نشرفي: جريدة اللواء – العدد 13176 الاربعاء 18 أيار 2011 رضوان السيّد قبل اثنين وعشرين عاماً، استشهد مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد في تفجير سيارته عن بُعد أثناء عودته من دار الفتوى إلى منزله، وذهب ضحية الاعتداء عشرات من مرافقيه، ومن أهل محلة عائشة بكار. وما انتهت علاقتنا بالشيخ خالد باستشهاده، كما لم تنتهِ علاقتنا بالرئيس رفيق الحريري بالاستشهاد أيضاً. فعندما يقول بيروتي اليوم المفدي أو المفتي، فإنما يعني به الشهيد خالد سواء ذكره بالاسم أو لم يفعل. ويقال إن هذه العلاقة الخاصة بين المفتي وأهل بيروت، قامت أيضاً في عهد الشيخ توفيق خالد، ثاني المفتين بعد قيام الجمهورية اللبنانية.
وهكذا فان علاقة أهل بيروت ومسلمي لبنان بمقام الافتاء كانت دائماً مزيجاً من التقدير للموقع، والتقدير للشخص والانجاز، والتقدير لظروف الولاية والوفاة. وقد جاء حسن خالد الى المنصب أو جاء إليه في ظروف استثنائية، تمثلت في دعم الأزهر بمصر (وهو من خريجيه)، ودعم الرئيس جمال عبد الناصر لعملية انتخابه عام 1966. ثم جاءت ظروف الصراع على المقاومة الفلسطينية، ونشوب النزاع الداخلي، حيث شارك المفتي خالد في اتخاذ قرارات مصيرية، كما رعى "اللقاء الإسلامي" لسياسيي المسلمين في الثمانينات، واتخذ موقفاً من سياسات الرئيس امين الجميل في اوائل عهده بخطاب شهير بالملعب البلدي، ورعى بدار الفتوى إلى جانب العلامة الشيخ محمّد مهدي شمس الدين إصدار "الثوابت العشر" عام 1983، والمتعلقة بوجود المسلمين في لبنان. وشكّل في كل الظروف مع البطريرك صفير والعلامة شمس الدين هيئة وطنية رفيعة في نزاهتها وحرصها على سلام الوطن وسلامته، وعملها الدؤوب على إنهاء النزاع الداخلي، واستعادة العيش المشترك في ظل الدولة القوية والعادلة.
وبسبب شخصيته القوية والمسالمة والنزيهة والتصالحية، ودوره الوطني والإسلامي الكبير، فان اللبنانيين جميعاً فُجعوا بمقتله، واعتبروا ذلك أكبر من جريمة سياسية، إنها جريمة أخلاقية بحق المسلمين وبحق لبنان.
إن ما يحدث في العالم العربي الآن، يحدث في زمن آخر فقد ذهب المفتي خالد، وذهب رجالات كبار في سائر الدول العربية في خضم النزاعات الداخلية التي اشتعلت في كل مكان فيما بين السبعينات ومطالع القرن الحادي والعشرين. وترجع كل تلك النزاعات إلى أمرين اثنين: عجز الأنظمة العربية عن صون المصالح الوطنية والقومية والإسلامية، والهجمة الأميركية والصهيونية على الأراضي والسيادات العربية. وهكذا اضطرب الداخل العربي اضطراباً شديداً، وحدثت فيه انشقاقات متطرفة، تارة باتجاه التغيير الداخلي بالقوة، وطوراً باتجاه مواجهة الهجمة الأجنبية، فظهرت نتيجة ذلك الثنائية المشهورة والتي استمرت لثلاثة عقود، الأنظمة الاستبدادية، والتمرد الإسلامي في وجه أنظمة الداخل والخارج الهاجم. وما عاد هناك بقاء للهادئين والتصالحيين من أمثال المفتي خالد، إلا بالاستسلام او الاستشهاد ولذلك فقد قلت في مطلع هذه الفقرة إن ما يحدث في العالم العربي اليوم، إنما يحدث في زمن آخر. فقد نزل الجمهور العربي الى الشارع ليتجاوز الأنظمة الخالدة والمتمردين العشوائيين معاً. إنه يريد ومن طريق الشمولية والمسالمة والجماهيرية الكثيفة أن يعود لتولي شأنه العام بنفسه فيمارس حريته، ويدير شؤونه بحسب ما تقتضيه مصالحه، ويصون ويستعيد ما ضيعته الانظمة او عجزت عن صونه، ويحل المشكلات التي اصطنعها المتمردون العنيفون مع العالم. قُتل المفتي حسن خالد يوم 16 أيّار عام 1989، وكان الصهاينة قد اعلنوا عن كيانهم الغاصب يوم 15 أيّار عام 1948. وهكذا فان شبابنا الذين خرجوا في فلسطين وعلى حدودها استنكاراً للنكبة وآثارها الباقية، وسواء أكانوا لبنانيين أم فلسطينيين، يذكرون للمفتي خالد أيضاً وقوفه المشهود مع المقاومة الفلسطينية، وعمله الدؤوب من أجل السلام الداخلي في الأوطان العربية، والتوافق الداخلي فيها، لكي يستطيع العرب دولاً وشباباً، صون المصالح الوطنية والقومية والإسلامية، بديلاً لعجز الاستبداد، وتطرف الانشقاقيين والانتحاريين. |