يوماً سألك أحد مرافقيك وكنت في زيارة إلى الكويت الشقيق: أنت مستهدف ، فلماذا لا تأتي بسيارة مصفحة تقيك شر التفجير؟ يومها أجبت: إذا أرادوا اغتيالي، فليكن ذلك الاغتيال بسيارتي العادية، حيث يكون حجم التفجير والخسائر محدوداً، أما إذا امتلكت سيارة مصفحة، فإن العودة التي سيضعونها لي ستكون بحجم السيارة المصفحة، وهذا يعني أن الخسائر ستكون جسيمة في الأرواح والممتلكات. وعندما طلبوا منك البقاء في منزلك لورود معلومات عن استهداف حياتك قلت لهم قول الله تعالى:« قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا » وقول الله جل جلاله: « فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ». لقد كتب الله لك الشهادة، والشهادة عصية إلا على الأقوياء والكبار والصديقين والمؤمنين بربهم، وأنت كبيراً وقوياً ومؤمناً في كل خطوة، وفي كل فعل ، تجلى ذلك كله في عمامتك البيضاء الناصعة التي هالها مصاب الوطن، فاحتضنت في طياتها قواميس الألفة والوئام والفقه والدين والكتب السماوية، وظلت حتى آخر نبض في حياتك تمتلئ بالخضرة والعناد، والحب والحنين، وترسم وطناً في حجم الآمال والطموحات. سقطت، وكنت غالياً في السقوط ، يا داعية السلام والوحدة والوفاق، ولم تكن بذلك رمزاً في حجم الوطن فحسب ، وإنما كنت رمزاً عالمياً ، يشهد على صدق ذلك أصداء الحزن التي ترددت على الساحات العربية والإسلامية والدولية، اعترافاً بقدرك ومكانتك ودورك في بلسمة الجروح العميقة التي أثخنت جسم الوطن لخمس عشرة سنة متتالية. الشيخ حسن خالد، مفتي الإخاء والتوحد والانفتاح السمح، كان حتى آخر يوم بيننا، رائداً يتقدم المسيرة، وإماماً للجماهير ، يسدد لها الخطوات ، يدفع عنها محاذير الانفعال، يبعدها العواطف الثائرة، ويرشدها إلى مكامن الخبث في المؤامرة التي ابتغت تمزيق لبنان إلى كيانات طائفية تتناحر في ما بينها في منهجية مذهبية بغيضة. سلام عليك في دار الخلد، بين الشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقاً. بقلم الأستاذ محمد خشان
|