نشر في: جريدة المستقبل - العدد 3996 السبت 14 أيار 2011
عمر حرقوص
بعد الحرب الأهلية التي انتهت في العام 1991، والشروع بتنفيذ اتفاق الطائف، افتقد اللبنانيون رجل حوار كبيراً ومؤمناً بلبنان التنوع، انساناً استطاع من موقعه الديني أن يبني مكاناً للحوار في ظل حرب ضروس بين اللبنانيين، إنه المفتي الشيخ حسن خالد، الرجل الذي استشهد يوم 16 أيار 1989 اثر انفجار عبوة ناسفة.. هو لم يقتل فقط لأنه رجل دين لطائفة من اللبنانيين، بل استشهد في تلك المرحلة السوداء لما كان يمثله من مواقف واضحة ضد الحرب والاغتيال والاختفاء القسري للبنانيين، وبسبب تحول دار الفتوى إلى بيت لكل المقهورين من زمن الميليشيات والوصايات، لذلك لم يستغرب الكثيرون أن يكون ضحية ذلك النهار الأسود الشيخ حسن خالد، مفتي الجمهورية الذي ارتبط اسمه بالحوار وفتح داره للمظلومين الهاربين من جحيم العنف والحرب.
هزّ صوت الانفجار الضخم بيروت، وظهر الدخان الأسود من جهة عائشة بكار. كانت عبوة كبيرة جداً، وكان صوتها أقوى بكثير من صوت القذائف المدفعية التي تساقطت في تلك المرحلة بين حروب "التحرير والإلغاء"، في صورة سوداء تشبه الكثير من صور العبوات الناسفة ولكنها زادت بسوادها بسبب حجم الاستهداف ونوعه. الصوت الضخم لم يكن يشبه صوت قذيفة مرّت أو جزءاً من اشتباك صغير بين أحياء المدينة بين حركة وحزب، كانت عبوة كبيرة ظهر دخانها ودخان الحرائق التي اندلعت معها من أماكن مختلفة، ما اكد ان المستهدف هو الرجل الذي لم يقطع الصلة الداخلية بين اللبنانيين لإيمانه بعودة السلام وتوقف آلة القتل.
يوم استشهاده قال الكثيرون أن سادة الحرب لم يريدوا لهذا الرجل أن يستكمل أحاديثه العلنية أمام الناس رفضاً للقتال والحرب وكذلك إشارته علناً إلى من يقوم بقصف المناطق الآمنة. كان واضحاً ولا يعرف الهروب من الواقع، وخصوصاً بعد قصف بيروت بقذائف عيار 240 ملم التي هدمت بيوتاً على رؤوس عائلات آمنة. لم يصمت يومها لأنه كان متأكداً من ان حكم التاريخ لن يسامحه إن سكت على الجرائم، وكذلك كان متأكداً ان جرائم الاغتيال لن تتوقف لا قبله من كمال جنبلاط وبشير الجميل وغيرهما ولا بعده حين أكملت خلال أشهر على النائب ناظم القادري وكذلك الرئيس الأول لجمهورية الطائف رينيه معوض.
يوم استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد في منطقة عائشة بكار، كان معروفاً لدى الناس في بيروت أن الانفتاح ورفض الحرب والسلاح والاقتتال بكل أنواعه هو الذي أوصل رجل الحوار إلى الاستشهاد. فالتقاتل اليومي بل أشكاله بين "غربية وشرقية" وبين زواريب بيروت وأحيائها، وبين بيروت وضاحيتها، وتنقل القتل والاختطاف والنهب المتفلت من عقاله كان يدفع الشيخ الشهيد إلى رفض هذا الواقع والمطالبة بتغيير الظروف ومنع تفلت سلاح الميليشيا والأسلحة الأخرى على حياة المدنيين.
