الثبات مقابلة أكّد ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة سعد الدين حسن خالد: سورية لا تستحقّ كل هذه الدماء والفوضى شعارات كثيرة وطنانة رفعها اللبنانيون إبان الحرب الأهلية، غير أن واقع الحال لم يتبدّل، الحرب أكلت الأخضر واليابس، وخيوط الصلاح والمبادئ الوطنية، امتزجت بخيوط التآمر والمصلحة الشخصية.. جريدة «الثبات» التقت نجل الشهيد المفتي حسن خالد، سعد الدين، في ذكرى اغتياله الرابعة والعشرين، على أمل أن تكون مناسبة لاتعاظ اللبنانيين من تجارب الماضي وإليكم الحوار معه: يضع نجل المفتي حسن خالد حادثة استشهاد والده ضمن خط الحفاظ على وحدة لبنان، يقول «للحفاظ على الوطن والمبادئ الإنسانية، ترخص الدماء مهما كانت عزيزة، ونحن كأبناء علينا المحافظة على هذه القيم، وقد عرف اللبنانيون في أيامه معنى أن يكون القائد صادقاً مع شعبه، وجريئاً في قول الحق، واليوم أتمنى على اللبنانيين أن يقتدوا بمناقبية هذا الرجل الكبير، وبطريقة تعامله مع أبناء طائفته أو مع الآخرين، سواء داخل الوطن أو خارجه»، يضيف نجل المفتي حسن خالد: «أدعو الساسة اللبنانيين أن ينظروا لهموم المواطنين وعذاباتهم وألا يتجاهلوها، حق الأجيال الصاعدة أن تنعم بوطن يشعر فيه كلّ أبنائه بالطمأنينة، وحقهم أن يشعروا بوجود دولة وقانون ومؤسسات لا دويلات طوائفية متناحرة.. واليوم مع مرور أربعة وعشرين عاماً على استشهاد هذا الكبير الذي خسره الوطن، نتمنّى على اللبنانيين أن يكونوا كباراً في صياغة أفكارهم، وكباراً في التعبير عن مواقفهم، وكباراً في تصحيح الأخطاء». سألناه عن المسؤولية التي يشعر بها تجاه والده؟ يقول: «سعيت إلى الحفاظ على إرثه من خلال المؤسسات التي تحمل اسمه، نحن نعمل في المجال الاجتماعي قدر المستطاع، ولكن المشاكل كثيرة وكبيرة على حد سواء، فالوضع الاقتصادي والسياسي بالغ التعقيد في لبنان، وهذا الأمر ينعكس سلباً على قدرات المؤسسة في العمل بالشكل المناسب..» يضيف سعد الدين حسن خالد: «تقدّم المؤسسة مساعدات في مجال التعليم والصحة ورعاية الأيتام، كما في مجالات الشأن التثقيفي، ومع الأسف، هناك أسر كثيرة تحت خط الفقر، وهناك عوائل كثيرة فقدت معيلها، نحن كمؤسسة نحاول المساعدة قدر الإمكان، ونسأل الله تعالى أن نكون دائماً على قدر المسؤوليات، لأنه لا يجوز ترك الناس». يدعو سعد الدين خالد اللبنانيين، إلى الابتعاد عن حروب الآخرين، كي لا تتكرر مأساة الحرب اللبنانية، يقول: «تعقيدات ومصالح الدول الاقليمية والدولية، أكلت الأخضر واليابس في لبنان، وسببت بنزف بشري واقتصادي واجتماعي لم نخرج منه حتى اليوم، لهذا السبب يجب أن لا يعيد اللبنانيون التجربة من جديد، لأنّ الدخول في مشاكل في دول قريبة أم بعيدة، ستجلب النار إلينا آجلاً أم عاجلاً.. فهل هذا ما يريده اللبنانيون؟ يسأل سعد الدين خالد. سورية عن تقييمه للحراك العربي، يعود سعد الدين حسن خالد إلى الحرب اللبنانية لشرح مقاربة الثورات العربية وما لها وما عليها، فيقول: «إذا عدنا إلى التجربة اللبنانية، نجزم أن مصالح الدول الكبرى تطغى على مصالح الدول الصغرى، مثلاً المسلمون في لبنان إبان الحرب الأهلية سعوا للحصول على حقوقهم داخل النظام السياسي، وكان هناك من المسيحيين من يعارض هذا الأمر.. وفي النهاية تبيّن أنه تحت هذا العنوان كمنت عناوين أخرى للحرب في لبنان، وكلّ ذلك على حساب دماء الشعب ورزقه واقتصاده وازدهاره، وما يحدث اليوم في سورية مؤسف ومؤلم، صحيح أن قسماً كبيراً من الشعب يسعى إلى إصلاحات سياسية يراها نراها معه محقّة، ولكن من يستطيع الجزم أن الأمور في سورية سائرة تحت هذا العنوان فقط؟ من يستطيع التنبؤ بالأهداف الإستراتيجية للدول الكبرى الكامنة وراء دعمها التكتيكي لهذا الطرف المعارض للإصلاح أو لذلك الطرف الساعي إليه؟ العراق وما حدث فيه هو خير مثال على ذلك»، ويضيف سعد الدين خالد: «لقد خبرنا من التجارب أن الدول الكبرى بسياساتها المعلنة وغير المعلنة، هي التي تصنع الأحداث وهي التي تحركها، وهي التي ترسم نهاياتها بالشكل الذي تراه ملائماً لمصالحها.. وإذا سُئل اللبنانيون عما إذا كان التوصل إلى اتفاق الطائف كان يتطلب حرباً تدوم لـ15 عاماً وكلفة باهظة في الأرواح والممتلكات بماذا يجيبوننا اليوم؟ ماذا يقول من عارض الإصلاح حينها، وماذا يقول الذي طالب بها، وماذا يقول الذي وقف متفرجاً؟ على الشعب السوري بكل فئاته أن ينظر إلى تجربة لبنان ويتعلم.. لا تستحق سورية كل هذه الدماء وكل هذا الدمار والفوضى.. وليعطى كل صاحب حق حقه، وهذا الأمر يمكنه أن يتم بطريقة حضارية وآمنة بعيداً عن الحديد والنار». أزمة الحكم فيما يتعلق بموضوع أزمة الحكم التي يعيشها لبنان على مستوى تشكيل الحكومة أو إقرار قانون انتخابات، يعتبر سعد الدين خالد، أن العودة إلى الدستور والقانون والأعراف كفيلة في تنظيم حياتنا السياسية والاجتماعية، إذ لا يجوز أن نرهن حاضرنا ومستقبلنا بانتظار حل أزمة في هذه الدولة أو تلك، ولا يجوز الرهان على نتيجة حرب دائرة في بعض الدول، «يجب أن نرضح لما يقوله الدستور لا أن نقفز فوقه، لقد تمّ تكليف النائب تمام سلام مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، ونال عدداً كبيراً من التأييد النيابي قارب الإجماع، فلماذا العراقيل؟ لماذا نسعى لفرض تقاليد وأعراف لم يُقر بها الدستور، فتارة نطلق مصطلح الثلث المعطل الذي هو اغتصاب للدستور، وطوراً نطلق مصطلح الوزير الملك».. لماذا يجري كلّ هذا؟ هل انعدمت الثقة بين اللبنانيين إلى هذا الحد؟ الرئيس سلام شخصية بيروتية معتدلة، على تماس ايجابي مع كل الناس وكل الطوائف، فلماذا نعرقل حركته؟ ويسأل سعد الدين خالد، عن سبب تبديل القوانين الانتخابية في كلّ مرّة تتغيّر فيها الموازين الإقليمية؟ يقول: «المطلوب تشريع قانون انتخابي على قياس الوطن ووفق طموح المواطن اللبناني، بعيداً عن أي تعصّب أو تطرّف أو تمذهب... وهذا الأمر لا يعني عدم مراعاة الآخر في الوطن، بل بالعكس الأخذ بهواجس كافة اللبنانيين». نجل المفتي حسن خالد، يؤكد ترشحّه للانتخابات النيابية المقبلة، ويقول: «أنتظر طبيعة وشكل القانون كما تقسيمات الدوائر، بالنسبة لي أعتبر أن تمثيل مسيرة والدي المفتي، وتضحياته التي قدمها للبنان، بما فيه دماؤه التي بُذلت على مذبح الوطن، من أولوياتي، وأسعى دائماً تأمين حضورها في كل المجالات المتاحة، فكيف والأمر إذا ارتبط بالتمثيل النيابي؟ يتابع سعد الدين حسن خالد حديثه لجريدة الثبات: «ترشحت في الماضي، في ظروف يعرفها الجميع، وكان البيروتيون بجانبي، وكانوا بمنتهى الوفاء، وكنّا دائماً نحظى بتأييدهم الكبير، ونحن لم نقطع هذا التواصل وهذه العلاقة التي تجمعنا فيما بيننا ستتواصل بإذن الله تعالى». وماذا عن موضوع الخلاف داخل المجلس الشرعي، وتأييد بعض السياسيين لسماحة المفتي محمد رشيد قباني، ومعارضة آخرين له؟ يأسف سعد الدين حسن خالد، أن تكون الأمور وصلت إلى هذه الحد، «الأمر مؤلم جداً لأننا ولأول مرة نرى فيه هكذا خلاف من هذا النوع، نحن لانحبّذ الشجار بين من يمثل المرجعية الدينية للطائفة السنية، وبين من يمثّلها سياسياً، هذا الأمر لا يُطاق، ولا يمكن أن يرضي أحداً من الحريصين على مصالح الطائفة، خصوصاً في ظلّ هذه الظروف المعقدّة داخلياً وخارجياً»، ويضيف خالد: «الطائفة السنية هي واحة للتلاقي بين جميع الطوائف، فهل يُعقل أن تتحول إلى ساحة انقسام؟ إنها طائفة الاعتدال والعيش المشترك والانفتاح، ولا تستحق أن تشهد ما تشهده اليوم من خلافات، الطائفة السنية قدمّت خيرة قادتها شهاداء على مذبح العروبة والوطن مثل الرؤساء رياض الصلح، ورشيد كرامي، ورفيق الحريري والمفتي حسن خالد والنائبين ناظم القادري ومعروف سعد والشيخين صبحي الصالح وأحمد عساف وغيرهم.. وإن هكذا نوعاً من الطوائف لا تستحق إلا الخير، ونسأل الله جل جلاله أن يمنّ علينا بفرج قريب». في نهاية حديثنا مع سعد الدين حسن خالد، سألناه عما كان فعله والده لو كان على قيد الحياة اليوم، خصوصاً لناحية وأد الفتنة السنية – الشيعية في لبنان والعالم الاسلامي؟ يردّ: «والدي كان من دعاة الوحدة بين المسلمين، كما بين اللبنانيين، لو كان على قيد الحياة لعمل بكل طاقاته لكي لا يقع المسلمون في المحظور، الشيخ حسن خالد كان من أشد المعارضين للطائفية السياسية، وكان يقول بأن الطائفية السياسية والساسة الطائفيين يتغذون من بعضهم على حساب لبنان، المفتي الشهيد حسن خالد عمل وجاهد كثيراً في الماضي مع الإمام المغيّب موسى الصدر ومع المرحوم الإمام مهدي شمس الدين من أجل تمتين أواصر الوحدة بين المسلمين، والمؤسف أنّ ما يدور في بعض الأحيان بين السنة والشيعة في هذه الدولة أو تلك، لا يلقى ما يستحق من العمل الفعال من العلماء الكبار والدول الداعمة لهم، إن أيدي الظلام تتسلل مع الأسف وتجد أحياناً مساحة مظلمة من مساحات الخلاف السوداء التي عرفها التاريخ، لتضرب الوحدة بين المسلمين، وتعتدي على الانسان والدين، وهذا ما يتناقض في المطلق مع ديننا وتعاليمه الذي هو دين محبة وتسامح وتلاقي، وليس دين اقتتال واعتداء» أجرى الحوار: بول باسيل
|