كمهي الذكرى التي يحملها لنا شهر أيار بين طيات أيامه حزينة وكئيبة، ذكرى أثقلت كاهلنا منذ اثنا وعشرون عاماً، ففي السادس عشر من هذا الشهر لعام 1989م سقط صاحب السماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد شهيداً بأيدي جلاديه القتلة المجرمين، وبذل دمائه في سبيل وطنه ووحدة شعبه وأراضيه. لقد ارتقى المفتي الشهيد إلى علياء السماء وبإذن الله تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء، لقد رحل إلى رحمة الله ولطفه ونعيمه الذي لا ينقطع – إن شاء الله، رحمه الله تعالى وأكرم نزله في منزلته الرفيعة إنشاء الله، تلك المنزلة السامية التي وعد الله بها عباده الشهداء، تلك المنزلة الحقيقية الأصيلة كأصالة النور الذي تشعه الشمس في النهار..
وبالرغم من رحيله فإنه باقٍ بيننا بفكره المتقدم وعمله اللافت والمميز لنصرة المسلمين في أصقاع الأرض ونصرة وطنه الذي كان يتهاوى ويئن ويتململ تحت وطأة الجهل والبغي والفساد، لقد كان المفتي الشهيد رجلاً واحداً يواجه الفتنة والقتل في زمن كثرت فيه الفتن والفوضى والشرذمة، في زمن حكم الميليشيات الأسود من تاريخ لبنان حيث كان دم المواطن على المواطن حلال، وسطو أملاك الناس حلال، وانتهاك الأعراض حلال، واحتلال المنازل وتشريد أهلها حلال، عمل على مواجهة الأحقاد ولمِّ شمل الوطن وتوحيد الصفوف ليرقى من خلاله إلى توحيد المجتمع اللبناني تحت راية المؤسسات الشرعية الوطنية. قام المفتي الشهيد بمواجهة تلك الأخطار رغم قلة الإمكانيات، حيث كان لا يملك إلا الكلمة الطيبة والعمل الدؤوب والإجهار بكلمة الحق مهما كان لها وعليها غير خائفٍ بالله لومة لائم. رفض المفتي الشهيد حمل السلاح بالرغم من الإمكانيات الضخمة التي قُدِّمَت له من أجل ذلك، رفض قتل الإنسان لأخيه الإنسان، حارب الجهل والفساد والبغي عملاً بقوله تعالى: "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". صدق الله العظيم.
رحمك الله يا صاحب السماحة، يا شهيد لبنان، يا شهيد الاسلام ويا شهيد العروبة، كم يفتقدك شعبك، وكم يفتقد حكمتك واعتدالك وعدلك، كم نفتقد دفاعك عن الحق وعملك الدؤوب على إحقاقه، كم نفتقد كلماتك الطيبة ووعيك وادراكك، كم نفتقد مواقفك الرنانة الداعية الى الوحدة والمحبة والحوار والعدالة والتلاقي بين أبناء الشعب الواحد. عزاؤنا أنك بإذن الله مع النبيين والصديقين والشهداء في علياء جنة رب العزة والجلالة رب السموات والأرضين.