مفتي الجمهورية يواجه المبعوث الأميركي بأسباب الحرب الأهلية استقالة فرنجية لا بد منها للبدء بتنفيذ الإصلاحات السياسية في لقاء صريح استمر لمدة ساعتين بمنزله في عرمون استقبل سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد الموفد الأميركي السيد دين براون، أمس، في منزله بعرمون لمدة ساعتين، أعلن بعدها أن المباحثات تناولت أسباب الأزمة الحاضرة ووسائل الخروج منها، وقال سماحة المفتي لقد بدى لي من الموفد الأمريكي التفهم الدقيق لذلك، كما أبدى حرصه ورغبته الأكيدين ليتحقق للبنان أمنه واستقراره ووحدته وتعود إليه أجواءه الطبيعية في أسرع ما يمكن من الوقت كما كنت في حديثي معه صريحاً وواضحاً كل الوضوح حيث نقلت إليه أحاسيس المواطنين الصحيحة وأمانيهم وتطلعاتهم المستقبلية وأني أمل كل الأمل في أن يخفف الله عن لبنان ما هو فيه من شدة وأن يفرج الكرب عنه ويحقق للمواطنين ما ينشدونه من حق وعدالة ومساواة ومن تطوير كفيل بتحقيق الأماني الوطنية المنشودة. هذا وقد أذاعت دار الفتوى محضر الاجتماع وهو على النحو التالي: المفتي – نرحب به وبمن يمثل في لبنان الوطن العربي الذي نعتز به جميعا. براون: كنا في الولايات المتحدة ومعنا كثير من اللبنانيين ورأينا في التلفزيون المأساة اللبنانية. المفتي: نرحب بالسيد براون فضلاً عن تمثيله لفورد نرحب به ايضاً لأنه خبير في قضايا الشرق الأوسط، ورئيس لمعهد الشرق الأوسط ومعرفته هذه تسعدنا أن نكون معه على أمل لتحقيق الخير الكثير لهذا البلد.
براون: أعتقد أنه بإمكاننا ان نساعد بالحل، ولكن اعتقد ان السلم ينبغي أن يأتي من القلب من الداخل، وأهل البلاد أجدر بذلك .
المفتي: اعتقد أننا نتفقوا مع السيد براون ولكن نتمنى في هذا الوقت العصيب ان تعيش البلاد العربية كلها بعيدة عن المؤثرات الأجنبية.
براون:إن هذا بنظري أنسب وقت لذلك أولاً لأن هناك نهضة ثقافية وسياسية عربية، ولذلك من المؤسف أن تحصل حوادث تضع هذا التفتح العربي في خطر.
المفتي: هذا اتجاه المخلصين دائماً ولكن عندما نجد التدخلات في البلاد العربية لا بد من إبداء الأسف حقاً. وأحب أن أقول له بصفته شخصية عالمية عاشت في الشرق الأوسط، إنه لا بد مضطلع على الحضارة العربية والإسلامية وهو يعلم كيف أن الإسلام كان يعيش في تسامح، يحتضن جميع الفئات والأديان التي تحالفه ويعيش معها في محبة وتعاون وسلام.
إنما حصل في الفترة الأخيرة في الوطن العربي من ظروف صعبة وقاسية، حيث يصبح المسلمون والمسيحيون خصوصاً في لبنان من مطلع النهضة العربية يعيشون كشعب واحد لا فرق بين مواطن وآخر. ولكن مع الأسف بدل أن تتقدم هذه التيارات العربية والوطنية، اصطدمت مع الأسف مع اتجاهات الدولة الفرنسية المنتدبة التي بدأت بالتفرقة بين المسلمين والمسيحيين وتعاملهم على أساس التفرقة لا على أساس الجمع.
والملاحظ أن الدليل على ذلك أنه في آخر الحكم العثماني، علق على المشانق مسلمون ومسيحيون كانوا يسعون إلى هذه الاتجاهات العربية الوطنية التوحيدية، ولكن المستعمر عندما جاء بدأ التفرقة على أساس الدين، بل على أساس الطائفة.
براون: كل السياسات الاستعمارية أميركية، اميركية أم فرنسية أم انكليزية، اتبعت سياسة التفرقة، وإعطاء الامتيازات للقلة، وهذا موقف سياسي خاطئ وغير إنساني.
المفتي: تماما هكذا فعل المستعمر الفرنسي، أعطى امتيازات للموارنة المسيحيين وعمقوا التفرقة بين المواطنين على أساس خلق روح التحاسد الطائفي، فإذا بالمكاسب الوطنية التي نشأت مع مطلع النهضة تنحسر شيئاً فشيئاً.. الحاكم الفرنسي قسم البلاد العربية وهو يريد الاستمرار بالتقسيم، دولة سنية، شيعية، مارونية، الخ...
