دريان بعد زيارته ضريح المفتي خالد: تنقصنا قدرة الاجتماع على القضايا الاساسية زار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ضريح المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد بمناسبة ذكرى استشهاده السادسة والعشرين، بحضور ممثل الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة النائب عمار حوري، رئيس «مؤسسات المفتي الشهيد حسن خالد» سعدالدين خالد وقضاة شرع ولفيف من العلماء وشخصيات سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية وتربوية ودينية واولاد المفتي الشهيد وعائلته. بعد قراءة الفاتحة على روح المفتي خالد قال المفتي دريان: «نقف وإياكم اليوم في الذكرى السادسة والعشرين لاستشهاد سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد الذي اغتالته يد الغدر والظلم والطغيان في السادس عشر من شهر أيار من عام 1989. لا ينبغي أن تمر هذه الذكرى لاستشهاد هذا الرجل الكبير، رجل الإسلام والوطن والأمة، بدون عبرة وعظة، وبدون درس وأمل للمسلمين وللبنانيين جميعا. أما العبرة: فهي أن الصمود أمام المشاق والصعاب يؤتي الأجر مرتين: مرة في الفوز بالشهادة، ومرة في فوز القضية التي قتل المجرمون الشهيد للحيلولة دون إحقاقها. وقد فازت قضية حسن خالد، وهي قضية كل شهداء الوطن الكبار، قضية بقاء لبنان حرا سيدا مستقلا، عربي الانتماء والهوية، وقضية تجدد الأمل بالوطن والدولة ومؤسساتها، والطموح إلى الغد الأفضل». خالد المعلم والاستاذ واردف: «لقد عرف جيلنا من رجالات لبنان والعرب، ومثقفيهم وسياسييهم، حسن خالد، في ذروة عطائه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. أما نحن أهل العلم الديني، فإننا نشأنا على يديه معلما وأستاذا، ثم عملنا معه عندما تسلم منصب الإفتاء، وشهدنا عن كثب أعماله الجليلة في سياسات العلم والدين، وسياسات الوطن والمواطنين. وقد كان نموذجا ومثالا لنا في عمله وخلقه وإنسانيته، وفي آفاق شخصيته الرحبة، وفي إدراكه الكبير لقضايا لبنان، وقضايا العرب والإسلام. وأشهد ما عرفت مثله في اهتمامه المنقطع النظير، بالكبير والصغير من الأمور، وبرعايته لشبابنا، وعيشه لهمومهم وتطلعاتهم، وقدرته على التصدي للمشكلات، سواء أكان ذلك في الملف الديني، أم في المجال الوطني والعربي والإنساني». واضاف: «وإنني إذ أتذكره اليوم معكم أيها المسلمون، وأيها اللبنانيون، أذكر له ورعه وصلاحه وتعبده، وثقته بالله عز وجل. وإنني إذ أذكر له خطابه الشهير في الملعب البلدي، وعمله على وثيقة الثوابت العشر الإسلامية والوطنية، أذكر له أيضا شغله الشاغل الذي استشهد من أجله، لإنهاء النزاع الداخلي والحرب الأهلية، والمحافظة على وحدة الصف الإسلامي والوطني والسلم الأهلي».
نموذج رجل الدين وسأل دريان: «لماذا أذكر هذا كله اليوم؟ أذكره لحاجة شبابنا وشيوخنا إلى نموذج رجل الدين، ورجل الخلق، ورجل الثقة، ومن يمكن التوجه إليه في الملمات. وهذه الصفات كلها اجتمعت في شخصه وسيرته رحمه الله. وأذكره لحاجة شبابنا وسياسيينا ومثقفينا إلى الشخصيات الوطنية الجامعة: الشخصيات التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. لقد عشق حسن خالد لبنان في أيام عزه وفرحته، وكان يعتبره نموذجا ينبغي أن تسعى إليه سائر الأوطان العربية. وعشق حسن خالد لبنان أكثر، لأنه خاف عليه في محنته وحروبه. ما سمعت مسلما قبله يذكر باقتناع خيرات «الصيغة» اللبنانية. فإذا قال أحد محدثيه: ولكن كان يسارع للقول: هذا الاستدراك يقوله المرتاحون، والوطن مهدد، فلندع الاستدراك لظروف أفضل. واهم من يظن أن الصراع في لبنان هو من أجل العدالة والإصلاح، أو على الخوف والغبن، هذه كلها مفردات صنعتها الأحداث الهائلة التي أذهبت الوعي، ونصرت الغرائز. تعالوا نعمل معا لكي يبقى الوطن وتبقى الدولة، ويعود الاستقلال، وأنا كفيل بأن يزول الخوف والغبن جميعا مرة واحدة». رجل المهمات الكبرى ولفت الى انه «في ذكرى المفتي الشهيد حسن خالد، رجل المهمات الكبرى تحضر كل القضايا، وكل الهموم. لقد أعلنت في خطابي بعد الانتخاب وبعد التنصيب أننا محتاجون إلى ورشة إصلاح كبرى. وقد بدأنا تلك الورشة لإعادة بناء المؤسسات . المؤسسات التي تستطيع خدمة الناس في أوقافهم وفي المجالات الاجتماعية، وتستطيع بالإقدار والوحدة التصدي للتطرف والشرذمة. بدأنا البناء بعدما تم استحقاق انتخاب مفتي الجمهورية اللبنانية، وتابعنا تشييد البناء بانتخاب المجلس الشرعي، والمجالس الإدارية للأوقاف. وهاتان خطوتان جليلتان تعيدان للمؤسسات قوامها المتين بإرادة المسلمين وعملهم من أجل البناء والكفاءة والتمكين». واردف دريان: «إنني على مشارف شهر رمضان المبارك أوجه نداء إلى المقتدرين من المسلمين، على رغم كل الصعوبات: مؤسساتنا الخيرية والتعليمية والوقفية والاجتماعية، التابعة لدار الفتوى وغير التابعة لها، بحاجة ماسة للدعم والعون، ومن صناديق الزكاة إلى بيوت الأيتام، إلى دور الرعاية، إلى أزهر لبنان» لافتا الى «ان الملف الاجتماعي شديد الأهمية والخطورة على كل اللبنانيين، وعلى المسلمين بوجه خاص. إن مناطقنا هي أكثر المناطق عوزا وفقرا. وصدقوني أيها المسلمون وأيها اللبنانيون أن الفقر هو الشقيق الحميم للتطرف. ما عاد من الممكن أن تبقى حالة طرابلس على ما هي عليه. وأنا أذكرها لأنها الأكثر بروزا، وإلا فكل المناطق والمدن والبلدات عندها معاناة كبيرة. ماذا اقول عن عرسال ماذا أقول على سبيل المثال عن عرسال، وقد عادت التهديدات لأهلها، وتفاقمت احتياجاتها، وقيل إنها ينبغي أن تغزى على رغم وجود ألوف من الجيش اللبناني فيها ومن حولها من أجل الحماية والتأمين؟ المسألة الأمنية هم الدولة وشغلها، وقد قامت ببعض ما عليها، وكانت هناك توترات ينبغي الإصغاء لأناتها أو يعود الوضع إلى التفاقم. أما الملف الاجتماعي لطرابلس فما عاد يمكن احتماله. هناك آلاف الأسر والشبان المحتاجين إلى عناية. الأموال والتبرعات ضرورية، لكن الضروري أيضا المبادرات المدنية والمنافذ والأفكار والمؤسسات التي لا توفرها غير الإرادة القوية والصادقة، والإيمان الناشر للثقة والخير».
واضاف دريان: «الفتيان المأزومون، والفتيان المشردون، وأهل المعتقلين والمسجونين بحق من بدون حق، هؤلاء جميعا تستصرخ حالتهم القلوب والعقول. ألم تقرأوا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كاد الفقر أن يكون كفرا. بل إنني أصارحكم أيها المسلمون، وأيها اللبنانيون: إن جهات عديدة، أبرزها طرفان، جندت وتجند المئات من فتياننا وشباننا وبسبب العوز والحاجة للقتال في صفوفهم وحروبهم المتكاثرة بداخل لبنان وخارج لبنان».
اعمال وطن ودولة وتابع: «في ذكرى المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، نذكر أعماله للوطن والدولة. والوطن ليس بخير، والدولة ليست بخير. قبل عام خلا كرسي الرئاسة، وما استطاع السياسيون التوافق على انتخاب رئيس. لا يمكن للدولة أن تبقى وتستمر وتستقر بدون رئيس للجمهورية، وبمجلس نيابي معطل، وحكومة لا تجتمع إلا بحسب التساهيل. إن سائر المواطنين اللبنانيين خائفون على وطنهم ودولتهم، في حين يغرق لبنان بتفكك المؤسسات، والمسارعة إلى استيراد الحروب واللاجئين معا. أين المسؤولية؟ وأين الحركة المسؤولة في لبنان؟ ومن أجل لبنان؟».
وقال: «ان وطنا قدم كبار رجالاته شهداء، ليس وطنا ضعيفا. وإن شعبا انتشرت سمعة نجاحات أبنائه عبر العالم، ليس شعبا ضعيفا. وإنما تنقصنا الإرادة، وتنقصنا الوحدة، وتنقصنا القدرة على الاجتماع على القضايا الأساسية الضرورية لبقاء الوطن، وبقاء دولته».
|