مصرع مفتي الجمهورية اللبنانية: اغتيال الاعتدال مصرع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، بانفجار سيارة مفخخة استهدفته، اغتيال سياسي سيكون له انعكاسات خطيرة على الوضع اللبناني. أوساط سياسية تتوقع تفجيرات أمنية خطيرة قد تتجاوز بحدتها تلك التي شهدها لبنان خلال الشهرين الأخيرين. "كل العرب" تسلط الضوء على سيرة المفتي خالد كرجل حوار، مناهض للعنف، عامل إبقاء الجسور ممدودة بين اللبنانيين. للاغتيال السياسي في لبنان أبعاد خاصة. في كل مرة يطال رصاص القتل شخصية سياسية أو دينية، في ظرف توتر ما، يكون الاغتيال مقدمة لتفجير أمني كبير يعيد خلط الأوراق ويزيد في تعقيد الأزمة اللبنانية. سنة 1958 كان اغتيال الصحافي نسيب المتني مدير عام ورئيس تحرير صحيفتي "الطيار" و"التلغراف" شرارة أشعلت أحداث 1958. وسنة 1957، كان اغتيال نائب صيدا السابق معروف سعد مقدمة لاشتعال الحرب اللبنانية. يومها، كان معروف سعد يقود تظاهرة لصيادي الأسماك احتجاجاً على الامتياز الذي أعطته الحكومة اللبنانية لشركة "بروتيين" والذي بموجبه تحتكر هذه الشركة الصيد البحري وتتكفل بتصنيع لحوم الأسماك وتعليبها. كانت التظاهرة عادية، وكانت صيدا قد تعودت على التظاهرات شأنها شأن باقي المدن اللبنانية. وإذا بحادثة الاغتيال هذه تتفاعل، فتتبعها حادثة "الباص" الذي كان يقل عدداً من الفلسطينيين. فتبدأ جولات الحرب اللبنانية. وفي حين بدأت هدنة عام 1977، جرى اغتيال كمال جنبلاط في آذار/ مارس من العام نفسه، وهو صاحب نظرية استقلال القرار الوطني اللبناني. وتوالت الاغتيالات السياسية لتشمل عدداً كبيراً من السياسيين والمقامات الدينية كان آخرها حادثة يوم الثلاثاء الماضي التي استهدفت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد. ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض لها الشيخ حسن خالد للاغتيال. فقبل 4 سنوات، وتحديداً يوم عيد رمضان المبارك تم تفجير سيارة على مقربة من مفتي الجمهورية بينما كان الدكتور سليم الحص الوزير في حكومة الرئيس رشيد كرامي يقترب من المنزل للاصطحاب المفتي إلى المسجد حيث تقام صلاة العيد.. فنجا الحص بأعجوبة. بذل المفتي خالد جهوداً مضنية لعقد "قمة روحية" هدفها إيجاد حل للأزمة اللبنانية يتمكن لبنان من خلالها أن يتعايش مع أزمة المنطقة بأقل درجة ممكنة من الخسائر. خلال تلك الفترة، كانت تجري مشاورات معقدة بين رشيد كرامي وبعض وزرائه من جهة ورئيس الجمهورية أمين الجميل وبعض الوزراء من جهة ثانية حول تطبيق الاتفاقات المبدئية التي تم التوصل إليها في اجتماعات "الحوار اللبناني" المعقودة في لوزان والتي على ضوئها تم تشكيل الحكومة والغي اتفاق 17 أيار/مايو اللبناني ـ الإسرائيلي ـ الأميركي. محاولة اغتيال المفتي خالد والوزير سليم الحص كانت مقدمة لتعطيل الحوار ولحدوث القطيعة الشهيرة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. وفي أيار/مايو، وبعد أن أعلن كرامي استقالته الشفهية دون تقديمها رسمياً في صيغة كتاب إلى رئيس الجمهورية، جرى اغتيال رشيد كرامي فتم تكليف الوزير سليم الحص برئاسة الحكومة المستقيلة بالوكالة ريثما يصار إلى تشكيل حكومة جديدة. فاكتملت بذلك ظروف تقسيم السلطة التنفيذية، حتى إذا ما تعثر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اضطر الجميل إلى إصدار مرسوم بتشكيل الحكومة العسكرية فبدأت الحرب بين الحكومتين ودخل لبنان في نفق جديد اشد ظلمة من الأنفاق المتواصلة التي تنقل فيها منذ اغتيال معروف سعد. مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد كان يمثل، مع هيئة "اللقاء الإسلامي"، تيار الاعتدال المنفتح على تيار بكركي الذي يترأسه البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير. وكان قد سبق لدار الفتوى ان تعرضت لضربة قاسية عند اغتيال الدكتور الشيخ صبحي الصالح، مستشار مفتي الجمهورية وأحد أبرز المثقفين العرب. واعتبر هذا الاغتيال، آنذاك، تحذيراً للقاء