إحياء الذكرى السنوية لاستشهاد المفتي خالد في دار الفتوى
نشر في: جريدة اللواء - الثلاثاء 24 أيار 2011
أكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني: "ان الافرقاء السياسيين يحققون المكاسب والخسارات في السياسة في كل حين ويبقى الوطن هو الخاسر الاكبر ومع كل اشراقة صباح يموت الامل في هذا الوطن".
ورأى في كلمته التي القاها في الذكرى السنوية الـ22 لاستشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد في دار الفتوى في بهو الدار في بيروت ان المواطن اليوم في لبنان يفتقر الى ابسط مقومات العيش الكريم، منتقداً "الاوضاع الاقتصادية والقضائية واوضاع السجون والوضع الامني الذي بات رهينة الصراع السياسي واهوائه"، معتبراً ان العجز عن تأليف حكومة تدير الدولة قد غدا معضلة تشل البلاد، وان هذا العجز بدأ يتحول الى ازمة نظام. فبدعوة من المفتي قباني احيت دار الفتوى امس ذكرى استشهاد المفتي خالد في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري وزير التربية حسن منيمنة، ممثل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عبد الفتاح خطاب، ممثلين عن المراجع الروحية اللبنانية ووزراء ونواب حاليين وسابقين وسفراء بعض الدول العربية والاسلامية ومفتو المناطق وقضاة شرع وممثلين عن القيادات الامنية وحشد من الشخصيات السياسية والدينية والثقافية والتربوية والاجتماعية.
بداية تلاوة آيات من الذكر الكريم ثم جرى عرض فيلم وثائقي عن المفتي الشهيد حسن خالد.
عريمط ثم ألقى عريف الاحتفال الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ خلدون عريمط كلمة عدد فيها مزايا المفتي الشهيد، وقال:
لبنان العربي هذا الذي أراده المفتي الشهيد واستشهد دفاعا عن وحدته وعروبته، وأراده الرئيس الشهيد واحة رجاء وعلم، ونموذجا لبناء الأمة، ويريده الأخيار من القيادات الإسلامية والمسيحية الطامحة للنهوض ببناء لبنان الدولة القوية العادلة بمؤسساتها الحاضنة جميع اللبنانيين.
خالد ثم كانت كلمة رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المهندس سعد الدين حسن خالد قال فيها: في هذه الذكرى نحييكم ونرفع الصوت عاليا أمامكم وبينكم لندعو المخلصين من أبناء هذا الوطن وقياداته إلى التفكير مليا في الصورة المحزنة التي وصلت إليها الأوضاع في لبنان وجعلت من اليأس وحده سيد الساحات، ومن الغرائز وحدها سيدة الكلمات، ومن الأنانيات وحدها سيدة المواقف والسياسات.
وحذّر من هذه المراوحة المستمرة في إدارة شؤون البلاد والعباد التي لم تعرف البلاد لها مثيلا حتى في أقصى الظروف قساوة التي كانت عاشتها إبان الحروب والنكبات، وقال: مخطئ من يعتقد أن القضايا الوطنية الكبرى التي يختلف حولها اللبنانيون يمكن أن تجد لها حلا بالاستفراد أو بالاستهتار أو بالتجاهل أو بالتأجيل أو بالمماطلة والتسويف أو بالتهويل والتخويف أو بالضغوط.
وختم: سنبقى نطالب بمعرفة الحقيقة في ملف اغتيال الشيخ حسن خالد، ولن نستسلم لليأس أبدا. سنبقى نطالب بالقصاص لمن اغتاله ولن نستسلم أبدا للزمن مهما طال وقسا، سنبقى نطالب بالعدالة في قضيته ولن نستكين. سنبقى في هذه القضية صابرين ومجاهدين ومتمسكين بقوة الإيمان ولن نتعب، فنحن قوم لا ننسى الشهداء ولا ننسى التضحيات وإن ننسى... من ننسى؟
المفتي قباني وختاماً كانت كلمة المفتي قباني ومما جاء فيها: في الذكرى الثانية والعشرين لاغتيال المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، لا أتحدث للتعريف به رحمه الله، لأنكم جميعا تعلمون من هو المفتي الشهيد، ولكني في هذه الذكرى جئت أذكركم، وكم بتنا ننسى، وما أحوجنا اليوم لذكرى، ننتفع منها وبها، والذكرى تنفع المؤمنين.
إنني أقف اليوم هنا بينكم، في بهو دار الفتوى، وعلى هذا المنبر، الذي لا يزال شاهدا لذاك الكبير من قادتنا، شاهدا على تلك الهامة الشامخة التي تعالت على الانقسامات والجراح، ولم تعل يوما على الوطن. إني أقف اليوم هنا لأذكركم بذلك العالم الجليل، والحكيم الكبير من كبار لبنان، لأذكركم بصوته الذي كان عاليا، على هذا المنبر بالذات وعلى كل منبر، خطيبا صريحا، ينقط الحروف في الكلمات، خطيبا لم يصبه يوما سكوت الخوف أو الطمع أو الخنوع• لأذكركم بتلك القامة الوطنية العربية الإسلامية السامية، التي ما اعتادت الاعتداء أو التجني على أحد، أو النيل من أحد، أو الغدر بأحد، لأذكركم بالقائد الذي جمع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، في زمن كان سيده الخلاف، القائد الذي حافظ على تواصله مع كل اللبنانيين على تنوع معتقدهم، في زمن كان يحكمه الانقطاع.
هو دفع ثمن حروبكم أنتم أيها اللبنانيون، وقدّم دمه أضحية من أجل وحدتكم، ومن أجل قول كلمة الحق فيكم، وها نحن نستلهم في كل يوم من علمه وحكمته، ومن صبره ومصابرته وتضحياته.
اضاف: كل اللبنانيين رغم كل الحروب التي مروا بها، وبعد 22 عاما على استشهاده، لم يستطيعوا بعد أن يستلهموا من كل تجاربهم، القيم الوطنية التي توحدهم، وتنبذ الفرقة بينهم في كل حين.
وقال: عزاؤنا في ذكرى استشهادك أيها المفتي الشهيد، أنك رجوت الشهادة، رجاء كل العلماء والصالحين، وعزاؤنا أنك نلت الشهادة، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فهلاّ بلّغت سلامنا للحبيب المصطفى، سيدي رسول الله محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وقال: أيها المفتي الشهيد، أنت الذي لم ترتض لشعبك يوما إلا الحرية والعزة هدفا وراية، ليس صحيحا أننا لم نفتقدك في لقائنا في هذه الدار منذ أشهر ثلاثة، يوم كان اللقاء الجامع هنا في دار الفتوى. وبالأمس افتقدناك أيضا، في القمة الروحية الوطنية في بكركي، والحقيقة أننا نفتقدك في كل يوم من أيام هذا الوطن، الذي لطالما أملت له الخير والازدهار، والبدر يفتقدك في الليالي الظلماء الحالكة، فأبناؤك أبناء هذا الوطن لما يعوا بعد لمصالحهم، ولما يدركوا الأخطار التي تحدق بهم وبوطنهم وبوجودهم، وإن كانوا قد أوقفوا الاقتتال بالسلاح، إلا أنهم استبدلوه بالاقتتال السياسي بينهم في الخلافات، وبالكيدية في تعاملهم، والتهديد والتهويل، وباستثارة النفوس والغرائز، وشحن الأجواء بالفرقة والتنابذ والكراهية.
وعلى مدى السنين، ها هم الأفرقاء السياسيون يحققون المكاسب والخسارات في السياسة في كل حين، ويبقى الوطن هو الخاسر الأكبر. ومع كل إشراقة صباح يموت الأمل في هذا الوطن، وينمو التردي ويكثر ويكبر، أبناء الوطن يهاجرون، والمتمسكون بأرضهم يجوعون، ويغرقون في القلق على مستقبل أولادهم هم له جاهلون، فيما الساسة يتقاعسون عن التكاتف لبناء هذه الدولة ومؤسساتها، التي من واجبها بداهة أن تؤمن سبل العيش ومقوماته لأبنائها، وأن تحقق لهم الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأن توفر لهم العيش الرغيد في كنف الوطن.
وعلق على الاوضاع العامة فقال: ما يحصل اليوم في هذا البلد هو العكس تماما، فالمواطن اليوم في لبنان، يفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم، من مصادر الدخل وفرص العمل والتعليم والاستشفاء، إلى الكهرباء والبنى التحتية من شرق لبنان إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه. أما المرفق القضائي فنراه لم يعد قادرا على تأمين الحقوق الإنسانية للموقوف والسجين، حتى ضاقت السجون بشاغليها، وعلت صرخة ساكنيها، تعبر عن آلام المعاناة فيها.
وأما الأمن الذي بات رهينة الصراع السياسي وأهوائه، فإنه لم يعد معصوما عن إلحاق الظلم بالمواطن، فكثرت التبريرات له، ويبقى الظلم الواقع على المواطن واحدا.
هذا، وإن عجز المسؤولين في كل مرة عن تأليف حكومة تدير الدولة، قد غدا معضلة تشل البلاد، وأخذ هذا العجز يتحول شيئا فشيئا إلى أزمة نظام، نخشى أن تتحول خطرا على كيان لبنان وديمومته، وجدير بالقيمين على السلطة التنفيذية والكتل النيابية أن يتحملوا مسؤولياتهم الدستورية والوطنية، وأن يسرعوا في تشكيل حكومة قادرة، تدير شؤون البلاد، وتنظر في حاجات المواطنين وتعالجها، وتقي لبنان الأخطار المحدقة به. كما عليهم الإقلاع عن تقديم الحجج والأعذار، لتبرير التأخير القاتل في التأليف، كونها لم تعد مبررة أو مقبولة في موازاة الشؤون الحياتية والوطنية الملحة للوطن وشعبه.
واختتم كلمته فقال: لقد استنفدنا معظم الدعوات إلى الاتحاد والالتفاف والتوافق بين الأفرقاء، ولكننا أيها المفتي الشهيد، لن نفقد الأمل، وسنبقى على إصرارنا بقيام هذه الدولة، إصرارا يليق بالثمن الذي قدمته في هذا السبيل، وإننا مهما قدمنا من الشهداء، فإننا لن نرضى يوما بأن يكون الوطن هو الشهيد، وإن استشهادك لم ولن يذهب هباء، ففي يوم استشهادك زرعت شعلة مضيئة لا يمكن لها أن تنطفئ، شعلة إيمانية ووطنية دائمة، تلهم أولئك الأحرار في لبنان، الذين يؤمنون بنهجك في الوطنية والمواطنة، أولئك الذين يصرون قدر إصرارك على قيام لبنان سيدا حرا ومستقلا، ووطنا متعافيا، وساحة ينعم بها أبناؤه بالعيش الرغيد، وأنت الذي قلت في ثوابتك الوطنية: "إن حق اللبنانيين في وطنهم، ليس ملكا يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي، إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعا، لنسلمها إلى أحفادنا وأجيالنا المقبلة".