التاريخ 25/5/1989 كان قدر بيروت عاصمة المواقف والقرارات التاريخية والإجماع الوطني يوم الثلاثاء 16 أيار 1989 أن تفقد رمزا كبيرا من رموزها ووجها تاريخيا مميزا من جوهرها قاد النضال الوطني العام في أصعب ظرف من الظروف المصيرية التاريخية في لبنان، إنه رجل المعايشة الوطنية سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد رحمه الله الذي أصبحت دار الفتوى معه وخصوصا منذ العام 1975 نقطة الارتكاز في تكوين الحالة الإسلامية في لبنان وفي رسم الخط الأساسي لها ووضع المبادئ للرؤية الوطنية الشاملة في لبنان. وعلى هذا الأساس أصبحت دار الفتوى السقف السياسي بل والوطني للبنان كله في وقت أصبح كل شيء في لبنان منقسما ومقسما ومفتتا ومن هذا المقام الوطني الكبير دافع حسن خالد عن عروبة لبنان وعن وحدة لبنان وعن استقلال لبنان وسيادته في وجه أعداء لبنان الذين أفرزهم العدو الصهيوني وطالب وبقوة بضرورة المساواة والمشاركة أي التوازن السياسي بين جميع اللبنانيين لمخافظ على لبنان وطنا يتمتع فيه الجميع بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم.
فمنذ انفجار الحرب القذرة طالب بضرورة الإصلاح السياسي للحفاظ على الوطن من الانفجار ففي 2-12-1975 في كتاب إلى الملوك والرؤساء العرب أشار أن المسلمين في لبنان يطرحون ويؤكدون على مطلبين أساسيين وهما أولا المساواة بين المسلمين والمسيحيين مساواة تامة في الحقوق كما في الواجبات بعيدا عن أي تمييز طائفي ثانيا عروبة لبنان بشكل يتجلى في جميع المجالات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والإلتزام العربية.
وفي تصريح صحفي قبل ذلك في 13/3/1975 قال: "نحن نؤمن بلبنان بلدا عربيا ونحن كمسلمين نعتقد أنه بإمكاننا أن نعيش مع إخواننا على أسحن ما يمكن أن يتمنى إنسان لأننا نملك بفضل الله القدرة على أن نحقق ما نعتقد فنحن ننظر إلى المسيحيين في لبنان على أنهم إخوان لنا لهم مالنا وعليهم ما علينا ولا نفكر بأنهم أعدءا لنا وأخصام".
وأضاف أن الامتيازات التي أعطاها الفرنسيون للمسيحيين في الماضي كانت تنبع من إرادات غير واعية ومن نظرات غير صحيحة ومن تخوفات في غير محلها كانوا يريدون أن يعطوا المسيحيين الامتيازات حتى يكونوا هم أسياد المنطقة وهذا الخطأ الذي ارتكب في الماضي لا يجوز أن يكون مقبولا في الوقت الحاضر حتى من المسيحيين أنفسهم إذا كانوا يريدون أن يعيشوا على أساس من الأخاء ومن الكرامة المشتركة والمتعادلة فلبنان إذا عاش في الماضي على هذا الشكل من التفرقة بين المواطنين فالحاضر والمستقبل لم يعد يقبل هذا الوضع وأصبح من حقنا وواجبنا جميعا أن نعمل لإزالة هذه الفوارق والغاء هذه الامتيزات وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين وعلى قدم سواء في كل الحقول في السياسة في التربية في المال في كل شيء.
وتابع "المسلموون يحسون اليوم من خلال الحيف في التوزيع الإداري والحكم في هذا البلع دبأنهم فئة لا تتمتع بحق المواطنية أي كأنها فئة دخيلة على هذا البلد لا يحق لها أن تشرف على السياسة الخارجية ولا أن تطلع على الأمن الداخلي أو تشرف على القضاء أو على الإخصاء أو على غيره من الأمور.
ويتساءل سماحته لماذا هذا الشعور الذي تعمقه الأحداث والوقائع على مدى الأيام أن هذا ليس من مصلحة لبنان ولا من مصلحة أي من أبنائه كما أنه لا يضمن نجاحا سياسيا متواصلا فلا بد إذا أن نتحرك كلنا مسملين ومسيحيين من خلال العطف على مصالحنا والمحبة والغيرة على قضايانا والحرص على وطننا ليكون سعيدا وآمنا وكريما وعزيزا لا بد لنا من أن نتحرك بأسلوب جديد وقواعد جديدة نتخلى فيها عن الأنانية الفئوية وننظر من خلال المصلحة الوطنية مع حرصنا جميعا على أديناننا ومعتقداتنا واعتزازنا جميعا بعروبتنا.
وفي 11/11/1975 أكد سماحته لموفد البابا نيافة الكاردينال بروتولي أن الإصرار على الامتيازات الطائفية المارونية هو تهديم لصيغة التعايش وأضاف أن الصيغة الحالية ليست ضيغة تعايش إنما صيغة تمايز ونحن نريد الانتقال منها إلى صيقة التعايش الإسلامي المسيحي الحقيقي المبنية على أساس المساواة بين المواطنين وهذا لا يكون إلا ببناء الدولة الديمقراطية الحديقة التي يتساوى فيها الجميع على أساس المبادئ الإنسانية في الحقوق كما في الواجبات.
وفي 22/11/1975 قال الموفد الفرنسي دولة الرئيس موريس كوف دي مورقيل أن الصراع القائم على الأرض اللبنانية هو بين فئتين فئة قليلة ولكنها مع الأسف احتكرت لنفسها كل الامتيازات والسلطة رئاسة الجمهورية رئاسة مجلس الشورى قيادة الجيس رئاسة القضاء مديرية الإحصاء مديرية الامن العام وغير ذلك. وشاءت هذه القلة أن يكون لبنان بما فيه لها وحدها من خلال هذه السلطة وفئة أخرى مسلمة ومسيحية ظلت منذ عهد الانتداب ومرورا بعهد الاستقلال وحتى الآن محكومة لهذه القلة. وبقيت هذه الكثرة من المسلمين والميسحيين ساكتة مراعاة وحرصا على الأخوة الوطنية وضنا بالصف الوطني أن يتصدع وأملا أن تدرك هذه القلة الحاكمة حق الفئة الكبيرة فتستجيب لها ولحقها بالحوار والحسنى وبالمنطق لتحقيق المساواة والعدالة بين سائر المواطنين.
وأضاف غير أن استمرار هذه الفئة بتمسكها بمقدرات السلطة والامتيامات هو الذي فجر هذا الصراع. ثم أشار، أن المطالب التي هي اليوم محور الصراع بين اللبنانيين يمكن تلخيصها بما يلي المشاركة في الحكم، تعديل الدستور الغاء الطائفية تعديل نظام الجيش الإحصاء العام وضع قانون الجنسية وإعطاء الجنسية للمحرومين منها من اللبنانيين، تطوير التعليم.
وعن هوية المطالب الإسلامية أشار سماحته في 1/12/1975 في مقابلة صحفية إن مطالبنا هويتها وحدهم وإنما هي لمصلحة المسلمين والمسيحيين معا إنها مطالب وطنية بدا المسلمون بحملها وهي ترتكز إلى ركيزتين أساسيتين المساواة الوطنية وعربوبة لبنان وتنفيذ هذه المطالب هو الذي يدعم وحدة لبنان وينجيه من عواصف الطائفية التي يتعرض لها منذ سنوات لأن هذه المطالب تجعل المواطنين متساوين في الحقوق كما في الواجبات ونحن حريصون أن يتم ذلك بالحوار ومسألة الشعور بالغبن والخوف متابدلة بين الطرفين والناس يختلفون في مشاعرهم ولكنهم يتقنون في أفكارهم وعقولهم وكما قال أحد العقلاء أن العقل هو عدل الأشياء قسمة بين الناس فإذا تركنا مخاوفنا ومشاعرنا واستعملنا عقولنا وصلنا إلى نتيجة مرضية.
ثم يوضح يوم 3/5/1978 وفي مقابلة صحفية أن المشاركة في الحكم لها معنيان ففي ظل النظام الطائفي مشاركة رئيس الوزراء المسلم لرئيس الجمهورية المسيحي في مسؤولية الحكم خصوصا في الأمور المصيرية على قدم المساواة وما يستتبع ذلك من أمور متعلقة بالإدارة والاقتصاد والتربية وما إلى ذلك وبهذا المعنى يصبح الحكم في لبنان برأسين وفي ظل هذا النظام الديمقراطي اللاطائفي في حال إلغاء الطائفية والسياسية في لبنان لا سيما إذا أصبح النظام رئاسيا فإن هذه المشاركة تعني مشاركة الشعب كله عن طريق المجلس النيابي والحكومة لرئيس الجمهورية في مسؤولياته العامة وما يستتبع ذلك من مسؤوليات على مختلف الأصعدة الوطنية التي أشرت وبهذا المعنى أيضا تصبح المشاركة في ظل هذا النظام مطلبا عادلا أيضاً.
وعن أي نظام انتخابي وسياسي يريده لبنان يشير رحمه الله أن النظام الانتخابي الذي يريده المسلمون هو نظام لا طائفي يعتمد أكبر قدر من الحرية بالنسبة إلى الناخب والمنتخب والإرادة فيه هي إرادة عامة وطنية.
ويقول لقد أثبتت التجربة أن النظام السياسي الأنسب لكل لبنان هو النظام الديمقراطي الليبرالي ويضيف أن الإرادة الوطنية المتوازية يجب أن تكون هي الأساس في اعتماد أي نظام سياسي في لبنان لأننا لو فصلنا الإرادة المسيحية عن الإرادة الإسلامية في بناء وطني فإننا نكون بصدد إقامة حكومتين دينيتين وهذا مما لا نرغب فيه لأنه لا مصلحة للبنان ولا للبنانيين في إقامته فضلا عن أن الإرادة الوطنية في هذه الحالة تكون معدومة ومن ثم لا تبني وطناً.
وعن صيغة التعايش قال مرى إذا أردنا لها أن تستمر فعلينا تخليص لبنان من مخاولات احتكاره من قبل الطائءفية السياسية والامتيازات، أي علينا أن ننقل وباتفاق جميع اللبنانيين من صيغة التعايش الطائفي إلى صيغة المعايشة الوطنية التي تضع حدا لهذا التقسيم الطائفي ثم تلغيه مع الزمن بحيث يكون أمام اللبنانيين وفي حياتهم اليومية موضوعات يهتمون بها وينصؤفون إليها ويجتمعون حولها فقضية العدالة وقضية الحرية وقضية المساواة هي قضايا اللبنانيين الحقيقية التي يجب أن يعايشوها ويعيشوا فيها علينا أن ننقل همومنا من الانشغالات الطائفية الهامشية إلى الانشغالات الوطنية العامة.
وعن الفيدرالية قال في 7/12/1988 نحن ضد الطروحات التي لا يمكن أن تطبق في لبنان والتي من الممكن قبولنا بها إذا طبقت في المحيط العربي وإلا فإن لبنان سيقع حتما ضحية للتقسيم وضحية لدويلات طائفية مذهبية مستقلة وشدد على أن الرفض لهذه الطروحات يجب أن لا يكون طائفيا أو من طائفة دون أخرى بل أن يكون وطنيا عاما.
وهذا التوجه من سماحته قديم أشار إليه أكثر من مرة في أكثر من مناسبة فمثلا في سنة 1978 وفي مقابلة صحفية قال إن كل ما يجزئ الوطن أمر مرفوض وطنيا وأنا لا أستطيع أن أتصور إمكان استمرار لبنان كدولة في داخله دويلات مستقلة معرضة للنمو والتوسع.
وهو ما شدد عليه سماحته في الثوابت الإسلامية التي صدرت في 20 أيلول 1983 الذي ضمه وسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين وسماحته الشيخ حليم تقي الدين والرؤساء عادل عسيران صائب سلام سليم الحص والنائب حسين الحسيني والوزير السابق سامي يونس. يومها شدد سماحته بأن التمسك بلبنان متلازم مع التمسك بوحدته وعروبته ورفض أي شكل من أشكال اللامركزية السياسية سواء طرحت في صيغة الكونفدرالية أم الفيدرالية لأن كل هذه الطروحات وأمثالها تضع لبنان على شفير التقسيم والتفتيت.
وفي خطبة عيد الأضحى في عام 1986 قال إننا ندرك أن الأمن هو مفتاح الخلاص وأن لا أمن ولا استقرار في ظل حكم الميليشيات وتثبيت الأمن الشرعي بواسطة القوات النظامية المسؤولة هو المدخل إلى الاستقرار المنشود.
وقال: لقد كفانا معاناة وعذابا وقهرا كفانا تقتيلا وتخريبا وتدميرا إن المجاعة تدق بيوتنا نتيجة الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأدوية وغيرها من ضرورات الحياة ولا يمكن معالجة هذه الأمور بصورة فاعلة وجذرية إلا من خلال تثبيت الأمن ونشر السلام والوفاق في ربوع كل لبنان.
وفي 19 تموز 1988 قال لي علينا جميعا في سبيل الحفاظ على لبنان وطنا لجميع أبنائهه أن نعمل بجدية وبسرعة في إبراز أهداف الوفاق الوطني المنشود المرتكز إلى لبنان وطن لجميع اللبنانيين تحكمه ديمقراطية صادقة تشيع بين كل المواطنين الأمان والطمأنينة وتضمن لهم العيش الكريم يتمتعون بالحقوق التي يمنحها لهم الدستور مقابل الالتزام بما يفرضه عليهم من واجبات ثقة متبادلة بينهم جميعا تعاون مخلص فيما بينهم ترعاه سلطة متوازنة حازمة وعادلة تسهر على تطبيق القوانين والأنظمة وتضرب بيد من حديد على البغاة والعابثين والمفسدين وفوق هذا وذاك عروبة تجمع بين اللبنانيين جميعا بهوية وطنية قومية.
وقال: من هنا فإننا نتوجه بتقدير كبير للجهود الخيرة التي بذلتها وتبذلها الشقيقة سوريا شاكرين لها مبادرتها ومساعيها في إنقاذ لبنان من محنته ومتمنين لها التوفيق والنجاح في الحفاظ على لبنان ووحدته وعروبته وسيادته في إطار الأخوة التي تجمعنا وتوحد بيننا.
وسألته قبل الاستحقاق الدستوري في آب 1988 هم كزتصفتن تلرئيس تلجديد فقال لي "المهم قبل كل شيء أن يكون عفيفا نظيفا في فكره وشعوره وصادقا في توجهاته الوطنية وأن يكون لكل لبنن وليس لطائفة دون أخرى.
وبعد لقد حدد المؤامرة اغتيال نهج المفتي خالد ليلة 17 أيار 1989 وهي ذكرى مشؤومة ففي هذا اليوم من عام 1983 كان توقيع مشروع اتفاق 17 أيار بين لبنان والعدو الصهيوني الذي رفضه سماحته لأنه تكريس لحالة الانتصال الصهيوني في لبنن التي أعقبت اجتياح 1982. وفي 5 آذار 1984 وبعد إلغاء مجلس الوزراء اللبناني لهذا التفاق واعتباره كأنه لم يكن كان لسماحته كلمة قال فيها: طالما تحدثنا عن الغاء هذا الاتفاق وأننا اليوم نعتبر أن إلغاءه خطوة كبيرة لأنها تتجاوت مع أماني المواطنين اللبنانيين وتفتح أمامهم لسلوك الطريق الواضح والسليم نحو المستقبل المستنير.
ولذلك ليس من مصادفة أن اغتالت يد الإجرام سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية في هذه الذكرى المشؤومة لتعيد لبنان إلى دائرة البلبلة التي تسمح أن يكون أرضا مكشوفة ومفتوحة على جميع الاحتمالات بالنسبة لمستقبله كدولة وكوطن والتي أقلها التفتيت والتقسيم إلى دويلات طائفية ومذهبية تنقسم معها الأرض وينسم الشعب بما يحفظ للعدو الصهيوني أمنه واستقراره.
وتبقى كلمة هل سنكون جميعا في مستوى هذا الحدث الكبير اغتيال سماحة مفتي الجمهورية الذي هو اغتيال لنهج توحيدي وطني ولجمهورية المفتي وللبنان الكبير؟. الهوامش:
1- ننوه هنا بصورة خاصة دون أن تكون حصرية بمساهمات عبد الله العروي، برهان غلين، محمد أركون، محمد عابد الجابري، سهير القش وضاح شرارة، عزيز العظمة وعلي أمليل وغيرهم.
2- لا نعرف من مجهود جدي وجاد على هذا الصعيد إلا ما قام به المفكر الراحل مهدي عامل في كتابه مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني (بيروت دار الفرابي 1973). بخاصة ج1 في التناقض (وليس يضير الكتاب ولا صاحبه الذي رجل عنا قبل عام ونصب أن يكون واقعا تحت تأثير أطروحات نيكوس يولانتراس، لأن هذا الأخير قدم المساهمة العلمية الأكثر حصوبة وثراء وجدلا بناء في حقل النظرية السياسية منذ الستينات إلى وفاته قبل ثمانية أعوام وهي مساهمة ترقي في معطياتها النظرية إلى مستوى ما قدمه كلاسيكيو الفكر السياسي المعاصر كماكس فيبر، أنطونيو غراشي.. إلأخ) ويمكننا أن نضيف إلى هذا المجهود مجهودا استعراضيا تركيبيا للعروي أنظر عبد العروي مفهوم الدولة (بيروت دار التنوير 1981).
3- عدم وجود هذا الاستقرار الدلالي النظري هو ما يحدث تلك الميوعة الملحوظة في استعمال وتصريف المفاهيم في الفكر السياسي العربي وذلك الخلط الشديد بين معانيها وحدودها الدلالية من أمثلة ذلك الخلط بين مفاهيم الدولة والسلطة والحكم وبين السلطة والنظام السياسي وبين الطبقة والفئة والشريحة والنخبة وبين الأجهزة والمؤسسات وبين حقل البنيات وحقل الممارسات.
4- سيلاحظ في هذه الفقرة بأننا نعتبر تحقيب الفكر السياسي العربي شأنا مرتبطا بنشاط الفكر السياسي ذاته وما القراءة النظرية المجردة لتاريخ ذالك الفكر سوى صيغة لعمل الفكر السياسي على مادة هي تاريخه ولكنها في اعتقادنا الصيغة الصحيحة كلما أمكنها أن تمزج التجريد بالقاربة التاريخية والسوسيولوجية الثقافية لكي تتحرر من محض النظر الأيستيمولوجي البارد.
5- هذا ما قام به سهيل القش على سبيل المثال أنظر سهيل القش، في لبدء كانت اممانعة في تاريخ الفكر السياسي العربي (بيروت – دار الحداثة 1980).
6- كما فعل ذلك بنجاح فائق علي أومليل، الاصلاحية العربية والدولة الوطنية (الدار البيضاء المركز الثقافي العربي بيروت دار التنوير 1985).
7- يمكن الرجوع إلأى سبل الكتابات الألبتوسيرية النظرية حول العلاقة بين حركة الفكر وحركة الواقع، بخاصة Louis Althusser, Lirele capital (paris: Maspero, 1975). Vol.1. 38 sp.
8- يمثل عابد الجابري أحد روادها عربيا كما نجد ذلك في ما يتصل بموضوعنا في محمد عابد الجابري الخطاب العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية (بيروت دار الطليعة 1981) تكوين العقل العربي نقد العقل العربي 1 (بيروت دار الطليعة 1984) وبنية العقل العربي دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، نقد العقل العربي 2 (بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 1986) على أنها قراءة عرفت قبل الجابري في التأليف العربي بحوالي عقد من الأعوام وبحصانة سوسيولوجية أكثر من وضاح شرارة بصورة خاصة.
9- نجد مثلا لهذا في الجابري: الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية فتصنيفه الفكر العربي إلى خطابات نهضوي، سياسي، قومي، فلسفي، أفقده وحدته الإشكالية بل هو غيبها كإشكالية فمثلا اليس الخطاب السياسي أو القومي خطابا نهضويا في الجوهر أليس يتحدد ايستيمولوجيا بالأس ذاتها التي يتحدد بها خطاب النهضة وهذا نفسه ما أشار إليه الجابري عرضا أو في أماكن متفرقة من الكتاب دون أن يلتزمه إجرائياً.
10- مثل هذا النمط من الدرس والنظر كان قد بدأه العروي قبل عشرين عاما وتحديداً في عبد العروي الأيديولوجية العربية المعاصرة تقديم مكسيم رودنسون ترجمة محمد عيتاني (بيروت دار الحقيقة 1970) لهذا لم يكن غريبا أن تخرج جميع أنماط الدرس المنهجي المتداولة حاليا في التأليف العربي من معطف العروي وكتابه فإذا كان السوسيولوجي يجد قواعد لعبته المنهجية في ما يسميه العروي بطريق النقد الأيديولوجي التي يعتمدها فإن الايستيمولوجي العربي يجد في العرض الإشكالي عند العروي بعض مبادئ النظر المعرفي التي يؤخذ بها الآن وقد قصرنا الإشارة على حالتين معرفتين فقط هما: سوسيولوجيا المعرفة، والدرسا لايستيمولوجي البنيوي لأنهما الأكثر تداولا واصطراعا في الفكر العربي الآن أما الاختيار التجريبي والاختيار الوضعي فقد استبعدنا الإشارة إليهما لهشاشة مرتكزاتهما ولشحوب تأثيرهما المعرفي الآن ويمكن مراجعة نقد العروي لهما حين كانا سائدين في: Abdallah Laroui, L’Ideologie arabe contemporaine: Essai critique (Paris, Maspero, 1982) pp. 5-7.
11- أو ابستيمات بالمعنى الذي يعطيه ميشال فوكو في تحقيبه للثقافة الغربية في: Michel Foucault, Les Mots et les choses: Une archeology des sciences humanies (Paris: Gallimard. 1966). مع ملاحظة مهمة هي أن فوكو في معظم أبحاثه سواء حول ميلاد العيادة أو تاريخ الجنون أو تاريخ الجنس أو تاريخ الفكر لم يغفل البعد التاريخي كما يفعل بعض البنيويين العرب الآن، ولم يحصر مجموعة من الدائرة الضيقة والحقة المفرغة حول علاقة النص الفوكوري بالتاريخ يمكن مراجعة رأي أرليت فارج في مجلة Magazine Littéraire. Vol. 207. Pp. 40-42.
12- نعتبر بهان غليون واحدامن أبرز الأسماء الفكرية الممثلة لهذا الاختيار النظري والمنهجي في قراءة الفكر العربي أنظر برهان غليون، اغتيال العقل (بيروت، دار التنوير، 1985) والوعي الذاتي (الدار البيضاء عيون المقالات 1987) ص 142.
13- وهو حال الكتابة المادية التاريخية العربية في اتجاهها العام ومن ممثلي هذه النزعة بخاصة في ما يتعلق بموضوعنا أنظر: الطيب تيزيني من التراث إلى الثورة حول نظرية مقترحة في التراث العربي (بيروت، دار ابن خلدون 1976).
14- سعيد بنسعيد، المفاهيم السياسية في التداول العربي المعاصر ملاحظت منهجية، المستقبل العربي السنة 9 العدد 92 (تشرين الأول / أكتوبر 1986)، ص 7.
15- أنظر حول هذه المسألة في أومليل الإصلاحية العربية والدولة الوطنية ص 22-29. |