|
|
|
شخصيـات بــارزة |
|
|
|
|
يحيى بن زكريا عليهما السلام |
|
نشأ يحيى بن زكريا في تقى وورع فشب على ذلك، وكان مثالاً للتقوى والورع والزهد، وقد اشتهر بالعفة والطهارة، وكان كثير العُزْلة عن الناس، يأنس إلى البراري ويأكل ما تيسَّر ويرد ماء الأنهار، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية عن خيثمة أنه قال« كان عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا ابني خالة وكان عيسى يلبس الصوف، وكان يحيى يلبس الوبر، ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم، ولا أمة ولا عبد ولا مأوى يأويان إليه، أينما جنهما الليل أويا، فلما أرادا أن يتفرقا قال له يحيى أوصني؟ قال لا أستطيع إلا أن أغضب قال لا تَقْتَنِ مالاً، قال أما هذه فعسى». ولعله عليه السلام كان سريع الغضب لله، قام يحيى عليه السلام يدعو بني إسرائيل إلى الله، ويبشرهم باقتراب ملكوت السماوات، وكانت دعوته بالحكم والمواعظ الرقيقة، ومع ذلك فقد وجد من بني إسرائيل صدوداً وعنتاً وإعراضاً؛ فهم قوم قساة القلوب غلاظ الطباع، لا يستجيبون بسهولة إلى نصح الناصحين حتى كاد أن يكف عن تعليمهم وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة لولا توفيق الله وتثبيته، وقد كان عيسى عليه السلام رفيق دربه وابن خالته يشاركه آماله وآلامه، ويشد من أزره في تبليغ دعوته كما يتضح من الحديث الآتي. روى الإمام أحمد والترمذي رحمهما الله من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي قال «إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات؛ أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها، فقال له عيسى عليه السلام «إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى عليه السلام أخشى إن سبقتني أن يُخْسَفَ بي وأُعَذَّبَ. فجمع يحيى الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشرف، فقال إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن، وآمركم أن تعملوا بهن. أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال له هذه داري، وهذا عملي؛ فاعمل، وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ الثانية وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم؛ فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرَّةُ فيها مِسْك، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحه، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقدموه؛ ليضربوا عنقه، فقال أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم. وأمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك؛ كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى. قال النبيُّ «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية؛ فإنه من جثى جهنم» فقال رجل يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله» وإذا نظرنا في الحديث نظرة فيها بعض التأمل نلاحظ ما يلي: اجتماع عيسى مع يحيى وكذلك زكريا عليهم السلام في زمان واحد وفي مكان واحد، وهذا دليل على كثرة الأنبياء في بني إسرائيل. تعاون عيسى ويحيى عليهما السلام في الدعوة إلى الله. حِرْصُ يحيى عليه السلام على تنفيذ ما أمره الله به وخشيتُه من العقوبة، وفي ذلك دليل على شدَّة ورعه وخوفه من ربه، وقد وردت في ذلك آثارٌ نقلها ابن كثير رحمه الله وعزاها إلى أصحابها منها ما نقله عن ابن المبارك عن وهيب بن الورد. قال فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام، فخرج يلتمسه في البرية، فإذا هو قد احتفر قبراً وأقام فيه يبكي على نفسه فقال يا بني، أنا أطلبك من ثلاثة أيام وأنت في قبر احتفرته قائم تبكي فيه؟ فقال يا أبتِ، ألست أنت أخبرتني أن بين الجنَّة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين، فقال له ابك يا بني؛ فبكيا جميعًا». قال ابن كثير وهكذا حكاه وهب بن منبه ومجاهد، هذا خوف يحيى وبكاؤه، فماذا لو علمت أنه الذي يأتي يوم القيامة بغير ذنب أتاه من دون العالمين؟ وإذا تأملت مرَّة أخرى الكلمات التي تكلم بها يحيى وجدتها هي وما جاء به نبينا محمد تخرج مِن مشكاة واحدة، ولذا أقرَّها وزاد عليها. وإذا تأملنا الكلمات التي أوصى بها النبيُّ الأميُّ أمته تجد فيها الفرق الواضح بين بني إسرائيل وبين الأمة التي ختم الله بها الأمم وأكمل لها دينها، ولكي أوضِّح لك مقصدي أقدِّم لك الحديث التالي روى البخاري ومسلم في صححيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال «كانت بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون؛ قالوا فما تأمرنا؟ قال فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم» ومن هنا أوصى النبي بالسمع والطاعة وملازمة الجماعة؛ أي السمع والطاعة لولاة الأمر وعدم الخروج عليهم ولزوم جماعة المسلمين والجهاد تحت راية الإمام الممكن براً كان أو فاجراً، ففي ذلك صلاح دنيا الناس، والنصوص في هذا الباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها؛ فإن كانت وصايا يحيى عليه السلام تدور في مجملها حول صلاح الدين، فجاءت وصايا نبينا محمد تدور في مجملها حول صلاح الدنيا ليجمع الحديث بذلك الخير من أطرافه ويصلح بهذه الوصايا دنيا الناس ودينهم، وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ببعثة خاتم النبيين وإمام المرسلين. منقول.
|
|
|
|
|
|
جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد |
|
|