في ظل تلك المرحلة، حاول المفتي خالد القيام بدور حواري للتخفيف من حدّة هذا القتل المجاني، فتنقل في المناطق الممنوعة واستقبل البطريرك في دار الفتوى. كانت لائحة الشهداء المدافعين عن وطنهم تكبر يوما عن يوم ، وكانت كوكبة الشهداء التي سبقته تؤكد ان الهدف من الاغتيال هو الاستمرار في الحرب كنوع من تنفيس للاحتقانات الإقليمية المحيطة بلبنان. مع الشهداء الذين كانوا يسقطون كل يوم، كانت المراحل تنتقل من سيئ الى أسوأ، وكان استشهاد المفتي خالد اعلان الانتقال إلى مرحلة جديدة من عمليات الاغتيال السياسي والديني، التي استمرت بفترات زمنية متقطعة ووصلت إلى عمليات الاغتيال التي شهدها لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005. صوت العقل...
شهد المفتي خالد ملاحقته بالقذائف المدفعية بين منزله في منطقة الرملة البيضاء ودار الافتاء في عائشة بكار لعدة مرات ذلك العام. كان القاتل يحضّر لعملية القتل لتسيير القوى السياسية والدينية تحت يده، ولوضع أمر واقع جديد تم التحضير له يقول بأن من يحاول التفلت من هذه القبضة سيطاله القتل حتى ولو كان رئيساً للجمهورية، وهو ما حصل مع الرئيس الشهيد رينيه معوض. كانت أجهزة المخابرات تسيطر على بيروت الغربية وكذلك على الكثير من المناطق اللبنانية، وكان المفتي الشهيد من ابرز الداعين الى الحوار والرافضين للحرب وللتدخل المخابراتي في حياة اللبنانيين.
في تلك المرحلة السوداء وبسبب تبادل القصف المدفعي بين القوات السورية وحلفائها وبين قوى العماد ميشال عون، كانت بيروت تفرغ من سكانها عند الثانية بعد الظهر. في هذا التوقيت من كل يوم كانت شوارع المدينة تخلو من سكانها وتتحول المناطق إلى صمت مطبق بانتظار الطلقات المدفعية التي ستنهمر على بيوت الناس في قصف كان يحوّل العاصمة منذ ما بعد الظهر إلى صباح اليوم التالي جحيماً لا يمكن تحمّله. في الأحياء الداخلية الخالية إلا من رجال قلائل اضطروا ان يبقوا بسبب أعمالهم أو لظروف قاهرة، كانت قذائف المدافع والصواريخ من المباشر والهاون وصولاً إلى مدفعية الـ 240 تتحكّم بحياة الناس وتمنعهم من البقاء.
في بداية الحرب الأهلية تحوّل بيت المفتي خالد في عرمون إلى مركز للقاءات الحوارية الداخلية، وتحول المفتي إلى صوت العقل الذي رفض منطق حمل السلاح. قبل استشهاده بفترة تحول منزله ومقر دار الفتوى إلى مكان يجتمع فيه كل المقهورين من الحرب، من أهالي مخطوفين ومفقودين ونساء يرفضن اعتداءات الميليشيا على البيوت والحياة اليومية، وكذلك سياسيين يريدون للحرب أن تتوقف يستطيعون أن يناقشوا ما يفكرون فيه مع المفتي من دون خوف.
كان القصف المدفعي "المشترك" يؤكد الواقع السيئ الذي يحاول المتقاتلون إيصال اللبنانيين إليه، ولذلك حصل عدد من الاصطدامات مع عدد من قياديي الحرب ومع ضباط الوصاية. يوم استشهاد الرئيس رشيد كرامي توجه المفتي إلى طرابلس عن طريق الساحل حيث كانت المناطق متقطعة بين شرقية وغربية، ومرّ على حواجز الأحزاب والقوى السياسية من بيروت إلى كسروان وجبيل وصولاً إلى طرابلس، وهذا ما لم يعجب البعض لأنهم اعتبروه اختراقاً كبيراً لمنع التلاقي بين اللبنانيين الذي وضع منذ بداية الحرب الأهلية. ذلك الانفجار الكبير الذي هزّ العاصمة وبعض المناطق المحيطة بها، دفع الناس الى الهرب من المدينة بشكل مبكر، خوفاً من الوقوع ضحايا للقصف المتبادل من جديد. الخروج السريع للناس من بيروت، أوصل اليهم الخبر بشكل متأخر عبر الإذاعات التي كانت أكثر الوسائل تطوراً لنقل الخبر في ظل انقطاع الكهرباء عن كل المناطق اللبنانية. لقد استشهد مفتي الجمهورية حسن خالد، صوت العقل في هذه الحرب التي لم تبق ولم تذر، استشهد بين ناسه في بيروت بعدما رفض ان يترك الدار في الأيام السوداء وبقي فيها يعاند الكثيرين على تخريبهم للمدينة بدلاً من فتح أوصال الحوار والنقاش.
لم يتعدّ عدد المشاركين في إزالة الركام ومعهم المواطنون المتجمعون من حول مكان الانفجار الخمسين شخصاً. فالمدينة خالية والرعب دبّ بمن تبقى فيها من سكانها، واغتيال الشيخ حسن خالد لا يمكن ان يكون صدفة أو ان يكون مجهزاً له من مناطق بعيدة، اذ ان القاتل يحفظ الطريق جيداً ويعرف ان من يمر في هذا الوقت لن يكون إلا المفتي خالد المتوجه إلى منزله القريب في الرملة البيضاء.
في عيون محبيه
كل الذين يعرفون المفتي الشهيد يؤكدون أنه قائد وطني سلمي ضد السلاح غير الشرعي وضد الحرب والفتنة التي قضت على آمال اللبنانيين بالسلم، وهو الذي تصدر مسيرة المواجهة عند أدقّ المفاصل الوطنية. من قمم عرمون التي عقدت في منزله في العامين 1976 و1977، إلى خطبة العيد في الملعب البلدي في العام 1983 حيث أصرّ يومها على تأكيد تساوي مواطنية كل اللبنانيين في وجه الحرب التي كانت تتحرك تحت رماد الصراعات في فترة من التهدئة البسيطة. القمم السياسية وكذلك الروحية واللقاءات الوطنية التي ساهم بها، كان جلّ همّها ايجاد الحلول لحقن الدماء وايقاف الحرب ومنع القتال.
كان من دعاة الحوار البناء وقد مارسه قولاً وفعلاً، كما طالب بضرورة الاصلاح السياسي في مطلبين أساسيين المساواة بين جميع اللبنانيين من كل الطوائف والحفاظ على عروبة لبنان.
المقربون منه يؤكدون أن الشهيد خالد لم يكن يحب التدخل في العمل السياسي وكان يرى أن قيام الدولة يحتاج إلى تعاون بين الجميع، حيث يقوم كل بعمله، لكن ظروف لبنان في الحرب أجبرته على الدخول في المواجهة مع الواقع الصعب والمرّ الذي كان أمراً لا يمكن السكوت عنه. عمل طويلاً وحاول ابراز وجهة نظره الداعية إلى الحوار والسلم الأهلي والعمل الديموقراطي، ولم يكن من الموافقين على كل أنواع السلاح الموجودة خلال الحرب ما عدا سلاح الجيش، وهو بإيمانه وحكمته ووعيه حاول كثيراً مع رفاق له من سياسيين وروحيين تجنيب الوطن التفتت والتشرذم والتقسيم. سيرة محاور جريء
ولد الشيخ حسن خالد في مرحلة تأسس فيها لبنان الكبير، في بيروت عام 1921، كانت المنطقة تخرج من الحرب العالمية الأولى، ومن المجاعة والأمراض التي فتكت بمئات الآلاف. ولد في الوقت الذي بدأ لبنان يبني هويته الخاصة، ويوم استشهاده كانت الحرب الأهلية تقترب من نهايتها بعد التوصل إلى اتفاق النواب اللبنانيين في مدينة "الطائف" السعودية.
تلقى المفتي خالد دروسه الابتدائية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، وتابع دراسته المتوسطة والثانوية في الكلية الشرعية (ازهر لبنان حالياً) حيث كان يعدّ نفسه للتحوّل إلى السلك الديني، وتلقّى تعليمه الجامعي في جامعة الأزهر الشريف، في القاهرة، حيث نال الشهادة الجامعية "الليسانس" في العام 1946.
عاد في تلك الفترة إلى بيروت وبدأ حياته أستاذاً في الكلية الشرعية في بيروت لمادتي المنطق والتوحيد، ثم عمل موظفاً في المحكمة الشرعية وواعظاً في المساجد، ومن بعدها تنقل في عدد من الوظائف "الشرعية" بين بيروت وعكار وجبل لبنان.
وفي العام 1966 تم اختياره لمنصب الإفتاء في الجمهورية اللبنانية، حيث بدأ العمل العام بين الدين والسياسة. كانت صلاته تبدأ مع الانفتاح على رجال الدين في الطوائف والمذاهب الأخرى وكذلك في العلاقة مع السياسيين من مشاربهم كافة، فترة تسع سنوات قبل بدء الحرب الأهلية كان فيها لبنان يعيش أفضل أوقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
في بداية الحرب الأهلية عقد حوار بين القوى السياسية المتحاربة في منزل المفتي في عرمون، سمّيت يومها قمم عرمون، هذه القمم التي فتحت نقاشاً طويلاً لم يستفد منه اللبنانيون، بسبب تعنتهم على مواقفهم وبسبب التدخلات الاقليمية التي منعت كذلك اي تواصل يؤدي إلى وقف الحرب الأهلية.
حافظ حسن خالد على علاقاته مع كل القوى السياسية لكنه كان صريحاً في كل الأوقات حيث واجه أخطاء منظمة التحرير الفلسطينية قبل الاجتياح الاسرائيلي وأخطاء الأحزاب اللبنانية وكانت خطبه دائماً ما تهاجم أصحاب الأمر الواقع.
يعتبر المفتي خالد شخصاً جريئاً يرفض السكوت عن الظلم، وكذلك كان من المؤمنين بلبنان وطناً لكل أبنائه، وهو الذي شارك في حوارات طويلة مع الكثير من السياسيين ورجال الدين من الإمام موسى الصدر إلى البطريرك الماروني خريش وغيرهما. كان يصرّ دائماً على رفض الحرب والقتال، لأنه كان يرى ان لا السلاح ولا الحروب ولا تسليح الطوائف تخلّص لبنان من العبثية، لذلك ظلّ طوال الحرب بعيداً من تأييد أي قوة ميليشيوية حملت سلاحها وقاتلت فيها. كان الكثير من اللبنانيين الرافضين للحرب يعتبرونه ممثلاً لهم في ظلّ حرب القتل والتهديد، ولعل في مشاهد المواطنين الذين اعتصموا أمام دار الفتوى في الأعوام 1986 و1987 تأكيد حي على تمثيله للناس الذين لا يحملون السلاح ولا يقاتلون.
في آخر حوار صحافي اجري معه كان قلقاً على مصير لبنان، الا انه كان يعلق آماله على القمة العربية التي كانت على وشك الانعقاد لبحث سبل وقف الحرب وإعادة الامن والاستقرار والسلم الى لبنان، كان متفائلاً في الوقت نفسه من إرادة اللبنانيين في المنطقتين الشرقية والغربية لتجاوز الحالة الشاذة.
وبالفعل، انعقدت القمة العربية لكن بعد استشهاده تقرر بناء لنتائجها تهيئة المناخات الدولية والعربية واللبنانية التي أمنت ولادة "وثيقة الوفاق الوطني" في مدينة الطائف السعودية بجهود اللجنة العربية الثلاثية العليا التي ضمّت السعودية والمغرب والجزائر.
بين الحرب.. والسلم
منذ اثنين وعشرين عاماً قدّم المفتي خالد حياته من أجل وطنه، كان مؤمناً أن مواقفه ستصنع تغييراً ما في الواقع الصعب. من يومها خسر لبنان الكثير من رجالاته، فبعد انتهاء الحرب التي أودت بمئات الآلاف من الناس الى ان جاءت مرحلة السلم التي كانت في بعض محطاتها أصعب من الحرب. لم يكن هيّناً الحصول على العدالة والمساواة والديمقراطية والتخلص من الاحتلال الإسرائيلي والوصاية آنذاك، لكن الكثيرين من محبي المفتي الشهيد ظلوا على ايمانهم بمبادئه في الوطنية والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون وفي كل المؤسسات.
بقيت ذاكرة الرجل عبر مؤسسة بناها رفاقه وأبناؤه لتكون صورة عن الرجل الذي استشهد من أجل وطنه ومبادئه. كان المفتي الشهيد يكتب عن الحوار ويناقش مواقف الآخرين بعقلانية، وفي مكتبته أربعة عشر كتاباً ألفها، أهمها "المسلمون في لبنان والحرب الأهلية" الذي يشكل وثيقة تاريخية في وصف مرحلة سوداء من تاريخ اللبنانيين وكان كتبه بغية توثيق وجهة النظر الاسلامية من الحرب اللبنانية.
ويلفت أحد العاملين بصمت في مؤسساته إلى أن "اللبنانيين يعانون من غياب الوحدة في هذه المرحلة وهم الذين خسروا الكثير من الكبار عبر الاغتيال ما منعهم من إكمال المسيرة. الشهداء دفعوا أثماناً باهظة في حياتهم، وضحوا بالكثير وحتى بأنفسهم في سبيل قيام المؤسسات وحكم الدولة فوق كل الأراضي اللبنانية ونحن علينا إبراز هذا الدور خدمة للأجيال القادمة بتقدير الذاكرة ورفع المعاناة عن الناس".
بالنسبة إلى مؤسسات المفتي الشهيد الاجتماعية، يجري العمل دائماً على تطويرها لتكون رافداً من مؤسسات المجتمع المدني وفي الوقت نفسه لتذكير اللبنانيين بواحد من رجالاتهم الذين استشهدوا في خدمة وطنهم. فالمؤسسات تطوّرت واتسعت نشاطاتها لتشمل العمل على مساعدة الأجيال الشابة لتخطي المشاكل الاقتصادية وتغطية تعليم طلاب في الصفوف الابتدائية وكذلك المرحلتين الثانوية والجامعية.
تروي امرأة فقد ابنها خلال الحرب الأهلية أنها وغيرها من أهالي المفقودين من كل الطوائف اللبنانية كانوا يجدون لدى المفتي خالد الباب الوحيد الذي لا يغلق في وجوههم، كان يعرف مأساتهم، وينقل معاناتهم إلى السياسيين والإعلام وكل من يزوره، يفتح الباب لهم ليكونوا دائماً في الدار لكي يصل صوتهم إلى كل الناس، فالعدالة والمساواة والحرية كانت مطلبه ولذلك تقول إنها يوم علمت بالانفجار بكت كأنها تبكي ابنها الذي لم يعد من الخطف.
وكان المفتي خالد قال في تلك المرحلة "نحن نرى من خلال التجربة التاريخية القاسية التي عاناها لبنان أن هناك تداخلاً بين الدين والسياسة ما يصبح معه للسياسي دور ديني مطالب به لا يمكن التخلي عنه، ولعالم الدين دور سياسي مطالب به أيضاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخلّى عنه".
