قباني يستحضر المفتي خالد في ذكرى استشهاده: عمل من أجل وحدة لبنان وكان نموذجاً للاعتدال نشر في: جريدة المستقبل - العدد 3998 - شؤون لبنانية - صفحة 7 الاثنين 16 أيار 2011
وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، كلمة لمناسبة ذكرى استشهاد المفتي الراحل الشيخ حسن خالد"، عدّد فيها مزايا المفتي الشهيد، "الذي خدم الإسلام والمسلمين واللبنانيين وناضل من أجل وحدة لبنان وشعبه"، معتبراً أنه "كان صوت الحق والوحدة والعيش المشترك، ورائداً من رواد الوحدة الوطنية، ونموذجاً للانفتاح والحوار والاعتدال في القمم الروحية الإسلامية ـ المسيحية، التي كان يشارك فيها ويساهم في إنجاحها".
وقال: "هذه المعاني يجب أن نحرص عليها جميعا، ونعمل على تعزيز ثقافتها، التي تعود بالفائدة على اللبنانيين بدلاً من إفناء الزمن بالتناحر والتصارع، اللذين يهددان لبنان في مصيره، ولتكن ذكراه مناسبة لاستذكار المبادئ والقيم التي توحد اللبنانيين حول مصلحة وطنهم، وتجنبه كل ما يعكر أمنه واستقراره، ليعيش اللبنانيون وأبناؤهم في أمن وأمان، ويزدهر لبنان بسواعد أبنائه وأجياله". وأكد أن "لبنان والعالم العربي والإسلامي خسر باغتياله في تلك المرحلة من تاريخه رجلاً كبيراً من رجالات لبنان المخلصين، وداعية من دعاة الإسلام الذين تعتز بهم أمتهم وتسير على نهجهم".
أضاف: "لقد وقف المفتي الشهيد حسن خالد في وجه المؤامرات والفتن التي تربصت بوطننا لبنان، وعمل من اجل وحدة لبنان واللبنانيين لمواجهة الفتن المذهبية والطائفية، بالتعاون مع جميع رؤساء الطوائف الدينية. ولقد اغتالته يد الغدر والإرهاب لإسكات صوته، المدوي في قول كلمة الحق في وجه المؤامرات والفتن". وتساءل "إذا لم يكن الشيخ حسن خالد إمام الشهداء، ودرة العلماء، ودليل الأتقياء، وقمة الوفاء، وتاج الإفتاء، فمن سواه يكون؟ وهو الذي أعطى للشهادة أنوارها، ووهب سدة الإفتاء وقارها، ورفع للأمانة منارها، وصان للوطن كلمة الحق، وعنفوان الموقف، وإباء الضمير، وطهارة المقصد، وسمو التعالي عن المكاسب والرغائب، وصمود النفس أمام سلطان المال، فتعالت عمته فوق نقاء السحاب، واستعلت يده عن كل عطاء وإغراء، وارتفعت كلمته أعلى من كل شعارات الداهمين والموهومين، وتألقت كرامته وعزته في ميادين الروع والهول، وأمام عواصف الحمق والجنون".
أضاف: "كان صوت الشيخ حسن صوت الإيمان العاقل، وكانت دعوته دعوة التلاقي على نصرة الوطن، والتوحد في النسيج الوطني البناء، فأصبح الآمر وليس المأمور، والقائد وليس المقود، فإذا اشتد الخطب، وتفاقم البلاء، فزع إليه الوطن بعقلائه وحكمائه، ليرشد ويسدد، ويقارب ويوحد، ودعا إليه القادة وأولي الأمر ليستشيرهم ويشير عليهم، ولم يكن لأحد، كبيرا كان أو وجيها، أن يستدعيه ليملي عليه رأيا أو يزين له موقفا، أو يستجره الى مصانعته والانخداع به، أو يهمس في أذنه بمغنم تنحني له رقاب وظهور أصحاب النفوس الضعيفة والشخصيات المتهالكة، والرؤوس الخالية من التعقل والإدراك ومن القدرة على الاستقلال بالرأي وبالنظر السديد".
وتابع: "كان رحمه الله يعاني من تآمر خبيث من داخل مؤسسته، ومن ضغوط هائلة تودي بأكابر الرجال، فكانت قوته في التحمل، وقدرته على التصدي، صادرتين عن إيمانه بالله إيمانا واثقا بوعده الذي لا يتخلف عن نصرة المظلومين، ولا يغادر أبدا الانتقام من الظالمين، كما كان صموده صادرا عن نفس قوية وعزيمة شامخة، وعن صدق في الوفاء لوطنه الذي تنهشه الذئاب، ويفتك به الحقد، من أجل تفتيته وتقسيمه وإلغائه، فهب غير هياب، يدعو لانقاذ الوطن والوحدة والشعب، ولإطفاء اللهيب المستعر، وأنشأ مع القيادات الإسلامية الدينية والسياسية "اللقاء الإسلامي"، ليحرر الساحة من التفرد الجائر، ومن التسلط على الأفكار والإرادات والمواقف، فكان للقاء دوره الفاعل في الحد من وضع اليد على السياسة وعلى الأهداف الوطنية، وفي إنقاذ القضايا والصراع من التضليل والتزوير والانهزام، وتحول اللقاء الى مركزية جامعة لاعلان الموقف الوطني السليم، والتعبير عن وحدة الوطن، وعن سبيل اخراجه من محنته، وبلوغه سلامه المنشود، ومستقبله الآمن. وأصبح صوت اللقاء المنبعث من دار الفتوى ومن قمة عرمون تيارا قويا يلف العالم العربي، معبرا عن حقيقة ارادة اللبنانيين، وعن رفضهم للفتنة، وفضحهم لهدف القتال".
وذكر بأنه "حين ثارت ثائرة الإرجاف بالتقسيم والفيديرالية الانعزالية، وأظلمت أجواء التضليل بالدعوة الى إنشاء دولة مسيحية، وأخرى اسلامية، ووصل الوطن الى حافة الانهيار والسقوط النهائي، سارع الشهيد الخالد الى دعوة قمة إسلامية مشهودة في دار الفتوى، أصدرت وثيقة تاريخية منقذة، اعتبرت من أحكم وأسلم ما صدر في تاريخ لبنان الاستقلالي، وذلك بالإعلان أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، ضمن الحدود المعتمدة وطنيا وعربيا ودوليا، وأجهضت المؤامرة التقسيمية، والإلغائية، وتحولت الوثيقة إلى مانعة صواعق، والى مرتجى يقيني بوحدة وطنية شاملة، والى مستند تاريخي يعيد الى الوطن حكمته ورويته وثقته بالمستقبل".
ولفت الى أن "الشهيد تحول الى صمام أمان، والى رافعة إنقاذ، والى رقم صعب لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف حوله، وصار كما رأى بعض المتابعين لمسيرته الوطنية يسبح ضد التيار الهادر، يتصدى بشموخ وعناد لأعتى العواصف، ويتحدى أشرس التحديات، ويتحرك بقوة في وقت يراه أهل القتال بعيدا عن مخططهم، ومعطلا لأهدافهم، فكيف يقف في وجه الطوفان، ولم يحن الوقت بعد لتصفية كل الحسابات وتوزيع كل الاسلاب، وإطفاء كل الحرائق، وما السبيل لاستمرار الأدوار، ومتابعة طريق القضاء على الوطن، وتحقيق مآرب العدو الاسرائيلي، والثأر من شعب يؤمن بحقه في الحياة، ويضحي بكل ما يملك من أجل نصرة عالمه العربي، ومناجزة عدوه الاسرائيلي؟ لم يبق إلا قطف الرأس الشامخ، وقطع اللسان الداعي بسلام، وطمس نور الحق في ظلام أتون النار الملتهب، وإخلاء الطريق أمام القطعان المسعورة، والفوضى العاصفة، التي تخفي وراءها أسرارا عليا ما زالت طي الكتمان المريب".
وشدد على أن "الشهيد الشيخ حسن خالد سيبقى مدرسة الصمود، والأخلاق، والايمان، والبطولة، والترفع، والتضحية والوطنية الصادقة. وستبقى ذكراه مشعة في العقول وفي الضمائر، وفي المسيرة الوطنية الواحدة، لتكون المنارة التي لا يخبو نورها، ولا يتوارى أثرها في كل مفارق الوطن، الذي يتلمس رؤاه وهداه في سيرة أبطاله وقادته وفي إمامهم الخالد الشهيد الشيخ حسن خالد". |