وإنما الأمم الأخلاق أبنائي وإخواني المسلمين،
يطل علينا عيد الأضحى المبارك، بمعانيه السامية، وبمفاهيمه الواضحة الجلية، ليذكرنا بتلك المضامين الروحية الرائعة، وليفتح أعيننا على تلك المثل الأخلاقية الساطعة، في وقت بات الإنسان فيه يعيش غريباً عن نفسه، ضائعاً عن حقيقته، معزولاً بقسوة عن معاني الحق والخير والمحبة في قلبه. ونحن أيها الأبناء والأخوة المسلمون، نرى في إطلالة عيد الأضحى المبارك مع ما نرى فيه من جميل المعاني، أجمل معاني التضحية والفداء، وأروع صور البذل والعطاء، تتمثل خير ما تتمثل في امتثال إبراهيم عليه السلام لأمر الله وحرصه على طاعته، وبذله الروح الغالية فداء لوجه الحق وتلبية لنداء الواجب.
ونحن أيها الأبناء والأخوة المسلمون، إذ ننظر إلى هذه التجربة الإنسانية العظمى، نظرة روحية خالصة، نستجلي فيها جمال طاعة الله، وروعة الاستجابة لأوامره، إنما نرى فيها، وفي الوقت نفسه، ذلك الجانب الأخلاقي المضيء الذي يكشف لنا عن معنى الواجب، ويحدد لنا مسالك الحقيقة، ويرسم لنا مدار المثل العليا، لنرقى نحوها بخطى ثابتة وعزم أكيد، فنسمو بحياتنا كلها إلى مرتبة هي أكثر جدارة بإنسانية الإنسان. أيها الأبناء والأخوة المسلمون،
لقد امتدح الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمداً صلى اله عليه وسلم فخاطبه بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» أجل فمن هنا نرى أن مشكلتنا الإنسانية، في لبنان، وفي خارج لبنان إنما هي مشكلة أخلاقية في الأساس. فإذا استقامت أخلاقنا، استقام سلوكنا، وإذا استقام سلوكنا سلمت علاقاتنا، وتلاقت القلوب بالقلوب، وتشابكت الأيدي مع الأيدي، وائتلفت كلها ترفع المداميك، وتعلي البناء. نحن بحاجة إذن إلى مبادئ الأخلاق الفاصلة تهيمن برفق على مؤسساتنا التربوية، في الأسرة وفي المدرسة وفي الجامعة وفي النادي، ذلك أن الرسالة التي تضطلع بها هذه المؤسسات، إنما هي رسالة تستأثر بالجزء الكبير من مسؤولية التوجيه والبناء، فإن لم يكن فيها الوالدين والأساتذة والموجهون، القدوة الحسنة التي بها يقتدي الأبناء، والتي عنها يأخذون معاني الخير والفضيلة، فإن خطر التفكك والانحلال يتهدد مجتمعنا، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه على التماسك والوحدة. ونحن بحاجة على مبادئ الأخلاق الفاضلة توجه حياتنا الاقتصادية، لتخلصها من شوائب الاستغلال ومساوئ الاحتكار وتجميع الثروات في يد القلة من الناس. ونحن بحاجة إلى مبادئ الأخلاق الفاضلة تسود مناسباتنا وأعيادنا ومجالسنا لتنزع منها ما علق بها من علائق دخيلة، وشوائب غريبة، لتبقى مناسبات وأعياداً ومجالس، ملتزمة بمعاني الخير والفضيلة، ملازمة لحوافز البذل والعطاء ، بعيدة كل البعد عن مظاهر التبرج والاستعلاء، خالصة كل الخلاص من مواقف اللامبالاة والاستهتار. ونحن بحاجة على مبادئ الأخلاق الفاضلة تكون رائداً لكل إنساناً في عمله، يخلص له، ويبذل إليه على أنه طريق رسالة تبني، أكثر مما ينظر إليه على أنه مورد رزق يشبع. ان العاملين في وسائل الإعلام، باتوا اليوم أكثر من غيرهم، بحاجة على أن يعوا هذه المسؤولية حق الوعي، ويدركوا هذه الخطورة تمام الإدراك، وانهم لفاعلون بإذن الله، لأن معاني الخير المشرقة، ما فتئت والحمد لله تنير قلوبهم، وتوجه خطواتهم، إلى ما فيه خير ابنائهم وأبناء مجتمعهم على السواء. وإذا كنا بحاجة إلى مبادئ الأخلاق الفاضلة في حياتنا الخالصة والعامة، فإن السياسة، والسياسة الدولية على وجه أخص، بحاجة على هذه المبادئ، توقظ ضمائر العاملين فيها، على الحقيقة أين هي، ليعملوا على نصرتها ودعمها، مهما تأثرت مصالحهم، ومهما قست أنانياتهم، ذلك ان الحقيقة ينبغي دائماً أن تكون فوق مستوى المصالح والأنانيات، وإلا فإن من العبث أن يتحدث الإنسان عنها، ويزعم أنه يعمل من أجلها. إن الأخلاق الفاضلة وهي تنظر بعين الحقيقة إلى أرض فلسطين إنما ترفض أن يطرد صاحب البيت من بيته، كما ترفض أن يشرد الأطفال والنساء في العراء ليبيتوا تحت الخيام في أقسى الظروف وأصعب أحوال، إن الضمير العالمي مدعو للاستجابة إلى أصوات جماهير الشيوخ والنسوة والفتيات في الأرض المحتلة، الهادرة بشجاعة نادرة، الواقفة بصمود فذ في وجه العدوان الصهيوني، برغم من عدته وعدده، وناره وحديده. إن الأخلاق الدولية الفاضلة ترفض التناقض الذي يؤيد الحق بلسانه ثم يمد الباطل بماله وسلاحه. فلتكن مبادئ الأخلاق الفاضلة هي رائدنا في كل ما يصدر عنا، وفي كل ما يسعى إليه، وليس من الصعب أن نتنين أن أسس الأخلاق إنما هي واحدة لدى بني البشر دعت إليها جميع الأديان السماوية وخصها القرآن الكريم بقوله: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فمعنى الخير واحد لدى جميع الأمم، وإذا كانت تصرفات الناس وسلوكهم تختلف زماناً ومكاناً باختلاف المصالح والأنانيات، فإن ذلك لا يعني اختلاف الخير لدى الناس، وعندما تتجرد التصرفات والسلوك زماناً ومكاناً عن دواعي المنافع والمصالح، فإنه لا يبقى من دافع يصدر الإنسان إلا الواجب. وفقنا الله إلى ما فيه الخير، وأخذ بيدنا إلى تحقيق الواجب، وسدد خطانا على ما يرضى الله والضمير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |