الشهيد الشيخ حسن خالد تاج الإفتاء... وإمام الشهداء نشر في صوت المنتدى ـ 16 أيار 2009 بقلم: المفتي د. الشيخ طه الصابونجي إذا لم يكن الشيخ حسن خالد إمام الشهداء، ودرّة العلماء، ودليل الأتقياء، وقمة الوفاء، وتاج الإفتاء، فمن سواه يكون؟ لقد أعطى للشهادة أنوارها، ووهب سدّة الإفتاء وقارها، ورفع للأمانة منارها، وصان للوطن كلمة الحق، وعنفوان الموقف، وإباء الضمير، وطهارة المقصد، وسموّ التعالي عن المكاسب والرغائب، وصمود النفس أمام سلطان المال، فتعالت عمّته فوق نقاء السحاب، واستعلت يده عن كل عطاء وإغراء، وارتفعت كلمته أعلى من كل شعارات الداهمين والموهومين، وتألقت كرامته وعزته في ميادين الروع والهول، وأمام عواصف الحمق والجنون. كان صوت الشيخ حسن صوت الإيمان العاقل، وكانت دعوته دعوة التلاقي على نصرة الوطن، والتوحد في النسيج الوطني البنّاء... فأصبح الآمر وليس المأمور، والقائد وليس المقود، فإذا اشتدّ الخطب، وتفاقم البلاء، فزع إليه الوطن بعقلائه وحكمائه، ليرشد ويسدّد، ويقارب ويوحّد، ودعا إليه القادة وأولي الأمر ليستشيرهم ويشير عليهم، ولم يكن لأحد ـ كبيراً كان أو وجيهاً ـ أن يستدعيه ليملي عليه رأياً أو يزيّن له موقفاً، أو يستجرّه إلى مصانعته والانخداع به، أو يهمس في أذنه يستدعيه بمغنم تنحني له رقاب وظهور أصحاب النفوس الضعيفة والشخصيات المتهالكة، والرؤوس الخالية من التعقل والإدراك ومن القدرة على الاستقلال بالرأي وبالنظر السديد.. وكان رحمه الله، يعاني من تآمر خبيث من داخل مؤسسته، ومن ضغوط هائلة تودي بأكابر الرجال، فكانت قوته في التحمل، وقدرته على التصدي، صادرتين عن إيمانه بالله إيماناً واثقاً بوعده الذي لا يتخلف عن نصرة المظلومين، ولا يغادر أبداً الانتقام من الظالمين، كما كان صموده صادراً عن نفس قوية، وعزيمة شامخة، وعن صدق في الوفاء لوطنه الذي تنهشه الذئاب، ويفتك به الحقد، من أجل تفتيته وتقسيمه وإلغائه، فهبّ غير هيّاب، يدعو لانقاذ الوطن والوحدة والشعب، ولإطفاء اللهيب المستعر، وأنشأ مع القيادات الاسلامية، الدينية والسياسية، اللقاء الإسلامي، ليحرر الساحة من التفرد الجائر، ومن التسلط على الأفكار والإرادات والمواقف، فكان للقاء دوره الفاعل في الحد من وضع اليد على السياسية وعلى الأهداف الوطنية، وفي انقاذ القضايا والصراع من التضليل والتزوير والانهزام، فتحوّل اللقاء الاسلامي الى مركزية جامعة لاعلان الموقف الوطني السليم، والتعبير عن وحدة الوطن، وعن سبيل اخراجه من محنته، وبلوغه سلامه المنشود، ومستقبله الآمن... فتحوّل صوت اللقاء المنبعث من دار الفتوى ومن قمة عرمون إلى تيار قوي يلفّ العالم العربي، معبّراً عن حقيقة إرادة اللبنانيين، وعن رفضهم للفتنة، وفضحهم لهدف القتال. وحين ثارت ثائرة الإرجاف بالتقسيم والفيدرالية الانعزالية، وأظلمت أجواء التضليل بالدعوة إلى إنشاء دولة مسيحية، وأخرى إسلامية، ووصل الوطن إلى حافة الانهيار والسقوط النهائي، سارع الشهيد الخالد إلى دعوة قمة إسلامية مشهودة في دار الفتوى، أصدرت وثيقة تاريخية منقذة، اعتبرت من أحكم وأسلم ما صدر في تاريخ لبنان الاستقلالي، وذلك بالإعلان أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، ضمن الحدود المعتمدة وطنياً وعربياً ودولياً، فكان أن أجهضت المؤامرة التقسيمية، والإلغائية، وتحولت الوثيقة الى مانعة صواعق، والى مرتجى يقيني بوحدة وطنية شاملة، والى مستند تاريخي يعيد الى الوطن حكمته، وروّيته، وثقته بالمستقبل... إذاً، فقد تحوّل الشيخ حسن خالد، الى صمام أمان، والى رافعة إنقاذ، والى رقم صعب لا يمكن تجاوزه او الالتفاف حوله، وصار كما رأى بعض المتابعين لمسيرته الوطنية يسبح ضد التيار الهادر، ويتصدى بشموخ وعناد لأعتى العواصف، ويتحدى أشرس التحديات، ويتحرك بقوة في وقت يراه أهل القتال بعيداً عن مخططهم، ومعطلاً لأهدافهم، فكيف يقف في وجه الطوفان، ولم يحن الوقت بعد لتصفية كل الحسابات وتوزيع كل الأسلاب، وإطفاء كل الحرائق، وما السبيل لاستمرار الأدوار، ومتابعة طريق القضاء على الوطن، وتحقيق مآرب العدو الاسرائيلي، والثأر من شعب يؤمن بحقه في الحياة، ويضحي بكل ما يملك من أجل نصرة عالمه العربي، ومناجزة عدوّه الإسرائيلي؟ لم يبق إلى قطف الرأس الشامخ، وقطع اللسان الداعي بسلام، وطمس نور الحق في ظلام أتون النار الملتهب، وإخلاء الطريق أمام القطعان المسعورة، والفوضى العاصفة، التي تخفي وراءها أسراراً عليا ما زالت طيّ الكتمان المريب.. وبعد، فسيبقى الشهيد الشيخ حسن خالد مدرسة الصمود، والأخلاق، والأيمان، والبطولة، والترفع، والتضحية والوطنية الصادقة. وستبقى ذكراه مشعة في العقول والضمائر، وفي المسيرة الوطنية الواحدة، لتكون المنارة التي لا يخبو نورها، ولا يتوارى أثرها في كل مفارق الوطن، الذي يتلمس رؤاه وهداه في سيرة أبطاله وقادته وفي إمامهم الخالد الشهيد البطل الشيخ حسن خالد.
|