نشر في: جريدة المستقبل - شؤون لبنانية - ص8 الاثنين 16 أيار 2011
لم يشأ القدر أن يمهله بضعة أشهر ليرى لبنان يخرج من نفق الحرب الأهلية المريرة، فسقط شهيداً يوم السادس عشر من أيار من العام 1989، قبل بضعة أشهر من جسر الطائف الذي عبره لبنان ليدخل عصر السلم الأهلي على حذر!
لم تشفع عند القاتل لفَّته ذات البياض الناصع، كبياض بصيرته وكفه الممدودة لجميع اللبنانيين، تلك اللفة رمز الإسلام السمح والدين الحنيف، فقد صدر القرار وتم التنفيذ وسقط الشهيد الكبير. لم يكن أول الشهداء وليس آخرهم ولكن من دون أدنى شك من كبار كبارهم ومن أغلى رجالهم، سماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد.
ثمانية وستون عاماً قضاها سماحة المفتي الشهيد خادماً لدين الاسلام والمسلمين، كما هو حاله في خدمة لبنان والشعب اللبناني، والتشجيع على الحوار والتواصل ونبذ الفتن والحروب قولاً وعملاً، حتى ضاق به اعداء لبنان والعيش المشترك وأعداء الانسانية ذرعاً، فما وجدوا وسيلة من تحجيم دوره وتعطيل حركته سوى تغييبه كلياً عن الساحتين الاسلامية والوطنية، فانضم إلى قافلة الكثيرين من رموز واعلام وشخصيات هذا الوطن، الذين قدموا أرواحهم في سبيل الله والقضية التي آمنوا بها وناضلوا وكافحوا من أجلها، فسطروا باستشهادهم أروع الأمثلة بالفداء، وكانوا وما زالوا المثال الأعلى الذي يشرف كل لبناني بالاقتداء به والحذو حذوه.
ولأنه كبير فقد عاصر الكبار أمثال جمال عبد الناصر وفيصل بن عبد العزيز آل سعود وغيرهما من زعماء تلك المرحلة، فكان قمة بين قممهم بقدر الفراغ الذي خلّفه رحيله كما رحيلهم في مختلف الميادين الوطنية والإسلامية والعربية، لما جسده من قيم روحية وفكرية ومعنوية وانسانية، ورغم مرور اثنين وعشرين عاماً على جريمة الاغتيال، إلا أنه من الصعب نسيانها أو تناسيها، فلسوف تظل ماثلة بأذهاننا ما دمنا أحياء، ولكن دوماً أملنا بالله ورهاننا على الله ولتبقى ذكرى جريمة اغتيال المفتي الشهيد حسن خالد ورفاقه خالدة في ذاكرة الأمة، ولتجعل تضحياتهم كلمة الله هي العليا وإرادة آلة الاجرام التي لم تتوان لبرهة عن سفك دماء أبناء هذا الوطن ورموزه هي السفلى، ليبقى شهيد السماحة شاهداً وشهيداً في ذاكرة لبنان واللبنانيين.