المسلمون ، اليوم ، بحاجة إلى الأخذ بالإسلام. العلم هو الوجه الآخر للشريعة الإسلامية. فشل المادية كأساس للحضارة. وحدة المسلمين ضرورة لا شك فيها . على المسلمين التصدي لجميع القوى المناوئة للإسلام. للدعوة الإسلامية أعظم الأجر في العصر المادي . الإسلام تتويج خُلقي للبشرية في مسيرتها الكبرى الكلمة التي ألقاها سماحة المفتي في حفل افتتاح مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في البلاد العربية ، المنعقدة في الكويت بتاريخ 23 محرم سنة 1393هـ : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، أرسله الله بالهدى ودين الحق ، فأدى الرسالة ، وبلّغ الأمانة ، وحمل الأمة الإسلام أجمل بشرى ، من خلال قول رب العالمين : قال تعالى « تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»، وقوله تعالى « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ » . هذا هو معيار الخير في تقدير الله عز وجل ، وهو شرف هذه الحياة الدنيا وغايتها ، وهو ما لخصه الرسول الأمين بقوله : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» . إن الإسلام ، أيها السادة ، هو تتويج خلقي للبشرية في مسيرتها الكبرى ، ونعمة إلهية للإنسانية في غايتها القصوى . وإنه لشرف كبير لنا جميعاً نحن المسلمين، أن نقتفي اثر الرسول الأعظم، ونقتدي بسيرته المشرقة ، فنعمل مخلصين لله ، متواضعين ، على تمثل رسالة الحق ، ثم نشرها بين الناس ، لتحقيق المساواة بينهم ، وزرع المحبة في القلوب جميعها . وإن الدعوة إلى هذا السبيل لتصبح عند الله أعظم فضلاً ، في عصرنا كعصرنا هذا الذي نعيش فيه ، والذي توصف به ألوان من التخلف الروحي على كل صعيد، بعد أن طغت المادة فيه على كل جانب من جوانب الحياة ، وبهرت الانجازات المدنية أبصار الناس وبصائرهم ، ففقدوا القدرة على إقامة التوازن بين الروح والمادة ، بل حسبوا أن الحضارة المادية بأشكالها المختلفة ، هي حقيقة هذا الوجود ، فانصرفوا إليها ، فكان هذا الانصراف على حساب الإنسان وسعادته في هذا العالم . إن النزاعات الدولية والمظالم الاستعمارية ، والحروب الدموية بل أن هذه الانهيارات الخلقية والاجتماعية ، على صعيد الأفراد والشعوب ، ما هي في الواقع إلاّ نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن بين الروح والمادة . إن هذه الأزمة الإنسانية تعود في نظرنا على سببين : أولهما : فشل المادية كأساس للحضارة . وثانيهما : فشل الدين غير الإسلامي في توجيه هذه الحضارة ، بإقامة التوازن بين حاجات الروح وحاجات الجسد . إن الإسلام في خضم هذا المنزلق البشري ، يأتي اليوم بديلاً طبيعياً ومستقبلياً ، لأية حركة روحية أخرى ، مالكاً لجميع القدرات الحضارية ، التي من شأنها أن تملأ في حياة الإنسان المعاصر الفراغ الذي خلفه الفشل الذي أشرنا إليه . إلا أن الإسلام أيها السادة لا يمكن أن يؤدي مثل هذه الرسالة إلا بالمسلمين ، وأن المسلمين على ما نرى وترون، هم بحاجة اليوم إلى الأخذ بالإسلام ، قبل أن يكونوا بحاجة لإيصاله للآخرين . ومن هنا ، فإن الدعوة الإسلامية التي رأس جدول أعمال هذا المؤتمر الكريم ، ينبغي أن نتوجه بها إلى المسلمين أنفسهم ، فنعمّق الإسلام في قلوبهم ، ويصبح التزاماً طوعياً في حياتهم اليومية وسلوكهم الخاص . إن تنظيم صفوف المسلمين، وتوحيد مواقفهم، واتفاق آرائهم يصبح مقدمة ضرورية ليكونوا أكثر قدرة على العطاء، وأكثر جدارة على حمل الرسالة ، رسالة الحق والهدى إلى العالمين : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ». إن هذا المؤتمر ، الموفق بإذن الله ، الذي دعت إليه دولة الكويت الشقيقة ، بتوجيه مسؤول من أميرها الكبير ، جاء ليحقق هذه الوحدة الضرورية بين المسلمين في البلاد العربية ، كخطوة أولى وضرورية هي الأخرى للوحدة بين المسلمين في شتى بقاع الأرض . إن الروح الذي وضعت به موضوعات المؤتمر المدرجة على جدول أعماله ، هو الروح العلمي الحقيقي ، لأنه روح التوحيد ، إن كان ذلك على صعيد توحيد مواقف المسلمين في الأعياد والمناسبات الدينية ، أو على صعيد توحيد المؤسسات الإسلامية العاملة في حقل الدعوة والتنسيق بينها ، والتخطيط لأعمالها ، أو على صعيد توحيد الصندوق المقترح لدعمها . وإذا كان الروح العلمي هو الذي جاء ليوجه أعمال هذا المؤتمر بشكل عام منذ البداية ، فإننا نرى أن علينا الالتزام بهذا الروح نفسه في كل موضوع جزئي من موضوعاته ، حتى ننتهي بها إلى الموقف العلمي الصحيح والثمرة المنشودة . ففي توحيد العمل بالمناسبات الدينية ينبغي الأخذ بأسباب العلم ، والاستفادة مما أصابه في عصرنا من دقة وتقدم. إن العلم ، في رأينا ، هو الوجه الآخر للشريعة ، فكل ما هو علمي هو شرعي ، وكل ما هو شرعي هو علمي، ذلك لأن القوانين العلمية هي من خلق الله ، وليست بأي حال من الأحوال ظاهرة من ظواهر الإنسان . إن وظيفة الإنسان هي في كشف الحقائق العلمية الإلهية، وليست في خلقها. ويأتي التنسيق والتخطيط لجمعيات الدعوة الإسلامية ،خطوة طيبة أخرى من خطى العلم الذي ندعو إلى الأخذ بأسبابه ومنجزاته . إن التقدم العلمي هنا يعني معرفة دقيقة لحاجات المسلمين خلال فترة من المستقبل، ثم العمل على تغطية هذه الحاجات الإسلامية بالإمكانيات التي لدى المسلمين، بل وجعل هذه الإمكانيات متقدمة على الحاجات الإسلامية نفسها. وإنني اسمح لنفسي بأن أعطى صورة خاطفة عن الدعوة الإسلامية في لبنان، لأعبر لكم أيها السادة عن هذه العفوية الإسلامية غير العلمية التي تحكم العمل الإسلامي، بالشكل الذي تضيع معه الغاية، ويهدر الجهد في ما يفيد. إن في لبنان اليوم، هذا البلد الصغير الرقعة، ما يقارب المائتين والخمسين مؤسسة إسلامية تتصدى بعفوية لخدمة المصلحة الإسلامية ،ولكن الذي يؤسف له أن لا ينشط منها بالفعل سوى ثماني عشرة مؤسسة ، تجد صعوبة مادية كبرى في التحرك الإسلامي من جراء المزاحمة العفوية التي هي وليدة فقدان الخطة وانعدام التنسيق. إننا ونحن نعمل في تنسيق الحركة الإسلامية بين هذه المؤسسات والتخطيط لها ، مع المسلمين في لبنان بشكل عام ، ندرك من جهة أخرى مسؤوليتنا الإسلامية الكبرى ، التي نقف من خلالها على خط المواجهة الحادة ، بحكم الموقع الجغرافي ، والتكوين الاجتماعي وملتقى التيارات المتصارعة وجهاً لوجه أمام مختلف العقائد المختلفة والسياسات المتصارعة ، والقوى الاستعمارية والمؤامرات الصهيونية ، مما يجعل دور المسلمين في هذه المنطقة من العالم ، من أدق الأدوار التي تحمل اخطر معاني المسؤولية الإسلامية في التصدي لجميع القوى المناهضة للإسلام مرة واحدة . ولم تكن الدعوة التي حملناها مؤخراً ، ولا تزال لجعل يوم لجمعة عطلة رسمية في لبنان ، إلاّ شكلاً من أشكال التصدي لنوع من التحديات فرضته الجهات الرسمية علينا في الأشهر الماضية . وهنا يأتي واجبنا في التذكير بأن مسؤولية الدول العربية والإسلامية في دعم دعوتنا الإسلامية في لبنان ، في إطار النظام اللبناني نفسه ، هي مسؤولية تاريخية ومصيرية معاً . إننا ، ونحن ندعو دائماً إلى قيام تعاون بين الدول العربية ولبنان ، بما يعزز هذا البلد بجميع فئاته دون ما تمييز، نحب أن نتمنى أن لا يكون هذا التعاون يوماً على حساب المسلمين وقيمتهم الروحية في لبنان . إننا نرى أن الأخذ بأسباب العلم ينبغي أن يشمل نطاق الدعوة الإسلامية ، ونعني بذلك أن أساليب الوعظ المنبرية لم تعد كافية في عصر أصبحت المشاكل الاجتماعية فيه أقوى من أي أسلوب كلامي أو توجيه منبري . إن الدعوة الإسلامية ، على ما نرى ، ينبغي أن تستفيد من جميع الانجازات العلمية الحديثة كالإذاعة والتلفزيون ، والسينما والمشرح ، ومطبوعات الأطفال ، وبالإضافة إلى استفادتها من مناهج العلوم الاجتماعية ، بحيث تصبح الدعوة الإسلامية شكلاً من أشكال الخدمة الاجتماعية في البيئة ، ندرس من خلالها حاجات الناس المادية ، ونحاول مؤازرتهم ليساعدوا أنفسهم على تسيير هذه الحاجات . إن هذه الوسيلة سوف تكون العتبة الضرورية التي يمكن أن نقف عليها لنتكلم ونوجه ، وتصبح كلمة الدعوة مقبولة لدى الناس . وفقكم الله أيها الأخوة وأخذ بيدكم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين . والسلام عليكم وحرمه الله وبركاته . |