خطبة منبرية ارتجلها سماحته في 20 من ذي القعدة 1388هـ في طرابلس بمناسبة افتتاح مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. سبحانه سبحانه جعل المساجد لله، وجعل عمارتها علامة الإيمان بالله واليوم الآخر، ومن بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة. ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل لنا يوم الجمعة عيداً، نلتقي فيه على طهر وصفاء ومودة ونقاء ونسمو فيه بأرواحنا على أوضار المادية، ومتاع الدنيا الفاني: «إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» ونصلي ونسلم على خير من صلى وصام، وقام برسالة الإسلام لخيري الدنيا والآخر خير القيام، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته، ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد فيا أيها المسلمون،
من نعم الله علينا أن نفتتح هذا المسجد بعد افتتاح مسجد البسطة الفوقا. وهذا المسجد قديم بناه آل داكيز منذ أكثر من سبعين عاماً، ليذكر فيه اسم الله بكرة وعشياً، وإصلاح اللجنة له اليوم لدليل دلالة قاطعة على أن الخير في الأمة الإسلامية باق إلى يوم القيامة: (الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة). وليس من الصدفة افتتاحه في يوم الجمعة المبارك إنما ذلك من توفيق الله تعالى، والأعمال بالنيات. وفضل يوم الجمعة على سائر الأيام مقرر ومشهور في الإسلام، إذ هو أفضل يوم وخير يوم طلعت عليه الشمس، وفي المعنى الحديث: إن الله خلق فيه آدم، وأدخله الجنة فيه، وفيه تقوم الساعة، وفيه يقبل الله الدعاء من المتقين، ولذا كان نعمة من الله أن يختار عيداً للمسلمين. وواجب على كل مسلم أن يسارع فيه إلى صلاة الجمعة، تلبية لأمر الله تعالى: «إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ». فمن الواجب أن تعطل فيه كل الأعمال وتوقف، ليستعد الإنسان لصلاة الجمعة، ويتطهر في بيته، ويتهيأ لملاقاة الله، والاجتماع بإخوانه المسلمين، وسماع الخطبة، والتهيؤ الروحي الذي يملأ نفس المسلم بالخير، ويقبل من نوازع الشر، ومن ثم فقد قال الفقهاء: بأن البيع والشراء والعقود لا تجوز فيه، بل عدها بعضهم باطلة وغير ملزمة، احتراماً لهذا اليوم، وحرمة للصلاة التي يجب أن يحضرها العام والخاص والكبير والصغير، لما فيها من المنافع والثواب الذي لا يعدله شيء من مغانم الدنيا. ومن تهاون في صلاة الجمعة، أو تركها عامداً، فهو من المبطلين الغافلين العاصين الذين ختم الله على قلوبهم كما يقول الحديث الشريف، وعليهم أن يتوبوا ويرجعوا قبل أن يختم على قلوبهم والعياذ بالله. ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن التخلف عن صلاة الجمعة حيث يروى عنه أنه قد هم أن يأمر رجلاً يصلي بالناس، ثم ينطلق إلى أقوام تخلفوا بلا عذر عن صلاة الجمعة ليحرق عليهم بيوتهم بما فيها! وفي هذا ما فيه من الرد على أولئك الذين ينتحلون الأعذار الواهية لأنفسهم ويتخلفون عن صلاة الجمعة، ولا عذر لهم عند الله، وعليهم غضب شديد، فليحذر ذلك المسلمون ما وسعهم الحذر. وإذا ما رأوا من ينتسبون – زوراً – إلى الإسلام ويعترفون – بألسنتهم – به شريعة ومنهاجاً، ثم يعطلون شريعة الجمعة، فلا يقلدوهم في ذلك، فإنهم آثمون وفاسقون! فإذا ما سمع المسلم نداء يوم الجمعة لبى مسرعاً نداء ربه، وتطهر وتهيأ، وترك البيع والشراء والعمل ليؤدي شعيرة دينه ويقف بين يدي خالقه بين إخوانه المؤمنين الصادقين. وإذا أهمته زيادة ماله: فالله هو الرزاق ذو القوة المتين. وإذا همه حفظ ماله: فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين وقد تكفل المولى سبحانه بالرزق: «وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا»، «وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ»، «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى»«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ » فالذي يبادر إلى طاعة الله قد فاز بالحسنين، والتقوى سبب السعادة وسعة الرزق: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا». أيها المسلمون، ومن محاسن الصدف أن اللجنة قد اختارت للمسجد اسم الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.. هذا الخليفة العادل الزاهد، الذي كان إسلامه استجابة لأمنية الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما قال: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين فسبقت السعادة لعمر بن الخطاب، لا لعمرو بن هشام. فكان إسلامه قوة للمسلمين، وصدمة للمشركين، إذ هو فرد لكنه أمة في نفسه: لا يخشى في الله لومة لائم، وتولى الخلافة حازماً عادلاً، وقدم للإسلام الشيء الكثير النفسي، ورضى عن الله فرضي الله عنه. ولنا به قدوة وأسوة، لقول الرسول الأمين: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. ولعل اللجنة الموقرة قد أطلقت على المسجد اسم عمر بن الخطاب لشيع هذه الشمائل العظيمة بين الناس، وتسود الفضيلة والعدالة والأمن والرخاء والمساواة بين نبي البشر أجمعين. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح أيها المسلمون،
إن العدو يتربص بنا، وقد امتهن كرامتنا، وداس حريتنا، ولا عزة لنا ولا كرامة إلا إذا تشبثنا بديننا، ورجعنا إلى قرآننا، واستقرينا سنة نبينا واهتدينا بالصالح من سلفنا، وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، وقد وعدنا سبحانه النصر متى أخلصنا في طاعته، وتوعدنا بإسلامنا إلى أنفسنا وهوانا إذا أنخلعنا من طاعته. فاختاروا لأنفسكم أي الطرق تريدون، ولينصرن، الله من ينصره. وحياتنا الحقة في أن نعيش كرماء أعزاء، وأن يرجع إخواننا إلى ديارهم، وأن يعود الحق إلى أربابه، وأن يزهق الباطل ويرغم أنف المبطلين. أيها الإخوة، نريد للبنانيين جميعاً مسلمين ومسيحيين أن يعيشوا في سلام ووئام، وألفة وانسجام، رائدهم حب الوطن ورفعته وكرامته، وأن يحذروا الفتن والمحن والبغضاء التي تذهب بتآلفهم وتعاطفهم، تتربص بنا الدوائر لتحيا على أنقاضنا، فمتى تحاببنا، وتآلفنا، وكان الخير رائدنا.. جاء نصر الله والفتح. «وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ». |