المفتي ظاهرة مميزة في تاريخ الافتاء والدور الديني والسياسي- المفتي الميس
• كتب سماحة مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس، الكلمة التالية لـ"الموقف" حول استشهاد صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد:
- إن سماحة المغفور الشهيد حسن خالد كان ظاهرة مميزة في تاريخ الإفتاء ودوره الديني والسياسي. فقد تعاظم دوره بحيث أمكن وصفه بأنه مفتي العرب في لبنان ومفتي الإسلام في العالم العربي، حيث خاض المعترك السياسي في ظروف لم يشهد لها لبنان مثيلاً قبل. وكان هذا الدور مميزاً خاصة خلال المحنة التي اجتاحت لبنان منذ خمسة عشر عاماً والتي نالت من وحدة الوطن ومؤسساته. وقد كان دور سماحته العمل دائماً للحفاظ على الوطن أرضاً وشعباً ومؤسسات. ومن هنا دخل المعترك السياسي من بابه الواسع كما خاض في بحره الهائج المتناقض. وعمل مع قلة كريمة من العاملين في الحقل الوطني والسياسي. وكان الثمن معلوماً للجميع استشهاد الرجل لتسلم القضية. إن دور المفتي الشهيد في العالم العربي والإسلامي ينحصر في القضايا الدينية وتحرير الفتاوى الشرعية ولا يكاد يتجاوزها إلى الأمور السياسية، ولكن لبنان المميز في نضاله وتركيبته وتعدديته تحمل العاملين في الحقل الديني على الخوض والمشاركة في القضايا السياسية. ومن المعلوم أن دوره البارز كان سياسياً اولاً كما كانت شخصيته العلمية الواضحة من خلال مصنفاته العديدة والتي تميزت بالمزج ما بين الدين والسياسة. ان النموذج السياسي الذي تمثل بسماحة المرحوم يذكر برجال الاصلاح والانقاذ في العالم الاسلامي كجمال الدين لافغاني ومحمد عبده. فقد تجاوز جهده نطاق لبنان الى ثلاثة دوائر في العالم اعني بها العالم العربي والعالم الاسلامي وما وراء ذلك من الدول الكبرى. لقد كان له دور مميز في إذابة الجليد ما بين دول المنظومة الاشتراكية والعالم الاسلامي. وعلى سبيل المثال فانه اعاد وصل ما انقطع ما بين مسلمي الاتحاد السوفياتي وبولونيا ورابطة العالم الاسلامي، مما عاد بالخير العميم على ملايين المسلمين في تلك البلاد. واما في الدول الاوروبية وامريكا فكان اتصاله لتوضيح القضية اللبنانية لدى المحافل الدولية وعلى اعلى المستويات. وهكذا دعم التواصل بين لبنان والعالم بأسره كما جعل لبنان يعيش في قلب كل الدول التي زارها شرقاً وغرباً. ومن هنا يمكننا وصفه بانه مفتي العرب في لبنان ومفتي لبنان في العالم الاسلامي. ولا شك ان استشهاده خسارة للجميع وسيكون أيضاً من ضمن الخاسرين اولئك الذين ظنوا انهم حلوا المشكلة بتغييب شهيدنا وسيرون لا محالة ان المشكلة ستزداد تعقيداً بفقده وان استمرار نهجه هو الاسهام الاقوى في حل المشكلة... كيف لا وكل الجهود الخفية منها بالذات تعمل على تفتيت الوطن في الوقت الذي لا يبقى فيه حقوق للمواطن اذا لم يبق الوطن بل يمكننا القول ان النشاط الديني يحتاج الى التراب واكبر دليل على ذلك تجربة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة. فجلّ قراره المكي ان ينجو ببدنه بينما قراره المدني هو الفتح لمكة وللعالم من ورائها. فدعوة السماء انما شقّت طريقها على الارض عندما اتخذت من المدينة عاصمة بينما والوحي يتنزل في مكة المكرمة كان ينافس على ترابها زعماء قريش. ولما انفرد الرسول الكريم في المدينة اخذ قراره الكبير وبدأت مسيرة النصر والفتح. وبالجملة علّمتنا الاحداث انه لا كرامة لامة بلا وطن ولا كرامة لوطن بدون وحدة ابنائه وان تحقيق الوحدة وهو الهدف الكبير، يحتاج الى ثمن كبير وهو الشهادة التي نالها سماحة المرحوم الشيخ حسن خالد.