كان سماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، طيب الله ثراه، معجبا بثالوث المشايخ الكبير جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد عبده، ورشيد رضا. وإعجابه بأصحاب العمائم الثلاثة نابع من خصوصية لكل منهم. فالشيخ جمال الدين الأفغاني شاهر ابدا لسلاح الموقف، يقول كلمة الحق ولو بين يدي سلطان جائر. أوليس هو الذي قال للسلطان عبد الحميد الثاني، أشهر وأقوى سلاطين بني عثمان: "بقلمي هذا قادر على أن أهز عرشك؟". والشيخ محمد عبده رجل الإصلاح الأزهري المقدام، وأحد أصحاب بصمات العلم والفضل في لبنان. أوليس هو المؤسس المشارك في جمعية المقاصد الخيرية وانطلاقة "الفجر الصادق؟". والشيخ رشيد رضا، ابن بلدة القلمون جنوبي طرابلس، تتلمذ على يد الإمام محمد عبده، وتعلم منه نزاهة الكلمة، وعفة المقال، وضرورة التأسيس على العلم والمعرفة في كل شيء. وحين كان المفتي يطالب بإخراج الميليشيات المسلحة والمدافع الثقيلة من شوارع بيروت، ويتحمل بصدره ردات فعل كل المتضررين، كان الشيخ جمال الدين الأفغاني. وحين كان يدعو إلى الوحدة الوطنية القائمة على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، كان الشيخ محمد عبده. ولما كان يعيد كل حدث إلى أصوله العلمية والفقهية في التعبير والكتابة كان الشيخ رشيد رضا. ولئن اعتمد الأزهر الشريف بين أعمدته عمودا باسم الأفغاني، وآخر باسم محمد عبده، وثالث باسم رشيد رضا، فان اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم، وتنوع تياراتهم، قد أقاموا في قلوبهم وعقولهم لسماحة المفتي الشيخ حسن خالد عمودا من نور، وعرشا من التواصل الروحي. وحسبنا من دليل ذلك العزاء الذي فتحت أبوابها لتقبله بطريركية بكركي على أساس ان المفتي شهيد لكل لبنان، ولقبه هو مفتي الجمهورية اللبنانية، والمصاب به مصاب على مستوى كل الوطن اللبناني. وفي جنة الخالدين يا حسن خالد. نشر في: مجلة الأفكار تاريخ: 22 أيار 1989