أيها الحفل الكريم نلتقي اليوم وإياكم، لنحيي ذكرى الشيخ حسن خالد، ذلك الرجل الذي تسلح بالإيمان ليدعو إلى التسامح بين المواطنين، وتسلح بالحكمة ليطفئ النار التي كانت تحرق آمالهم، وبالجرأة لكي يبدد الخوف الذي كان يحاصرهم، وبالحق لكي يواجه الظلم الذي كان يأسرهم، وباللسان لكي ينتصر على السلاح الذي كان يقمعهم ويقهرهم ويعتدي عليهم ويحد من حريتهم... نلتقي اليوم وإياكم في ذكرى مرور تسعة عشر عاماً على استشهاد الشيخ حسن خالد، لنحيّي روح الشيخ الجليل ونستذكر روح تلك الأيام التي كانت عابقة بأريج العطاء وعطر التضحيات... نلتقي معكم أيها الأخوة الأعزاء لنسأل مجدداً عن أسباب استمرار غياب العدالة في قضيته بالرغم من كل هذا الكم الكبير من السنوات التي تبعت غدر السادس عشر من أيار من العام 1989 وما تزال لغاية اليوم تراكم عجزها في أمر كشف الحقيقة ومعاقبة المجرمين... نلتقي اليوم وإياكم، في ظل اتفاق الدوحة الذي طبع ببنوده مرحلة جديدة من الحياة السياسية في لبنان، التي نأمل معها غداً مشرقاً يسطع فوق حياة المواطن اللبناني، الذي عانى الكثير من المصائب والويلات خلال السنوات الماضية نتيجة ما شهدناه على الساحة السياسية من انتماءات وولاءات خارجية وتشنجات أخذت إلى جانب الطابع السياسي طابعاً طائفياً تارة وتارة الطابع المذهبي، الذي كاد أن يقضي على كل لبنان وعلى كل حلم مواطن على أرضه، فقد عانى المواطن اللبناني من جراء ذلك ومن تراكمات الماضي القريب والبعيد، في اقتصاده الوطني، في لقمة عيشه، في مجتمعه في مؤسساته الدستورية والوطنية والاقتصادية والدينية، وجرفته بعيداً عن مواكبة التطور الحاصل في محيطه وحوله وفي العالم، ومع ذلك وفوقه كان الشعب اللبناني الضحية، فدفع الكثير من أبناءه الأبرياء حياتهم ثمناً باهظاً وسيبقى كذلك إلى أن تتحقق العدالة والمساواة ويتحقق قبول الآخر في هذا الوطن. نلتقي اليوم وإياكم لنتذكر معكم ما قاله المفتي الشهيد يوم تنصيبه في سدة الإفتاء "إن أعز نداء إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته، وأن تعيشوا في ظلاله إخوة متلاقين، متحابين في السراء والضراء. وإن أكرم المواطنين على هذا الوطن الحبيب هم أولئك الذين يعيشون فيه معاني الحب ومظاهره، ويمدونه بالعطاء في العلم والعمل والبناء. ولا غرو، فالقيمة الحقيقية للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب، لا بما يحقق لنفسه من مكاسب". ويقول: "إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي، وإنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة، وإن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل والعلم والمعرفة لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار". ويقول "إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍ من التجانس البديع بين جميع طوائفه". ويقول أيضا "إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان". "إن الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين". ويقول "الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها". معين من الحكمة والوعي بالمسؤولية وبعد النظر جنبت لبنان الكثير من الكوارث والنكبات لم تعجب من كان بيدهم الأمر في ذلك الوقت فصدر حكمهم الوحشي من كهوف الظلام التي كانوا يعيشون فيها، لكنهم اخطئوا حين اعتقدوا أنهم بقرارهم هذا قد أوقفوا مسيرة الحق والعدالة والسيادة والحرية التي كان المفتي الشهيد إمامها وقائدها فكرسوا امة وقادة من بعده نهجوا نهجه وابتغوا رسالته ومواقفه نبراساً يضيء لهم الطريق، فجرفوا قادة الظلام بنور الحق المبين وستبقى المسيرة وضاءة إلى أن ينفوا إلى عالم النسيان الذي ينتظرهم ومعه الحق الذي لهم بالمرصاد. إن ما مر به اللبنانيون من مآسي ونكبات تركت جروحاً بليغة في عمقها وأبعادها لا يمكن لها أن تندمل أو تشفى إلا ربما إذا تحقق لهم ما يتطلعون إليه من عيش كريم لأبنائهم ولفلذات أكبادهم الذين ربوهم بدموع العين وتكبدوا من اجلهم ما لم يتكبده إنسان في عصرنا ومحيطنا، في وطن آمن يتظلل الجميع في ظله على أساس من العدالة والمساواة، ولن يغفروا وعليهم أن يحاسبوا حتى لا تتكرر المأساة، وحتى لا تجد المصيبة والفرقة والنعرات مكاناً بينهم بعد اليوم، وان يعيدوا إليهم المبادرة فيلتزموا معاييرهم ويحددوا أهدافهم فيما يتطلعون إليه من قياداتهم بعد التجارب القاسية التي مروا بها. في الذكرى السنوية التاسعة عشرة نتطلع إليكم ونشد على أيديكم، ولنتضرع إلى الله العلي القدير معكم، بحثاً عن أمل يعيد للوطن اتزانه، وللشعب طمأنينته، وللدولة استقرارها. ويسعدني أن أتقدم باسمي وباسم عائلة الشهيد، الممتدة على سائر أرجاء الوطن، من الأخوة في المؤتمر الشعبي وجميع مؤسساته وعلى رأسهم الأخ كمال شاتيلا بالشكر والتقدير على هذا اللقاء وعلى التزامهم المخلص والوفي لذكرى المفتي الشهيد ونسأل الله تعالى لهم جميعاً التوفيق في كل ما يسعون إليه من أهداف وطنية نبيلة.
|