المستقبل - السبت 16 أيار 2009 - العدد 3305 - تحقيقات - صفحة 11 عمر حرقوص يوم استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد في بيروت، كان كثيرون يدركون ان المعركة التي خاضها في مواجهة قوى الأمر الواقع السورية أوصلته إلى الاستشهاد، فمنذ عودة المخابرات السورية إلى بيروت بدأت لائحة الشهداء المدافعين عن وطنهم تكبر وكانت كوكبة الشهداء التي سبقته كانت تؤكد ان الهدف هو منع الأصوات الرافضة للتدخل السوري في حياة اللبنانيين. شهداء المواجهة مع الوصاية، كانوا يعلنون كل مرة عنواناً جديداً للمرحلة المقبلة، واستشهاد المفتي خالد كان اعلان الانتقال إلى مرحلة جديدة من عمليات الاغتيال السياسي والديني. القاتل الذي لاحقه بالقصف المدفعي بين منزله في تلة الخياط ودار الافتاء في عائشة بكار، كان يحضّر لعملية القتل من دون أي رادع، وذلك لاعلان ان من يحاول رفض الواقع الجديد الذي يتم التحضير له سيطاله القتل حتى ولو كان رئيساً للجمهورية، وهو ما حصل مع الرئيس رينيه معوض. فالمخابرات السورية تسيطر على بيروت الغربية وكذلك على الكثير من المناطق اللبنانية، والمفتي الشهيد كان ابرز الرافضين للحرب والداعين الى الحوار ورفض التدخل المخابراتي السوري في حياة اللبنانيين. صوت الانفجار الضخم الذي هزّ بيروت يوم 16 أيار 1989 قبل عشرين عاماً، والذي ظهر دخانه من جهة عائشة بكار لم يكن إلا عبوة ضخمة استهدفت المفتي الشيخ حسن خالد ومرافقيه و16 مدنياً. الصوت الضخم لم يكن يشبه صوت قذيفة مرّت أو جزءاً من اشتباك صغير، كانت عبوة كبيرة ظهر دخانها ودخان الحرائق التي اندلعت معها من أماكن مختلفة، فالواقفين في عدة أماكن من بيروت شاهدوا دخان احتراق السيارات من البعيد، وكذلك دخان احتراق بناية التنير التي أوقفت أمامها سيارة التفجير. كانت بيروت تعيش حرب "التحرير" وحروب "الإلغاء"، والقصف يستهدفها كل يوم من جهات عدة، وهي منذ شهر آذار ذلك العام بدأت كلّ يوم تخلو من سكانها الذين تهجروا إلى مناطق أكثر أمناً بعيداً من قذائف الأخوة والمحررين وأسياد الحروب. الصورة التي يمكن نقلها من تلك الفترة هي رحيل الناس من المدينة من دون استثناء، لأن القصف كان يحوّل بيروت منذ ما بعد الظهر إلى صباح اليوم التالي جحيماً لا يمكن تحمله. ففي الأحياء الداخلية الخالية إلا من رجال قلائل اضطروا ان يبقوا بسبب أعمالهم أو لظروف قاهرة، كانت قذائف المدافع والصواريخ من المباشر والهاون وصولاً إلى مدفعية الـ 240 تتحكّم بحياة الناس وتمنعهم من البقاء. القصف المدفعي "المشترك" وخصوصاً قذائف الـ 240 كانت تنبّه المفتي خالد إلى الواقع السيء الذي يحاول النظام السوري إيصال اللبنانيين إليه، ولذلك حصل عدد من الاصطدامات مع عدد من قيادييهم. يوم استشهاد الرئيس رشيد كرامي توجه المفتي إلى طرابلس عن طريق الساحل حيث كانت المناطق متقطعة بين شرقية وغربية، ومرّ على حواجز الأحزاب والقوى السياسية من بيروت إلى كسروان وجبيل وصولاً إلى طرابلس، وهذا ما لم يعجب القيادة السورية لأنها اعتبرته اختراقا" كبيرا" للمنع الذي وضع منذ بداية الحرب الأهلية. الانفجار الكبير الذي سُمع صوته قرابة الظهر أو بعده بقليل، دفع الناس الى الهرب من المدينة مبكرين لئلا يقعوا ضحايا القصف المتبادل من جديد. الخروج السريع للناس من بيروت، أوصل اليهم الخبر بشكل متأخر عبر الإذاعات التي كانت أكثر الوسائل تطوراً لنقل الخبر في ظل انقطاع الكهرباء عن كل المناطق اللبنانية. لقد استشهد مفتي الجمهورية حسن خالد، صوت العقل في هذه الحرب التي لم تبق ولم تذر، استشهد بين ناسه في بيروت، حيث لم يترك الدار في الأيام السوداء، بل بقي فيها يعاند الكثيرين على تخريبهم للمدينة بدلاً من فتح أوصال الحوار والنقاش. القلة الذين كانوا يشاركون في إزالة الركام، وكذلك المواطنون المتجمعون من حول مكان الانفجار يمكن تعدادهم بسهولة فهم جميعاً لا يتعدون الخمسون شخصاً.المدينة الخالية والرعب الذي دبّ بمن تبقى من سكانها، واغتيال الشيخ حسن خالد لا يمكن ان يكون صدفة أو ان يكون مجهزاً له من مناطق المحاور الثانية، فالقاتل يحفظ الطريق جيداً ويعرف ان من يمر في هذا الوقت لن يكون إلا المفتي خالد المتوجه إلى منزله القريب. المفتي قبل أيام من استشهاده هاجم القصف الذي تتعرّض له بيروت،ووجّه أصابع الاتهام إلى من يحكم بيروت الغربية وتحديداً المخابرات السورية. كان متأكداً من ان حكم التاريخ لن يسامحه ان سكت على جرائمهم، وكذلك كان متأكداً ان جريمتهم لن تتوقف وكذلك عمليات الاغتيال التي أكملت على النائب ناظم القادري وكذلك الرئيس رينيه معوض. حين ولد الشيخ حسن خالد في بيروت عام 1921، كانت المدينة تخرج من الحرب العالمية الأولى، ومن مجاعة وأمراض فتكت بالآلاف من أبناء الساحل اللبناني، عدا عن رحيل آلاف آخرين باتجاه أميركا وإفريقيا هرباً من الحروب والقتل. ولد في الوقت الذي بدأ لبنان الكبير يبني هويته الخاصة، وفي فترة بدأت فيها الحركة الاقتصادية والاجتماعية بالتحرك نحو الأفضل. ويوم استشهاده كذلك كانت الحرب الأهلية التي بدأت قبل 14 عاماً تلفظ سنتيها الأخيرتين، المليئتين بالدماء والاغتيالات، قبل حلول السلام الصعب. في بيروت تلقى المفتي خالد دروسه الابتدائية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وتابع دراسته المتوسطة والثانوية في معهد أزهر لبنان حيث كان يعدّ نفسه للتحوّل إلى رجل دين، وتلقّى تعليمه الجامعي في جامعة الأزهر الشريف، في القاهرة، حيث نال الشهادة الجامعية "الليسانس" في العام 1946. عاد في تلك الفترة إلى بيروت وبدأ حياته أستاذاً في كلية الشريعة في بيروت لمادتي المنطق والتوحيد، ثم عمل موظفاً في المحكمة الشرعية وواعظاً في المساجد، ومن بعدها تنقل في عدد من الوظائف "لشرعية" بين بيروت وعكار وجبل لبنان. وفي العام 1966 تم اختياره لمنصب الإفتاء في الجمهورية اللبنانية، حيث بدأ العمل العام بين الدين والسياسة. كانت صلاته تبدأ مع الانفتاح على رجال الدين في الطوائف والمذاهب الأخرى وكذلك في العلاقة مع السياسيين من مشاربهم كافة، فترة تسع سنوات قبل بدء الحرب الأهلية كان فيها لبنان يعيش أفضل أوقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. في بداية الحرب الأهلية عقد حوار بين القوى السياسية المتحاربة في منزل المفتي في عرمون، سمّيت يومها قمم عرمون، هذه القمم التي فتحت نقاشاً طويلاً لم يستفد منه اللبنانيون، بسبب تعنتهم على مواقفهم وبسبب التدخلات الاقليمية التي منعت كذلك اي تواصل يؤدي إلى وقف الحرب الأهلية. حافظ حسن خالد على علاقاته مع كل القوى السياسية ولكنه كان صريحاً في كل الأوقات حيث واجه أخطاء منظمة التحرير الفلسطينية قبل الاجتياح الاسرائيلي وأخطاء الأحزاب اللبنانية وكانت خطبه دائماً ما تهاجم أصحاب الأمر الواقع. مشكلته الأكبر كانت مع ما فعله التواجد السوري في لبنان، فهو كان يحملهم مسؤولية المشاكل وارهاب الميليشيات في بيروت، وكذلك التعرض للمدنيين. فقبل استشهاده بفترة انتبه إلى ان القصف الذي تعرضت له بيروت لم يكن موجهاً فقط من مدافع الجنرال ميشال عون، بل وكذلك من مدافع القوات السورية المتواجدة على الجبال المحيطة للمدينة، فاتجاهات عدد من القذائف التي شاهدها وكذلك نوعيتها أكد له بما لا يقبل النقض ان مدافع السوريين تساهم في دكّ بيروت الغربية كما تساهم في دكّ بيروت الشرقية. صار المفتي يتعاطى بحدة مع السوريين، لكثير من الأسباب، فهو يوم دخولهم بيروت في شباط من العام 1987 أكدوا على منع ارهاب الميليشيا لأهالي بيروت، ولكن بوصول المخابرات السورية، صارت بيروت مرتعاً لاشتباكات من نوع آخر يساهم "السوريين" في إشعالها، ومركزاً لفارضي خوّة جدد على المدينة وأهلها، بعد تخلّصهم من عصابات الخوّة الميليشياوية. كان المفتي خالد شخصاً جريئاً يرفض السكوت عن الظلم، وكذلك كان من المؤمنين بلبنان وطناً لكل أبنائه، فهو الذي شارك في حوارات طويلة مع الكثيرين. كان يصرّ دائماً على رفض الحرب والقتال، لأنه كان يرى ان لا السلاح ولا الحروب ولا تسليح الطوائف هو من يخلّص لبنان من العبثية، ولذلك ظلّ طوال الحرب بعيداً من تأييد أي قوة ميليشياوية حملت سلاحها وقاتلت فيها. كان جمهور كبير من أهالي بيروت يعتبره ممثلاً له في ظلّ حرب القتل والتهديد. فصور المواطنين الذين اعتصموا أمام دار الفتوى في الأعوام 1986 و1987 كانت تؤكد على تمثيله للناس الذين لا يحملون السلاح ولا يقاتلون. في آخر حوار صحافي اجري مع المفتي الشهيد، كان الشهيد حسن خالد قلقاً على مصير لبنان، الا انه كان يعلق آماله على القمة العربية التي كانت على وشك الانعقاد لبحث سبل وقف الحرب وإعادة الامن والاستقرار والسلم الى لبنان، كان متفائلاً في الوقت نفسه بإرادة اللبنانيين في المنطقتين لتجاوز الحالة الشاذة. وبالفعل، انعقدت القمة العربية لكن بعد استشهاده تقرر بناء لنتائجها تهيئة المناخات الدولية والعربية واللبنانية التي أمنت ولادة "وثيقة الوفاق الوطني" في مدينة الطائف السعودية بجهود اللجنة العربية الثلاثية العليا التي ضمّت السعودية والمغرب والجزائر. ذاكرة أحبته قبل عشرين عاماً استشهد المفتي حسن خالد بعبوة ناسفة، كان يومها مؤمناً ان لبنان يبنى على صورة ابنائه ولا يبنى على صورة فئة واحدة. ذهب إلى حضرة الموت وهو يعلم ان الوطن أكبر من الزواريب وأكبر من المناطق والفئويات، وهو الذي قطع الحواجز بين المناطق في ظل المحرّمات، واستشهد بسبب حواره وانفتاحه على كل اللبنانيين، قبل أن تصل البلاد إلى برّ السلم الأهلي. يعتبر نجله سعد الدين حسن خالد ان والده الشهيد "أعطى منصبه الديني أبعاداً جديدة فوفق عملاً وفعلاً بين الديني والسياسي والوطني. كان بحق المرجعية الدينية والوطنية ورجل الحوار والاعتدال والوحدة الوطنية الذي وظف ايمانه وحكمته ووعيه لتجنيب لبنان آفات الفتنة والانقسام في فترة حرجة من تاريخه". بعد عشرين عاماً على استشهاد الرجل لم ينس محبوه وأبناؤه الظروف الصعبة التي مرّت عليه قبيل عملية اغتياله،وهو الذي لطالما سعى الى جعل لبنان دولة تجمع كل أبنائها وتنتمي الى المحيط العربي كله بعيداً من الصراعات وغيرها.عشرون عاماً مرّت بسرعة أو مرّت وكأنها دهر لكنها ساهمت في تبدّل مواقف اللبنانيين من حاملي سلاح إلى مؤمنين بالحوار في سبيل تخطي المصاعب. كان قائداً وطنياً، يقول سعد الدين في وصفه والده: "استطاع فرض نفسه في تصدر مسيرة المواجهة عند أدقّ المفاصل الوطنية". هو مفتي قمم عرمون التي عقدت في منزله في العامين 1976 و1977،ومفتي خطبة العيد في الملعب البلدي في العام 1983 حيث أصرّ يومها على تأكيد تساوي مواطنية كل اللبنانيين في وجه الحرب التي كانت تتحرك تحت رماد الصراعات في فترة التهدئة البسيطة.القمم السياسية وكذلك القمم الروحية واللقاءات الوطنية في عهده، كان جل همّها ايجاد الحلول لحقن الدماء وايقاف الحرب ومنع القتال ونزع فتيل الشقاق والفتنة وإعادة اللحمة إلى أبناء البلد الواحد. كان من دعاة الحوار البناء وقد مارسه قولاً وفعلاً، كما طالب بضرورة الاصلاح السياسي في مطلبين أساسيين المساواة بين جميع اللبنانيين من كل الطوائف والحفاظ على عروبة لبنان. يروي خالد ان والده "لم يكن يحب التدخل في العمل السياسي، لكن ظروف لبنان الصعبة أجبرته كما غيره على الدخول في المواجهة مع الواقع الذي كان أمراً لا يمكن السكوت عنه. عمل طويلاً وفرض الكثير من الشروط على السياسيين في كثير من المفاصل، ولم يكن من الموافقين على كل أنواع السلاح الموجودة خلال الحرب ما عدا سلاح الجيش، وهو بإيمانه وحكمته ووعيه استطاع تجنيب الوطن التفتت والتشرذم والتقسيم. عشرون عاماً خسر فيها لبنان الكثير من رجالاته، فبعد انتهاء الحرب التي أودت بمئات الآلاف من الناس،جاءت مرحلة السلم التي كانت في بعض محطاتها أصعب من الحرب. العدالة والمساواة والديمقراطية والتخلص من الاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية آنذاك لم يكن بالأمر الهيّن، ولكن الكثيرين من محبي المفتي الشهيد ظلوا على ايمانهم بمبادئه في الوطنية والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون وفي كل المؤسسات. في مكتبة الشهيد حسن خالد أربعة عشر كتاباً ألفها، أهمها "المسلمون في لبنان والحرب الأهلية" الذي يشكل وثيقة تاريخية في وصف مرحلة سوداء من تاريخ اللبنانيين وكان وضعه بغية توثيق وجهة النظر الاسلامية من الحرب اللبنانية.