بسم الله الرحمن الرحيم أربع وعشرون عاماً انقضت على ذلك اليوم المشؤوم، الذي طاولت فيه يد الغدر والاجرام عمامة من أنصع العمامات طهراً ونقاوة وبراءة، وقائداً من أبرز القيادات الوطنية قولا ً وصدقاً وعملاً. الشيخ حسن خالد (رحمه الله) الذي نحيي الذكرى السنوية الرابعة والعشرين لاستشهاده اليوم، وسط هذا الجمع الخير والطيب، وفي هذه الدار الكريمة التي سمعت اصداء صوته ومواقفه الوطنية، كان رجل الوحدة الوطنية في زمن الانقسام والتشرذم، ونقطة الارتكاز الصلبة في تكوين وتمتين الحالة الاسلامية وتنظيمها.. كانت عبائته سقفاً وطنياً خيراً ظللت لبنان كله، في الوقت الذي كاد أن يصبح كل شيء فيه مفتتاً ومقسماً ومهشماً. لقد كان رحمه الله صاحب مسيرة وطنية عرفها اللبنانيون الذين عاصروه وخبروه، وعرفوا من خلاله معنى أن يكون القائد صادقاً مع أبناء شعبه، وأميناً على آمالهم وأحلامهم، وجريئا في قول الحق والمطالبة بالحق والدفاع عنه وعن المظلومين. كان رحمه الله ضمير الأمة وقلب الوطن ورمز وحدة لبنان والدفاع عن استقلاله وسيادته، خاض معركته الوطنية ضد الظلم والاستئثار، وضد الطائفية والسلاح، وضد التقسيم والهيمنة، داعياً الى المحبة والعدالة والمساواة والعيش المشترك والتواصل والوحدة والحوار... كان رجل التوازنات الوطنية، ورائد الاصلاح السياسي والاجتماعي، ونقطة الارتكاز في اي لقاء وطني، وفي اي اجتماع داخل وخارج لبنان يبحث في القضية اللبنانية، كان الرقم الداخلي الذي يصعب تجاوزه لتمرير اي حل على حساب الاصلاح السياسي والاجتماعي، إنه الرجل الذي كان يمتلك الصفات والميزات والنهج الذي وقف في وجه كل المصالح غير الشرعية وغير المحقة والعدوانية أو الاستعمارية. انه مفتي قمم عرمون ومفتي اللقاء الاسلامي ومفتي صلاة العيد في الملعب البلدي ومفتي الثوابت الاسلامية، لقد صادف في جهاده العراقيل من داخل الصف ومن خارجه الا انه صمد في وجه كل محاولات الفتنة والانقسام والتقسيم والتشرذم المذهبي. في ذكرى شهيدنا الكبير نقف بينكم لنقول بأننا نأسف شديد الأسف الى هذا الحد الذي وصلت اليه الأمور في مجتمعنا الإسلامي، وفي الطائفة السنية بشكل خاص، كما نأسف ونتالم على الخلاف الحاصل والجفاء الواضح والتداخل غير المقبول بين مرجعياتنا السياسية ومرجعياتنا الدينية... إنه أمر يجعلنا نبدي الحسرة على حاضرنا ونبكي على ماضينا ونتخوف على مستقبلنا.. إنها المرة الأولى التي نرى فيها هذا النوع من التداخل الخطير على ساحتنا الاسلامية، إن هذا الخلاف لا بد أن يتوقف ولا يجب أن يستمر بين من يمثل المرجعية الدينية الوحيدة للمسلمين السنة وبين من يمثل المرجعيات السياسية لهم، إنه أمر لم يعد يطاق ويجب معالجته بتدخل المخلصين وأصحاب الرأي السديد والعقل الراجح وفي داخل الغرف المغلقة، كما انه من الضروري أن يسحب من التداول الإعلامي، لأن ما يحصل لا يمكن أن يرضي أحداً من الحريصين على مصالح المسلمين وعلى حاضرهم ومستقبلهم، خاصة في ظل هذه الظروف المعقدة داخلياً وخارجيا. وننتهز هذه الفرصة ومن هذه الدار وبهذه المناسبة التي نحيي فيها ذكرى المفتي القائد والتي نقف فيها بين جنبات هذا البهو الذي شهد سعيه الدؤوب لوحدة الموقف الاسلامي في اصعب الظروف، لنطلقها صرخة ورجاءً نتوجه بهم باسم المفتي الشهيد الى كل المسلمين في لبنان وعلى رأسهم صاحب السماحة الذي نعرف ما يتميز به من جرأة وحكمة ورجاحة عقل واخلاص، والى رؤساء الحكومة الموقرين ان يجنبونا هذا الكأس المر وأن تتضافر جهودهم لإيجاد الحل المناسب، لقد سطر المفتي الشهيد في التاريخ صفحات بيضاء ناصعة تشهد له دوره الكبير وحكمته في المحافظة على الحالة الاسلامية الموحدة وعلى الحالة الوطنية الجامعة، لقد تشرف التاريخ باعماله وانجازاته لانه من الرجال الاوفياء الذين نذروا حياتهم ودمهم في سبيل رفعة شعوبهم وامتهم، وفي سبيل احقاق الحق والعدالة والمساواة، فلا يجوز اليوم ان ندمر كل ما تحقق من انجازات، وان نحطم آمال المسلمين بخلافات لا طائل لها، وانا على يقين بانه لم يكن ليسمح بهذا النوع من الخلاف والتضارب في الصلاحيات التي لا تخدم المسلمين ولا تخدم الوطن ولا تبعث بالأمل والرجاء لمستقبل نتطالب به ويتطلع اليه ابناءنا. الطائفة السنية في لبنان كانت على الدوام واحة للتلاقي بين جميع الطوائف، وجسراً متيناً من جسور التواصل بينهم، فهل يعقل أن تتحول هي الى ساحة انقسام ؟ .. طائفتنا الكريمة هي طائفة الاعتدال والعيش المشترك والانفتاح، ولا تستحق أن تشهد ما تشهده اليوم من خلافات... لقد قدمت الطائفة السنية على مر السنين خيرة قادتها على مذبح العروبة والوطن أمثال الرؤساء رياض الصلح ورشيد كرامي ورفيق الحريري والشيخ حسن خالد وغيرهم (رحمهم الله) من الذين دفعوا دمائهم التي لا نقبل أن يدوس عليها أحد أو أن يعتدي عليها أحد أو يتجاهلها أحد. أشكر لكم حضوركم ومشاركتكم، كما أشكر سماحة المفتي الشيخ محمد رشيد قباني على وفاءه وعلى كل ما قدمه من جهود في سبيل احياء هذه الذكرى، سائلاً العلي القدير أن يحميكم جميعاً ويرعاكم ويحمي لنا هذا الوطن ويمن عليه بفرج قريب. |