• بغير الاقتصاص من المجرمين والمساعدين والمقصّرين لن يكون هناك حوار وعمل بنّاء في لبنان • دعا اللبنانيين الى وقفة واحدة لا ترضى ابداً حتى يقتص ويضرب على أيدي المجرمين والمعتدين • وقفة واحدة لا ترضى أبداً حتى يرضى رشيد كرامي في قبره • بعد اثنتي عشرة سنة من العذاب وقت كارثة الطائرة المشؤومة استشهد فيها الرئيس رشيد كرامي رحمه الله
دعا سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد اللبنانيين في كل مكان الى "وقفة واحدة لا ترضى ابدا حتى يقتص من النظام وحتى يضرب على أيدي المجرمين والمعتدين وحتى يرضى رشيد كرامي في قبره، ويرضى كل مظلوم ويعلم كل لبناني ان في لبنان قادة ومسؤولين قادرون على ان يقتصوا من المجرم عندما يجرم ويقتصوا من المذنب عندما يذنب".
فقد ألقى المفتي خالد خطبة الجمعة في مسجد ساقية الجنزير وقال فيها:
بعد اثنتي عشر سنة من العذاب والضني، وقعت كارثة الطائرة المشؤومة. استشهد فيها الرئيس رشيد كرامي رحمة الله عليه. كيف كان وقع هذا الخبر على الناس جميعاً، لا أخص فئة من دون فئة، كان وقعه على جميع اللبنانيين المخلصين الذين يقدرون الحقيقة، الذين يريدون للوطن انتشالا، وللوطن خروجا من الأزمة، كان وقع هذا الخبر عظيما وفادحا جدا، تفاعلوا معه. خرجوا في الشوارع، مشت الجنازات. ارتفعت الاصوات. ظهرت المشاعر التي تأثرت الى حد لا يطاق لوقوع مثل هذه الحادثة. نحن نعلم ان الموت حق، فقد مات من هو أعظم من رشيد كرامي. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. مات أبو بكر رضي الله عنه. وقتل سيدنا عمر رضي الله عنه، وقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، وقتل سيدنا علي رضي الله عنه. استشهد هؤلاء وهم أفضل من رشيد كرامي ومني ومن كل انسان على وجه الارض. قتلوا جميعا واستشهدوا، فنحن نعلم ان الاستشهاد ليس امرا غريبا، وان الموت ليس امرا غريبا، فالاستشهاد عندما يكون في سبيل المصلحة العامة، في سبيل الله، في سبيل المؤمنين، في سبيل الأوطان، عندما يكون الاستشهاد في سبيل هذه المفاهيم السامية فهذا استشهاد رائع يفتخر به كل من يعلمون معنى الاستشهاد ومكانته عند الله تعالى. فهم احياء عند ربهم يرزقون. ورشيد كرامي حي عند ربه يزرق. قتل رشيد كرامي وتفاعل معه الناس. فالموت حق، ولكن تفاعل الناس هذا ليس لموت رشيد كرامي فقط وليس لمقتل رشيد كرامي فقط. ولكن للطريقة التي قتل فيها رشيد كرامي، وللظرف الذي قتل فيه رشيد كرامي، وبالوسيلة التي قتل فيها رشيد كرامي. فقد كان مجنياً عليه وكان مقصودا ان يقتل ليس رشيد كرامي فقط، بل كان مقصودا ان يقتل كل معنى كان يحمله رشيد كرامي عندما كان يناضل على ارض لبنان في سبيل اللبنانيين جميعا.
وتساءل: لماذا قتل هؤلاء رشيد كرامي؟ يروى – وهذا نقل الينا من بعض الذين كانوا مقربين الى رشيد كرامي – انه يوم قتل، عندما صعد الى الطائرة، جاءه احد اصدقاءه، يقول له يا رشيد افندي ارجوك ارجوك ارجوك ان لا تذهب في الطائرة. أحذرك، لا تصعد الى الطائرة. انه هذا الاسلوب في السفر، فقال له: "هذا اخر اسلوب وهذه اخر سفرة ستكون في الطائرة".
ولماذا يا رشيد افندي؟ لانه، كما قال: "قلت اني ذاهب اليوم الى بيروت وعندي مسعى اكاد اتصور انني سأفوز من خلاله بالتفاهم الذي نبغيه، وسأحقق من ورائه الاصلاحات المنشودة، وسيكون ما يرضينا جميعا".
