السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ان حياة الناس ظروف مختلفة لمآس وأفراح ومكاسب ومصائب ولذلك خلقهم الله، ليبتليهم ، فيعلم الصابرين على منهج الحق الذي اختاره لهم ، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون :«تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمى وهو العزيز الغفور» «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». وقد كتب الله تعالى مصيبة الموت على الخلق دونما استثناء فقال مثبتاً هذا ، ومؤكداً المعنى السابق: «َمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ». وهكذا كان موت صديقنا السيد حسن الصمدى رحمه الله ، ونحن نلتقي هنا اليوم لتمجيد ذكراه وأعماله في حقول البر والخير والخدمات الاجتماعية العامة ، بل لعرفان فضله لذاك العطاء السخي الذي قدمه لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت أولى مؤسساتنا الإسلامية العاملة في ميادين التعليم والبر والإحسان والخدمة الاجتماعية ، ولنفيد منها اعتباراً وعظة ونجد فيها عبرة لقلوبنا ونفوسنا وقدوة خيرة لسلوكنا في ما بقي لنا من أيام خصوصاً وأننا نحن الذين يعنينا قوله تعالى : «و مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا». أيها السادة ، إننا نعيش اليوم في مجتمعات تتميز بالهياج العصبي والانفعال السريع والقلق الشديد، حتى أصبح الفرد فيها يعاني صفوفاً متعددة من الخوف على ذاته وأهله وعلى مستقبله وثروته فينساق في معرض الدفاع عن هذا كله إلى التركيز على فرديته والانغلاق على نفسه لأنه لم يعد يجد الضمان إلا فيما يبذله هو من جهد ، أو يجنيه وحده من عمل أو يجمعه من ثروة ، فكان ذلك سبباً مباشراً لا يهان روح الجماعة لدى الناس ، وجحود ظاهرة التعاون بينهم، وهجران ممارسة الخير في شتى الحقول . إننا نلاحظ ذلك في ميادين شتى ، وخاصة الميدان الوقفي ، فإذا عرفنا أن السلف الصالح من المسلمين في لبنان وغيره كانوا يخصصون من ثرواتهم مبالغ ضخمة يوقفونها للفقراء والمساكين وأبناء السبيل وللدعوة إلى الله ولوجوه البر والإحسان والعمل المجدي في خدمة المجتمع ، مما جعل أوقافهم العظيمة تغطى حاجات المسلمين الأساسية، وتفيض عنها إلى هو كمالي ن فأننا نلاحظ ، من جهة أخرى ، ومنذ خمسين عاماً على الأقل ان حركة الوقف هذه وبوادر أعمال الخير الكبرى لدعم الجهات المتخصصة وبالمستوى النبيل الكريم الذي كان عليه سخاء المرحوم حسن الصمدي تكاد تختفى الأمر الذي يدعونا إلى مزيد من الحرص والتفكير فيما ينبغي أن تكون عليه سياسة الأمور والمصالح الإسلامية في هذا البلد.. إننا نعلم أن الخدمات الاجتماعية، كالتعليم الديني وسواه والتطبيب، والإعداد المهني والرعاية الاجتماعية على اختلاف جهاتها هي مهام أساسية من مجموع مسؤولية الدولة ، ولكن سياسة الدولة، كما يبدو لنا أهملت منذ عهد الانتداب وحتى هذه الساعة هذه المهام أو قصدت إلا تأخذ أياً منها بعين الاعتبار أو العناية، إما لأنها أرادت أن تتكئ على همم الهيئات ونشاطات الجمعيات أو لتترك المجال واسعاً أمام الجميع ومن بينهم البعثات الأجنبية والإرساليات التبشيرية لتمارسها من منطلقات أخرى لعله يفوتها إنها ليست في مصلحة الوحدة الوطنية، فكان من ثمرة ذلك ان آلت المؤسسات الوطنية ذات الوظيفة الاجتماعية الرعائية أضعف المؤسسات العاملة في هذا المجال دوراً وأقلها جدوى... في مواجهة هذه السياسة المنحرفة للدولة، ما هو موقفنا نحن المسلمين؟! إنني اعتقد ان العمل الإسلامي لا مفر له من انتهاج مسيرتين متكاملتين تنتهيان به إلى تحقيق المصلحة العليا: الاتجاه الوطني الذي يدعم المؤسسات الوطنية ويرسيها على قواعد واضحة تلتزم بمبادئ العلم والعدالة والمساواة. الاتجاه الإسلامي الذاتي الذي يدعم المؤسسات الإسلامية ويرسيها على قواعد واضحة من المبادئ الإسلامية الكفيلة بجمع شعبنا ودفعنا في دروب التقدم والمجد انطلاقاً من قوله تعالى: « وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ....». ومن هنا أيها السادة نرى ضرورة الصلة بين سياسة الخير، وخير السياسة، وهي بعض ما جاء به الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى دينا للعالمين، والذي من أخص خصائصه أنه يتميز بالرؤية لكاملة والنظرة الشاملة لحياة ولحقيقة الإنسان وواقعه. فهو يعني بتربيته وبصحته كما يعني بعلاقاته ومعاملاته واقتصادياته وأخلاقياته بأفراده كما بمجتمعاته بالحكام كما بالمحكومين ليربط هؤلاء بغاية قصوى هي عبادة الله كما هو واضح من قوله تعالى : « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» وذلك عن طريق الائتمار بما أمر به والانتهاء عما نهى عنه، والتقيد بما ألزم به من حدود تشيع بمجموعها العدل والمساواة بين الناس وتنشئ التراحم والتآخي والتعاون بين جميع المسلمين يقول تعالى «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ». وإذا كانت هذه الذكرى الأليمة تحسن لنا طرح هذه المعاني الإسلامية فإنها أيضاً خليفة بأن تحفزنا إلى مزيد من التعاون والبذل والسخاء لما يعود علينا وعلى الوطن بالخير والتقدم والازدهار. أن مبادئ التعاون والتكافل الاجتماعي في الإسلام من شأنها أن تقضي على حالة التهيج العصبي والقلق التي تسود مجتمعاتنا اليوم كما ان من شأنها أيضاً أن تخرج كلاً منا من دائرة الأنانية إلى رحاب الغيرية ومن ضيق الأثرة على فسحة الإيثار لنصبح من أولئك المؤمنين الذين عناهم الله تعالى بقوله : «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». أيها السادة ، إننا بالرغم مما تتعرض له مجتمعاتنا من قلق وضياع نؤمن بالله كما نؤمن أيضاً بأن الخير سيبقى موفوراً في هذه الأمة حتى يأتي أمر الله خصوصاً وأنه صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة». وبالرغم من هذه الظروف فقد كان لنا المرحوم حسن ا لصمدي بكبير فضله وكذلك نأمل أن يكون أبناؤه من بعده يسيرون في طريق الإحسان يعززون به مشاريع الخير والبر، وأن يكون العشرات من رجال الأعمال البارزين يشقون طريق المجد بأعمالهم الرائعة يساندون بها مسيرة الأمة في مواكب الإنسانية المشرقة وطلائع الحضارات : قال صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك ،وصحتك قبل سمقك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك» وقال عليه الصلاة والسلام : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له . وفق الله الجميع إلى ما فيه الخير والرضى وتغمد الله فقيدنا برحمته وواسع رضوانه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |