في ذكرى استشهاد المفتي الشهيد حسن خالد الوفاء للكبار يفرض علينا أن نسير في خطّهم
نشر في: جرية اللواء - اللواء الإسلامي الاثنين 23 أيار 2011
أن نعيش في رحاب الكبار ونحن نستحضرهم في ذكراهم، فذلك يفرض علينا أن نكون كباراً، أن نقاربهم في آفاق القضايا الكبيرة الّتي نذروا أنفسهم لها، أن نُقبل عليهم لننهل من تراثهم زاداً يعيننا في المراحل الصَّعبة والخطيرة التي تُقرَع فيها طبول الفتنة في المنطقة، ويُراد فيها للأمّة أن تدخل في سبات جديدٍ، وأن تخوض صراعاً داخليّاً مقيتاً يقضي على عناصر القوّة فيها، ويتيح الفرصة لعدوّها للانقضاض عليها مجدّداً. أن نفتح صفحات الكبار، أن نعود إلى المعين الصّافي، إلى القرآن الكريم، إلى مسيرة الوحدة الإسلاميّة والوحدة الوطنيّة التي لا تكاد تخرج من مخاض التّصويب الصّهيونيّ عليها، حتى تدخل في مخاض السجال الدّاخليّ الذي يُشرّع البلد على الفوضى، ويستدعي كلّ عناصر الفتنة باستدعاء الغريزة ونفي العقل. أن نستحضر سماحة المفتي الشَّيخ حسن خالد، أن نعود إلى دفاتره، إلى مواقفه الحاسمة في مسألة الوحدة بين المسلمين وبين اللّبنانيّين، فقد كان سماحته (ره) يرى تعليقاً على دعوات التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة، أنّ المسألة لا تنتهي بزيارةٍ من هنا أو ردّ زيارةٍ من هناك، بل بالعمل المنهجيّ والمخطّط الذي يصبر فيه الدّاعية، ويتحمّل فيه المسلم الوحدويّ كلّ ضربات التيّار وصدمات الواقع، وقد كان سماحته يرى أنّ وحدة العمل الإسلاميّ في هذا البلد (لبنان) هي مقدّمة لوحدة العمل الوطنيّ.
كما كان يرى أنّ العائق الكبير أمام الوحدة الإسلاميّة، ومن ثمّ الوحدة الوطنيّة في لبنان، هو النّظام الطائفيّ، ولذلك قال: "لقد قطعنا كلّ أملٍ بهذا النّظام السياسيّ القائم في لبنان، لأنّه نظام طائفيّ، فنحن لا نستطيع القضاء على الطائفيّة بإجراءات طائفيّة،•وليس من المعقول أن ننتظر ممّن يستلمون مقدّرات البلاد باسم الطائفيّة وفضلها، أن يكونوا دعاةً لإلغاء نظام الطائفيّة السياسيّ في هذا البلد لقد تكوَّنت لدينا القناعة الكاملة بأنَّه لا يمكن إصلاح هذا النّظام الطّائفيّ من الدّاخل، لأنّه في الواقع نظام ديكتاتوريّ".
وكم يلتقي هذا الكلام مع كلام سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله (رض)، الّذي كان يقول إنّ "لبنان يواجه خطرين أساسيّين يتمثّلان في النظام الطائفيّ والكيان الصّهيونيّ"، وكان يرى أنّ النّظام الطائفيّ هو الذي يوفّر الفرصة لكلّ أولئك اللاعبين الدّوليّين والإقليميّين للعبث بالبلد من الدّاخل.
لقد تميّز سماحة المفتي الشّيخ حسن خالد بانفتاحه الوطنيّ والقوميّ والإسلاميّ، وأحسّ بأنّ الأمّة لا يمكن أن تكون قويّةً وصلبةً بعيداً عن وحدتها، فعمل لهذه الوحدة مع كلّ المخلصين، ولامس مع العلماء المنفتحين كلّ العناوين التي كانت تمثّل جُدُراً مذهبيّةً وحواجز طائفيّة، فعمل على اختراقها بروحٍ إسلاميّةٍ عاليةٍ، وبذهنيّةٍ وطنيّةٍ خالصة، وكان يُدرك أنّ فلسطين بشعبها المظلوم والمقهور وقضيّتها الكبرى، تمثّل جرحاً نازفاً في الأمّة، وأنّ الأمّة كلّما اقتربت من فلسطين أكثر، استشعرت وحدتها الميدانيّة أكثر، ولامست قضاياها المصيريّة بروحٍ عاليةٍ وبرؤيةٍ شاملةٍ وواسعة.
إنّنا، وفي هذه المراحل الصّعبة، نستحضره، ونستحضر كلماته التي أدلى ببعضها إلى صحيفة المحرّر اللّبنانيّة في 15 أيّار عام 1974، والتي قال فيها: <إنّ الإسلام هو الأرض المشتركة التي أمكننا أن نطرح عليها جميع الأفكار. وإنّ واجبنا الإسلاميّ يحتّم علينا أن ندعم الوجود العربيّ الفلسطينيّ على أرض فلسطين، لأنّ في ذلك تعزيزاً للإسلام، وليس تكريماً لقوميّةٍ عربيّةٍ في مواجهة قوميّة فارسيّة.
وكم كان سماحته بعيد النّظرة عندما قال في ذلك الوقت "بأنّ التحرّك العربيّ والإسلاميّ ينبغي أن يتحوّل إلى إيران وتركيا، لممارسة أكبر قدر ممكن من التقارب الإسلاميّ، ولإقناعهما بقطع علاقاتهما مع إسرائيل"، وكم نحن بحاجةٍ إلى استعادة هذه المواقف في مرحلةٍ يتحدث الكثيرون عن ضرورة قطع العلاقات بين الدّول العربيّة والإسلاميّة، ووصلها مع الكيان الصّهيونيّ.
إنّنا، وفي هذه الأيّام بالذّات الّتي تتصاعد فيها كلمات التّفرقة، وتُستحضر فيها كلمات الفتنة، نشعر بالحاجة الكبرى إلى استحضار المسعى التّوحيديّ الذي تحرّك به سماحته، والذي تجلّى في صلاة العيد المشتركة في الملعب البلديّ في بيروت، لنعمل على صياغة واقعنا في نطاق تلك الروح التوحيديّة، ولنتحرّك في خطّ الوحدة الإسلاميّة من خلال القواعد الإسلاميّة المشتركة، لنقول للجميع، كما كان سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) يقول: إنّ السنّة هم أهل الشّيعة لأنّهم يحبّون أهل البيت، والشّيعة هم أهل السنّة لأنّهم يعملون بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أرفض أن يُقال سنّيّ أو شيعيّ، لننطلق من شخصيّتنا الإسلاميّة قبل شخصيّتنا المذهبيّة.
إنّ الوفاء للكبار يفرض علينا أن نسير في خطّهم، وفي رحاب القضايا الكبرى، وفي مسارات الأمّة البعيدة، لا أن نظلّ مع الصّغار، نتقاتل على الهوامش، ونتنازع في تفاصيل التّفاصيل. |