الإسلامي الذي يضم رؤساء الحكومات وبعض الوزراء والنواب والشخصيات السنية. • المفتي الشيخ حسن خالد تعلم من أحداث 1958 درساً ظل يردده طيلة حياته: "لا أحد بإمكانه أن يلغي أحداً في لبنان". • أسماء على لائحة الاغتيال في مقدمتها: البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير والشيخ محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. • اغتيال الشيخ حسن خالد مقدمة لتفجيرات أمنية قد تتجاوز التفجيرات الأخيرة عنفاً. أما هدفها فقطع آخر خطوط الحوار بين اللبنانيين. فاللقاء الإسلامي، ممثلا بالمفتي الشيخ حسن خالد هو صاحب مشروع "القمة الروحية" الهادفة إلى جمع رؤساء الطوائف اللبنانية في صيغة مجلس دائم مهمته سحب البساط تدريجياً من تحت أقدام الميليشيات المتقاتلة ووضع أسس لحل الأزمة اللبنانية، أو على اقل تقدير، للتخفيف من حدة الأزمة بحيث يتمكن لبنان من التعايش مع أزمة الشرق الأوسط بأقل درجة ممكنة من الخسائر. بذل المفتي خالد جهوداً حثيثة لتأمين انعقاد "القمة الروحية" لكنه لم يفلح. كانت الميليشيات على اختلاف اتجاهاتها تعارض انعقاد هذه القمة معتبرة أن رؤساء الطوائف لا يمثلون فرقاء الصراع ولا يعكسون طبيعة الخلافات الحاصلة على الساحة اللبنانية. ومع ذلك، ظل المفتي خالد، وخلفه اللقاء الإسلامي، يتمسك بنهج الاعتدال ورفض العنف وتغليب الحوار حتى ولو استمر التناقض في الطروحات السياسية بين الفرقاء المسيطرين على قرارات الطوائف. المرة الوحيدة التي عقد فيها ما يشبه "القمة الروحية" كانت في الكويت حين توجه رؤساء الطوائف إلى العاصمة الكويتية بدعوة من رئيس وأعضاء اللجنة السداسية العربية المكلفة بالبحث عن حل للأزمة اللبنانية. وفي الكويت، تبين أن رؤساء الطوائف قادرون على التحاور بهدوء وتعقل لا يتوفران عند باقي السياسيين أو قادة الميليشيات. لكن أعمال اللجنة السداسية عادت وتعثرت حين جاء دور الحوار بين المتحاربين والسياسيين.. المفتي حسن خالد، تربى على يد المفتي الأسبق الشيخ محمد علايا. ويذكر عنه ترديده للقول بأن أحداث 1958 كونت عنده قناعة راسخة بأن "لا احد يمكن أن يلغي أحداً في لبنان". هذه المقولة اتبعها الشيخ حسن خالد طيلة الفترة التي تولى خلالها منصب مفتي الجمهورية اللبنانية. فأقام علاقات وثيقة مع القيادات السنية الأساسية، كرؤساء الحكومات والوزراء والنواب، كان يراعي خلالها حساسية هذه القيادات وحرصها على أن تحتفظ لنفسها بمقام الصدارة في العمل السياسي. وكان المفتي خالد يردد باستمرار شعار "الاعتدال أولاً والوفاق ثانياً". ومع ذلك كان يتعرض لانتقادات قاسية من جانب المقاتلين، فمنهم من كان يتهمه "بالتطرف" ومنهم من كان يتهمه "بالميوعة". مواقف الشيخ حسن خالد تختصر مأزق المعتدلين على الساحة اللبنانية، وهو مأزق يعكس معاناة الأكثرية من اللبنانيين المتضررين من استمرار الحرب. واغتيال حسن خالد في هذا الظرف بالذات مقدمة حتمية لتفجير امني قد يتجاوز التفجيرات التي عاشها لبنان طيلة الشهرين الماضيين. ويمكن قراءة هذا الاغتيال، سياسياً، على أنه نسف لجسر الحوار الممدود فوق ساحات القتال بين رؤساء الطوائف الإسلامية من جهة ورؤساء الطوائف المسيحية من جهة ثانية. وبمعنى آخر، فان لبنان دخل مرحلة جديدة من الممنوعات هي مرحلة منع أي حوار ولو شكلي بين المناطق التي يفصل بعضها عن بعضها الآخر خط تماس يزداد عمقاً يوماً بعد يوم. توقعات الأوساط المتتبعة للأحداث اللبنانية تلتقي مع تصور مطلق أي لبناني عادي، أي أن اغتيال المفتي خالد مقدمة لاغتيالات أخرى سيذهب ضحيتها دعاة الحوار من بين رؤساء الطوائف. وفي مقدمة الأسماء المدرجة على لائحة الاغتيال الشيخ محمد مهدي شمس الدين، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي تعرض منذ مدة لمحاولة اغتيال، والبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير والشخصيات السياسية المقربة منهم والتي تمدهم عادة بالمشورة الهادفة إلى إبقاء جسور الحوار ممدودة بين اللبنانيين.
|