بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في الذكرى الثالثة لاستشهاد المفتي الخالد نلتقي بكم أحبةً وإخواناً عرفوا الشهيد مواطناً ومسؤولاً وعالماً وقائداً في مواقع شتى وفي أماكن متفرقة فكان على الدوام صوت المواطنين والمقهورين والشرفاء من أبناء هذا الوطن الذين كانوا يحلمون ولا زالوا بوطن تظلله العدالة وتسوده المساواة في مظلة من العيش المشترك بين كافة المواطنين ولذلك كان قول المفتي الشهيد لمن بيده الأمر والحكم والقرار "إن من يزنَ العدلَ بميزانين يخطئ بحق لبنان لأنه بذلك لا يريده وطناً متماسكاً ومن يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم وإن الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنية فيه بميزانين". في الذكرى الثالثة ننظر بعمق ونحن في هذه العاصمة وفي هذه الدار دار المسلمين واللبنانيين جميعاً ننظر إلى لبنان وإلى أزمته وما يعانيه من اختناق اقتصادي واعتداء على جنوبه بكثير من القلق والحذر. إن بناء الأوطان يرافقها دفع ضرائب كثيرة على كافة الصعد ومسيرة السلام الآن التي يقودها المخلصون من أبناء هذا الوطن وأشقاءه، لا بد من الالتفاف حولها ومؤازرتها ليعود للبنان دوره العربي الحضاري المميز في قيادة مسيرة المعرفة والحق والعدالة حتى أضحى لبنان كبيرا بحجم طموحات أبناءه المنتشرين في كل بقاع الأرض فحملوا قضية الإنسان وحقه في الحرية ليس في لبنان فحسب وإنما في كل أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. فبيروت الدور والقضية التي حملت الهم العربي والإسلامي هي التي عاش في أحضانها المفتي الشهيد ونحن مع إخوة لنا نعتز بهذا الدور الذي جسده المفتي الشهيد في سلوكه الديني والوطني والسياسي فكان مع الإنسان في لبنان ومع الإنسان العربي في كل مكان ومع القضية الفلسطينية التي حملها بعقله وفكره وسلوكه لأنه نظر إليها من منظار ديني وإسلامي جسدته بيروت وحملها لبنان إلى كل العالم ومن أجل ذلك كان قول المفتي الشهيد "إن الأخلاق الفاضلة وهي تنظر بعين الحقيقة إلى أرض فلسطين إنما ترفض أن يُطرد صاحب البيت من بيته كما ترفض أن يسرد النساء والأطفال في العراء ليبيتوا تحت الخيام في أقسى الظروف والأحوال" إن كلامه هذا كأنه يقوله في أهلنا في الجنوب وفي أحزمة البؤس والحرمان التي بدأ يعاني منها لبنان الذي حمله المفتي الشهيد بقلبه الكبير وحمل قضيته إلى العالم اجمع. وأننا بهذه المناسبة المؤلمة المفرحة في آن... المؤلمة لغياب القائد والوالد والمفرحة لأنني أرى رفاق دربه من كل شرائح الوطن تتلاقى لتكرمه وتذكره موقفاً وطريق جهاد وإيمانا بالقضية قضية الإنسان في بلدي وأمتي. ونحن في هذا اليوم ومن هذه الدار التي شهدت عصرها الذهبي في عهده نمد أيدينا إلى رفاق دربه على كافة الصعد لنعمل معاً في بناء الوطن كل الوطن. ومن أجل ذلك كان قول المفتي الخالد "إن أعز نداء إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله أخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقية للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب حفظ الله لبنان منارة من منائر العدل والحق وجمع قلوب أبناءه على المودة والسلام". من أجل ذلك كان اعتزازنا كبيرا بسيرته وجهاده ونهجه الإسلامي الذي حمَلَ سماحة الإسلام ورحابة الإيمان فكان في أحلك الظروف وأشدها ملتقاً لكل اللبنانيين ومرجعاً لكل القوى الإسلامية والوطنية في لبنان والبلاد العربية والإسلامية وملاذاً لكل مضطهد أو صاحب حاجة فكان مع البسطاء والفقراء يعيش همومهم ومع كبار القوم من رجال علم وسياسية وقيادة يخطط ويوجه لبناء الوطن ووحدة الأمة وقد صدق حين قال "أيها اللبنانيون والعرب في كل مكان إن لنا عدواً مشتركاً يقيم على أسوارنا ويتربص بنا الدوائر ليجوس ديارنا ونفوسنا فما أحلى أن تتلاقى فئاتنا وشعوبنا في محبة وصفاء لنواجه بحزم وقوة هذا العدو" ومن أجل ذلك فإن اعتزازنا كبير باستشهاده وبانتمائنا إليه نسباً وفكراً ومنهجاً. فالأوطان لا تبنى إلا بدماء الكبار الكبار الذين أمنوا بالله وبحق بلادهم وأمتهم في الحياة الحرة الكريمة. أيها الأخوة الأعزاء، ونحن إذ نتابع مسيرة الإنقاذ التي انبثقت عن وفاق وطني ومباركة عربية ودولية نتسائل مع كل المواطنين المعذبين بالرغم من كل الانجازات التي تحققت حتى الآن أين الوعي الوطني المدرك والمبادرة اللبنانية في الداخل وفي بلاد الاغتراب التي يجب أن تواكب هذه المسيرة لأن بناء الأوطان من بعد كبواتها لا يحققه فرد أو مجموعة أفراد وإنما تحققه الجماعة