"ان يمسسكم قرح، فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الايام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين". (سورة آل عمران – 141 – 142) أية مصادفة تحمل من المعاني والمغازي الكثيرة ان يكتب المفتي الشيخ حسن خالد بحثا قيما ومهما بعنوان "الشهيد في الاسلام" في العام 1971، وليقضي شهيدا للوطن الواحد والاسلام والقيم التي يمثل في 1989، وكأنه اوضح ابعاد هذه الكلمة وجذورها وتاريخها ومكانتها وعمقها ودورها وتطورها التاريخي ليستقر فيها ويعلو. ذلك ان الشهيد في الامة على قولها: "يعبر عن مدى ما لديها من حيوية واستعداد للتضحية، بل ما عندها من طاقات التجمع والمشاعر الوجدانية الفاعلة ووحدة الصف والرأي والمبدأ والهدف".
وغياب المفتي شهيدا يعني قمة حضوره وفعليته فيما كتب واشتغل واعطى وانجز في سبيل الله وإعلاء كلمته.
وفي البحث الذي نحن في صدده تتراءى الصفات التي تجمعت في شخصية المفتي ذات ايجابية وموضوعية ومنهجية وانفتاح، وعقل منظم وبصيرة نفاذة واعتدال قويم، وفي لغة على متانة ونضارة وايضاح وعمق. يرجع بكلمة الشهيد الى الجذور، الى منبعها الاصيل، وكما وردت في القرآن، ويجد انها وردت خمسا وخمسين مرة في مختلف السور. وكانت في كل مورد منتزعا عليها الا في ثلاثة مواضع في سورة النساء وفي سورة الزمر وفي سورة الحديد. وتكون بمعنى الذي يقتل في سبيل الله. وفي معناها اللغوي، وفي صيغة الاشتقاق من الشهادة ومعناها "الخبر او الحضور" حسيا. او "الحجة او الدليل" معنويا. ثم في قول ابن منظور في اللسان: "والشهيد فعيل، من ابنية المبالغة من فاعل. واذا اضيف الى الامور الباطنة فهو الخبير. واذا اضيف الى الامور الظاهرة فهو الشهيد..." وعن النضر بن شميل: الشهيد هو الحي. وقال السهيلي: "الشهيد بمعنى مشهود عليه وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف على قتلى احد قال: "هؤلاء الذين اشهد عليهم". ويفسرها السهيلي بمعنى "اشهد بالوفاء...".
ويرى الشيخ حسن خالد في مقاربته الشهيد في الاصطلاح ان العرب قبل الاسلام ما كانوا يعرفون لفظة "شهيد" الا بمعناها اللغوي. ولما جاء الاسلام كان له اضافة الى ثورته في جوانب العقيدة والانظمة الاجتماعية والاخلاقية والانسانية ثورة في كثير من التعابير اللغوية وتبديلا في استعمالات اللغة وامثلتها لما كان شائعا. وكذا في لفظة الشهيد فنقلها من مدلولها اللفظي الذي هو الحضور او العلم او المشاهدة الى معنى اصطلاحي تعبيري هو من قتل في سبيل الله مقبلا غير مدبر. ويلاحظ هنا وقبل التعليل ان الاسلام لم يجرد اللفظ من كل معناه اللغوي بل اضاف وجدد وخصص. وفي ذلك كما نقل ابن حجر في كتاب الجهاد من كتابه "فتح الباري" اسباب مختلفة منها:
أ- لان الشهيد حي فكأنما روحه شاهدة اي حاضرة. ب- لان الله يشهد عند خروج روحه ما اعد له من الكرامة بالقتل. ج- لان الله وملائكته يشهدون له بالجنة. د- لانه يشهد له بالامان من النار. هـ- لان الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة. و- لأن الانبياء يشهدون له بحسن الاتباع. ز- لان الله يشهد له بحسن نيته. ح- لأنه شاهد الملائكة عند احتضاره.
