منذ أربع سنوات وفي مثل هذا اليوم بالذات كانت بيروت ترتعد قصفاً والمواطن منهك من قصف هنا ومتفجرة هناك وبيروت الشامخة يلفها الأسى والحزن على بنيها وعلى أمتها، في مثل هذا اليوم بالذات أبى المفتي الشهيد إلا أن يخرج من داره إلى دار المسلمين دار الفتوى قيل له لم الخروج والأمن غير مستقر والاحتمالات واردة في كل حين فقال لقائليه دعوني فإن في بيروت أيتاماً وإن في لبنان مواطنين ذوي حاجة دعوني للخروج فدار الفتوى هي المنطلق وهي مكان أصحاب الحاجات وأصحاب الحقوق ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وقد كتب له الله سبحانه وتعالى الشهادة وهو يعلم كما تعلمون بأن الشهادة هي تكريم من الله لعباده المؤمنين. في مثل هذا اليوم وفي مثل هذا الوقت بالذات انطلق موكب المفتي الشهيد من دار المسلمين واللبنانيين إلى دار البقاء ليلقى الله وكم كان يتمنى أن يلقى الله على مثل هذه الشهادة وهو الذي قال لبعض أصدقاءه دعوني فإني مشتاق للقاء ربي فكانت الشهادة في سبيل الله والأرض والوطن والعقيدة من أجل هذا كله قامت مؤسسة المفتي الشهيد قامت لمتابعة المسيرة العظيمة التي بدأها مترافعاً عن الإسلام والقيم وكرامة المواطن والعيش المشترك والعروبة والانصهار الوطني والعدالة والوحدة بين أبناء الوطن والتكامل بين أبناء الأمة العربية والإسلامية. وإنه ليوم أغر أن تقوم مؤسسة المفتي الشهيد في بيروت وفي الطريق الجديدة بالذات هذه المنطقة التي أحبها المفتي الشهيد وأحبته وبادلته العطاء بعطاء فكان معها وكانت معه كما بيروت ولبنان بأسره في كل معاركه ضد المذهبية والطائفية والمناطقية وضد العدو الصهيوني الذي رأى في الطريق الجديدة وفي بيروت بالذات المخزون الإيماني والشموخ العربي والرفض للعصر الصهيوني فكانت الطريق الجديدة وبيروت هي العاصمة التي خاضت بصدور أبناءها الحرب دفاعاً عن الإنسان والقضية الفلسطينية والحق العربي في هذا الشرق. تحية من القلب أنشرها في سماء الطريق الجديدة وإلى أهلنا في بيروت الصامدين والقابضين على جمر المآسي وهم الذين سجل لهم التاريخ وقفتهم والذين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا خطبة وصلاة عيد الفطر في الملعب البلدي والتي كانت انتفاضة ضد الخطأ والظلم فكانت الشرارة الأولى لتصحيح المسيرة مسيرة الوطن ليخرج من كهوف المذهبية ويدخل في رحاب الوطن العربي وفي وجدان الأمة الإسلامية. أيها الأخوة، لقد ناضلنا جميعاً في سبيل تثبيت الشرعية اللبنانية لأن تأخذ دورها في المسيرة الوطنية بعدما تحولت الدولة إلى دويلات متصارعة متآكلة فشهدنا معاً قيامة لبنان ليساهم مع أشقاءه العرب والمسلمين في مقارعة العدو سياسياً كما قارعوه عسكرياً فإنا ندعو في هذه المناسبة وفي هذا الوقت بالذات إلى تثبيت ودعم الشرعية الإسلامية الممثلة للمسلمين وأعنى بها دار الفتوى والمؤسسات الإسلامية الشرعية الشقيقة لأننا بتنا نشعر بأننا مقدمون على فلتان ديني وميليشيات دينية هنا وهناك وكل منها يدعي بأنه هو الإسلام ومن لم يكن معه فهناك شك بعقيدته وإيمانه، نقول في هذه المناسبة بأن الإسلام ليس ملكاً لأحد ولا لفئة من الفئات، فالإسلام رسالة الوحدة والتوحيد قال تعالى « إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ». ومن هنا فإنه لا يمكن لأي فئة من الفئات أن تغلب الإسلام أو تخرب الإسلام لأن الإسلام أكبر من كل هذه الفئات. ومن هنا فإننا نطالب الدولة بكل أجهزتها لأن تضع حداً لهذا الفلتان الديني الرهيب حيث تحولت المساجد في بيروت وفي بعض المناطق اللبنانية إلى ساحات لصراع الأفكار والتوجهات على حساب وحدة المسلمين التي هي جزء من وحدة المواطنين كل المواطنين. أيها الأخوة، وإذا كنا قد ناضلنا في سبيل تثبيت شرعية الدولة اللبنانية بدعم من الشقيقة سوريا والأشقاء العرب وأصدقاء لبنان في العالم لأننا كنا ولا زلنا نرى في أن الدولة القوية العادلة هي الضمانة لجميع المواطنين وإن كانت الدولة قد أصدرت عفواً عاماً عن الذين أساءوا للوطن والمواطن وعاثوا في المجتمع فساداً على مدى السنوات العجاف فإننا لن نقبل ولن تقبل بيروت ولن يقبل لبنان وكل الشرفاء والأحرار في هذا الوطن وفي هذه الأمة أن يشمل العفو الذين طالت أيديهم الآثمة شهداءنا الأبرار أمثال المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد والرئيس رشيد كرامي والرئيس رينيه معوض والعلامة الدكتور صبحي الصالح وغيرهم من الشهداء الذين كانوا ضمانة لوحدة الوطن والمواطنين. وإننا مع المنتظرين لمعرفة الحياة ولمعرفة دور الدولة في محاسبة هؤلاء الذين تطاولوا على لرموز الدينية والوطنية في هذا البلد. أشكركم جميعاً على تلبيتكم هذه الدعوة وأشكر أصحاب السماحة والدولة والمعالي والحركات الكشفية والمؤسسات الإعلامية وقوى الأمن الداخلي والشخصيات الاقتصادية والفكرية والسياسية وكل الذين ساهموا مادياً ومعنوياً في إقامة هذه المؤسسة الأمينة على نهج المفتي الشهيد . ونعاهدكم أن نبقى سوياً على طريق بناء الوطن والمواطن على قاعدة الإيمان بالله والتواصل مع كافة أبناء الوطن والأمة. |