مقال للشيخ خلدون عريمط اللواء- الجمعة 18/5/2007 في مثل هذه الأيام ومنذ ثمانية عشر عاماً، فقد لبنان والوطن العربي والعالم الإسلامي مرجعية دينية ووطنية باستشهاد مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد رجل العلم والوفاء والصدق والمواقف، وباستشهاده اهتز التوازن الوطني وفقد المسلمون واللبنانيون وخاصة أهل السنة والجماعة المرجعية الدينية والوطنية التي ما زال موقعها المتقدم والقيادي شاغراً يحنُ إلى المواقف الجامعة والإيمان الملتزم والصدق في الأقوال والأفعال ومن أجل ذلك فإن المفتي الشهيد بقي رغم سلسلة الاغتيالات والمنازعات حياً في ذاكرة الوطن بقيادته وعلمائه وأحباره. في الملمات والصعاب يحتاجُ الوطن إلى المميزين من قياداته، الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمفتي الشهيد حسن خالد ومن سبقهما من شهداء ومن أعقبهما من قيادات استهدفت، اغتيالات أو محاولات للاغتيال كلها علامات فارقة في تاريخ هذا الوطن الذي أراده الكبار من القيادات ليكون موقعاً عربياً وإيمانياً متقدماً، وأراده الصغار الذين تسلقوا إلى مواقع القرار في غفلة من الزمن، أراده رقماً صغيراً في هذا المحور الإقليمي أو الدولي أو في ذاك التجمع ليكون وطن الفواتير المسددة لصالح الآخرين، كثيراً ما كان يؤكد على أن المفتي الشهيد في مواقفه، بأن لبنان لا يمكن أن يبنى أو ينهض على مقاس طائفية أو حرب، أياً كانت هذه الطائفة وأياً كان هذا الحزب، لبنان لا يُبنى إلا على مقاس جميع أبنائه وبقي المفتي الشهيد طوال سنوات المحنة والحروب العبثية مراهناً على بناء الدولة ومؤسساتها صامداً في مواجهة الإغراءات والمنافع مستوعباً لأخطاء وخطايا الميليشيات على مساحة الوطن وخاصة في العاصمة بيروت كم من الليالي بقي ساهراً متفقداً لأحوال الناس من المظلومين والمضطهدين والمعتدى عليهم. الكثير الكثير من المعاونين والمتعاونين شهدوا بحور الآلام والدموع والآهات مع المفتي الشهيد خلال اجتياح العدوان الإسرائيلي لبيروت الذي بقي فيها صامداً ملتصقاً بالأرض بالمساجد بالأهل متصدياً لغطرسة العدو، رافضاً إفرازاته السياسية والأمنية، مساجد بيروت ساحاتها دار الفتوى الموقع الديني المتقدم لم يفارقه المفتي الشهيد، مكتبه في الطابق الأول لم يتأخر عن التواجد به، قصف للأحياء تدمير للمباني استهداف لدار الفتوى وما حولها، والمفتي الشهيد لم يتغير ولم يتغيب، فهو في مكتبه صبيحة كل يوم قبل معاونيه يتواجد، وبعد أركان عمله يغادر، لينتقل من موقع جهاد لأخر مردداً باستمرار إمام محذريه والخائفين عليه روحاً وجسداً، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وكثيراً ما كان يردد أني مشتاق للقاء ربي. كم كنت كبيراً أيها المفتي الشهيد في عطاءاتك في مواقفك في قمم عرمون في اللقاء الإسلامي الأسبوعي، في جمعك للقيادات اللبنانية تحت مظلة الإفتاء، في احتضانك للقوى الوطنية، في رحابة صدرك في شمولية نظرتك لكل لبنان، باغناء دار الفتوى بالشباب الواعد من بيروت والشمال والبقاع والجنوب والجبل، فكنت بحق إمام الوطن ومفتي الجمهورية وقيادياً تلتقي القيادات اللبنانية وخصوصاً الإسلامية منها في رحاب مقام دار الفتوى، مقام كل الوطن والأمة لأنك اتسعت بعقلك وفكرك وإيمانك لأن تحمل هم العرب والمسلمين في كل بقاعهم وخصوصاً قضيتهم المركزية فلسطين. ورحلت أيها المفتي الشهيد لم تترك مالاً أو ثروةً أو مواقع لأبنائك وأسرتك، وإنما تركت لهم الله تعالى ورسوله والمخلصين والأوفياء، في ذكرى استشهادك نتذكر عصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تركوا الدنيا وسعوا لمجد الأمة والخلود في الآخرة.
|