بسم الله الرحمن الرحيم أيها الإخوة الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نلتقي وإياكم اليوم وسط هذا الجمع الطيب، لنحي الذكرى السنوية الثانية والعشرين لاستشهاد سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد - رحمه الله - الذي عرفتموه قائداً إسلامياً شريفاً وقائداً وطنياً وعربياً شريفاً قدم حياته من أجل أن يبقى الوطن اللبناني وطناً للإيمان ووطناً للعروبة والإنسان ووطناً للأبناء والأحفاد يتوارثونه جيلاً بعد جيل ويحافظون عليه جيلاً بعد جيل ويضحون من اجله ويجاهدون من أجله جيلاً بعد جيل. نلتقي معكم في ذكرى التضحية والعطاء، ذكرى الشيخ حسن خالد – رحمه الله- ذكرى الرجل الذي وقف شامخاً في وجه الأعاصير ولم يرضخ. ذكرى الرجل الذي نادى بصوت هادر بقوة الايمان والعنفوان من أجل الوحدة والحق ولم يتعب، ذكرى الرجل الذي رفض بحكمة العقلاء الحروب الظالمة على ابناء الوطن كما الحروب بينهم ولم يستكين، ذكرى الرجل الذي دعا للعيش المشترك والتسامح الوطني دون حدود وتمسك بالعدالة والحرية والسيادة لوطنه دون مواربة أو مساومات. أيها الأخوة الأعزاء،
في ذكرى الشيخ حسن خالد نقف بينكم لنحيي روح شهيدنا الكبير ولنستذكر عطاءاته وتضحياته وجهاده في سبيل لبنان وشعب لبنان... نحيي روح الشهيد الشيخ حسن خالد ونستذكر كلماته ومواقفه كما نستذكر كل تلك الجهود التي كان عرفها ذلك الزمن من تاريخ لبنان والتي كانت تتلاقى مع كل جهود المخلصين من أمثاله من الذين جاهدوا معه وتواصلوا معه وتعاونوا من اجل حماية المواطنين وحماية السلم الأهلي وحفظ وحدة اللبنانيين والوطن. في هذه الذكرى نقف بينكم لنستذكر الماضي الذي لن ننساه وسنبقى حافظين له بكل ما فيه من أمجاد وأمناء عليه بكل ما فيه من تضحيات ومتمترسين خلفه بكل ما فيه من منجزات ومواقف عز بنت صروح الوحدة والحرية والمساواة في هذا الوطن وصروح الأخوة والشجاعة والصراحة والإخلاص. نستذكر معكم وبينكم كل هذا ونسأل العلي القدير أن يحفظ لهذا الوطن تضحيات الشهداء وعطاءاتهم وأن يجعل دماءهم محفوظة في ذاكرة الأجيال يستمدون منها شجاعة الكلمة والموقف وجرأة الفعل النابض بالحياة كما قوة التمسك بالوطن والتمسك بكل متطلبات الكرامة والعيش الكريم. أيها الأخوة الأعزاء،
في هذه الذكرى نحييكم ونرفع الصوت عالياً أمامكم وبينكم لكي ندعو المخلصين من أبناء وقيادات هذا الوطن الى التفكير ملياً في الصورة المحزنة التي وصلت اليها الأوضاع في لبنان والتي جعلت من اليأس وحده سيد الساحات ومن الغرائز وحدها سيدة الكلمات ومن الأنانيات وحدها سيدة المواقف والسياسات.
في هذه الذكرى نحييكم ونبدي حزننا وأسفنا لبعض ما يحدث اليوم في وطننا على صعيد الحياة السياسية التي تشهد منذ سنوات وما تزال كل انواع الاهتزازات وكل أنواع التعقيدات وكل أنواع الفوضى والتعديات. نبدي حزننا على هذه الحال التي أصبح معها الدستور الذي كان دائماً عماد الطمأنينة والاستقرار السياسي في هذا الوطن مادة نتجاهلها ساعة نشاء ونلتجئ إليها ساعة نشاء ونتمسك بها ساعة نشاء ونريد وكل ذلك على حساب لبنان واتزانه وحساب الحاضر والمستقبل كما حساب كل المبادىء والنصوص والأعراف. نبدي حزننا على هذا الشلل الذي أصاب كل الأوضاع، فلا حكومة تحكم ولا حكومة تؤلف ولا حكومة تجتمع ولا حكومة تنتج وكل ذلك على حساب سمعة لبنان وحساب كل مصالح اللبنانيين وحساب كل معيشتهم وحياتهم التي تكاد ظلمة التعاسة تأكل كل حيويتها وظلمة اليأس تأكل كل نضارتها. فما يحدث اليوم في لبنان يبث الخجل في النفوس لأنه يصورنا بأننا شعب عاجز دائماً عن حكم نفسه بنفسه وعاجز دائماً عن معالجة كل قضاياه بنفسه وعاجز دائماً عن حل كل مشاكله بنفسه. ما يحدث اليوم في لبنان يبث الخوف في النفوس لأنه يصورنا بأننا شعب يبحث دائماً عن الخوف وتوّاق دائماً للخوف ومناضل دوماً من أجل الخوف ومنقسم دائماً بسبب الخوف ومستسلم دائماً أمام الخوف. ما يحدث اليوم في لبنان هو أمر مقلق لأن الشعب يبحث بصدق عن الطمأنينة ولا يجدها ويبحث بجد عن الاستقرار ولا يجده ويبحث بكد عن الازدهار ولا يجد إلا الجمود. أيها الأخوة الأعزاء،
في ذكرى هذا الرجل الكبير الذي وقف يوماً محذراً ومنبهاً وقال "إن أي فئةٍ من الفئات لا يمكنها أن تبني لبنان على صورتها"... "وإن من يزن العدل بميزانين يخطىء في حق لبنان"... "وإن الطائفية هي تشنج صارخٌ بقشور الدين وإنغلاق وحشيٌ على الإنسانية وضياءها"... وقال "إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً"... كلامٌ ارتقى بالوطن إلى معارج العقل والرؤيا المخلصة والصادقة، المدرك والحكيم والمستشرف لحقائق الأمور، الحريص على الوطن والأمة والناس.
نقف بينكم لنحذر وننبه ولنسجل اعتراضنا على هذه المراوحة المستمرة في ادارة شؤون البلاد والعباد التي لم تعرف البلاد لها مثيلاً حتى في أقصى الظروف قساوة التي كانت عاشتها ابان كل الحروب والنكبات. في هذه المناسبة نسجل اعتراضنا على هذا الأسلوب المتمادي في التعاطي مع كل قضايا الانسان في لبنان وكل قضايا السجناء في لبنان وكل قضايا العمال والطلاب والغلاء والفقراء في لبنان. نسجل اعتراضنا على هذا الاسلوب المتمادي في التعاطي مع كل قضايا العدالة في لبنان وكل قضايا الشهداء في لبنان وكل قضايا الحق والدم والعطاء والتضحيات في لبنان. في ذكرى المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد نسجل اعتراضنا ونقول إن حصار القيادات لبعضها البعض أو الطوائف لبعضها البعض أو تجاهل القيادات أو الطوائف لبعضها البعض أو قهرها لبعضها البعض هو أمر مرفوض ويجب أن يرفض وهو أمر لا يمكن أن يؤدي في وطن مثل لبنان الا الى الانتحار. نسجل اعتراضنا ونقول إن الاستمرار في سياسات بث التفرقة وبث الفوضى وجعل الطوائف بمثابة متاريس في حروب السياسيين على بعضهم البعض أو حصوناً لهم في مواجهة بعضهم البعض أو وقوداً هو أمر كنا جربناه في الماضي وكان اللبنانيون دفعوا كما الوطن من جراءه أثماناً باهظة ما تزال ماثلة في الذاكرة وعلى أرض الواقع لغاية اليوم وبقوة ومعها كل الآلام. نسجل اعتراضنا ونقول إن الاستمرار في سياسة تجميد الأوضاع كما سياسة التخوين وتوزيع الاتهامات ذات اليمين وذات اليسار كما سياسة عدم الاكتراث بما يتعلق بالمسؤوليات الوطنية المتنوعة التي تتطلبها ضرورات مواجهة الأوضاع الخطيرة المتأزمة في الداخل كما الأوضاع الخطيرة والمتغيرات المحيطة بنا في الخارج هو أمر لن يجلب للبنان الا المصائب والويلات. أيها الأخوة الأعزاء،
في ذكرى المفتي الشيخ حسن خالد نقول كل هذا ونضيف ونقول: إن الاستمرار في سياسة الهروب من مواجهة الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لن تجدي نفعاً بل ستزيد الأزمات مزيداً من الأزمات والتعقيدات مزيداً من التعقيدات. إن الاستمرار في سياسة ادارة الظهور لبعضنا البعض في الوطن لن تؤدي إلا إلى الجمود والخراب ومخطئ من يعتقد ان سياسة ادارة الظهر للآخر ستلغي الآخر أو أنها يمكن أن تضعف الآخر أو تكسره أو تجعله مستسلماً للإرادات رغماً عن إرادته او للرغبات رغماً عن رغباته. مخطئ من يعتقد ان القضايا الوطنية الكبرى التي يختلف حولها اللبنانيون اليوم وحولها ينقسمون يمكن ان تجد لها حلاً خارج إطار المؤسسات وخارج إطار الحوار الصادق والشفاف والحوار المباشر والمفتوح.
مخطئ من يعتقد ان القضايا الوطنية الكبرى التي يختلف حولها اللبنانيون يمكن ان تجد لها حلاً من خلال انتظار انتهاء ثورة عربية هنا أو ثورة عربية هناك أو انتظار حل لأزمة مستعصية هنا أو أزمة مستعصية هناك. مخطئ من يعتقد أن القضايا الوطنية الكبرى التي يختلف حولها اللبنانيون يمكن أن تجد لها حلاً بالاستفراد أو بالاستهتار أو بالتجاهل أو بالتأجيل أو بالمماطلة والتسويف أو بالتهويل والتخويف أو بالضغوط. أيها الأخوة الأعزاء،
في كل مرة كنا نلتقي بها معاً في هذه المناسبة وعلى مدى السنوات السابقة كنا نطالب دائماً بالعدالة في قضية المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد. كنا نطالب وكنتم معنا تطالبون ولكن مع الأسف ما يزال الملف فارغاً حتى يومنا هذا... اثنان وعشرون سنة مضت وما يزال القاتل فاراً من وجه العدالة... اثنان وعشرون عاماً مضت على يوم السادس عشر من ايار العام 1989 وما يزال المجرم طليقاً وغير معروف... اثنان وعشرون عاماً مضت وما يزال المحرض والمخطط والمتدخل والمنفذ والمتواطئ متربعاً على عرش المجهول... اثنان وعشرون عاماً مضت وما يزال المجهول وحده هو المعلوم في هذه القضية مع الأسف كما الكثير من القضايا.. فإلى متى سيبقى المجهول وحده المعلوم في هكذا نوع من حوادث الاغتيال في لبنان؟... سنبقى نطالب بمعرفة الحقيقة في ملف اغتيال الشيخ حسن خالد ولن نستسلم لليأس أبداً... سنبقى نطالب بالقصاص لمن اغتال الشيخ حسن خالد ولن نستسلم أبداً للزمن مهما طال وقسا.. سنبقى نطالب بالعدالة في قضية المفتي الشيخ حسن خالد ولن نستكين.. سنبقى في هذه القضية صابرين ومجاهدين ومتمسكين بقوة الإيمان ولن نتعب.. فنحن قوم لا ننسى الشهداء ولا ننسى التضحيات وإن ننسى... من ننسى؟.. أيها الأخوة الأعزاء،
نشكر لكم وفائكم ومحبتكم ومشاركتكم متمنيين لكم جميعاً عمراً مديداً خالياً من المشاكل والهموم والأحزان وموفوراً بالصحة والخير والعطاء، آملين ان نلتقي بكم قريباً في الوطن الأفضل الذي من اجله استشهد الشيخ حسن خالد كما من اجله ضحى الشهداء وجاهد الكثير من العظماء. نشكركم ونتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان من سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني الذي تكرم باقامة هذا الحفل الوطني كما نشكره على كل الرعاية التي لم تنقطع طوال السنين ونعاهده بأننا سنبقى دائماً أوفياء لهذه الدار التي نريدها دائماً أن تكون كما هي اليوم داراً جامعة من دور الوطن والدين وصرحاً مضيئاً من صروح العطاء والإيمان. رحم الله المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد |