اغتيال خالد دليل على بلوغ المؤامرة ذروتها - مجلة الشراع 13 حزيران 1989
استطاع سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد أن يجمع لبنان حوله في استشهاده كما استطاع ذلك في حياته بفضل دوره التوحيدي المتفهم للأمور وخلفياتها، وسعيه الدؤوب لتجاوز الأجواء المتشنجة واحتقاناتها. وما زالت بيانات الاستنكار لهذا الحادث الأليم الذي أصاب لبنان من أقصاه إلى أقصاه تعبّر عن ذلك الجرح الكبير الذي أصاب الوطن، الكيان والوجود. وفي هذا السياق قالت الحركة الثقافية ـ انطلياس في بيان لها حول اغتيال سماحته: "لقد كان الشيخ حسن خالد نموذجاً مميزاً من الذين استخلصوا من تجارب هذه الحرب المدمرة أكثر العبر ثراء وأعمقها تغييراً في النفس. وكان بذلك دليلاً حباً للأنفس الملتمسة نوراً هادياً في أوساط قاتمة ومكفهرة، نادرة جداً هي الأجيال التي امتحنت، واينما كان، بمثل فظاعتها. كان يعي أن لبنان الحديث، أو الجمهورية اللبنانية هي من صنع التعاون الإسلامي المسيحي". وأضاف: "ان هامش الحرية الواسع الذي نعم به لبنان. بدا وكأنه ناجم ليس عن ايمان وقناعة بالحرية كقيمة، بل عن عجز السلطة عن كبت الحريات. وعندما اندلعت الحرب عام 1975، وكانت بأسبابها العميقة نتيجة لهذا الخلل في البنية السياسية خصوصاً وبأسبابها الأقرب نتيجة المداخلات المسلحة الداخلية والخارجية، كان المفتي، بما يمثل وبمن يمثل، معنياً رئيسياً بالنزاع الدائر بسبب موقعه ومسؤولياته الكبيرة وقد التقت فعلاً بعض مواقفه في بعض الفترات، مع بعض مواقف القوى المنخرطة مباشرة في النزاع السياسي العسكري. ولكن هذه الالتقاءات العريضة لم تكن ثابتة ودائمة مع القوى ذاتها، ولم تكن أيضاً مطابقة كل التطابق مع أي منها، ولم تكن تعتمد أسلوبها العنفي العسكري وبالتالي يصعب دمغها بتعابير ومصطلحات "الجبهة السياسية"، وهكذا فالكثير من مواقف المفتي، والحق يقال، فهم من المؤيدين والمنازعين على حد سواء، من الباب السياسي الضيق فحسب مما لا يعبر تعبيراً أمنياً عن مغزاها ولا يستنفد أبعادها". نعم، من هذا الواقع الكارثي، بل ضد هذا الواقع الكارثي، يفهم التوجه المميز للمفتي حسن خالد، خصوصاً في السنوات الأخيرة: لقد ظل مضمون نضاله ثابتاً لم يتزعزع: إيمانه بقيمة التعايش الإسلامي المسيحي في التجربة اللبنانية التي هي وليدة التفاعل والتكامل تضفي على البعد الروحي العظيم في الإسلام والمسيحية بعداً إضافياً إنسانياً وحضارياً فذاً وهذا ما سمي بوحدة لبنان. وختمت الحركة الثقافية بيانها قائلة: "إلا يدعونا حدث بفظاعة استشهاد مفتي جمهوريتنا، الجمهورية الثكلى، أن نتساءل سؤالاً مصيرياً: هل أن اغتياله دليل على بلوغ المؤامرة علينا ذروتها، أم هو دليل على يأسها". ألا يدعونا استشهاده إلى انتهاج خط وتحمل مهمات وطنية وحدوية طالما تراخينا عن حملها فحملها هو عنا، وحمّلنا مسؤوليات عدم التقائنا"؟