ثم يعرض رأي الفخر الرازي الرافض ان يكون معنى الشهيد في الاسلام هو المقتول بيد الكافرين. ويرجح الرازي ان الشهيد هو فعيل بمعنى الفاعل، وهو الذي "يشهد بصحة دين الله تعالى تارة بالحجة والبيان واخرى بالسيف والسنان".
وينتقل الباحث الى كشف نظرة الاسلام في الشهادة ويمهد لاهداف القتال عامة من حمية وثأر وسمعة وارض ووطن وقوم وشرف وعرض ونفس ومال ومبدأ ومقدسات... الخ.
ولما اظل العرب الاسلام انكر ما انكر ورضي ما رضي. واقر القتال دفاعا عن الارض والعرض والمال والاسرة والذمار والحياض وجعل ذلك كله في سبيل الله واعلاء لكلمته وتعزيزا لدينه. ويفسر كيف ان القتال صار لله لا للنفس ومصالحها، ولمبدأ لا لهوى. فلا عدوان ولا ظلم: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين". (قرآن كريم). ومن ثمار هذه النظرة القتال في سبيل النظم والعقائد التي اوجب الله على الانسان الايمان بها والتزام حدودها. ومن قواعدها القتال دفاعا عن النفس والمال والعرض والوطن والقوم.
والمقاتل في المعركة في سبيل الله لا ينظر الا الى هدف معنوي نبيل واحد وهو رضى الله الكريم او الفوز باحدى الحسنيين: اما مرتبة الشهادة التي يفوز بها بالجنة رضوان مقيم، واما النصر للعقيدة. ولا وجود للنفس في المعركة الا لترجح كفة النصر. ويعطي مثلا جواب خالد بن الوليد لما بلغه كتاب العزل من امير المؤمنين عمر بن الخطاب يوم اليرموك محاولا ان يثبط همته ويوهن عزيمته حين قال: "انا لا اقاتل من اجل عمر، بل من اجل رب عمر". وهذه النزعة هي انطقت خالد وامثاله من قادة الاسلام بقولهم: "جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة".
ولكن متى بدأ هذا التعبير في التاريخ؟ يرجح سماحته ومن مراجعة الاثار ومطالعة اقوال المفسرين ان اول ما اطلقت لفظة شهيد على القتيل المسلم ابتداء من معركة بدر. ويؤكد ذلك بحادثة وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس يوم بدر قائلا: "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا متحسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة". ومن هو اول شهيد في الاسلام؟
السهم ذكر ابن اسحاق ان حارثة ابن سراقة كان اول من استشهد في بدر بسهم في حنجرته. ويرجح المؤلف الشيخ خالد ان لفظ شهيد بمعناه الديني كان في معركة بدر، الا ان ثمة شهداء سبقوا هذه المعركة فماتوا صبرا واحتسابا بالعذاب الاليم من كفار القوم في مكة. اما مصدر تحديد معنى الشهيد في الاصطلاح الشرعي فهو في الاحاديث الكثيرة المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها: "من قاتل لتكون كلمة الله اعلى فهو في سبيل الله". واغلب الاحاديث في فلك هذه العبارة. وثمة تفسيرات مبنية على احاديث منقولة تعدد الصفات والخصال والطرق. ويقسم الفقهاء الشهداء الى ثلاثة: 1- شهيد الدنيا لغرض دنيوي وتطبق عليه احكام الدنيا. 2- وشهيد الدنيا والاخرى الذي قاتل وقتل لتكون كلمة الله العليا. 3- وشهيد الآخرة وهو من مات مبطونا او محروقا. او بالطاعون او بالهدم وله عند الله اجر الشهداء. ويرى الشيخ امام الصفات المتفاضلة، والخصال غير المتفق على حصرها – غير ان اعلاها واجدرها بالتعظيم هي الشهادة التي يفوز بها من قتل في المعركة مع الكافرين اعلاء لكلمة الله. وان شهيد المعركة هو الذي يعنيه الكتاب الكريم والاحاديث الشريفة وصاحب الفضل العظيم والمصير المرموق.
