى ان أبا بكر تحدث إلى يهودي يدعى فنحاص ودعاه إلى الإسلام فقال له أثر جدال جرى بينهما عن  الإسلام : والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، إنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وأنا عنه أغنياء وما هو عنا بغني . ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم . ينهاكم عن الربا ويعطيناه. ولو كان عنا غنياً ما أعطانا. وفنحاص في هذا يشير إلى قوله تعالى: « مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً » .

وبالطبع لم يكن ابو بكر رضي الله عنه ليطيق هذا الأسلوب من الخطاب فما كان منه إلا أن لطم فنحاص بشدة وقال له : « والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت راسك يا عدو الله ». وشكا فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله به أبو بكر ، وأنك ما قاله هو له : فنزل قوله تعالى :« لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ» .

 وقال الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت يهود ، وقالوا يشبه كلام الله ، وذلك للتشكيك به فأنزل الله تعالى قوله :« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً».

 وخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : قال الناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي: هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم ؟ قالوا لا ندري حتى نسأل نبينا، فجاء رجل إلى النبي فقال : يا محمد غلب أصحابك اليوم قال : ( وبم غلبوا؟)  قال : سألهم يهود . هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم ؟ قال : فماذا قالوا؟ قال : قالوا لا ندري حتى نسأل نبينا . قال أفغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون فقالوا لا نعلم حتى نسأل نبينا . لكنهم قد سألوا لا نعلم ، فقالوا ارنا الله جهرة ، علي يا أعداء الله أني سائلهم عن تربة الجنة وعن ( الدرمك) فلما جاؤوا قالوا يا ابا القاسم : كم عدد خزنة جهنهم؟ قال : هكذا وهكذا في مرة عشرة وفي مرة تسعة، قالوا نعم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما تربة الجنة؟ قال فسكتوا هنية ثم قالوا أخبره يا ابا القاسم ؟ فقال رسول الله ( الخبز من الدرمك).

وحينما بلغ اليهود أن محمداً يقول أن الله قد أخذ عليهم الميثاق وان من أسس هذا الميثاق الإيمان به قال مالك بن الصيف للنبي صلى الله عليه وسلم : والله ما عهد إلينا فيك عهد وما أخذ لك علينا ميثاق فأنزل الله تعالى:« أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ».

 وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت محمد ؟ قال على ملة إبراهيم ودينه ، قالا فإن إبراهيم كان يهودياً فقال لهما" فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم . فأنزل الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ» .

 وسأل شهر بن حوشب يوماً رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع : عن سر انتقال شبه الأب أو الأم إلى الولد ، وعن نومه مع يقظة قلبه كيف يكون ؟ وعن الذي حرمه اسرائيل على نفسه ، وعن الروح، كما سأله حيي بن أخطب وجماعة عن ذي القرنين وسأله آخرون عن الساعة وغير ذلك كثير ، ورغم انه صلى الله عليه وسلم قد اخذ عليهم المواثيق انه ان هو أجاب آمنوا ، فقد كذبوه ورفضوا مقالته حتى اضطر بينما أن يخرج جماعة منهم من المسجد بعد أن دخلوه ليسألوه بعض أسئلتهم الموسومة يوماً بالإحراج والمضايقة وذلك بعد أن رآهم يتهامسون وبعد أن رأى مخايل الريبة والدس تظهر على تصرفاتهم .

صورة من تحدياتهم وتشكيكهم ودسائسهم

وقد قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد مرة لرسول الله يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء ، نقرؤه ، وفجر لنا أنهاراً ، نتبعك ونصدقك فأنزل الله تعالى:« أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ » وقال رافع هذا مرة يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى في ذلك الوقت « وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ».

 لقد سلكوا سبيل تشكيك الناس بالنبي وبالإسلام ، واستعانوا بكل حيلة ووسيلة وفجور ، فزعموا أن الله هو الذي يعبده بنو اسرائيل ، أما الناس الآخرون فلا يحق أن يكون لهم هذا الأله ، إذ لا يجوز تسويتهم بغيرهم وهم شعب الله المختار . وقد ردت صفية أم المؤمنين قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء ، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي ياسر بن أخطب فلم يرحبا به حتى كان غروب الشمس فأتيا كليلين كسلانين متساقطين يمشيان الهوينى . فهششت إليهما ، فما التفت إلى أحد منهما مع ما بهما من العلم ، فسمعت عمي ياسر يقول لأبي أهو هو ؟ أي المبشر به في التوراة ؟ قال نعم والله ، قال أتثبته؟ يعني هل أنت متاكد من ذلك ؟ قال نعم . قال فما في نفسك منه؟ قال عدواته والله ما بقيت أبدا... وليس عن عبث يقول الله تعالى:« لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ».

 وقد اقترح عبد الله بن صيف وعدي بن زيد والحرث بن عوف أن يظهروا للناس أنهم آمنوا ثم بعد ذلك يعلنون عدولهم عن الإيمان ويجهرون بالكفر فإذا رأى الناس ذلك قالوا: لولا أنه ظهر لهم كذب محمد لما عدلوا عن الإيمان به وهم أهل علم ودراية . وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله« وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ».

وطرحوا دعوى شعب الله المختار في حوار صريح مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد أن نفراً من اليهود فيهم نعمان بن أحنا وبحري بن عمرو وتاس بن عدي وذلك عندما دعاهم إلى الإسلام فأجابوه : أتخوننا يا محمد ونحن أبناء الله وأحباؤه فرد الله عليهم بأن حبيب الله هو المؤمن التقي، وأما من كفر وعصى فهو عدوه، كما اخبره بأن من أحبه تمنى لقاءه ، ولكن اليهود لا يتمنون هذا اللقاء لأنهم يعلمون حقيقة أمرهم فقال تعالى:« قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ،  وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ ، وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ »  وقال « وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ » ورد عليهم أيضاً دعواهم بأنهم لن تمسهم النار فقال :« وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ،  بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ».

 وقد بذلوا قصارى جهدهم لصرف الناس عن القرآن ، وفتنة المسلمين في دينهم ، وذلك عن طريق نقل الأخبار الكاذبة عن توراتهم ليضلوا بها المؤمنين فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين:« لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمناً بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون».

وقد روى عن أبي جرير عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا أما أن تكذبوا بحق او تصدقوا بباطل، وكثيراً ما حاول البعض البارزين منهم استجرار الرسول صلى الله عليه وسلم واستمالته إلى ارائهم وصفهم خداعاً ، ولكن الله كان يعصمه من فتنتهم ويصرف عنه كيدهم فقد أخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن ابي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من اليهود : إذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فاتوه فقالوا : يا محمد انك عرفت انا أحبار اليهود واشرافهم وساداتهم وانا ان أتبعناك أتبعنا يهود ولم يخالفونا وان بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدقك فأبى ذلك وأنزل الله عز وجل فيهم« وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ».

 ومن الشكوك التي اثاروها على شريعته صلى الله عليه وسلم انهم قالوا أنه يدعي انه أولى الناس بإبراهيم وانه على طريقته ، وهو في نفس الوقت يحل أكل الأبل وهي محرمة عند إبراهيم فأنزل الله تعالى رداً عليهم وتكذيباً لهم بأن الطعام واللحوم كانت حلاً لبني إسرائيل ، أي يعقوب ، إلا ما حرم اسرائيل على نفسه ، وذلك من قبل أن تنزل التوراة ، وتحداهم أن يتلوا التوارة ليجدوا صدق هذا وكذب دعواهم ، يقول تعالى :« كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ » وقد سأله جماعة منهم عن الشيء الذي حرمه اسرائيل على نفسه وسببه فقال لهم انشدكم بالله وبأيامه عند بين اسرائيل هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إلى إسرائيل ألبان الأبل ولحومها وانه اشتكى شكوى فعافاه الله منها فرحم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه شكراً لله، فحرم على نفسه لحوم الأبل والبانها، ونقل ابن اسحاق عن ابن عباس ان الذي حرمه اسرائيل على نفسه هو زائدتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما على الظهر منه.

وحاولوا استغلال تغيير قبلة السملمين من بيت المقدس إلى بيت الحرام فقالوا ان كان اتجاه محمد إلى بيت المقدس صواباً فلماذا ترك الصواب إلى غيره وهو الكعبة ؟ وان كان اتجاهه إلى بيت المقدس خطأ كان ذلك دليلاً على جهلة وتضليله لأتباعه واضاعته لصلاة أتباعه التي صلوها متجهين إليها ، وقد رد الله عليهم بقوله :« سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ » أي صلاتكم إلى بيت المقدس.

ثم جاهروا بإنكار القرآن أن يكون كتاباً من عند الله وعللوا ذلك بأن واسطة انزاله على محمد هو جبريل عدو لهم لأنه كان يتنزل عليهم بأشق التكاليف فرد الله تعالى عليهم ذلك بقوله : «  قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ، مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ».

 صور للعداوة السافرة والنفاق

وكثيراً ما دفع حسدهم للرسول وبغضهم للإسلام والمسلمين إلى ان فضلوا الشرك وعبادة الأوثان على التوحيد ، فقد ورد أن حيي بن أخطب وأبا رافع سلام بن أبي الحقيق والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وابا عمار الوائلي وهم من بني النضير ونفراً من بني وائل ساروا في وفد إلى مكة لتأنيب قريش على محمد صلى الله عليه وسلم فقالت لهم قريش : يا معشر يهود أنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق ، وفيهم نزل قوله تعالى:« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ،أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ، َمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ، َمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ، َمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا » وقد حملتهم عدواتهم هذه النابعة من حقدهم وحسدهم وعنصريتهم أن بالغوا في المكابرة وجحود الحق التخلي عما انتهى إليهم من العلم الصحيح ؟ فقال حيي بن أخطب وكعب بن أسد وابو رابع لعبد الله بن سلام حسن أسلم: ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك .

 اطلقوا ألسنتهم بألفاظ نابية تناولوا بها شخص النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة أو غير مواجهة وجندوا منهم للطعن به علينا وبين الذين يعادونه فكان إذا سلم عليه صلى الله عليه وسلم لوى لسانه بلفظة السلام فقال : السام عليك يا محمد ، السام هو الموت، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليه وعليك ، ويأبى أن يزيد على ذلك فضلاً منه وترفعاً . وقد حصل ذلك مرة وعائشة رضي الله عنها حاضرة فسمعت ذلك وردت بقولها بل عليكم السام واللعنة ، فقال يا رسول الله يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، فقالت اولم تسمع ما قالوا؟ قال : قلت وعليكم.

وكان كعب الأشرف وهو عربي من طيء غنياً وشاعراً يعطي أحبار اليهود ليستمروا على مناوءته صلى الله عليه وسلم ، ولما انتصر صفى الله عليه وسلم في بدر غاظه ذلك فذهب إلى قريش يحرضهم على الثأر مكثراً من هجو الرسول  ومشبباً بنساء المسلمين.

وكذلك كان يفعل ابو عفك وعصماء بنت مروان وسلام بن أبي الحقيق وكنانة ابن أبي الحقيق واخوة الربيع ويحي بن أخطب.

ولكن لما استفحل أمرهم وزاد نشاطهم في التحريض على الرسول والطعن فيه والعيب على الإسلام لم يعد بد من التصدي لهم فانتقم منهم جميعاً وأرسل إليهم من قتلهم وأدب بهم الآخرين وجعلهم سلفاً ومثلاً .

وحاولت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مكشم النضيري قتله صلى الله عليه وسلم فأهدت له بعد فتح خيبر شاة مسمومة فانجاه الله منها ولكن مات فيها بعض المسلمين فقتلها رسول الله قصاصاً .

ثم حاولوا إيذاءه بتسليط السحر عليه وكذلك المشعوذين فعهدوا إلى لبيد بن الأعصم اليهودي ليتتبعه ويوجه سحره عليه عله ينال منه ، والعلماء وان كانوا في ذلك في خلاف ما بين مؤكد أذاه عليه وناف له ، فإن مما لا شك فيه ان هذا الخبر ينقل إلينا صورة جلية من صور حقد هؤلاء اليهود على الرسول صلى الله عليه وسلم وعزمهم الضاري للإيقاع به مهما كلف الأمر.

وقد ابتدعوا اخطر ما ابتدعوه في مواجهته خطة النفاق ، فكونوا جماعة منهم ومن بعض العرب الذين الف بينهم حقدهم وحسدهم أو تمكنوا من استغفالهم واستمالتهم ، فكانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.  يخادعون بذلك الله ورسوله والمؤمنين وقد برع عدد كبير منهم في هذه المهمة وكانت لهم وقائع وأحداث مع الرسول ومع المؤمنين سجلتها كتب السير واشار إليها القرآن الكريم في سورة ( البقرة والنساء والتوبة والأحزاب والحشر والمنافقون ) وغيرها أكد فيها كلها أنهؤلاء المنافقين في نفاقهم هذا ، إنما يخدعون أنفسهم ، لأن ذلك لا يخفي على الله وهو كاشفه لرسوله ،وانهم في النهاية في الدرك الأسفل من النار ، وإن الله جامعهم والكافرين في جهنم جميعاً .

ورغم كل ذلك التآمر فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصبر عليهم ويعاملهم كما لو كانوا مؤمنين لحكمة أوضحها وسنوردها فيما بعد ، ولما مات رأسهم وهو عبد الله بن أبي سلول جاء ابنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يعطيه قميصه ليكفن به أباه فاعطاء الرسول قميصه ، ولما عاتبه بعض الصحابة في ذلك قال : « ان قميصي لا يغني عنه من الله شيئاً وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومه» وقد وقع في مغازي ابن اسحاق وفي بعض كتب التفسير انه قد اسلم وتاب لهذه الفعلة ألف رجل من منافقي الخزرج. وعقب غزوة بني المصطلق قال عبد الله هذا تعليقاً على شجار وقع بين أنصاري من الخزرج ومهاجري : اوقد فعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قاله الأول سمن كلبك يأكلك ، أما الله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولما بلغ عمر بن الخطاب هذه المقالة وهو عند رسول الله ، قال له مر بن عباد بن بشر فليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يا عمر إذا تحدث الناس ان محمداً يقتل اصحابه ، ولكن اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بإتباع خطة الاذلال وذلك بتكليف ابنه عبد الله بأن يأخذ من أبيه اقراره بخطئة . وقد ترتب عليه بأن لا يسمح له ابنه بالعودة إلى المدينة حتى يشهد على نفسه بقوله هو الذليسل ورسول الله هو العزيز.

وقد ظل الأمر هكذا مع هذه الفئة من الناس ، حتى افتضح أمرهم أخيراً بآيات سورة براءة . وأسدل الستار نهائياً في الجزيرة عليها .

محاورتهم الرسول : وكثيراً ما كان يدفع بهم غرورهم إلى تحدي الرسول وحمله على مناجزتهم ولكن كان يصبر عليهم ويلاينهم حتى تكون البادرة منهم ، من ذلك انه بعد رجوعه من بدر جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال لعم : « يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما اصاب قريشاً » فقالوا يا محمد لا يغرنك من نفسك انك قتلت نفراً من قريض كانوا غماراً لا يعرفون القتال، انك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وانك لم تلق مثلنا فأنزل الله فيهم «قُللِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ».
 

   القسم السابق رجوع القسم التالي  

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة