نشر في: جريدة المستقبل - الأحد 15 أيار 2011 – شؤون لبنانية – ص 4 جريدة النهار - الاثنين 16 أيار 2011 - منبر - ص7 ويبقى لبنان...
في يوم السادس عشر من شهر أيار من العام ألف وتسعماية وتسعة وثمانون ارتفعت ألسنة النيران واللهب فجأة في قلب إحدى المناطق المكتظة بالسكان الطيبيين في هذه المدينة العزيزة بيروت... لم تكن ألسنة النيران واللهب وحدها التي كانت ارتفعت في ذلك الحين، بل كان سبقها دوي صوت مفزع مرعب داهم طمأنينتنا كما طمأنينة اللبنانيين وأدمى قلوبهم... ذلك اليوم كان يوم العدوان الغادر والمرعب الذي طال بغدره وإجرامه قامة وطنية وعربية وإسلامية سامية ما اعتادت يوماً الاعتداء على أحد وما اعتادت يوماً التجني على أحد أو الغدر بأحد... ذلك اليوم كان يوم استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الشهيد حسن خالد رحمه الله... ذلك الرجل الذي كان مسالماً في إنسانيته إلى أبعد الحدود وصلباً في وطنيته إلى أبعد الحدود وجريئاً في قول الحق والمطالبة بالحق والدفاع عنه إلى أبعد الحدود... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين لم يعرف الشيخ حسن خالد، ذلك الرجل الذي كان سأل عن الحق يوم كاد السؤال عن الحق يصبح جريمة؟... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين أو العرب لم يعرف ذلك القائد الشجاع، الذي كان وقف في وجه الظلم يوم كاد الوقوف في وجه الظلم يصبح بمثابة انتحار؟... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين أو العرب لم يعرف ذلك الصوت الذي لم يسكت عن الاعتداءات التي كانت طاولت المواطنيين في زمن الفوضى والانحلال؟... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين أو العرب لم يعرف ذلك الرجل الذي كان يسمي الأشياء بأسمائها دون مواربة أو خوف فيقول للظالم أنت ظالم وللمعتدي أنت معتدي وللمخطئ أنت مخطئ... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين أو العرب لم يعرف ذلك الرجل الذي قال يوما "أن الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره"... ... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين أو العرب لم يسمع ذلك الرجل الذي كان رفض الهيمنة والقهر وقال منبهاً ومحذراً "بأن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي، إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا ولأجيالنا المقبلة" والذي قال أيضاً "إن أي فئة من الفئات لا يمكنها أن تبني لبنان على صورتها سواء كانت حزبية أو طائفية"... مَن مِن البيروتيين أو اللبنانيين أو العرب لم يسمع بذلك الرجل الذي قال يوماً "بأن وحدة المسيحيين في لبنان هي مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين هي مسؤولية سياسية مسيحية" وقال أيضاً "إن وحدة المسلمين والمسيحيين في وطن واحد مسؤولية لبنانية مشتركة"؟... مَن مِن بين هؤلاء جميعاً لم يعرف ذلك الرجل المتواضع الذي قال يوماً "بأننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب اسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادئ"؟... مَن مِن بين هؤلاء جميعاً لم يعرف ذلك الخطيب الصريح الذي كان يضع دائماً النقاط على الحروف ولا يخشى في قول الحق لومة لائم؟... مَن مِن بين هؤلاء جميعاً لا يتذكر الشيخ حسن خالد الذي أبى أن يغادر بيروت يوم كان البقاء في بيروت يحمل مخاطر ودلالات؟... مَن مِن بين هؤلاء جميعاً لا يتذكر الشيخ حسن خالد الذي رفض في أحلك الظروف وأقساها أن يترك المواطنين وحدهم ولمصيرهم وفضل البقاء بينهم ومعهم يتقاسم معهم المعاناة والآلام... من منا لا يسأل اليوم عن الشيخ حسن خالد وعن أمثال الشيخ حسن خالد في هذا الزمن البائس الذي يترك فيه المواطنون لمصائرهم ودون أن يجدوا من يسأل عنهم؟.. من منا لا يسأل اليوم عن حاضر يشبه ذلك الماضي بتضحياته وبعطاءاته وبمكرماته؟... من منا لا يسأل اليوم عن صورة الإنسان التي أضحت محطمة تحت وطأة الغرائز والمشاحنات؟.. من منا لا يسأل عن صورة امرأة لا تبكي أو صورة رجل لا ينحني أو صورة طفل لا يجد حلماً أو دمية في البال؟.. في 16 أيار من العام 1989 كنت سمعت ذلك الصوت الذي ما زال في أذني.. في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت ذلك اللهب الذي ما زال في بصري.. في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت كل تلك الأشلاء وكل تلك الدماء وكل تلك النظرات... في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت كل مشاعر الناس وكل غضب الناس وكل دموع الناس... في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت بيروت الأصيلة تنتفض.. في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت بيروت الحبيبة تنتحب.. في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت بيروت الصابرة ترتدي ثوب الحداد.. في 16 أيار كنت شاهدت كل هذا... في 16 أيار من العام 1989 كنت شاهدت كل هذا وشاهدت أكثر... رحم الله الشيخ حسن خالد وألف تحية لروحه الطاهرة في ذكرى استشهاده الثانية والعشرين... ويبقى لبنان المهندس سعد الدين حسن خالد
|