أيها الأخوة الأعزاء في هذا البقاع الهادر بمشاعر الوفاء وحب الوطن... يا أهل العروبة والعقيدة والأمانة والغيرة على الدم والشهداء... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نلتقي اليوم معاً في هذه الأرض الطيبة، لنحي ذكرى رجل عرفه الوطن وعرفتموه. رجل نادى بالحق وعمل من أجل الحق واستشهد من أجل الحق... نلتقي معاً لنستذكر عمامة الدين التي تسلحت بالدين لتواجه الباطل... نلتقي معاً لنستذكر جرأة ذلك الزمان وحكمة ذلك الزمان وصلابة ذلك الزمان... نستذكر وإياكم الشيخ حسن خالد، شهيد الوطن والدين والعروبة والإنسان... نستذكر الشيخ حسن خالد الذي وقف في ذلك الزمان الحالك وقال للظالم أنت ظالم، وللمخطئ أنت مخطئ وللفاسد أنت فاسد، وللمعتدي أنت معتدي، وللمجرم أنت مجرم... حسن خالد، ومن منكم لا يعرف حسن خالد، من منكم لا يعرف الصوت الذي لم يعرف الصمت في لومة لائم... من منكم لا يعرف الرأس الذي لم ينحني في وجه ظالم... من منكم لا يعرف اليد التي لم تتعب من نجدة سائل... حسن خالد، رجل العدالة والحكمة والمساواة، رجل الثوابت الإسلامية والوطنية، رجل المبادئ والأخلاق، الرجل الكبير الكبير الذي عاش كبيراً واستشهد كبيراً...
أيها الأخوة الأعزاء نحي اليوم الذكرى السنوية العشرين لذلك الغياب المفجع وفي القلب ألف غصة وغصة... نحي الذكرى وفي البال ألف سؤال وسؤال... فما يجري في الوطن أمر جلل لم نتعوده في السابق، لا في هذا النوع المؤسف من الانقسام ولا في هذا النوع المقلق من الاستقرار الهش... إنه لأمر مؤسف بأن اللبنانيين لم يتعودوا، رغم كل ما دفعوه من أثمان باهظة، بأن مصلحة الوطن العليا يجب أن تبقى دائماً فوق أي اعتبار... فماذا ينفعنا لو ربحنا العالم بأسره وخسرنا هذا الوطن... ماذا ينفعنا لو ربحنا محبة العالم كله وخسرنا محبتنا لبعضنا البعض وثقتنا ببعضنا البعض وحرصنا على بعضنا البعض... إن الكثير الكثير من ما يجري عندنا يدمي القلب ويجعل من منسوب القلق يرتفع إلى أقصاه... في ذكرى الشيخ حسن خالد، لن نسأل عن العدالة الغائبة منذ عشرين عاماً، بل سنسأل عن ماذا يجري للعدالة في لبنان؟ هل أصبحت العدالة عالة على لبنان؟ هل أصبحت العدالة وضرورة تطبيقها من المواضيع القابلة للخلاف والنزاع وللاستثمار الإعلامي والطائفي والسياسي؟ هل أصبحت العدالة من الأمور التي تهدد المجتمع بعدما كانت، وهي كذلك، ويجب أن تبقى دائماً كذلك من الأمور التي تحميه وتصونه وتقويه... من المعيب أن يختلف اللبنانيون حول العدالة وحول القيم وحول الحق وحول المبادئ وحول الأخلاقيات وحول كل ما سبق أن توارثناه من الأسلاف وكان مشرقاً... من المعيب جداً أن يبقى اللبنانيون مشتتون بهذا الشكل ومتقوقعون بهذا الشكل ومتواجهون بهذا الشكل وخائفون على المصير بهذا الشكل... من المعيب جداً أن نفسر الدستور كما نريد ونقفز فوق القانون ساعة نريد ونتجاهل الحق والواقع في أي وقت نريد... من المعيب جداً أن تصبح الحقيقة عبئاً والشتائم عادة والتحريض منهجاً... من المعيب جداً أن يصبح الجنون طيبة والعقل استثناء... من المعيب جداً أن يبقى التواصل معدوماً إلا في ما ندر وأن تبقى الكلمة الطيبة غائبة إلا في ما كان ضرورة... من المعيب جداً كل هذا الذي يجري في الوطن... ومن المعيب جداً أن يبقى يجري كل هذا الذي يجري في هذا الوطن... أيها الأخوة الأعزاء، في ذكرى الشيخ حسن خالد نبدي أسفنا لكون ما حدث في أيار من العام الماضي قد اخذ هذا المنحى المحزن من التقييم والوصف... نبدي أسفنا ونقول بان المجد تصنعه الانتصارات وليس الهزائم، وما حدث في بيروت وغيرها من المناطق في أيار من العام الماضي هو هزيمة حملت نوعاً من الاهتزازات الوطنية التي كنا نتمنى أن لا تحدث والتي أصابت صورة المقاومة في لبنان، وصورة الدولة في لبنان، وصورة الشعب الواحد في لبنان. ما حدث في أيار من العام الماضي لا يمكن أن يحمل النصر او المجد لأحد، فالمجد كما النصر يصنعه البناء في الوطن وليس الهدم... المجد كما النصر تصنعه الانجازات في الوطن وليس الفوضى... المجد كما النصر تصنعه الوحدة في الوطن وليس الاقتتال... أيها الأخوة الأعزاء، رغم ما يجري في وطننا وما يقوم به العباد في وطننا، فسيبقى أملنا بالله دائماً وبالشرفاء من عباده الذين نعول عليهم كثيراً من أجل إخراج لبنان من أتون هذه الأزمات والآلام... أملنا بالله عز وجل ودعائنا له جل جلاله أن يمن علينا في هذا الوطن بفرج قريب يعيد اللحمة لهذا الشعب ويصون الاستقرار ويعيد المجتمع اللبناني إلى سابق عهده من الهدوء والتقدم... وفي انتظار ذلك، وقبله وبعده، لكم منا دائماً وافر الشكر لوفائكم ولكرمكم ولعطائكم، ونعاهدكم بأننا سنبقى معكم وبينكم على ذات المبادئ الوطنية التي استشهد من أجلها الشيخ حسن خالد، الذي نعرف بأنه سيبقى دائماً في وجدانكم الوطنية وفي مشاعركم السامية، التي ندرك تماماً مقدار ما تكتنزه من محبة للوطن والشهداء... فأنتم الأوفياء، وأنتم أهل الوفاء... أيها الأخوة الأعزاء في هذا البقاع الهادر بمشاعر الوفاء وحب الوطن... أشكر لكم حضوركم، وأشكر كل من ساهم بقيام هذا الحفل... وأسأل الله تعالى لكم جميعاً عمراً مديداً خالياً من الأحزان وحافلاً بالعطاء والمحبة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|