ويرى خالد ان "اللبنانيين يعانون من غياب الوحدة في هذه المرحلة وهم الذين خسروا الكثير من الكبار عبر الاغتيال ما منعهم من إكمال مسيرتها. الشهداء دفعوا أثماناً باهظة في حياتهم،وضحوا بالكثير وحتى بأنفسهم في سبيل قيام المؤسسات وحكم الدولة فوق كل الأراضي اللبنانية ونحن علينا إبراز هذا الدور خدمة للأجيال القادمة بتقدير الذاكرة ورفع المعاناة عن الناس". بالنسبة إلى مؤسسات المفتي الشهيد الاجتماعية،يؤكد خالد على العمل الدائم لتطويرها لتكون رافداً من مؤسسات المجتمع المدني وفي نفس الوقت لتذكير اللبنانيين بواحد من رجالاتهم الذين استشهدوا في خدمة وطنهم. فالمؤسسات تطوّر عملها واتسعت نشاطاتها لتشمل العمل على مساعدة الأجيال الشابة لتخطي المشاكل الإقتصادية وتغطية تعليم طلاب في الصفوف الابتدائية وكذلك المرحلتين الثانوية والجامعية. يرى خالد في تذكر اللبنانيين للمفتي الشهيد بعد عشرين عاماً على استشهاده "استرجاع لسيرة الشهادة في مواجهة الحرب. السيرة التي أسّس لها وشكّل فيها نموذجاً لمن قدموا لوطنهم حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم وهم يدركون ان القاتل يتربصهم في كل مكان". ويختم "لبنان لا يستحق الانقسام العنيف ولا الأحزان،قادته الكبار ضحوا من أجل بقائه ومنعه من الانقسام ومن حقهم ان يروا وطنهم موحداً". لبنان بعد المفتي. الشارع اللبناني كان يعلم بأن "النظام السوري" لا يتوافق ومواقف الشيخ حسن خالد. يوم الجنازة التي شارك فيها الآلاف كان البعض يوجه اصابع الاتهام الى سوريا، حيث اعتقل العديد منهم، وبعض الناس رفعوا اعلاماً لم توافق عليها سوريا مثل اعلام "المرابطون" والحركات السياسية التي كانت على الارض ولم تكن متوافقة مع النظام السوري، انما الكم الهائل من الناس الذي سار في الجنازة كان من محبي المفتي ومن الناس الذين أحسّوا بالخسارة التي لا تعوّض في ذلك اليوم الصعب. جاء الاغتيال في وقت كانت بيروت منقطعة على نفسها بين شرقية وغربية، في انقسام حاد بين المتصارعين من الجهتين، فخسر اللبنانيون في ذلك اليوم الأسود صلة وصل لم يكن من السهولة ايجاد بديل منها في تلك الظروف. كان المفتي خالد يطالب بالعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية حيث كان يصر على المساواة بين اللبنانيين في الحقوق كما في الواجبات ابتداءً من المواطنية العادية حتى أعلى درجات المسؤولية السياسية. ومن هنا كان اغتياله محاولة مكشوفة لاغتيال نهجه في الإصلاح السياسي والاجتماعي ومحاولة لاغتيال دور دار الفتوى الكبير الذي بقي قوياً متماسكاً في وجه الحرب، وهو الذي وصف هذا الدور قائلاً: "إن الجانب السياسي لدار الفتوى يتمثل بمواقف مفتي الجمهورية العامة التي تقتضيها الظروف وما اللقاءات السياسية المتعدّدة في دار الفتوى خلال الأحداث إلاّ الدليل على دورها في التعبير عن الإرادة الإسلامية الوطنية التي حرصت دوماً على وحدة لبنان العربي والمساواة التامة بيننا وبينه. لذلك صادفنا في جهادنا هذا، العراقيل من هنا وهناك إلا أننا بصمودنا وإصرارنا استطعنا أن نذلل كل هذه الصعوبات والعراقيل" وقال أيضاً: "نحن نرى من خلال التجربة التاريخية القاسية التي عاناها لبنان أن هناك تداخلاً بين الدين والسياسة مما يصبح معه للسياسي دور ديني مطالب به لا يمكن التخلي عنه، ولعالم الدين دور سياسي مطالب به أيضاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخلى عنه". هكذا لعب سماحته هذا الدور الوطني الكبير فكان رجل التوازنات الوطنية ومفتي الإصلاح السياسي ونقطة الارتكاز في أي لقاء وطني وفي أي اجتماع داخل وخارج لبنان يبحث في القضية اللبنانية من قمم عرمون في "العامين 1975 و 1976" إلى اجتماعات دار الفتوى "1983 و1984 وما بعدها" إلى اجتماعات الكويت "شباط 1989 "في سبيل أن يبقى لبنان سيداً وعزيزاً وقوياً، وأن يبقى للبنانيين تعاونهم وإخاءهم". يوم استشهاد كمال جنبلاط نبه إلى الفتنة التي تحاك ضد لبنان، لكنه لم يكن يعلم ان من يقوم بها سيغتاله ولو بعد 12 عاماً، فالقاتل كان يرفض رجال الحوار والانفتاح والاعتدال وهو لذلك لم يبق أحد ممن يقطعون الحواجز في الظروف الصعبة لفتح الباب أمام اللبنانيين. ومشى القاتل في جنازة المفتي خالد كما مشى في جنازات غيره، من رينيه معوض إلى الكثيرين الذين استشهدوا وهم يؤكدون على الوحدة في مواجهة الانقسام والتقاتل. رجل المهام الصعبة: مارس المفتي الشيخ حسن خالد مهام كثيرة وتولى مناصب عديدة منها: الخطابة والتدريس في مساجد بيروت، الإمامة والخطابة والتدريس في مسجد المكاوي ومسجد الإمام علي (ضي الله عنه) في الطريق الجديدة ومسجد المجيدية في قلب بيروت. كما عمل أستاذاً لمادتي المنطق والتوحيد في أزهر لبنان بيروت,، ومساعداً قضائياً في المحكمة الشرعية في بيروت. ومن ثم نائب قاضي بيروت الشرعي، وقاضياً شرعياً في قضاء عكار. ورئيساً للمحكمة الشرعية في محافظة جبل لبنان. عين مفتياً للجمهورية اللبنانية في 11/12/1966. كما تولى عدة مناصب أهمها: رئيس مجلس القضاء الشرعي الأعلى في لبنان، ورئيس اللقاء الإسلامي (لقاء أسبوعي يجتمع فيه رؤوساء الحكومات والوزراء والنواب المسلمين)، ورئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في لبنان، ونائب رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ونائب رئيس الهيئة الإسلامية الخيرية العالمية في الكويت، وعضو المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وعضو المجمّع الفقهي في منظمة الدول الإسلامية في جدة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر. أوسمة.. وتقديرات حاز خالد اوسمة كثيرة تقديراً لاعماله ومنجزاته منها: وسام الأرز الوطني - لبنان - 16 أيار 1989. "بعد استشهاده"، والوشاح الأكبر للنهضة الأردني من الدرجة الأولى- أرفع وسام في المملكة الأردنية الهاشمية - عام 1967، ووسام رئيس الجمهورية الرفيع-جمهورية تشاد. وسام الإتحاد السوفياتي - مؤتمر وقف التسلح النووي عام 1974، ووسام الإسلام (جيردانوف) بولونيا. كما نال عدة أوسمة من الولايات المتحدة الأميركية. هذا بالاضافة الى شهادتي دكتوراه فخرية من جامعة الأزهر الشريف في القاهرة في العام 1967 وجامعة جن جي في الصين الوطنية في العام 1976. |