الحوار هو الأسلوب الذي نعتمده ولا بديل عنه المقاومة الوطنية والإسلامية هما أساس وضرورة لإخراج العدو الإسرائيلي من الأرض اللبنانية سوريا هي العقل العربي الذي يعرف أين يسير مقام مفتي الجمهورية ليس مجرد مركز ديني. وتقتصر مهامه على الأمور والشؤون الإسلامية إنما هو أيضاً موجه سياسي وموقع هام يعبر عن أهداف ومصالح المسلمين. والمغفور له سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد لا نستذكره في ذكرى استشهاده إنما نسلط الضوء على العديد من المواقف السياسية المفصلة الثابتة التي اتخذها وأعلنها في أكثر من مناسبة وفي أكثر من موقع ومكان.. ويمكن اختصار تلك الرؤيا والمنطق ففي خطبة العيد في 18/10/1974 تساءل المفتي: ".. لماذا لم نعبر لبنان بعد من نظامه الذي ألزم نفسه به منذ عهود الانتداب وحتى الساعة، لقد كان لهذا النظام وجهه الطائفي فتداخلت السياسة بالدين فلا الساسة أرضوا الله ولا رجال الدين أرضوا الناس... وكان لهذا النظام وجهه من الحرية فإذا بها حرية لا تعرف المسؤولية تفرز الفوضى وتزرع الفساد..." وأكد الشيخ حسن خالد في أكثر من موقف أن المسلمين: "... سيظلون يعارضون النظام القائم ما دام طائفياً وأن الصراع القائم على الأرض اللبنانية هو بين فئتين، فئة قليلة احتكرت لنفسها كل الامتيازات والسلطة وفئة أخرى مسلمة ومسيحية ظلت محكومة لهذه القلة ومسخرة لها...". والحرب العبثية اللبنانية التي تصدى لها ورفضها كصراع إسلامي – مسيحي وكحرب بين المسلمين والمسيحيين، مؤكداً ومشدداً على التعايش الإسلامي المسيحي في ظل الدولة العادلة. رأى سماحته ان انعدام التوازن والمشاركة الفعلية والعملية في السلطة واستئثار الامتيازات لفئة معينة أدت إلى غبن عند فئات أخرى مسيحية وإسلامية، هذا الغبن فجر الأوضاع الداخلية بعنف وصراع دام مفسحاً المجال أمام التدخلات الخارجية... لم يكن الشيخ حسن خالد في طرحه طائفياً أو مذهبياً إنما كان وطنياً مؤمناً صادقاً يدعو إلى التوازن والتعايش. وتغليب المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح. رجل حوار قناعات مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد بالحوار الايجابي البناء كانت قناعات راسخة، رسمت مسيرته السياسية وحددت أطر مواقفه الرسمية طوال الأزمة الدامية حتى يوم استشهاده.. فهو يقول: ".. ان الحوار مطلوب وهو وسيلة من الوسائل التي تساعدنا لأن نتفادى الضرر قدر الإمكان وان نفتح آفاقاً جديدة تساعدنا إلى ما نصبو إليه.. فالحوار واللقاء والمعالجات الهادئة الداعية المخلصة كلها مع المساعي المتنوعة مع الأفرقاء المختلفين ولهم فاعلية على الأرض، كل هذا هو الوسيلة. التي يمكن اعتمادها ولا وسيلة غيرها. لأنها هي البديل عن ذلك الأسلوب الناري الذي يعتمد السلاح والنار والحديد والعدوان على الناس أو التقاتل. فالحوار هو الأسلوب الذي يمكن أن نعتمده ولا أسلوب غيره.. من منطلق الحوار بين أهل البيت الواحد انطلقت قمة عرمون لتعزز وحدة الصف الإسلامي عام 1976 حيث اجتمع في داره في عرمون السيد موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورشيد كرامي، صائب سلام، كمال جنبلاط وشارع فيها نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام وزير الخارجية في حينه، والعديد من الشخصيات الإسلامية. رسمت تلك القمة الخط العام للموقف الإسلامي العام وهو جمع الصف الإسلامي لتأييد المقاومة الفلسطينية على أن يكون هذا التأييد محافظاً على الشخصية الوطنية وعلى بقاء لبنان موحداً عربياً... هذا الخط السياسي جاء رداً على كل مشاريع التقسيم بشتى أشكالها حيث حدد سماحته رؤيته لهذه المشاريع بقوله: "الحدود المقبولة في تطبيق اللامركزية السياسية والادارية هي وحدة لبنان وعروبته.. وأن المنطق الخاطئ هو اعتباره بلداً منعزلاً معلقا في الهواء خارجاً من صلب ذاته لا قرار له ولا جوار.. معتبراً أن حل المشكلة اللبنانية أصبح مرهوناً بتحديد المواقع من العدو الإسرائيلي".. قناعات، سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية المغفور له الشيخ حسن خالد وثباتها ورؤياه الموضوعية وفهمه العميق والدقيق ومن موقع المسؤولية لتلك الحرب المتفجرة الدامية رسم خطوط الحوار والمواجهة، فاستقبل الموفد البابوي الكاردينال برتولي في 11/11/75 حيث لخص وجهة نظره المسؤولة: "... ان الإصرار على الامتيازات الطائفية المارونية هو تهديم لصيغة التعايش.. ان الصيغة الحالية ليست صيغة تعايش إنما صيغة تمايز ونحن نريد الانتقال منها إلى صيغة التعايش الإسلامي المسيحي الحقيقي المبنية على أساس المساواة بين المواطنين وهذا لا يكون إلا ببناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي يتساوى فيها الجميع على أساس المبادئ الإنسانية في الحقوق كما في الواجبات..." وإذ شهدت العاصمة اللبنانية في العام 1975 تاريخ تفجر الصراع الدامي عدداً كبيراً من الموفدين والمبعوثين والوسطاء كلها كانت على موعد مع المفتي الذي كان يعرض للأزمة وحلولها بالحوار بنفس المنطق والأسلوب والموقف الواحد المسؤول. عند استقباله مبعوث الرئيس الفرنسي ديستان، كف دي مورفيل وهو الخبير في الشؤون اللبنانية والصديق للبنان ورئيس وزراء سابق في 22/11/75 عرض الموقف: "... إن الصراع القائم على الأرض اللبنانية هو بين فئتين. فئة قليلة ولكنها مع الأسف احتكرت لنفسها كل الامتيازات والسلطة رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الشورى، قيادة الجيش، رئاسة القضاء، رئاسة الأحوال الشخصية والإحصاء، مديرية الأمن العام والمخابرات. وشاءت هذه القلة أن يكون لبنان بما فيه لها وحدها من خلال هذه السلطة. وفئة أخرى مسلمة ومسيحية ظلت منذ عهد الانتداب ومروراً بعهد الاستقلال وحتى الآن محكومة لهذه القلة، وبقيت هذه الكثرة من المسلمين والمسيحيين ساكتة مراعاة وحرصا على الأخوة الوطنية وضناً بالصف الوطني أن يتصدع وآملاً أن تدرك هذه القلة الحاكمة حق الفئة الكبيرة فتستجيب لها ولحقها بالحوار والحسنى والمنطق لتحقيق المساواة والعدالة بين سائر المواطنين.. غير أن استمرار هذه الفئة بتمسكها بمقدرات السلطة والامتيازات هو الذي فجر هذا الصراع..." وعن المطالب الإسلامية، لخصها سماحته: "... المشاركة في الحكم، تعديل الدستور، إلغاء الطائفية، تعديل نظام الجيش، الإحصاء العام، وضع قانون الجنسية وإعطاء الجنسية للمحرومين منها من اللبنانيين ـ عرب وادي خالد ـ تطوير التعليم.. مواقف الشيخ حسن خالد من الأزمة اللبنانية والنظام والإصلاح السياسي كانت متلاصقة ومترابطة ومتناسقة وما قدمناه يرسم الإطار العام لمواقفه منها.. الغزو الإسرائيلي لقد ربط سماحته بين الأزمة اللبنانية والصراع العربي الإسرائيلي، لأنه يدرك أبعاد المخطط الإسرائيلي بإقامة كيانات طائفية تفتت المنطقة العربية. ولبنان الشديد الحساسية بتكوينه الفسيفسائي شكل نقطة الضعف الأولى في الجسم العربي ينفذ منها المشروع الصهيوني.. لذلك كان يحذر باستمرار من الاجتياح الإسرائيلي وقبل حدوثه في حزيران 1982 بقوله: "ان العدوان الإسرائيلي الذي يتعرض له الجنوب سوف يطال بيروت إذا لم يبادر اللبنانيون ويقفوا صفاً واحداً في وجه الخطر الصهيوني...". |