خالد يطالب بـ"حل في مظلة حكم موحد": الخطأ المميت الفصل بين دعائم الحكم والانتقاص من معاني السلطة ما قيمة هذه الأحزاب والمنظمات المتعددة الأسماء المختلفة الشعارات؟ قال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد "إن الوهن يفت عضدنا، والرعب يزلزل قلوبنا، والعدو يجول في ديارنا من دون نذير أو حسيب"، ودعا اللبنانيين إلى ان يهبوا هبة الرجل الواحد ضد الفرقة والنزاع والهدم والخراب والموت وشلالات الدم، وضد التسيب الأمني.
وطرح المفتي اقتراحا يقول بالبدء بحلول جزئية "أيا كانت ما دامت تقوم في إطار حل سياسي مسبق شامل سداه الديمقراطية ولحمته العدل والمساواة والحرية الدينية".
وطالب بأن تقوم الدولة برسم الحل المطلوب "ولكن في مظلة حكم موحد منعقد فيه الوفاق، ولا سيما بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس الحكومة"، مؤكداً ان "الخطأ الأكبر والمميت أن يفصل بين دعائم الحكم وينتقص من معاني السلطة سواء في رئاسة الدولة أم رئاسة الحكومة".
وتساءل المفتي خالد: ما قيمة هذه الأحزاب المتعددة الأسماء المختلفة الشعارات، وما قيمة هذه المنظمات المنوعة الألبسة والسلاح وما قيمة كل هذه المظاهر المسلحة التي تجوب الأحياء هنا وهناك وتقيم الحواجز؟
جاء ذلك في خطبة العيد التي يلقيها المفتي خالد صبيحة اليوم أول أيام عيد الأضحى المبارك في جامع الشهداء بمنطقة الحرش وهذا نصها: "الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين العظيم وسمانا المسلمين من قبل وارتضى لنا الإسلام دينا لنعمل بشريعته وسنته وآدابه وهو القائل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
وأشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له، الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده، وهو على ما يشاء قدير. وأشهد ان سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، أمره الله تعالى بأن يكون أول المسلمين فقال: "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون المسلمين" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمين الى يوم الدين.
أما بعد، ففي هذه الصبيحة المشرقة يدلف مئات الألوف من الحجاج وقد أفاضوا من عرفات نحو فجاج منى وسفوحها ووهادها، مرورا ببطاح مزدلفة في اتجاه وئيد نحو البيت الحرام ينتشرون عليها انتشار الثلج الأبيض يعكس لونه الناصع ضياء الشمس على الأبصار مهابة وجلالا، وفي مشهد رائع يأسر القلوب وفي خشية وخشوع وتبتل لله العظيم. إنه موقف لا مثيل له في محاشر الحياة ومجامعها وهو يقترن بالكلمات الملبية المكبرة ترتفع الى السماء: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
في هذه الصبيحة العابقة بأريج العبودية الممجدة لله والمعظمة لشعائره نفتتح بيتا كريما من بيته التي أذن لها بأن ترفع ويذكر فيها اسمه، بناه عبد له يلتمس منه العفو والمغفرة ويرتجى منه الفوز بتسديد الخطى ليهتدي هدى الصالحين. وهو السيد عدنان خاشقجي أصلحه الله وهداه وإيانا إلى الحق، وأحسن إليه، وجعل عمله خالصا لوجه الله الكريم. وألهمه المزيد من العمل الصالح، والبناء الخير، والعطاء المبارك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة".
إن صبيحة عيد الأضحى تذكرنا بالكثير من الفضل وبخاصة بسيدنا إبراهيم الذي رفع مع ابنه إسماعيل قواعد أول بيت وضعه الله للناس في الأرض، تاريخ الإنسانية كلها وقد افتتحه معه وهما يناجيان ربهما بتذلل وضراعة ويقولان: "ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا منا سكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم".
ومع أول بيت من بيوت الله، وارتبطت إقامة المساجد بمعنى الإسلام لله، وإفراده وحده بالعبودية. وللمرة الأولى في تاريخ الدين، وفي تاريخ الفكر والإنسان، يرتبط معنى العبودية لله بمعنى حرية الإنسان. لان من يفرد الله بالعبودية يتحرر من العبودية للأشياء والناس مهما كان قدرهم من الجاه والسلطان.
ومن هنا فإن العبودية لله بدأت في بيوت الله بالذات فكانت المساجد في تاريخ الإسلام مراكز للتوجيه وللقضاء وللتدريس وللتدريب، نعنى للتحرر من الفوضى والتحرر من الظلم وللتحرر من الجهل وللتحرر من التسلط، وذلك كله للتوجه بالإنسان إلى الله وحده.
وبذلك بقيت عبوديتنا لله مصونة وحريتنا الحقيقية مضمونة، في ظل طاعة الله والامتثال لسنة رسوله الكريم الذي هو قدوتنا في الإرشاد والتعليم، وقد علمنا بوحي من الله ألا نسأل إلا الله وألا نستعين حين الحاجة إلا به حيث قال: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم ان الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلى بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
أيها المسلمون، إن رسالة المسجد تتلخص في نشر معنى الإسلام. ومفهوم الإسلام هو الإسلام لله، ومؤدى هذا المفهوم هو التحرر من أي سلطان غير سلطان الله.
ومن هذا المنطلق نجد الحرية من أبرز مفاهيم الإسلام. والعقيدة والإيمان كلاهما مبني إلى حد بعيد على حرية الإنسان. فللإنسان ان يختار الإسلام دينا وله ان يختار غيره. ولا قيمة لتدين يكون من الإنسان على سبيل الإكراه ولأجل هذا كان قوله تعالى: "ولا إكراه في الدين" قد تبين الرشد من الغي. وقوله: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ومن هنا كان وقوع المسؤولية على نفس الإنسان في اختياره الدين، ذلك لأنها أمانة حملتها أيها الإنسان وإنها يوم القيامة حسرة أو ندامة. ولعل الله تعالى، وهو أعلم، يعني، حرية الاختيار هذه حين يقول: "أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا".
ويا لجهل الإنسان وظلمه اليوم اللذين دفعا به إلى التفريط في مفهوم هذه الأمانة عندما اتجه إلى تغيير حرية أخيه الإنسان في إفراد الله بالعبودية تارة بسلاسل مادية صنعت من شهوة الإنسان وأهوائه. وتارة ثانية بسلاسل فكرية صيغت من عقائد غريبة عن فطرة الإنسان وبساطته، وساعة تتقيد حرية المخلوق تتعذر معها عبادة الخالق بصورة سليمة.
ومن هنا انقلب إسلام الممارسة في زماننا في نظر بعض الحكام والقادة والناس إسلاما ليس لله بقدر ما هو إسلام للسلطان والحاكم أو إسلام للسلطة والدولة. وبما أن الحكام كثيرون، وكذلك الدول والحكومات، فقد أصبح الإسلام كثيراً وعديداً تقف أمامه عاجزا مشدوها لا تعرف من عدده الكثير أي إسلام هو الإسلام، لأنها كلها كما يبدو أصبحت ذوات أقنعة إسلامية وليس فيها من الإسلام شيء، مما يدعونا إلى الانتباه إلى خطورة الواقع وفداحة الخسارة عند التفريط بالأمانة التي حملنا الله إياها.
وإن الانتباه هذا ليدعونا إلى العودة فورا إلى أصالة الأمانة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من حملها وبلغها عندما قال: "لقد تركت فيكم أمرين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي"، والدعوة إلى العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله هي دعوة في الوقت نفسه للالتفاف حول البيت العتيق الذي أقام إبراهيم وإسماعيل دعائمه رمزا لوحدة الإسلام والمسلمين في الأرض كما في السماء.
إن المسلمين اليوم يدخلون إلى هذا البيت العظيم في مكة وهم يقولون: "اللهم ان هذا الحرم حرمك وهذا البيت بيتك.." وهذا يعني بداية أن الإسلام لله، ويعني في ما يعني الحرية للإنسان، تعني، في إطار العبودية لله، السلام على الأرض وان السلام على الأرض يعني الأمن ينتشر بين الناس. وكلها قيم ومعان يتولد بعضها من بعض، لأن الإسلام وحدة فلا ينظر إلى الأمن منفصلا عن الحرية ولا إلى الحرية منفصلة عن السلام ولا إلى الإسلام منفصلا عن أي من هذه القيم جميعا. الصراعات الدولية وإننا اليوم لنشهد على منبر الأمم المتحدة خلافا عالميا ودوليا حول مفهوم الحرية هذه. وأننا لنعتقد ان هذا الاختلاف هو في أساس الصراعات الدولية الراهنة. ومما يؤسف له أنه قد تم استدراج الدول العربية والإسلامية إلى المشاركة في هذا الاختلاف الدولي على مفهوم الحرية، فذهبوا في ذلك مذاهب لا تمت إلى الإسلام بأية صلة إذ أصبح مفهوم الحرية لدى المعسكر الشرقي يستدرج مسلمين ليدافعوا عنه بل ليقاتلوا في سبيله، كما أصبح مفهوم الحرية في المعسكر الغربي يستدرج مسلمين آخرين يدافعون عنه يموتون في سبيله حتى بتنا من حيث ندري أو لا ندري، ندافع جميعا عن مفهوم الحرية عند الغير ناسين الدفاع عن مفهوم حريتنا التي هي في جوهرها ومنطلقها تبتدئ من إفراد الله تعالى بالعبودية والإسلام له وحده. وفي الوقت الذي نرى هذين المعسكرين مختلفين على معنى التحرر، نراهما متفقين على معنى استعبادهما للغير. ذلك لأن التحرر في نظرهما طبيعة فيهما لا يجوز الكلام فيه إذ هو أمر مسلم به وهو خارج نطاق الصراع الدولي. أما الاستعباد والاتفاق عليه أو الوفاق بشأنه. فهو تام بين القوتين العظميين بالنسبة لبقية دول العالم والدول العربية والإسلامية في طليعتها فلكل من الدولتين العظميين معسكرها الذي تملك كامل الحرية في التحرك فيه استغلالا وابتزازا وتفجير ثورات واضطرابات على أن يبقى لها نفوذها فيه لا تشاركها فيه الأخرى ولا تعترض عليها. كل ذلك في وفاق على سلام دائم فرضه الرعب النووي المتبادل بين الدولتين لا يتدخل في أي حرب استنزافية قصيرة الأمد أو طويلة، تفرضها مصلحة الدولتين وتجري في بلاد العرب والمسلمين، أو في غير بلاد العرب والمسلمين الداخلين في نطاق أحد المعسكرين.
والعجب كل العجب يبقى منا نحن العرب والمسلمين، ذلك لأنه ما دمنا نعرف ان الدولتين العظميين تسلكان معنا مسلك تثبيت السلام الدائم في ما بينهما، وعلى حساب شعوبنا ومصالحها وعقائدها ومفاهيمها وأنظمتنا، فلماذا نظل نحن نتخبط في هذا الواقع ولا نعقله على حاله التي هو عليها، ونحاول الخروج منه لتثبيت دعائم السلام الدائم في ما بين الدول والشعوب الإسلامية والعربية على أساس معنى الحرية النابعة من أرضنا لا على أساس فهم الحرية عند الآخرين والدفاع عنها وهي مرتبطة بغير الله هنا وهناك؟
ولقد عقدت إسرائيل من قريب معاهدة التعاون الاستراتيجي مع أميركا، كما فعلت بعض الدول العربية ما يشبه ذلك معها. وكذلك عقدت بعض الدول العربية الأخرى والإسلامية معاهدة تعاون استراتيجي مع الاتحاد السوفياتي فاتجهت دول العروبة والإسلام اتجاها متعارضا، اتجاها منقسما وموزعا ومختلفا. فيه كل المصلحة للمعسكرين الكبيرين. ولكن هل ثبت أن فيه المصلحة للمنطقة العربية والإسلامية؟!
