نشر في: جريدة المستقبل - العدد 3998- شؤون لبنانية - صفحة 7 الاثنين 16 أيار 2011 ما يقارب ربع قرنٍ عاشها المفتي الشهيد حسن خالد، في موقع مفتي الجمهورية، وهي الفترة الأصعب والأعقد من تاريخ هذا الوطن، التي شاءت العوامل الجغرافية والسياسية، أن تختصر على ساحته السياسية، تحديّات وتطلعات، وآلام الأمة العربيّة من محيطها الى خليجها.
فهو الذي عايش وواكب بألمٍ وحزنٍ هزيمة 67، ونحن على مقاعد الدراسة آنذاك، وضياع القدس ومسجدها وكنيستها، وهو الذي الذي احتضن بقلبه الكبير، قضية شعب فلسطين وحقه في تحرير أرضه، وعودة شعبه الى الأرض التي باركها الله، ورأى في المسيرة التي انطلقت من المسجد العمريّ الكبير، الى مقبرة الشهداء، حيث وقف مصليًّا على ابن بيروت خليل الجمل، الذي استشهد على ربى فلسطين، بارقة أملٍ في انطلاق الثورة الفلسطينيّة لتحرير فلسطين من بحرها الى نهرها، على ايدي المؤمنين بقضية فلسطين ودورها ورسالتها.
ما يقارب ربع قرنٍ من الزمن، عانى فيها لبنان الفتن والحروب المحليّة والإقليميّة على أرضه، حيث زمن الميليشيات المتقاتلة، والمتصارعة في شرق العاصمة وغربها، على موقع هنا، ومغنم هناك، وحيث الحالة الصهيونيّة الغازية، وجدت ثغرةً لتملأ الساحة اللبنانية دمارًا وفسادًا وفتنًا بين ابناء الشعب الواحد، واشقائه من فلسطينيين وعرب، وحده المفتي الشهيد خالد، ومعه قلة من القيادات السياسية والدينيّة من طوائف متعددة، بقيت تراهن على الدولة ومؤسساتها، للنهوض بوحدة الوطن، فكانت قمم عرمون المتتالية، حيث دارة المفتي خالد، واللقاء الإسلاميّ الدوري حيث بهو دار الفتوى، الطريق الأصوب لوحدة الأرض والمؤسسات ورفض التقسيم، والتي ترجمت بالثوابت الإسلامية الوطنية وبنودها العشرة عام 83، التي أعلنها الإمام محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، برعاية مفتي الجمهورية من بهو دار الفتوى، وأكدت على سيادة لبنان ووحدته وعروبته، كوطنٍ نهائيّ لجميع ابنائه، بدون تفرقة او تمييز، وما أعقب هذه الثوابث الوطنيّة، من نداءات ومواقف، بلغت ذروتها في صلاة الملعب البلدي، التي شارك فيها عشرات الالاف من المسلمين بثيابهم البيضاء، بكل أطيافهم ومذاهبهم، مؤكدين رهانهم على وحدة البلاد والعباد، من خلال الدولة ومؤسساتها، ورفضهم المطلق، لمنطق دويلات الأمر الواقع وأمرائها، والتي أعلن فيها المفتي الشهيد موقفه الشهير، أن الوطن لا يبنى على مقاس مصالح ورغبات حزبٍ أو طائفةٍ أو فئةٍ من اللبنانيين، وإنما يبنى على مصالح أبناء الوطن جميعًا مسلمين ومسيحيين.
ما يقارب الربع قرنٍ من الزمن، عاشها المفتي الشهيد، بين أنين الفقراء والمساكين وحاجاتهم، وصرخات المقاومين للإجتياح الصهيوني، لسيدة العواصم بيروت، حيث أبى الخروج رغم المغريات والنداءات، فتحمّل الحصار، وقلّة الماء والكهرباء، ومحاولات الإغتيال، والتنقّل بين منازل الأصدقاء من الطريق الجديدة الى فردان الى عائشة بكّار الى رأس بيروت، ليبقى صامدًا صابرًا، داعيًا لمواجهة العدوان الصهيوني، ونتائج هذا الإجتياح، رافضًا الإقتتال الداخلي، ومشاريع التقسيم، وكانتونات أمراء الميليشيات، وإداراتهم، وجباياتهم، ودويلات الأمر الواقع، التي رفضها بصلابة المؤمن، في عزّ قوتها، وفلتان كوادرها، وإنكفاء الدولة وقواها الرسميّة.
الكثير من الأصدقاء ومنهم رجل الأعمال آنذاك، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أبدوا رغبتهم واستعدادهم لاستضافة المفتي الشهيد، في أماكن آمنة خارج الوطن، لكنه بقي صامدًا، مرابطًا، مع قلةٍ من القيادات لتبقى بيروت، الوطن والقضيّة، وأبناؤها طلائع لمقاومة العدوّ الصهيوني، مع المقاومين من أبناء فلسطين والوطن العربي، وقد شاءت لي إرادة الله أن أبقى، مواكبًا لرباطه وبقائه على ثغر بيروت، مستقبلاً وداعمًا المقاومين من أبناء بيروت، ومودعًا المقاومين من أبناء فلسطين، الى ارض الشتات بعد التوافق الأميركي الصهيوني، والذي عرف بمبادرة فيليب حبيب، وعندما نقلت اليه في إحدى الأمسيات، معطيات عن خطر إستهدافه، وقد سبقني، وأعقبني العديد من الشخصيات بالموضوع نفسه، كان جوابه لي، ولمن أحبوه " نِعمَ الحارس الأجل" وهو الذي رأى ملامح إستشهاده، بكثيرٍ من الإشارات الإيمانية، التي رواها بنفسه، لأكثر من صديقٍ موضع ثقة، مرددًا قوله المشهور "نِعمَ الحارس الأجل".
|