المستقبل - الخميس 16 أيار 2013 - العدد 4689 - شؤون لبنانية - صفحة 7
المفتي خالد شهيد الربيع العربي.. قبل أوانه
يروي أحد السياسيين الذين التقوا المفتي الشهيد حسن خالد قبل أشهر من استشهاده بعبوة ناسفة في العام 1989، أن الشهيد كان يحاول في أسوأ الظروف أن يساهم في توحيد اللبنانيين بعيداً من جرائم القصف والعبوات الناسفة. ولكن المفتي الشهيد سقط بالعبوة التي وضعها له "أبطال" المخابرات السورية. استشهد في ذلك اليوم الرجل الذي فتح أبواب دار الفتوى أمام المقهورين من كل اللبنانيين، وخصوصاً عائلات المخطوفين والمفقودين من كل الطوائف. كان للشيخ الشهيد قرار واضح بالوقوف مع كل المظلومين في وجه "الوصاية" السورية ومعها ظلم الميليشيات اللبنانية التي زادت في دمار الوطن وأهله. يوم استشهاد المفتي خالد في بيروت، كان كثيرون يدركون ان المعركة التي خاضها في مواجهة قوى الأمر الواقع السورية أوصلته إلى الاستشهاد، فمنذ عودة المخابرات السورية إلى بيروت بدأت لائحة الشهداء المدافعين عن وطنهم تكبر وكانت كوكبة الشهداء التي سبقته كانت تؤكد ان الهدف من الاغتيالات هو منع الأصوات الرافضة للتدخل السوري في حياة اللبنانيين. شهداء المواجهة مع الوصاية، كانوا يعلنون كل مرة عنواناً جديداً للمرحلة المقبلة، واستشهاد المفتي خالد كان اعلان الانتقال إلى مرحلة جديدة من عمليات الاغتيال السياسي والديني. ولكن رغم كل شيء ورغم التهديدات المتلاحقة، لم يتراجع المفتي الشهيد عن مواقفه المدافعة عن الحق، فبإدراكه الواعي لكل الظروف المحيطة كان يرى أن الموقف الحق هو في رفض ظلم "البعث"، كأنما في تلك اللحظة كان يستبق رؤيته للجريمة المنظمة التي يرتكبها هذا النظام. أو كأنه شهد مجزرة حماه، وعرف ما لهذا النظام من قدرات على القتل. هو هناك في استشهاده يرى غيره كيف يدمر مؤسسات دار الفتوى، وكيف يستقبل سفير النظام السوري، في الوقت الذي يذبح الشعب السوري بيد النظام الذي قتل المفتي خالد قبل أربعة وعشرين عاماً. في حياته حافظ المفتي الشهيد على علاقاته مع كل القوى السياسية، ولكنه كان صريحاً في كل الأوقات حيث واجه أخطاء النظام السوري في لبنان، فهو كان يحملهم مسؤولية المشاكل وارهاب الميليشيات في بيروت، وكذلك التعرض للمدنيين. فقبل استشهاده بفترة شهد على القصف الذي تعرضت له بيروت، والأحياء القريبة من دار الفتوى، هذا القصف لم يكن موجهاً فقط من مدافع الجنرال ميشال عون، بل وكذلك من مدافع القوات السورية المتواجدة على الجبال المحيطة للمدينة، فاتجاهات عدد من القذائف التي شاهدها وكذلك نوعيتها أكد له بما لا يقبل الشك ان مدافع السوريين تساهم في دكّ بيروت الغربية كما تساهم في دكّ بيروت الشرقية. كان صوته مرتفعاً في رفض هذا الاعتداء على الناس في المنطقتين، ولم يكن قادراً على التحول إلى تلميذ لدى أحد ضباط المخابرات السورية أو أي مسؤول سوري يتلو أوامره على السياسيين والدينيين اللبنانيين. كان يسير في شوارع بيروت ويدرك أن الموت حق وقادم ولا يمكن منعه. أما جهاز المخابرات فهذا ليس قدراً ولذلك حاربه واستشهد من أجل وطنه. كان القاتل يلاحق المفتي خالد بالقصف المدفعي بين منزله في تلة الخياط ودار الافتاء في عائشة بكار، كانت العبوة المتنقلة تتحضر من دون أي رادع، وذلك ليعلم الجميع أن من يحاول رفض الواقع الجديد الذي يتم التحضير له سيطاله القتل حتى ولو كان رئيساً للجمهورية، وهو ما حصل مع الرئيس رينيه معوض بعد اشهر. فالمخابرات السورية تسيطر على بيروت الغربية وكذلك على الكثير من المناطق اللبنانية، والمفتي الشهيد كان ابرز الرافضين للحرب والداعين الى الحوار ورفض التدخل المخابراتي السوري في حياة اللبنانيين. هناك رجال دين قلائل مروا على التاريخ اللبناني... قلة مثل المفتي خالد والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ صبحي الصالح والبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير... هؤلاء القلة لن يخلق مثلهم بسهولة... ولكنهم تركوا أثرهم في لبنان لتبقى جيناتهم في قلوب الناس ضد الظلم والقهر.عمر حرقوص