إننا بالروح نفسها في عصر النهضة نقول أننا نرفض التقسيم في هذا البلد الصغير الذي لا يتحمل موضوعاً بهذا الشكل وعلى الأخص إذا كنا ننظر إلى البلاد العربية من المحيط الى الخليج على أنها بلد واحد.
مع الأسف الحكم الفرنسي أورثنا مرض امتياز الطوائف الذي قسّم حكم اللبناني وطنيا وصرف الوطنيين عن بناء الوطن، من ناحية، في الوقت الذي قام فيه الاستعمار الدولي في خلق الكيان الإسرائيلي في فلسطين.
هذه المشكلة الإسرائيلية لم تكن قصراً على الفلسطينيين، ولكن امتدت إلى لبنان، إن الوجود الإسرائيلي أدى إلى الوجود الفلسطيني في لبنان، بتشرد أولاً ثم بتنظيم وبشكل مسلح بعد ذلك ليدافعوا عن أنفسهم أمام إسرائيل.
براون: إنني موافق بتأثير العامل الفلسطيني، وجود دولتين يخلق صعوبات كثيراً..
المفتي: ليس العامل الفلسطيني هو السبب إنني أتكلم بوضوح أنه العامل الإسرائيلي هو السبب في وجود الفلسطينيين في لبنان، وفي وجودهم المسلح.
أنا لا أحب أن أنسى أن سعادة السفير يدرك هذه الحقائق كلها، ولكن أريد أن أسجل حقيقة المسؤولية الإسرائيلية، مسؤولية الوجود الإسرائيلي في هذه الأزمة إذا أمكنني أن ألخص القول:
1- إساءة المستعمر الفرنسي عندما دخل إلى لبنان بإحداث النظام الطائفي ضد الوطنية. 2- تعميق الامتيازات الطائفية. 3- الوجود الإسرائيلي الذي ترتب عليه التشرد الفلسطيني وتواجده في لبنان. 4- حكم سليمان فرنجية الذي ساس البلد بشكل سيء ومستغل وجعل من لبنان كله زغرتا كبيرة.
براون: كلنا نوافق على أنه ما لم تحل مشكلة فلسطين حلاً عادلاً يرضي الفلسطينيين فالدول العربية تجد نفسها في حالة توتر مع حرصنا على ذلك لا نستطيع أن نقول ان الحل قريب – لذلك فمشكلة لبنان نرج أو تنتظر هذا الحل. هناك عمل عاجل، وأمل أن نجد الطريقة في الأسابيع المقبلة، لحل المشاكل اللبنانية.
المفتي: نحن لا نقول لا بد من حل القضية الفلسطينية أولاً... طبعاً لا.. ولكن أحب أن أقول أن أميركا كشعب يحمل شعار الحرية – تمثال الحرية – أنا استغرب وأتساءل: أميركا الشعب الحر الأبي الذي يرغب أن يكون شعباً عادلاً ويرغب أن تكون الشعوب الإنسانية مثلها – أتساءل لماذا تقف أميركا الدولة في وجه قرار الأمم المتحدة في مجلس الأمن في الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية المطالبة بحرية الشعب الفلسطيني، وتضع الفيتو على هذا القرار. ولكن أحب أن أقول استطراداً أنني مع الموافقة على ما قال.. أعتقد بأن تأجيل الحل الفلسطيني مع تعجيل الحل اللبناني لن يريح أحداً – اللبنانيون والعرب والعالم – ما دام هناك فلسطينيون يشعرون بأنهم مسلوبو الحقوق أرضاً وحضارة ورزقا.. لذلك أرجو أن نعمل بسرعة على حل المسألة الفلسطينية حلاً عادلاً..
لذلك فأنا اعتقد أن من مستلزمات النظرية الأميركية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة تناضل من أجل حرية الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة. وهذا يساعد على تحقيق السلام ليس في لبنان ولا في المنطقة فقط وإنما في العالم بأسره. أنا أحب أن أقول لا على سبيل التحدي وإنما على سبيل تقرير الواقع، هو أن الشعب العربي كالشعب الأميركي، يرفض أن يكون ذليلا، ومقهورا، لذلك فإن الشعب العربي كله إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني، سيقاتل، كما قاتل الصليبيين لاستعادة حقوقه، لا سيما في هذا الوقت الذي أصبحت فيه حقوق الإنسان شيئاً بديهيا في العالم أجمع.
براون: إنني لا استطيع أن أقول شيئاً بالتعجيل في الحل الفلسطيني، لأنني لست بالوضع المساعد، ولكن أؤكد أننا سنة 67 وصفنا الفلسطينيين بأنهم لاجئون ولكن هذه السنة جلسوا في مجلس الأمن على قدم المساواة مع باقي الدول، وما يحدث اليوم في لبنان هو إشارة للعالم كله بوجود شعب فلسطيني وقضية فلسطينية، ولا أحد ينكر أن على الفلسطينيين دورهم في لبنان وعلى الأخص دورهم الايجابي في وقف إطلاق النار. في الولايات المتحدة منذ 5 سنوات لم يكن موجود هيئة أميركية للدفاع عن العرب ولكن العرب الساكنين في أميركا قابلوا الرئيس لدعم القضية الفلسطينية، الأميركيان الذين هم من أصل عربي اتحدوا اليوم مع بعضهم وأصبحوا مؤثرين في السياسة الأميركية وفي التحدث والتفاوض مع المسؤولين الأميركيين، وهذا شيء مهم، لأنه ارتفع صوت عربي من داخل أميركا، ولكن مع الأسف جهود الدول العربية والجامعة العربية في الماضي كانت محدودة، وهذا جزء تعيس من القضية الفلسطينية - أحب أن أسأل سماحتكم إذا كنتم تلاحظون إجماعا وطنيا حول رئيس يمكن أن يعيد بناء لبنان هل في اعتقادك هناك اتجاه على شخص معين.
المفتي: لا يمكن إعطاء الجواب المطلوب كما تريده باعتبار لا بد من خطوات، الانتخابات، انعقاد المجلس، تعديل الدستور، فتح الباب، لا شك أن الرأي السياسي لا بد أن يتبلور حول الرئيس هناك عدة مرشحين منهم المتطرف، ومنهم المعتدل، وأعتقد أنه ليس من المستحيل الوصول إلى الإجماع، أو شبه الإجماع، على رئيس يحقق المطالب الإصلاحية إذا وجدنا الرجل العصري المعتدل الذي يفهم في الأماني الوطنية، الفاهم في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية، لا بد بأن الجميع سوف يلتفون حوله. هنا أحب أن أوضح نقطة هي الأماني التي يتطلع إليها الشعب.
- الشعب يرغب في تعديل الدستور تعديلا يضمن إلغاء الطائفية السياسية، التي مزقت الشعب ومزقت بين أبنائه.
- وتعديل الدستور يساعد على تطوير الأنظمة، إننا نعيش في ظلال دستور موضوع عام 1875 لا بد من تطوير الدستور، وضع حاجات الشعب العصرية والمستقبلية وإلا نحن نبقى حيث نحن جامدين.
نحن حريصون مع ذلك على مقوماتنا الدينية، والتشريعية الإسلامية التي أعطانا إياها القانون، والتعليم الديني وكل ما يعزز المؤسسات الدينية ورسالتها التوحيدية والأخلاقية، ونحن نرفض أي أمر يضعف هذه الأماني بأي شكل من الأشكال. والحقيقة هذا الشيء هو الذي يضمن لنا الوصول حكم ديمقراطي يتساوى فيه جميع المواطنين في ظل العدالة. لا بد إذن من خطوتين.
- لا بد من استقالة فرنجية للبدء في الإصلاح.
- لا بد من تسجيل شكر للمبادرات العربية كلها وخصوصا موقف سوريا التي بذلت كل الجهود وبكل إخلاص من أجل إحلال السلام، وأعتقد أنه لا يمكن الوصول إلى أي حل إلا باستمرار الجهود السورية الصادقة.
براون: أستطيع أن أؤكد أننا قدمنا نفس الملاحظة للرئيس الأسد ليستمر في الجهود السورية لإحلال السلام في لبنان. إنني أقدر كثيراً مواصفات الرئيس التي وضعتها سماحتكم، ولكن لا بد من سؤال: هل يمكن للقيادات اللبنانية أن تجتمع مع بعضها وتتفق على برنامج للمستقبل وتقول للرئيس المنتظر، أنه هذا هو البرنامج الذي اتفقنا عليه، ويعطي له، ويعمل في سبيل تنفيذه.
المفتي: نشكر سعادته على اتفاقه معنا، ونقول أنه مما يسهل مهمات الرئيس المقبل هي أن تجتمع القيادات بالفعل وتضع البرنامج، ولكن يمكن القول أنه تم اجتماعات بين القيادات فعلاً، ووضعت بيانات للرؤية المستقبلية، قمة عرمون فعلت ذلك، القوى الوطنية فعلت أيضاً، وقوى أخرى فعلت، ولكن على كل حال كل هذه القوى تتفق على الأسس العامة للإصلاح، وأصبح هذا الإصلاح واضحاً، فلا بد من الأخذ به من قبل الرئيس، وعلى كل حال ما زالت البرامج وتختار البرنامج الأصلح، على كل حال هناك مبادئ عامة للإصلاح ذكرتها لكم ويتفق معنا فيها أكثر المواطنين ويمكن أن تكون أساساً للإصلاح، نحن كان لنا برنامج اتفقنا فيه مع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتنص نقاطه الأساسية على ما يلي:
1- إلغاء الطائفية السياسية. 2- تطوير الأنظمة – تعديلها بحيث تضمن المساواة. 3- تطوير الأنظمة المالية والاجتماعية – إنشاء مجلس للفعاليات الاقتصادية. 4- جعل التعليم الديني إلزاميا والمحافظة على المؤسسات الدينية. 5- إنشاء المحكمة الدستورية. وعلى كل حال أظنكم استلمتم نسخة عن بالأمس. براون: تعديل الدستور هل هو مطالبة أم هناك مشروع بديل.
المفتي: نحن يهمنا تعديل الدستور لجهة:
- إلغاء الطائفية. - بحيث يحرص على ذكر أن لبنان جزء من الأمة العربية بحيث يضمن الحكم الديمقراطي الصحيح لتحقيق النظام الرئاسي وتحديد صلاحيات الرئيس، واستقلال السلطات... وإنشاء المحكمة الدستورية. - وعلى كل حال هناك تعديلات جاهزة اهتمت فيها الاحزاب والشخصيات السياسية يمكنكم الرجوع الى تفصيلاتها عندهم.
براون: لا مؤاخذة أخذنا من وقتكم الكثير..
المفتي: أهلاً بكم.
براون: مطالبتكم بالدستور على أن لبنان جزء من الأمة العربية كيف تصورك لهذا الأمر، وهل يعني ذلك إلغاء الميثاق الوطني؟
المفتي: الميثاق الوطني: هو ميثاق بين طرفين في ظل الانتداب الفرنسي – في هذه الفترة كان الوطنيون يريدون الخلاص من الأجنبي فكان لا بد من الاتفاق السريع والخلاص بشيءٍ مرحلي فكان الميثاق الشفوي مبنياً على نقطتين، تخلي المسيحيين عن الحماية، وتخلي المسلمين عن الوحدة العربية.
وعندما نطالب بأن يكون لبنان جزءاً من الأمة العربية فليس هذا أننا نريد إلغاء الاستقلال والسيادة، بل نصر على سيادة لبنان العربي واستقلاله وإذا كنا نتطلع إلى الوحدة العربية فنحن لا نريدها على الإطلاق بإجماع اللبنانيين كلهم حتى آخر لبنان.. هذا من ناحية الوضع السياسي، ولكن من ناحية الوضع القومي والتراثي، فأنا وغبطة البطريرك الماروني، نتكلم العربية ولنا تاريخنا العربي، ولنا تطلعاتنا العربية المشتركة ولنا آلامنا وآمالنا ولنا وحدة مصيرنا، فهذا واقع لا بد من ذكره في الدستور.. فلماذا تجاهله..
براون: بوصفي موجوداً معكم لا بد لي من اعتراف بذلك، ولكن الفريق الآخر يتساءل لماذا الإصرار على تسجيل هذه الحقيقة وهم يعارضون تسجيلها سيما وأنها حقيقة لها نتائجها الأساسية.
المفتي: لا بد من ذكر الميثاق، هناك ظاهرة أننا في الميثاق سجلنا أن لبنان عربي وأنه مستقل، وهذا ما نريد أن نحققه وهذا ما وافق عليه الطرف الاخر في الميثاق..
فلماذا ينكرونه الآن ويرفضون تسجيله في الدستور... فكيف يمكن لبنان أن يكون ذا وجهٍ عربي وروحٍ غير عربية. هذا غير مقبول عربياً، عندما تطلق الصفة الجزء يعني بها الكل.
براون: أشكر سماحتكم على هذا اللقاء الحار وعلى هذا الوضوح والصراحة التي تحدثتم بها، وأعبر عن رجائي أن لا يكون لكم مجرد دور، وإنما دورٌ قياديٌ في عودة لبنان إلى حالته الطبيعية.
المفتي: نرحب بالسفير والوفد ونحن سعداء بذلك، يسرنا بصفته التي يحملها قد اجتهد ليساعد على تحقيق السلام. ونؤكد له أن مهمتنا أن نعمل بكل طاقتنا على احترام إنسانية اللبناني وتوحيد لبنان بإذن الله. قام بالترجمة الدكتور حسن صعب كما سجل المحضر المدير العام لشؤون الإفتاء حسين القوتلي. |