هكذا لعب سماحته هذا الدور الوطني الكبير فكان رجل التوازنات الوطنية ومفتي الإصلاح السياسي ونقطة الارتكاز في أي لقاء وطني وكذلك رجل هموم الناس وفي أي اجتماع داخل وخارج لبنان يبحث في القضية اللبنانية من قمم عرمون في "العامين 1975 و 1976" إلى اجتماعات دار الفتوى "1983 و 1984 وما بعدها" إلى اجتماعات الكويت "شباط 1989" في سبيل "أن يبقى لبنان سيداً وعزيزاً وقوياً، وأن يبقى للبنانيين تعاونهم وإخاؤهم".
يوم استشهاد كمال جنبلاط نبه إلى الفتنة التي تحاك ضد لبنان، فالقاتل كان يرفض رجال الحوار والانفتاح والاعتدال وهو لذلك لم يبق أحد ممن يقطعون الحواجز في الظروف الصعبة لفتح الباب أمام اللبنانيين. مشى القاتل في جنازة المفتي خالد كما مشى في جنازات غيره، من رينيه معوض إلى الكثيرين الذين استشهدوا وهم يؤكدون على الوحدة في مواجهة الانقسام والتقاتل. رجل المهام الصعبة مارس المفتي الشيخ حسن خالد مهام كثيرة وتولى مناصب عديدة منها: الخطابة والتدريس في مساجد بيروت، الإمامة والخطابة والتدريس في مسجد المكاوي ومسجد الإمام علي (رضي الله عنه) في الطريق الجديدة ومسجد المجيدية في قلب بيروت. كما عمل أستاذاً لمادتي المنطق والتوحيد في أزهر لبنان بيروت، ومساعداً قضائياً في المحكمة الشرعية في بيروت. ومن ثم كان نائب قاضي بيروت الشرعي، وقاضياً شرعياً في قضاء عكار. ورئيساً للمحكمة الشرعية في محافظة جبل لبنان.عين مفتياً للجمهورية اللبنانية في 11/12/1966.
كما تولى عدة مناصب أهمها: رئيس مجلس القضاء الشرعي الأعلى في لبنان، ورئيس اللقاء الإسلامي (لقاء أسبوعي يجتمع فيه رؤساء الحكومات والوزراء والنواب المسلمين)، ورئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في لبنان، ونائب رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ونائب رئيس الهيئة الإسلامية الخيرية العالمية في الكويت، وعضو المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وعضو المجمّع الفقهي في منظمة الدول الإسلامية في جدة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر. أوسمة وتقديرات.. ومؤلفات حاز المفتي خالد اوسمة كثيرة تقديراً لاعماله ومنجزاته منها: وسام الأرز الوطني - لبنان - 16 أيار 1989. "بعد استشهاده"، والوشاح الأكبر للنهضة الأردني من الدرجة الأولى - أرفع وسام في المملكة الأردنية الهاشمية - عام 1967، ووسام رئيس الجمهورية الرفيع- جمهورية تشاد .
وسام الإتحاد السوفياتي - مؤتمر وقف التسلح النووي عام 1974، ووسام الإسلام (جيردانوف) بولونيا.كما نال عدة أوسمة من الولايات المتحدة الأميركية. هذا بالإضافة الى شهادتي دكتوراه فخرية من جامعة الأزهر الشريف في القاهرة في العام 1967 وجامعة جن جي في الصين الوطنية في العام 1976.
وله مؤلفات كثيرة وهي: "الإسلام والتكافل الاجتماعي والمادي في المجتمع"، و"المواريث في الشريعة الإسلامية"، و"أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية"، و"أحاديث رمضان"، و"مسار الدعوة الإسلامية في لبنان خلال القرن الرابع عشر الهجري"، و"الزواج بغير المسلمين"، ورسالة التعريف بالإسلام"، و"موقف الإسلام من الوثنية واليهودية والنصرانية"، و"آراء ومواقف"، و"مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها"، و"المسلمون في لبنان والحرب الأهلية"، و"التوراة والإنجيل والقرآن والعلم"، و"الشهيد في الإسلام،" و"الإسلام ورؤيته فيما بعد الحياة". |