المتضامنة والموحدة والمتعالية على المذهبية والطائفية والمناطقية. إن معركة لبنان ودوره الحضاري هي التي علينا جميعاً أن نخوض غمارها على كل الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأن العدو الصهيوني المتربص لن يدخر وسعاً في سبيل إيقاف هذه المسيرة التي تشكل خطراً كبيراً على أطماعه وأهدافه التوسعية. ويبقى أخيراً على الحكم الذي نحرص على التكامل معه أن يعتمد التخطيط والتنسيق والقيادة المرتكزة على قواعد علمية مستقاة من تجارب الأمم والشعوب. لقد شاءت إرادة الله أن نكون على ثغر من ثغور بلاد الشام في مواجهة عدو صهيوني لا يرحم ويعيش أوهاماً تكمودية توراتية لإقامة دولة مغتصبة لبلادنا وثرواتنا ليشكل بها إمبراطورية استعمارية وما يحصل الآن على صعيد المفاوضات واللقاءات مع العدو الصهيوني وتراجعاته عن العهود والمواثيق لهو دليل على أننا في هذا الوطن نعيش في قلب القضية والقضية بحاجة لرجال ولبنان كان وما زال على موعد مع رجال مؤمنيين بقضيتهم وبعروبتهم وبدورهم في بناء مستقبل مشرق في هذا الوطن. أيها الإخوة، لقد شهدتم وشهدنا منعطفات خطيرة في مسيرة الإنقاذ الوطني لكننا مدركون ونحن نتذكر لكمات المفتي الشهيد في ذكراه الثالثة بأننا جزء من هذه الأمة التي يتحالف الطامعون لسلبها خيراتها وثرواتها من مياه ومعادن ولن نستطيع أن نقف في مواجهة هذه الإطماع إلا إذا ترسخت القناعة في نفوسنا جميعاً كلبنانيين بأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نتعامل في القضايا المصيرية إلا بعمق وإدراك فننمي تضامننا وتنسقينا مع محيطنا العربي وبخاصة مع الشقيقة سوريا التي نشكل معها شعباً واحداً في دولتين. ومن هنا فإننا نشعر بأن الحصار المفروض على لبنان لتغيير خياراته الوطنية يتكامل ويتلاقى مع الحصار المفروض على أهلنا في الجنوب وإخواننا في فلسطين وأشقاءنا في الجماهيرية العربية الليبية التي يدفع الشعب العربي الليبي فيها كما دفعنا ضريبة حملها للقضايا العربية والإسلامية المحقة. ومن أجل ذلك فإننا نُهيبُ باشقاءنا العرب أن يتحركوا إلى جانب لبنان اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ليتمكن من استكمال مسيرة إنقاذه وتحرير جنوبه وبناء مؤسساته ليعود متكاملاً مع أمته العربية بعمق إيماني وإدراك كبيرٍ لدوره في مجابهة الأطماع التي تهدد المنطقة. في هذه الذكرى ذكرى استشهاد المفتي الخالد حسن خالد الذي عاصرتم من على هذا المنبر مواقفه وتطلعاته نحو إخوانه اللبنانيين جميعاً وأشقاءه العرب والمسلمين ندعو لأن تتلاقى الإرادات على صناعة السلام في هذا الوطن. ومن على هذا المنبر بالذات نناشد القوى الكبرى التي موّلت الحرب في لبنان أن تمول السلم في لبنان لأن الحرب خطر على لبنان والعالم والسلم راحة واطمئنان للبنان والعالم فقد عانى الكثير من الظلم والتقهقر من جراء الحرب الممولة من غيره على أرضه فكان للمنطقة والعالم نصيبهم الوافي من ثمراتها العقيمة. وإني واثق من أن الثمرة الطيبة الناتجة عن السلم أهم بكثير للعالم من تلك الثمرة العقيمة الناتجة عن اقتتال الشعب الواحد في الوطن الواحد ولهذا كان علينا واجب العمل والتضحية للمساهمة في بناء المجتمع لنكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. ويطيب لنا أن نتقدم بالشكر الجزيل لأهلنا في بيروت الذين عاشوا مع المفتي الشهيد في أقسى الظروف وأشدها إيلاماً وعلى وجه الخصوص عام الاجتياح الإسرائيلي لهذه العاصمة الأبية والذين حفظوا للمفتي الشهيد في قلوبهم وعقولهم مواقفه وتضحياته ونشكر لإخواننا وأهلنا في الشمال والجنوب والبقاع والجبل الذين لا زالوا على العهد حيث بادلوه الوفاء بالوفاء والمحبة بالمحبة كما أننا نشكر إخواننا في الوطن العربي والعالم الإسلامي الذين التقينا الكثير منهم وشعرنا بأنهم يحملون لبنان وشهيده وشهدائه في قلوبهم وعقولهم. ولنستمر على نهج الشهيد رحمه الله وفي خطه الإسلامي والوطني فقد أعلنا منذ يومين ولادة مؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد للتربية والثقافية وكلنا أمل أن تلقى هذه المؤسسة من أحباءه وأصدقاءه وكل المخلصين الدعم والتأييد وهذا بعض حقه علينا. حفظكم الله وحفظ هذا الدار لتبقى كما عهدناها موئلاً للإنسان وملتقى لكل الوطنيين من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال لأننا كما علمنا المفتي الشهيد سنبقى أبداً فوق المذهبية والطائفية والمناطقية لنعيش معكم وبكم في رحاب الوطن والأمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |