16 أيار ذكرى الشهادة أربعة عشر سنة مرت على استشهاد سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد (رحمه الله)، وما تزال طريق الشهادة سالكة بكل فخر واعتزاز لكل من نذر نفسه في سبيل الدفاع عن شرف الأوطان وعزة الأمم . هي طريق للخلود يعجز عن السير فيها إلا من صدق ما عاهد الله عليه،وجمع مع عفة النفس ونظافة الكف وحسن الخلق حساً وطنياً وقومياً لامعاً. ومن بين هؤلاء الميامين الشرفاء كان المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، الذي انضم إلى قافلة الشهداء الأبرار بعد أن حضن هموم الوطن والأمة، عمل جاهداً في الأزمنة الصعبة والحرجة من أجل وحدة لبنان وسلامة أراضيه وحماية العيش المشترك، الرجل الذي لم يخلو جهداً من أجل إنهاء الحرب الدامية التي عصفت بوطننا العزيز لبنان وأتت على الحجر والبشر، العالم الداعي إلى الله عز وجل يوم كثر أتباع الشياطين، المطالب بالمساواة بين المواطنين وبدولة القانون والمؤسسات والحكم بالعدل، المحارب للفساد والمفسدين، الذي لم يسكت عن الظلم والقهر والتمييز، الحكيم الذي كان متسامحاً في زمن غاب عنه العقل وعم فيه العنف الأعمى، المدافع عن عروبة لبنان وعن قضايا العرب والمسلمين الذين تعرفوا إليه عن كثب وكانت لمواقفه أبلغ الأثر وأطيبه. وفي هذه الذكرى، لا بد لنا من دعوة صادقة نوجهها إلى اللبنانيين، كل اللبنانيين لتجاوز الخلافات الضيقة والحسابات الشخصية، والابتعاد عن كل ما يفرق ويشرذم الساحة الوطنية، والعمل على المزيد من التلاحم ورص الصفوف من أجل مواجهة الأخطار المحدقة بوطننا العزيز لبنان. والقول الصادق لا بد أن يتبعه العمل الصادق، والصدق بالقول والفعل لا بد أن يترجم بصدق بالتعامل الوطني، وهذا يستدعي معالجة الثغرات أينما وجدت، والعمل على تذليل كافة العقبات التي يمكن لها أن تنتج خللاً هنا وعلة هناك. ان الشعور بوجود مشكلة ما على الصعيد الوطني إن وجد لا بد أن يلقى المعالجة حتى لو كان شعوراً «خاطئاً»، إذ أن تجاهله يعطي الزمن مجالاً واسعاً لاستثماره، فيحوله بتواليه عليه بأحداثه وأجياله إلى أحقاد يمكن لها فيما لو تفاقمت أن تنهش بمناعة الوطن وتفتك ببنيانه. إن الوطنية انتماء طبيعي وملزم قانونياً ويترتب عليها حقوق وواجبات، وهي لا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال احتكاراً يمكن أن تنفرد به فئة وطنية وحدها دون سواها من سائر فئات المجتمع، وهي ايضاً لا يمكن أن تكون موضع مراهنات أو حسابات شخصية أو فئوية تبغي الربح والخسارة على حساب الوطن. والقومية انتماء طبيعي وملزم معنوياً ومادياً نظراً للمصالح المشتركة والتشارك في الإرث التاريخي الواحد الذي لا بد من أن ينعكس ترابطاً في المصير الواحد، وهي بذلك لا يمكن أن تكون ستاراً يمكن أن تتفيء بظله فئة وطنية وحدها دون سواها من سائر فئات المجتمع، وهي أيضاً لا يمكن أن تكون زياً منسياً في مجاهل الزمن وغباره يمكن العودة اليه بين الحين والآخر من أجل غاية شخصية أو هدف ظرفي. ان الوطنية والقومية انتماءان طبيعيان وملزمان، والأمر الطبيعي ايضاً والملزم والضروري هو أن نبقى جميعاً بتعدد تياراتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية إنسانيين إلى أبعد الحدود، إذ ان الإنسانية وهي إحدى النعم التي منّ بها الخالق عز وجل على خلقه، هي معبر دائم للتفهم والتفاهم وللحوار والمناقشة الهادئة، وهي وسيلة لاختصار المسافات والتقارب بين العقول والقلوب والابتعاد عن الأنانية والشهوات، والأهم من ذلك أيضاً انها تشكل حاجزاً مانعاً للاختلاف السلبي، وتمثل حصناً منيعاً وسياجاً حامياً للبيت الوطني الواحد. فنحن كلبنانيين لا يمكن لنا أن نختلف حول الله عز وجل، حتى ولو كان تطبيق التعاليم الدينية يجعلنا نختلف حول طرق الوصول إليه، ولا يمكن لنا أيضاً أن نختلف حول الوطن حتى ولو كان اتباعنا لمنطق الحرية والديمقراطية يجعلنا نختلف حول طريقة إدارته بالشكل الأفضل، والأكيد أيضاً أننا لا يمكن أن نختلف حول الأمة، حتى ولو كان منطق الجغرافية السياسية والدولية يجعلنا نختلف حول تراتبية الأولويات. ويبقى ان الحق الوطني والقومي هو حق مقدس ولا يمكن أن يكون غير ذلك، وان الواجب الوطني والقومي هو واجب مقدس ولا يمكن ان يكون سوى ذلك. أما أنت أيها القائد المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد ، فهنيئاً لك جنات رب العالمين . وأما نحن ، فلك منا الوفاء الدائم وأمانة العهد بأن نبقى على دربك سائرون . |