من اجل هذا سقط رشيد كرامي. عندما عُلم بأن رشيد كرامي سيتوصل الى بعض الحلول وسيحقق بعض المصالح التي كان يسعى اليها الجميع، وسيتحقق من وراء ذلك الاستقرار في لبنان والسلام للبنانيين والامان لجميع المواطنين والشعب وسيعود للبنان طمأنينته وأمنه، عند ذلك قتل رشيد كرامي.
وأكد سماحته على ضرورة "التحرك للاقتصاص من الظلم حتى لا تقع على الارض ظلامات متوالية كهذه الظلامة التي وقعت".
وقال: ان هدفنا من هذا الموقف العارم المتجدد هو ان ننقذ البنانيين جميعا من ان يقع فيهم الهرج والمرج، ومن ان يقع فيهم القتل، وان لا يكون هناك رادع للقاتلين وللمجرمين والمفسدين والسفاكين. هذا هو الذي علمنا الله تعالى اياه عندما قال: "ان جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او ينفوا من الارض، ذلك جزاؤهم في الحياة الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب اليم". هذا الاسلوب الذي من أجله وقفنا هذا الموقف، ومن اجله كنا اشداء في صرختنا وسنبقى اشداء في صرختنا حتى ننقذ لبنان مما هو واقع فيه من الاذى، وحتى نعيد الى لبنان ما يتطلبه كل اللبنانيين من الامان والسلام والطمأنينة.
واضاف: عندما جاء الاسلام وبعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاءت الحكمة الأزلية الربانية التي يقول فيها الله تعالى، "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". ماذا كان موقف كثيرين غيرنا؟
لقد شهد لبنان مقتل عظماء، ولكن هل معنى هذا المقتل، مقتل المئات من الأبرياء؟ ألم نشهد ما حصل، منذ أول الوقائع (الأحداث) في لبنان، ما حصل للبنانيين؟ كيف كانوا يقتلون وهم ابرياء لا ذنب لهم ولا جريمة، فقط لأنه مقتل شخص آخر إما قريباً واما نسيباً واما صاحبا. قتل المئات من المسلمين ظلما وعدوانا، وقتل المئات من المسيحيين ايضا ظلما وعدوانا، ولكن هل كان مثل هذا منا نحن؟ هل كان مثل هذا من اللبنانيين بعد ان قتل الرئيس كرامي رحمة الله عليه؟ كان موقفنا موقفاً سامياً نبيلا رفيعا، نابعا من مفهومنا الشرعي، من عقيدتنا، من اخلاقنا، من طبيعتنا، نحن لا نريد ان نؤذي احداً ولا نريد ان نعتدي على احد ولا نريد ان نسيء الى احد، ولكن هل معنى هذا ان جدارنا اصبح منخفضا بحيث يستطيع كل انسان ان يعلوه وان يحقق من خلاله ما يريد، بغيا وظلما وعدوانا؟ هذا لا يمكن ان نرضى عنه ابدا.
وتابع: نعم وقفنا هذا الموقف الشديد، وسنبقى واقفين هذا الموقف الشديد لأن هذا من حقنا. واذا لم نقفه فنحن نكون قد حفرنا قبرنا بأظافرنا. اياكم ان تتصوروا بأننا نبغي واننا نظلم واننا نفتح طريق الخراب واننا نساعد على التخريب وعلى مزيد من القتل ومزيد من التفجير. لا. نحن لا نفكر بهذا، ونحن لا نسعى الى هذا. ونحن نعمل وندأب بكل ما في وسعنا لأن ننتقم من الظالم وان لا ندع دم رشيد كرامي يذهب هدرا وحتى يكون هذا خطوة جديدة بناءة في طريق التفاهم في طريق تحقيق السيادة اللبنانية وتحقيق الشرعية اللبنانية، وبغير هذا لا يمكن ان يكون هناك اي موقف يمكن ان يرضى عنه. الاقتصاص من الظالم، الاقتصاص من الجاني، الاقتصاص من مرتكب الجريمة، من الذي ساعد على الجريمة، من المقصر نحو الجريمة، من الذي أهمل في الجريمة، يجب ان يكون هناك موقف صارم وشديد جداً نحو هؤلاء جميعا حتى يرضى دم رشيد كرامي وحتى يرضى كل اللبنانيين وحتى نفتح باباً جديدا للحوار وللعمل البناء في لبنان وبيننا جميعاً". |