فإذا كانت قوة هاتين الدولتين العظميين قد استقطبت الدول العربية والإسلامية واستدرجتها ليكون قسم منها مع هذا المعسكر وقسم آخر مع ذلك، أفليس الله العلي القدير، الخالق البارئ المصور مالك الملك وخالق القوى أحق بأن تتجه الأنظار والقلوب، كل أنظار الدول العربية والإسلامية وقلوبها إليه، فتبادر في خضوع وعبودية واستسلام لتعقد معه ميثاق التعاون الاستراتيجي ولا يكون التعاون إلا مع الله، ولا تكون الوجهة إلى إليه. لبنان أيها اللبنانيون، لقد مضت علينا في لبنان سبع سنوات ونحن نعاني من مفهوم الحرية والسلام هذا بين الدولتين العظميين، ونعاني، استطرادا من خلاف مستعار على معنى الحرية والسلام بين الدول العربية، مع أن طريق الحل واقع تحت أبصارنا وعلى أرضنا قائم في قلوبنا. فكلنا نؤمن بالله، وكلنا نعبد الله. وحريتنا في لبنان ينبغي أن تكون الوجه الآخر لعبوديتنا لله وإيماننا به. وهو الأمر الفريد الذي يتوفر في لبنان ولا يتوفر في هذا المعسكر، ولا في ذاك وكما أنبنى على هذه الحرية في الماضي صرح السلام فينبغي اليوم أن نبني في أرضنا وينتشر ويدخل الأحياء والشوارع والبيوت والنفوس ويتربع فيها بقوة وعزة ليطرد كل أشباح الخوف والرعب وما يسببهما من القتل والتدمير والتفجير والظلم والعدوان على حريات الناس وكراماتهم وحقوقهم.
إن أفظع ما في هذه الأعمال وأشرسه أنها تقع، من يوم لآخر على غفلة من الناس ودونما وازع من ضمير أو رادع من مخافة الله. ويقولون ان الدوافع إليها نزعات سياسية لم تجد لها من وسيلة تقتحم بها على المجتمع إلا الإرهاب لتثبت موقفها وتعززه. وبئست هذه النزعات وبئست تلك السياسة التي تبرر لهذه النزعات ان تترجم إلى عبوات تنسف أجساد الآمنين من الأطفال والبراء من النساء والكهول والشيوخ. بئست هذه السياسة التي تريد أن تتسلق على هموم الناس وآلامهم ومصائبهم لتصل إلى أهدافها أيا كانت هذه الأهداف.
إنها في الحقيقة سياسة الشيطان الذي يأمر بالفحشاء والفساد في الأرض ويزين للناس الإثم والبغي بغير الحق، وان يقعدوا لكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله.
إنها السياسة التي تولدها الأطماع وتستنبطها الأفكار التي خلت من رقابة القلب الخاشع والفكر الأواب المنيب. فالإنسان أخو الإنسان. والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، والمسلم الذي أسلم وجهه لله وتأدب في بيته ومسجده، وحمل على لسانه شعار السلام يطلقه عند كل لقاء أو انصراف مع من يعرف ومن لا يعرف. إن هذا المسلم لا يمكن أن يقبل على فعل مثل هذه الأفعال المؤذية المخربة، ولا أن يقبل بالسياسات التي تأمر بها أو تكمن وراءها أو توجه إليها، فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده.
وما يقع اليوم في لبنان من هذه المسلسلات الخطيرة المروعة التي تزهق الأرواح وتنسف البيوت والمتاجر والأحياء لا يمكن أن نتصور وقوعها من مسيحي يؤمن بالله ويخشى سوء الحساب. ولذلك فإن هذا كله وما وراءه غريب عنا، غريب عن مفاهيمنا، غريب عن منطقنا وأخلاقنا. وهو ولا شك مصدر إلينا من الخارج، الذي باع نفسه للشيطان واتخذه له إلها يعبده من دون الله.
فاخلد إلى الأرض وموادها وعناصرها وراح يجمع كل حوله وطوله ويبذل ما أوتي من علم وخبرة وقسوة للهيمنة على أكبر شطر من الدنيا وشعوبها. ويستوي عنده بعد ذلك أروع هذا الشعب أو ذاك أو دمر هو أو اقتصاده أو حضارته أو جرت دماء بنيه أنهارا، أم لم يروع أو يدمر!
أيها المسلمون ما قيمة هذه الأحزاب المتعددة الأسماء المختلفة الشعارات؟ وما قيمة هذه المنظمات المنوعة الألبسة والسلاح والأسماء، وما قيمة كل هذه المظاهر المسلحة التي تجوب الأحياء هنا وهناك وتقيم الحواجز في كل مكان معربة عن القسوة إذا كان الضعف كل الضعف يخلخل جموعنا؟ والوهن كل الوهن يفت في عضدنا والرعب كل الرعب يزلزل قلوبنا والعدو دونما رقيب أو رادع يجول خلال ديارنا ويزرع أجواءنا وبرنا وبحرنا طولا وعرضا من دون نذير أو حسيب؟
ما قيمة كل هذا إذا كنا حتى الآن لا نملك أن نستمد القوة والنصرة إلا ممن يطمع في أرضنا وثرواتنا ومصالحنا.
إن ساعة الصفر قد دقت، وان على جميع اللبنانيين ان يهبوا هبة رجل واحد ضد التفرقة والنزاع وضد الهدم والخراب والموت وشلالات الدم وضد التسيب الأمني. إن علينا جميعا ان نبحث بإخلاص وإيجابية عن إيجاد حل سياسي متوازن لإنقاذ وطننا وشعبنا ونحفظ كرامتنا. ولا بأس في نظرنا من البدء بحلول جزئية أيا كانت ما دامت تقوم في إطار حل سياسي مسبق شامل سداه الديمقراطية ولحمته العدل والمساواة والحرية الدينية. ولا بد من أن تكون الدولة هي التي تضع رسوم هذا الحل. ولكن في مظلة حكم موحد منعقد فيه الوفاق بين المسؤولين الكبار وبخاصة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي، والخطأ الأكبر والمميت، وبخاصة في هذا التسيب الخطير الذي يعيشه وطننا أن يفصل بين دعائم الحكم وينتقص من معاني السلطة سواء أكانت رئاسة دولة أو رئاسة حكومة أو حتى رئاسة مخفر. ولا محيد لنا في هذه الآونة وفي كل حين من العودة الى جمع الصف الإسلامي وتوحيده وتدعيم قواعد الوطنية لأنه ليس أمامنا إلا وحدة الموقف ظهيرا نجابه به ما قد يصادفنا من ويلات ونتحمل به مسؤولية الأيام المقبلة بكل ما تحتويه من خير وشر. ولا بأس من مزيد من الضغط والتذكير نوجههما الى اخواننا العرب ونرسلهما من قلوب أضنتها الجراح ونؤكد فيها ان المسؤولية في ما يتحمله لبنان اليوم من كوارث ومصائب وخسارات مسؤولية عربية شاملة يدخل فيها لبنان ويتحمل نصيبه كجزء من الأمة العربية. ويتحمل ذلك بصبر ورضى واعتزاز مهما كانت الوقائع والنتائج. ولكن ينبغي ألا ينسى الجميع وأن كانوا بعيدين عن أجواء واقعنا الدامي والمخيف أن عليهم مسؤولية المشاركة الكاملة مع لبنان والتكافل والتضامن معه، بل والمبادرة بأخذ موقف حاسم يسجله لهم التاريخ وينقذ ما يمكن إنقاذه من شرف الأمة في هذه الآونة العصيبة من عمرها.
أيها اللبنانيون، إن يوم إبراهيم وإسماعيل الذي تجلت فيه معاني التضحية المدعمة بالإيمان والاستسلام لله، هو يومكم. إنه يوم الجد والحزم والتصميم على الخلاص. والدخول في مرحلة البناء. مرحلة نشر الأمن والسلام. وعيدنا اليوم يبقى عيدا حزينا محفوفا بالمكاره والآلام يعيشها كل وطننا وخصوصا أولئك الذين نزلت بهم كوارث الموت والتدمير والخراب، من غارات العدو وحوادث التفجير والقنص وغير ذلك، ولا يسعنا إلا أن نذكرهم بضرورة التجمل بالصبر والعزاء، فإلى الله المرجع والمصير ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حفظكم الله جميعا وحفظ وطننا من كل سوء وأعاد الله علينا هذا اليوم وقد أظلتنا فيه سحائب السلام والأمان وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |