الله أكبر الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلا، لا إله غيره ولا أمل إلاّ في رحمته، ولا طمع ولا سعادة إلا في مغفرته ورضاه، رب السموات والأرض ورب العرش العظيم وبيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه سبحانه وتعالى عما يشركون وصل اللهم وسلم على سيد الخلق والبشر، إمام المسلمين، وخاتم النبيين، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار الميامين، وصحبه الأبرار أمراء المؤمنين ،أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون،
فهذا عيد الأضحى يعود علينا من جديد، فنستقبله ببسمة حزينة، وفرحة مترددة ، وعين حاشرة بين دمعتين، دمعة الابتهاج بيوم الخلاص الذي لم يأت بعد وما نزال نتطلع إليه ، ودمعة الخوف من يوم القصاص ما فتئ يجرجر ذيوله في ديارنا. كأنما قدر علينا نحن في لبنان أن تلقي علينا الأزمة بكلكلها، وان نبقى في رعب متجدد، وحزن مقيم، وليل حالك لا بصيص فيه للنور، ويظل معظمنا يتشاءم من انتشار الظلام من حوله، محملاً الأعداء مسؤولية خطواته المهزوزة، بينما يحاول بعضنا القليل أن يطيل التأمل في أعماق نفسه، باحثا عن الأخطاء والعثرات ، ليصلح منها ما استطاع ويقوم منها ما أمكن ولكنه لا يلبث حتى يتراجع ، وتتراجع معه إرادة إصلاح. في هذا الموقف المتردد أيها المسلمون ليس لنا إلا الإسلام نعود إليه، لنستمد منه إصلاحنا وصلاحنا، ونكتسب الجرأة على نقد ذواتنا، وإصلاح سرائرنا، وتنظيم شؤون حاضرنا ومستقبلنا، فهو الدين الذي ارتضاه رب العالمين، وجعل فيه الخير للبشرية جمعاء، والصلاح للإنسانية كلها وأنزل فيه قوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا». وإذا كان في الإسلام صلاح الإنسانية وإصلاحها، ونجاح البشرية وفلاحها، فإن من الحري بنا في هذه المناسبة الكريمة أن نتأمل في إحدى فرائضه وهي الحج إلى بيت الله العتيق، التي قام بأدائها بالأمس أهلنا وأبناؤنا وأخواتنا في الإسلام لنرى مقدار ما تحمله لنا من معاني الصلاح والإصلاح. إن هذه الفريضة تبدأ من إصلاح الذات وتنتهي بإصلاح الأمة والوطن، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وفي هذا الحديث ترغيب للمسلم الحاج في أن يتعهد نفسه للإصلاح والبعد عن المحرمات والموبقات وان يرتفع فوق الأهواء والشهوات، ليتعود على طهارة القلب والجسد واللسان ويبقى ذاته من الآثام والذنوب وتبعاتها، روى جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مسنداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "ان من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة". وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحجاج والعمار وفد الله عز وجلّ وزاره، إن سألوه أعطاهم وان استغفروه غفر لهم، وإن دعوا استجيب لهم، وان شفعوا شفعوا، فهل في غير فريضة الحج يؤديها المسلم وعد أحلى من هذا الوعد، وتطهير للنفس أصفى من هذا التطهير وإصلاح للذات أقوم من هذا الإصلاح. وكم نحن بحاجة ، وخاصةً في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها الذات المسلمة، أن نتأمل في هذه الدعوة فنلبيها ولو لم نذهب بعد إلى الحج، وأن ننظر في هذا الوعد فتستقيم وان لم يتحقق لنا بعد، وأن تستهوينا هذه الطهارة فنبقى لنعيش في نعيمها وأن لم نسعد بنقائها بعد . كم نحن بحاجة أيها المسلمون أن نحج إلى أعماق نفوسنا لنكتشف فيها صفاء الضمائر التي أودعها الله فينا، ولنبرز فيها سلامة الفطرة عليها، لنجلي فيها جمال التوحيد الذي فتح بصيرتنا عليه بقوله: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ». وبقوله: « فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» وبقوله: «وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ». إنها دعوة صريحة لإصلاح الذات بالعودة إلى فطرتها، و هي فطرة الخير لا فطرة الشر، وهي فطرة التواصل وليست فطرة التقاتل، وهي فطرة التوحيد لا فطرة الفرقة والتدابر، وهي فطرة البناء لا فطرة الهدم، وإنها فطرة الإسلام وليست بدعة الفرق والمذاهب، هذا هو إسلامنا الذي نحرص عليه، ونستمد سلوكنا منه، ونمارس حياتنا من خلاله. ان الخلافات التي بدأت تذر بقرنها بين صفوفنا وان الفتن التي يراد لها أن تطل بخبثها وشرها على جموعنا، وان المؤامرات التي شرع العدو بحياكتها ضد سلامتنا، والله ورسوله منها براء والإسلام منها براء، ورموزنا الإسلامية الكبرى منها براء إلى يوم القيامة، إنها جميعاً تذكرنا بشعار الإسلام الذي لا يجوز أن نرفع فوقه أي شعار، وبصوت الإسلام الذي لا يجوز أن يرتفع فوقه أي صوت، وهو قولنا جميعاً وبصوت واحد "لا إله إلا الله محمد رسول الله ." لكنا يعلم أيها الأخوة أن هذه الخلافات والفتن والمؤامرات هي من دسائس إسرائيل وعملائها، ولكن المؤسف حقاً ن معظمنا وهو يعلم ذلك، يضعف ويستسلم لها ويكون من أوائل ضحاياها. ان سبب ذلك كله الأهواء التي ينبغي أن نتخلص منها، وأخطاء ينبغي أن تكون لدينا الجرأة للاعتراف بها، وأنانيات ينبغي فوراً أن ندرسها، لنعود إطهاراً كيوم ولدتنا أمهاتنا. تائبين صالحين ومكفرين عن أخطائنا في حق إسلامنا الواحد، وعقيدتنا الواحدة، ودعوتنا الواحدة في سبيل الله تعالى، متوجهين إليه بالدعاء «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ». وهكذا سوف يبقى المسلمون بفضل من الله سبحانه وتعالى، تأبين إذا أذنبوا مستغفرين إذا أخطأوا، متوحدين لا تؤثر فيهم دواعي الفرقة، يأخذون من مدرسة الحج العبر والدروس، في وحدة المشاعر فلا قلب من هذه القلوب الملايين يشتغل بغير الله، الذي تلهج الألسنة بذكره والتلبية له تلبية واحدة تقول ملء الحناجر: لبيك اللهم لبيك... لبيك لا شريك لك لبي، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وعندما تسقط الفوارق كلها بين المسلمين، شكلاً وموضوعاً، لا تعرف من بين عشرات الآلاف من جموع الحجيج، الغني من الفقيرة ولا الحاكم من المحكوم، ولا العربي من الأعجمي، كلهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأسود على أبيض إلاّ بالتقوى والعمل الصالح، ولننظر هنا مدى قدرة هذا الإسلام العظيم على إلغاء التعددية بين الناس في موقفهم الواحد، والتنبيه إلى الوحدة الإنسانية في فريضة واحدة، فلا مذهب يفرق، ولا جنسية تباعد، ولا عنصرية تستأثر، ولا طائفة تطالب بامتياز ، ولا تيجان ولا عمائم ولا قبعات عسكرية، الفريضة ذاتها تفرض على الجميع أن يكشفوا رؤوسهم أمام المعبود، ويذيبوا الفوارق بين يديه، ويخلعوا ثيابهم المميزة على عتبة بابه، وان الفريضة ذاتها هي التي تفرض عليهم الالتزام بمبادئ الأمن وأسباب السلام، ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، فلا مكان في هذه الفريضة للقتال، أو لإراقة الدماء، ولا عدوان ولا ظلم، ولا انتهاك لحق من حقوق الإنسان، ولا تكبر ولا تجبر، ولا مركبات فخمة، ولا سيارات مصفحة، ولا حواجز ولا أكياس من الرمل تعترض طريق العباد، فكلهم في العبادة سواء أمام الله ويتحركون حركة واحدة بأن وسلام عملاً بقوله تعالى: «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا في المساواة الإنسانية فقد شاءت كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن تبني له بيتاً خاصاً به فقال "قلت يا رسول الله، ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال: لا، إنما هو مناخ من سبق إليه أي أن المكان لمن سبق إليه. أيها المسلمون، إن هذه المعاني التي نستفيدها من فريضة الحج نفوسنا بتخليصها من الأدران كلها لدرجة نعود معها كيوم ولدتنا أمهاتنا، وفي إصلاح مجتمعاتنا بتخليصها من المظالم الاجتماعية كلها لدرجةٍ نعود معها مجتمعنا واحداً جديراً بكرامتنا الإنسانية، هي معان نستفيدها أيضاً من هذه الفريضة في إصلاح نظامنا السياسي في لبنان، فنتفق على نظام يحمي عقائدنا وأرواح أبنائنا، ويحقق السعادة لمواطنينا، ويبني لنا وطناً كريماً، يتوفر لنا فيه الرزق الحلال، وتصان فيه كرامة الإنسان، ويتحقق في ربوعه الأمن والسلام لكل أبناء الوطن بلا تفرقة ولا تمييز. فلتكن لنا وقفة تأمل أمام هذا النظام الدقيق الذي تؤدي وفاقاً لأصوله فريضة الحج، فالخروج للحج على بيت الله ينبغي أن يبدأ بالنية والتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعادة الودائع إلى أهلها ، وإعداد النفقة لكل من تجب له النفقة حتى وقت الرجوع، ثم اختيار الرفيق الناصح الصالح، والالتزام بأصول الإحرام وآدابه، والتقيد بقواعد الطواف وشروطه، والحرص على القيام بالسعي وفاقاً لحدوده، والوقوف بعرفة في موعد محدد ومغادرته فيم وعد محدد، وهكذا سائر المناسك تؤدي وفاقاً لنظام معين وشروط معينة قد تفسد فريضة الحج بدونها، إن ذلك يعلمنا أن لا حياة لنا بلا نظام ، بل لا حياة للإنسانية نفسها بلا نظام. غير أن المشكلة ليست عندنا في الاختلاف حول ضرورة النظام، إنما المشكلة هي في الاختلاف حول طبيعة النظام، ثم في الالتزام به وتطبيقه ، فالبعض يريده نظاماً طائفياً ينقسم بموجبه المجتمع انقساماً عامودياً تتفرق فيه الطوائف بعضها عن البعض الآخر، وانقساماً أفقياً في الوقت نفسه تتمايز فيه الطوائف طبقات بعضها فوق بعض، أما نحن فنريد للبنان نظاماً إنسانياً كاملاً، يستمد قواعده وأصوله من شرعة حقوق الإنسان، لا تفرقة فيه بين لبناني ولبناني بسبب الدين أو الطائفة أو المذهب أو العائلة أو العنصر أو اللون، أو الانتماء إلى منطقة معينة من مناطق لبنان، ذلك أننا نريد أن نبني لبنان الواحد، لا لبنان المناطق والإقليم والكانتونات، ولأننا نريد أن نبين لبنان الديمقراطية لا لبنان الديكتاتورية وشريعة الغاب، ولأننا نريد أن نبني لبنان الإنسانية لا لبنان المخلب والناب، ولأننا نريد ان نبني لبنان الأصالة اللبنانية والعربية، لا لبنان الأهواء العابرة، والقشور الزائفة، والتجارة الخاسرة على كل صعيد. وإنه لمن المؤسف حقاً أن تبقى الدولة غائبة عن هذا الخط الإنساني الإصلاحي، الذي يؤلف جملة الطموحات الوطنية للإصلاحات السياسية الضرورية لبنان الوطن، وإن أشد ما نأسف له هو استمرار الجدل العقيم، حتى على مستوى أهل السلطة أنفسهم ، بين قائل بأسبقية الحل الأمني على الحل السياسي، وقائل بأسبقية الحل السياسي على الحل الأمني... الأمن بطبيعة الحال مطلب حيوي لا حياة لنا بدونه، وهو من بديهيات حقنا على الدولة، كما أنه من بديهيات واجباتها أمام المواطن، إن الأمن هو من حيث ضرورته، بمستوى الهواء الذي نتنشق ، والماء الذي نشرب والرغيف الذي نأكل، إلا أن ذلك لا يجوز أن يعني عند أحد على الإطلاق، أنه ليس للأزمة اللبنانية جذور سياسية، ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إن الأزمة كلها في نهاية التحليل هي أزمة سياسية، والانهيار الأمني المتجدد الذي يهدد حياتنا ومجتمعنا ما هو إلا ثمرة لهذه الأزمة ونتيجة لها. فالحالة السياسية المرضية لا بد أن تفوز بالضرورة حالة أمنية مرضية، وحالة اقتصادية مرضية، وحالة اجتماعية مرضية، وحالة أخلاقية مرضية، ولقد بتنا في لبنان، نتيجة لاستمرار الأمة السياسية، نعاني من هذه الحالات المرضية جميعاً. إننا ونحن نؤيد كل المعالجات الأمنية التي تمت ، ونبارك كل ما تحقق حتى اليوم على مستوى وقف الاقتتال في العاصمة وضواحيها وإلغاء خطوط التماس وإحكام سيطرة الدولة بقدر المستطاع في أنحاء المدينة، نرى أنفسنا من جهة أخرى غير قادرين على إخفاء قلقنا لاستمرار وجود نتؤات غير شرعية داخل المنطقة التي تسيطر عليها الشرعية، سواء أكان ذلك في المنطقة الغربية التي يتجدد فيها الاقتتال بين التنظيمات من حين لآخر ونضع فيها بعضها الخوات على أبناء المنطقة فتزيد في إرهاقها، أم في المنطقة الشرقية التي ما زالت جهات حزبية تستغل فيها الحوض الخامس من مرفأ بيروت لمصلحتها، وتقطع فيها الطريق الدولية على حاجز البر بارة لتستوفي من المواطنين الرسوم غير الشرعية، أو كان في بقاء المحتجزين والمخطوفين رهن السجون والأقبية وتحت التعذيب والتنكيل، وكل ذلك على حساب سلامة الوضع المالي للدولة، وعلى حساب كرامة المواطن وكرامة الشرعية وهيبتها وسمعتها ومصداقيتها في الوقت نفسه. إن علينا أن تعترف جميعاً، أن هذه النتؤات هي نتيجة مرضية، أمنياً واقتصادياً وأخلاقياً لحالة سياسية مرضية تتلخص في التردد الذي لا مبرر له في فتح الملف السياسي ومواجهة المشكلة السياسية بجرأة، والخوض في مناقشة القضية اللبنانية بكل أبعادها وجوانبها ومختلف وجوهها لمعالجتها وإيجاد الحلول الناجعة لها، على ضوء مؤتمري جنيف ولوزان، وعلى ضوء البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، ولتكن لدينا الجرأة لنعترف أنه لا بناء للدولة ولا نهوض للوطن، ولا سلامة للشعب، إلا عن هذا الطريق. أيها المواطنون، لقد حانت ساعة الوعي والعمل ولم يعد هناك مجال للاختلاف ولا للفرقة ولا للتردد ولا للإبطاء، فالعدو الإسرائيلي يعمل كل يوم وكل لحظة على اللعب على كل هذه الحبال، فيحرك الفتنة بين الطوائف، ويثير النعرات بين المذاهب، بل ويدس سمومه بين أتباع المذهب الواحد، ان عملنا ووعينا لتطويق هذه المؤامرة على الشعب والوطن لا تمنع العدو من الاستمرار إلى ما لا نهاية في ممارسة هذه اللعبة الخبيثة، سيما وأنه يعيش متسللاً ومحتلاً بين ظهرنينا، مباشرة ومن خلال أدواته وعملائه، الذين ينفذون أغراضه وهم يدركون أولا يدركون خطورتها ، ويعلمون أو لا يعملون بأنهم سوف يكونون أول ضحاياها. إن العدو الإسرائيلي الذي يحتل الجنوب من أرضنا والبقاع الغربي وراشيا، ويغتصب وينهب مياهنا وأرزاقنا وأمننا لن يتورع أن يعلن هذه المناطق من أرضنا ضفة شمالية، وساعتها يدرك من لا يستطيع اليوم أن يدرك، أن إسرائيل المعتدية لا تفرق في عدوانها بين كرامة المسلمين وكرامة المسيحيين، ولا بين حقوق المسلمين وحياتهم وأرزاقهم، وحقوق المسيحيين وحياتهم وأرزاقهم . إن هذه الخطورة التي تهدد الوطن بأسره، والمواطنين دونما استثناء، تحتم وضع قضية الوفاق الوطني، حول المسألة السياسية في طليعة الاهتمامات الرسمية والشعبية من غير ما تردد، ووضع الإصلاحات السياسية موضع التطبيق بدون إبطاء ،ونحن عندما أيدنا حكومة الوحدة الوطنية الحالية لم نؤيدها إلا لأننا على يقين من أنها كانت بمثابة المدخل الضروري لمبدأ المشاركة الحقيقية في الحكم، الذي هو في أساس النظام الراهن وشرط من شروطه. وليكن واضحاً في أذهان الجميع أن المشاركة الحقيقة في الحكم ليست مشاركة أفراد ولا رئاسات ولا مناصب فقط بقدر ما هي مشاركة بين المبادئ التي تصون التوازن الوطني صيانة كاملة، الذي من غيره لا مشاركة في الحكم ولا مشاركون، وما كانت المشاركة في الحكم مطلباً إسلامياً دائماً، إلا لأن الامتيازات الطائفية ولا تزال مطلباً مسيحياً دائماً . أيها المواطنون، ان هذه المطالب لم تكن يوماً مطالب إسلامية، وإن كان المسلمون في طليعة من حملها ذلك أن المطالبة بالعدالة والمساواة ووحدة الوطن هي مطالب إنسانية يتساوى في ظلها المسيحيون والمسلمون، فالعدل بين الناس، لا بين القبائل الطائفية، هو في أساس الحكم وبنائه السليم. وان إنقاذ الوطن، وتوحيد المواطنين، ونخطي الانحرافات والعقبات، وتحريك عجلة الحياة والاقتصاد والاعمار، طريقة العدل والمساواة بين الناس، وهو طريق الأمن، وطريق التحرير، وطريق البناء. إننا هنا ونحن نتوجه إلى إخوتنا العرب والمسلمين، ملوكاً ورؤساء وشعوباً بالتهنئة بهذا العيد، الذي نرجو الله سبحانه وتعالى أن يعيده عليهم وعلى لبنان وشعبه بأحسن حال، نتوجه إليهم أيضاً بالتذكير، أن لبنان دفع من حياة أبنائه، وأمن بلاده، ومن رزق أهله، ما لا يستطيع أن يتحمل أو يطيق طيلة عشر سنوات وبما لم يشهد التاريخ مثله على الإطلاق، وكل ذلك في مواجهة العدو الإسرائيلي الغاشم نيابة عن العرب والمسلمين جميعاً. ان ذلك كله يستحق من إخوتنا الكرام هؤلاء رعاية حقيقية، وبذلاً بلا حدود، ووقفة جديرة بهذه التضحية الكبرى، التي قدمها شعبه بكامله، دماً وخراباً ودماراً في كل المناطق وعلى جميع المستويات. أيها المسلمون، فليبارك الله عيدكم، وليكن هذا العيد بإذن الله اليد الرحيمة التي تمسح دموعكم، وتنهي آلامكم، وتعينكم على الصبر والحياة. بسم الله الرحمن الرحيم
«إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» |