ويعتبر الباحث ان حالات الموت في سبيل الله تتعدد كأن يكون تعذيبا او غدرا او بالتصدي لمنكر يكون من امام جائر...
"ويرجح مؤكدا ان اول شهيد في الاسلام سمية والدة عمار وماتت تعذيبا على يد بني مخزوم بطعنة من ابي جهل في قلبها بعد ان قال لها ما آمنت بمحمد الا لانك عشقته لجماله". ويورد الشيخ خالد بعض الاحكام التي تنطبق على الشهيد ويتوسع في تعريفه. وان الشهيد نوعان: شهيد في الحقيقة والحكم والشهيد في الحكم. ومن احكام الشهيد حقيقة وحكما ان لا يغسل ويكفن بثيابه ولا يصلى عليه لانه تعالى اخبر عن الشهداء بأنهم احياء عنده يرزقون والصلاة شرعت للاموات فهل تصح لمن هم احياء، فلا يصلى عند مالك والشافعي واحمد. غير ان عليه من احكام الدنيا فكان لا بد من الصلاة عليه عن الاحناف. ولا يشترط في الشهيد ان يكون مقتولا بسلاح مخصوص. كما يستوي في الشهادة الرجل والمرأة. اما الشهيد حكما فهو الذي ألحق بالشهيد حقيقة من حيث الثواب في الاخرة فقط.
الطريق غير ان السؤال هنا: ما هي طريق الشهداء؟ ويمهد لجوابه بان الموت اذا كان سنة كونية ونهاية طبيعية لحياة الانسان، فما اجملها اذن ان تكون نهاية مشرفة ودفاعا عن نفس ومال وعرض ووطن ومعتقد – اي جهادا في سبيل الله – في سبيل المثل التي احتضنتها كتب السماء، في سبيل الحق والفضيلة والبر والعدالة والحرية وكرامة الانسان. الجهاد اذن طريق الشهداء الذين هم في مصاف السابقين والنبيين والصالحين وصفوة الخلق بعد الرسل والانبياء والصديقين. ومعرفة فضل هذا الطريق نقلي وعقلي. اما من الطريق العقلي فارتفاع الانسان وسموه الى مرتبة يكون فيها مستعدا لبذل الاغلى واعز ما يملك، لبذل النفس والروح فداء عقيدته ووطنه وقومه. واما الطريق النقلي فمن الآثار المروية عن الرسول وصحبه، الفضل العظيم والاجر الجزيل.
وفي باب حياة الشهداء والتباساتها وكيف تكون، يرجع سماحة المفتي اصلا الى الاية الكريمة: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم، ولا هم يحزنون". (آل عمران أية 169 -170) ويورد ايضا حجج الفخر الرازي الخمس في تفسير الاية. وينقل الاحاديث النبوية: "الشهداء على نهر باب الجنة في قبة خضراء". وايضا ذكر ابن اسحاق حديث ابن عباس ان الله "جعل ارواحهم في اجواف طير خضر". وعن قتادة: "ان ارواح الشهداء تتعارف عند السدرة في اجواف طير بيض". وتأول بعضهم: "انما الشهيد في الجنة يأكل منها حيث يشاء ثم يأوي الى قناديل معلقة في العرش". ويخلص الى ان المعتمد عند الامام الشيخ محمد عبده ومن سبقه من الفقهاء السلف والخلف الاوليين: "ان حياة الشهداء التي ذكرها الله في الكتاب حياة غيبية تمتاز بها ارواحهم على سائر ارواح الناس وبها يذوقون صنوف النعم والوان الرزق الطيب، ولكننا لا نعرف حقيقتها ولا حقيقة الرزق الذي يكون لها..." وفي تحديد مكانة الشهيد وفضله يرجع فضيلة الشيخ خالد الى الكتاب بقوله تعالى: "وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما، درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما". وفي الحديث: "ان في الجنة مئة درجة اعدها الله للمجاهدين في سبيل الله. ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض. فاذا سألتهم فاسألوه الفردوس فانه اوسط الجنة واعلى الجنة قال وفوقه عرش الرحمن ومن تفجر انهار الجنة". وهذا في فضل المجاهد فكيف من استشهد ودليله من الكتاب الكريم اذ قال تعالى: "ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن. ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايتهم به وذلك هو الفوز العظيم". (التوبة 111).
وزيادة في الفضل انزل الله الشهداء في رفقة الانبياء والصديقين والصالحين وهم في الدرجة الثالثة بعد الصديقين. وفي الحديث: "لروحة في سبيل الله او غدوة خير من الدنيا وما فيها". ويلحظ الباحث الشيخ متوكئا على الحديث ايضا ان الشهداء مراتب، فالمتردد ادنى مرتبة من المقدام، وكذلك الذي يرغب في ان يُقتل ولا يَقتل ادنى مرتبة من الذي يرغب في ان يقتل ويقتل واعلى مرتبة من الذي يريد ان يَقتل ولا ان يُقتل".
ثم شهداء عصر النبي في المعارك المهمة والاحداث الجليلة يأخذها من كتاب السيرة وقائع ومشاهد مذهلة، ومنها: "كان فيمن استشهد يوم بدر عمر بن ابي وقاص. فذكر الواقدي ان النبي صلى الله عليه وسلم كان رده في ذلك اليوم لأنه استصغره فبكى عمير فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءه اذن له في الخروج معه، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة، قتله العاص بن سعيد". وغيرها من الاخبار والبطولات قاصدا من هذه النماذج والصورة صورة صادقة عن اخلاص المؤمنين وصدقهم وروعة دورهم عسى ان تتحرك فينا نزعة المنافسة والاقتداء لما يرفع شأن الامة الى صدارة الخلود.
ويذهب الشيخ خالد الى ان الشهيد بمعناه الديني السابق وان كان حديثا في استعمالات العرب اللغوية خلال العصر الجاهلي، كان معروفا لدى ارباب الديانات السماوية الغابرة ووعد الله الحق في التوراة والانجيل والقرآن، ان مصير الذين يقتلون هو الجنة. ويؤكد مستدلا بالقرآن الكريم في سورة البقرة رغبة الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى في القتال في سبيل الله، ثم قتالهم بالفعل واستنصارهم بالله ونصر الله لهم على عدوهم. فمفهوم الشهيد عندهم لكما هو منقول من القرآن الكريم لا يختلف في شيء عنه عندنا. ويتوقف عند الشهادة في الديانة المسيحية فيقول: "وقد ثبت من السنة ايضا ان المؤمنين الصادقين من اهل الكتاب المسيحيين كانوا يتصدون للكفر والمنكر ويقعون معهما في نضال مرير، وانهم كثيرا ما كانوا ينتهون الى عذاب شديد او استشهاد كريم". ويروي عن ابن هشام في كتاب السيرة. قصة الغلام النجراني الذي ضحى بنفسه ليفوز بايمان النجرانيين، وهو عمل لا يقوم به الا الشهداء. والقصة ذكرت في القرآن الكريم في سورة البروج. وايضا قصة صاحب سورة ياسين وفيها ذكر للمجاهدين الصابرين الشهداء. ثم في باب خاص الشهيد في اقوال كبار المسيحيين. وجاء في كتاب تاريخ الكنيسة لدانيال روبس – باريس: "ان مسيحي الاضطهاد هؤلاء، عندما يضحون بذواتهم يسعون وراء هدف معين. انهم يعدون وجودهم، لحقيقة تعطيه معناه، انهم حرفيا شهود". وفي مكان آخر: "صحيح ان كل قضية انسانية لها متعصبوها الذين يرتضون الموت من اجل انتصارها. ولكن ليس بانتصار قضيتهم يفكر الشهداء بمعنى القضية السياسية او الفلسفية، بل الذي يتوقون اليه هو اعظم من نزاعات هذا العالم. انهم يحاربون من اجل ملكوت الله". وايضا: "ان اعظم برهان على الحب ان يبذل الانسان نفسه في سبيل من يحب". وجاء في مادة "مارتير" من لاروس: "وهي تحمل الموت في سبيل العقيدة. والمسيحيون الاوائل يطلقون لفظة شهيد على كل من تحمل العذاب في بدنه مدافعا عن عقيدته. وفي آخر القرن الحادي عشر جرت العادة بحفظ هذا اللقب او هذا الوصف للذين ماتوا في سبيل عقيدتهم".
وازاء ما تقدم يجد المفتي، الا بعض التفريعات في النظرة المسيحية الى الشهيد والشهادة ان النظرة المسيحية لا تختلف في شيء عن النظرة الاسلامية.
واخيرا، يخلص سماحته في فصل اخير الى الحديث عن اثر الشهداء في امتهم ومجتمعهم وحيث تتمثل وحدة المكان والزمان واللغة والدين والتاريخ والهدف.
ويرى ان تجسيد المعاني والقيم والمفاهيم السامية في حياة الافراد والجماعات في الامة الواحدة يفتقر الى سهر مستمد من سلطة نافذة القول والفعل. فان المأثور ان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ويعتبر ان ارساء وجود سلطة ليس الا بفعل فئة تستمد قوتها من رضى المجتمع المؤيد لها، ويضعف ويشتد بنسبة العطاء والسخاء من الابناء. وكلما كان البذل سخيا يسر ذلك الفئة الحاكمة للتغلب على صعوبات الحياة وفازت بالنصر على المناوئين والمتمردين في الداخل والخارج. ولزاما على كل امة تنشد البقاء لكيانها والاستمرار والامن ان يكون جميع افرادها مستنفرين ولو اقتضى بذل الروح ذبا عن كيان الأمة. وكلما كثر في افراد الامة الموت دفاعا عن حياضها قوي جهازها، وهابها القاصي والداني، وشاع في ربوعها الامن والاستقرار والسعادة. والشهداء في الامة اذن مثابة القاعدة من البناء، وعلى جثثهم ينهض بناء الامة ويسمق. وهم مثابة الروح للبدن يذوي كيان الامة بدونهم. بل ان كل قطرة من دماء الشهداء تراق على ارض الوطن تشربها التربة ولا تضيع. ودم الشهيد مثل الماء للنبات لا يكاد يسيل من عروقه ويسقي اديم الارض حتى يبرز من خلال احاسيس البشر وطاقاتهم الوجدانية ومواقفهم غضبا عاصفا يموج في الاثير ثم ينصب على رؤوس الظلمة الغاشمين، ثم يتحول عزة وشمما وحيوية وقوة تنتفخ بها نفوس الابناء والاباء والاخوة والاقرباء وابناء الوطن الواحد. بل ان دم الشهيد وقود حياة الامة والطاقة الخفية التي تشق للامة طريق الخلود والمجد، وتظللها سحائب الرحمة والخير والطمأنينة والرخاء. ويخلص الى انه مهما يكن عطاء الله لهؤلاء الشهداء بعد ذلك، ومهما يكن احتفاؤه بهم وتمجيده لذكرهم واكرامه اياهم فهم له اهل.
وكتاب الشهيد في الاسلام" من المواضيع المهمة والعميقة في نطاقه وابعد. ولعل ما يضيف الى اهميته ان كتابه وواضعه الشيخ الشهيد حسن خالد لم يكتف بالكلمة وحدها والمعرفة الفكرية بل عبر بالممارسة والفعل الى طريق اوضحها ومهدها ورسمها وعرف ابعادها والتفاصيل – ولفرط ذوبانه بالكلمة غاب فيها – طريق الشهداء، طريق الخلود. بدمائه الزكية كتابه مثلما زين بالشهادة في سبيل ووحدته في الوطن والانسان.
كتبه: سليمان بختي |