بسم الله الرحمن الرحيم السيد شريف الدين بيرزاده الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي – الكويت- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإني آمل التفضل برفع الكتاب المرفق إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، ملوك ورؤساء الدول الإسلامية المشاركين في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في الكويت، شاكراُ لسعادتكم حسن تعاونكم ومقدراً جهودكم الصادقة في خدمة القضايا الإسلامية العامة . مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد
بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب الجلالة والفخامة والسادة ملوك ورؤساء الدول الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بمناسبة لقائكم الأخوي في الكويت ، اسمحوا لي أن أضع بين أيديكم بإيجاز صورة عن أوضاع أبنائكم المسلمين في لبنان الذين يعانون منذ أكثر من عقد من الزمن من الكوارث والنكبات المتواصلة، التي تركن آثارها عميقة في بنية المجتمع الإسلامي الذي تجتمعون اليوم من أجل العمل يما يضمن سلامته وسلامة المجتمع الإسلامي الكبير. ان هذه الحرب الدائرة منذ 12 سنة على أرض لبنان لا يمكن وصفها بأنها حرب لبنانية صرف، وان تكن تدور على أرضه، وان يكن محاربوها المباشرون، لبنانين، فهي في واقع الأمر حرب عربية بقدر ما هي لبنانية. وهي كذلك ومن جوانب عدة تمثل صراعاً دولياً بأدوات لبنانية. ان هذه الحرب المستعمرة والمريرة قد بلغ عدد ضحاياها عشرات بل مئات الألوف بين قتيل وجريح. وإذا علمنا أن أساس هذه الحرب الفتنة هو صراعنا مع إسرائيل، فلسنا نبالغ إذا قلنا أن ما دفعه لبنان وشعبه من خسائر بشرية ومادية لم يدفعه، نسبياً، أي بلد عربي في هذا الصراع العربي والإسلامي. لقد كان حظ إخوانكم وأبنائكم المسلمين من كل ذلك النصيب الأوفى، لأن أكثر المعارك دارت وتدور في مناطق يشكلون أكثرية أهلها وسكانها. ويكفي أن نستعرض خارطة الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 فضلاً عن العدوان الإسرائيلي المستمر على مدى هذه السنين، لكي نقدر عظم ما أصاب المسلمين من ألوان الأذى والبلاء. أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، نعم أن لبنان يدفع منذ سنوات طويلة من دماء أبنائه ، ومن اقتصاده وعمرانه وازدهاره ثمن التصدي للعدوان الإسرائيلي على الأمة العربية كلها. وإذا كان هذا العدوان قد ألحق بلبنان خراباً ودماراً كبيرين، فإن شعلة المقاومة التي أضاءها الشهداء الأبرار الذين يتنافسون على الاستشهاد يجب أن تضيء كل عالمنا الإسلامي الكبير، وأن تكون حافزاً قوياً لدعم هذه المقاومة من خلال دعم لبنان اجتماعياً وإنمائياًَ وعمرانياً في خطة اقتصادية متكاملة. ان مساعدة لبنان على ترميم اقتصاده الوطني المتصدع، ومساعدته على إنقاذ العيش المشترك بين جميع أبنائه على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم يعزز من صموده في وجه العدو الإسرائيلي. لذلك فإني أهيب بكم أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، التدخل لدى سائر المراجع الدولية، وبذل أقصى جهد ممكن، لرفع كابوس الاحتلال الإسرائيلي عن كاهل لبنان، ولمساعدته بالتعاون مع الشقيقة سوريا على الخروج من محنته الدامية، التي ما تزال سبب كل معاناته الكبرى ليعوج إلى موقعه الطبيعي في الأسرة الإسلامية الكبيرة، عضواً معافى عاملاً فعالاً ومثالاً حياً للعيش السمح والكريم بين مختلف الطوائف والمذاهب. أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، لقد أصاب أبناءكم المسلمين في لبنان ما أصاب إخوانهم في الوطن من تشريد وتهجير. فدمر العديد من قراهم وأحيائهم وأحرق الكثير من مزارعهم ومصانعهم. وهجروا من منازلهم بعد ان تناولها النهب والحريق، وأصاب الكثير منهم التعسف والقهر والقتل والخطف. ان عشرات الألوف من العائلات الإسلامية من مختلف المناطق اللبنانية باتت دون مأوى. يغزوها البرد والمرض والجوع، ويفتك بها إضافة إلى كل المصائب التي نزلت بها. ان الكارثة التي حلت بأبنائكم في لبنان تتطلب رعاية استثنائية، خاصةً بعد أن هدم العدو الإسرائيلي عن سابق تصور وتصميم المنشآت الإنسانية التي تملكها وتشرف عليها مؤسسات إسلامية كالإدارات الوقفية من المساجد والكليات الدينية، والمستشفيات والمدارس ودور العجزة، ولا يزال العدو الإسرائيلي يستهدف بيوت المسلمين ومزارعهم في جنوب لبنان وفي سهل البقاع إمعاناً منه في محاولات الإذلال والقهر وفي أيقاد حرب التفقير والتجويع. وبالرغم من ان بعض الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ما زالت تقدم مشكورة بين الحين والآخر مساعدات مباشرة للشعب اللبناني المنكوب بمختلف فئاته، وكذلك مساعدات قيمة إلى بعض المؤسسات الإسلامية التعليمية والصحية والخيرية لمؤازرتها في أداء واجباتها في هذه المرحلة العصبية التي يمر بها لبنان، فتبلسم جراحهم، وتكفكف آلامهم، وتعينهم على مواجهة الكارثة، فإن حجم المأساة ما زال يتطلب المزيد من تضافر الطاقات والجهود الخيرة للقيام بخطوة إنقاذ في مستوى الأمة الإسلامية العظيمة وفي حجم النوازل التي تنتابها. إنني أدعو الله أن يلهمكم الخير ويدم مؤتمركم بالتوفيق والسداد وان يرشدكم لما فيه خير الإسلام ووحدة المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كلمة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد في القمة تشهد منطقة الشرق الأوسط في هذه الحقبة من الزمن محنة متعددة الوجوه تنصب على شعوبها وتطال مجتمعاتها في ظروف حياتهم كلها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياًً وعسكرياً. وقد أحاطت بهم إحاطة مذهلة فدفعت بهم في أزمات متلاحقة تدع الحليم حيراناً ولا يكادون يفلتون من واحدة أو يتخففون منها حتى يسقطوا في حبائل الأخرى... وان من الأزمات ما قد يكون محتملاً حتى ولو كانت ثورات وحروباً طاحنةً أو جوعاً ممضياً أو مميتاً. ولكن أزمة نزاع الأخوة وخلافهم حتى تنتهي بهم إلى التدابر المريع والفشل الذريع و إلى صراع دام ومدمر، فهي التي يستعص أطاقتها والصبر عليها والسكوت على محنتها وأذاها. والمجتمع الإسلامي العربي اليوم من المحيط إلى الشرق البعيد، يعيش حالات من القلق والاضطراب يغلي معها غليان الرجل... وان حرارته لفي تصاعد وارتفاع وان شعوبه في كل مكان منه تخوض أجواء الأسى والهم، بل والسخط والتململ. وهي تبحث من خلال انتفاضات هي صدى انفعال أكثر من أن تكون ثمرة تدبير، عن مخرج تسترجع به معالم وحدتها وتسترد كرامتها وحريتها وتصون وتنشئ عزتها. كل ذلك بسبب الوضع المهين الذي عليه مجتمعنا الإسلامي والعربي اليوم. هذا الوضع الظاهر في انقسام أمته إلى دويلات مختلفة الأنظمة والاتجاهات متباينة الميول والأهداف، استحكم فيها التدابر وشملها التنازع والخصام، وانقلبت على أمم وشعوب وجماهير بعد ان كانت أمة واحدة وشعباً واحداً وجمهوراً واحداً يحكمها الإخاء والود ويسودها الولاء والتعاون وهي التي قال الله تعالى : « إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ». وأنا لنعلم جميعاً أن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين وحدة الموقف والصف فقال: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ،كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ » وقد نهاهم عن التفرق فقال : « وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ » وقال : « وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » وأوضح لهم عاقبة الخلاف والنزاع ومنته عليهم باجتماع كلمتهم بالإسلام فقال : « وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى وحضهم على ذلك وألزمهم بوجوب إصلاح ذات بينهم وحثهم عليه، ووجههم للإحتكام إلى شريعة الله والنزول على حكمه واعتبر الخروج من أي كان على هذا المعنى خروجاً على الإيمان ، فقال تعالى: « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيا شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما». وحكم الله تعالى هذا وارد في الكتاب أو في السنة وروداً محكماً أو وروداً مشتبهاً، ولا سبيل للمسلمين إذا كان الحكم وارداً في صيغته المحكمة أن يكون لهم عنه صدود. إذ ان ذلك من عمل المنافقين أو الكافرين، ويستحيل أن يكون عمل المؤمنين المتفقين، أما ان كان وارداً في صيغته المتشابهة فما على الجماعة من المسلمين وأهل الحل والعقد إلا أن يتصدوا لتفسيره واستنباط المفهوم منه ، وما أخذوا به فهو حكم مجموع الأمة وهو الإجماع الممثل لحكم الله والرسول لأن الآية السابقة دالة على أن إجماع المؤمنين حجة ملزمة. لا يجوز لأحد مخالفته خوفاً من الوقوع في الشذوذ عن الجماعة الذي يودي بصاحبه إلى النار. يقول الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ». أليس ينبغي في ضوء هذا المفهوم العظيم على كل مسلم، بالذات إذا كان مسؤولاً أن يراجع موقفه منه ثم يحدده خشية الوقوع في النار الحارقة والهلاك الحسي مع سخط الله الذي لا يبقى ولا يذر وهو القائل: « وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ، وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ، أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ». من أجل هذا فإنه لا يسعنا في هذه المناسبة الجليلة التي يلتقي فيها عظماء المسلمين وقادتهم من الملوك والرؤساء والأمراء إلا أن تلفت أذهانهم إلى هذه المعاني بل وأفكار شعوبهم كافة ليأخذوا جميعاً حذرهم تجاه ما يتهددهم في الدنيا من أخطار النزاع والخلاف والتدابر والتقاطع وهم يتصدون لعدو أوتي كل الحيل،واستحوذ على قدرات وطاقات يحسبون كل الحساب لمواجهتها وهم جميع وكتله متراصة فكيف وهم نأكل أكبادهم الأحقاد وتستنزف قواهم ومصادر قدراتهم الصراعات والحروب؟؟ إلا ان عذاب الله ليس واحداً بل هو عذاب في الدنيا يجري على أ يدي الناس وعذاب في اليوم الآخر يوم لا حول ولا طول ولا أنصار ولا جمع يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وحسبنا ما لقينا حتى الآن من تعاد مخيف وتمزق خطير وتقاتل مهلك ومدمر واسترسال في الضلال المبين تمد بها كل يوم عدونّا المشترك، تمده بمختلف أسباب القوة والسلطان لمعن من امتلاك أراضينا والإجهاز على قوانا ومصادر ثرواتنا وقدراتنا. أيها السادة الملوك والرؤساء والأمراء، ان شعوبكم تخوض اليوم بفعل هذا الواقع الذي وصفناه في بحر يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض من المآسي التي تدخر بالآلام والمصائب والهموم، وإنهم ليتجهون إلى الله تعالى بكل ضراعة أن يكشف عنهم هذه الغمة وما فيها من الضر والعذاب وان ينير قلوبكم ويلهمكم التوفيق والرشاد إنه يستصرخ همتكم وضمائركم لتضربوا بالخلافات عرض الحائط وتعودوا إلى الحق إلى حكم الله إلى التعاون والتناصر إلى وحدة الصف والموقف على الله أن ينقذ بكم الأمة ويعيد إليها قوتها وعزتها... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |