اللقاء الإسلامي الشامل احتفاءً بمطلع القرن الخامس عشر للهجرة. تظاهرة إسلامية ووطنية تدعو لتوحدي اللبنانيين بسم الله الرحمن الرحيم اللقاء الإسلامي الشامل الذي أقيم في الأونيسكو بدعوة من اللجنة العليا لاحتفالات القرن الخامس عشر الهجري تحول إلى تظاهرة إسلامية ووطنية تدعو لتعزيز وحدة الصف الإسلامي والعمل على إعادة توحيد لبنان الوطن والأرض والشعب. وتحدث في هذا اللقاء الإسلامي الكبير كل من : سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، سماحة شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ محمد أبو شقرا، المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الرئيس صائب سلام، ورئيس الحكومة الدكتور سليم الحص الذي اختتم اللقاء، وقد ألقى الدكتور الشيخ صبحي الصالح كلمة اللجنة العليا لاحتفالات القرن الخامس عشر الهجري بصفة كونه رئيساً للجنة . وقد أثارت الكلمات التي ألقاها الخطباء في اللقاء الإسلامي الشامل ارتياحاً واسعاً في مختلف الأوساط الرسمية والسياسية، نظراً للإجماع الإسلامي الواضح على ضرورة تجاوز الواقع الراهن والانطلاق إلى تحقيق الوفاق السياسي في لبنان، والعودة إلى حياة الإلفة والتفاهم. ************ كلمة سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد أيها الحفل الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإسلام دين واحد، لأنه من إله واحد، ولعل مفهوم الوحدة المستمد من هذا الدين، هو أول المفاهيم التي ينبغي الالتزام بها، والذود عنها، والانطلاق منها، لبناء كل ما نطمح لبنائه، على صعيد إنسانيتنا ومجتمعاتنا ودولنا جميعاً. إننا ونحن نقف على مشارف القرن الخامس عشر للهجرة نتطلع إلى العالم من حولنا، فلا نجد فيه على صعيد المادة، إلا الآلة الصماء تملأ الدنيا، ولا نفع منه، على صعيد المعنى، إلا على المخاوف الهوجاء تفجر النفوس، حتى أصبحت سمة الحضارة العصرية هي التالي: آلة تطحن سعادة الإنسان ومخاوف تحكم علاقات المجتمعات والدول، في الوقت الذي نتطلع فيه إلى الإسلام، من بين هذه الانهيارات والتصدعات الاجتماعية والإنسانية والدولية، فلا نراه إلا صامداً، قوياً متماسكاً، يزداد بريقه يوماً بعد آخر، ويتوهج بانتفاضة الشعوب، انتفاضة بعد أخرى، لا بسبب انحسار الحضارة الغربية فحسب، وإنما بسبب قوة الإسلام الذاتية قبل ذلك، إن جميع المؤشرات السياسية والاجتماعية التي تجري في اعتراف العالم، وفي العالم الإسلامي خاصة، تشير إلى أن نهاية القرن الخامس عشر للهجرة سوف تحمل معها نهاية السيطرة الأجنبية على شعوبنا، كما تشير إلى أن بداية القرن الخامس عشر للهجرة، سوف تحمل، في الوقت نفسه، بدايات التحرر الإسلامي العالمي من كل إشكال التبعية سواء أكان ذلك لعالم الشرق أم لعالم الغرب. إن مرحلة التحول الراهنة إذا كانت على هذه الدرجة من الأهمية، فإنها على الدرجة نفسها من الخطورة، لذلك أن العالم يرقب هذا المد الإسلامي المتزايد من منطلقين، منطلق الدهشة، ومنطلق الحذر، فإن وفق المسلمون، حولوا الدهشة إلى تقدير يؤدي إلى تعاون إنساني ودولي يسهم في تدعيم أسباب السلام، وأن لم يوفقوا حولوا الحذر إلى عداوة تؤدي إلى مصادمة بين الدول والشعوب وتسهم في إشعال نيران الفتن والحروب. أيها الأخوة، إن مرحلة التحول هذه تحمل نوعين من التحديات تواجه مسيرة أمتنا : أولهما التحديات المنبثقة من داخل الأمة، وثانيهما، التحديات الوافدة عليها من الخارج، أما التحديات الأولى فهي التي تتلخص بما يمكن أن نسميه بمشكلة بعد المسافة ، فهناك بعد في المسافة بين الإسلام والمسلمين، وبعد في المسافة بين المسلمين أنفسهم، وبعد في المسافة بين نظم الحكم الإسلامية، وبعد في المسافة بين جوانب الفهم الإسلامي لمعظم ما يتصل بشؤون المجتمع والحياة، وبعد في المسافة بين الثروة المادية الإسلامية والثروة الدينية الإسلامية، إن مشكلة البعد في المسافة على هذه الصعد جميعاً لم تستتبع فقط خللاً في التوازنات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في داخل الأمة الإسلامية، إنما استتبعت أيضاً اختراقاً سهلاً لكيان هذه الأمة من قبل كل القوى المعادية للمسلمين، والطامعة في ثرواتهم، والعاملة بلا كلل على بسط السيطرة في مناطقهم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صاحب الذكرى، يتنبأ بهذه التحديات في داخل الأمة عندما يقول (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال: لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل وما الوهن يا رسول الله، قال: حب الدنيا وكراهية الموت). أما التحديات الثانية فهي ما يمكن أن نسميه بتحديات التغريب، التي تلح على الأمة لتجعلها خاضعة للسيطرة الغربية عنها، والدخيلة عليها سواء أكنت تياراتها الشرقية أم غربية، اقتصادية أم سياسية أم فكرية أم اجتماعية،مما أفقد هذه الأمة هويتها، وشوه شخصيتها وأسقطها في مدارك الغفلة والضياع، وليست قضية الوفاق الدولي إلا صيغة من صيغ تقاسم السيطرة على أمتنا وعلى أمم الأرض المستضعفة، إن هذين النوعين من التحديات، هما نوعان متكاملان متساندان متضامنان، يغذي كلاهما الآخر ويغتذي به، مشكلة بعد المسافة بين المسلمين تشجع السيطرة الأجنبية وتغذيها بها، ومشكلة السيطرة الأجنبية تريد من بعد المسافة القائم بين المسلمين وتغذية وتغتذي به، وليس الكيان الصهيوني المزروع في قلب هذه الأمة إلا ثمرة من ثمار السيطرة الدولية على كيانها، كان وما يزال يغذي الكيان الصهيوني كما يغذي شرايين السيطرة الأجنبية ويغتذي بها في الوقت نفسه. أيها السادة، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف لنا هذا الداء قديماً، فإن الله تبارك وتعالى قد أشار إلى الدواء بقوله: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » إن ذلك يعني أن توحيد الله بالعبادة يفترض توحيد الأمة بالإسلام، وليكن واضحاً لدى المسلمين جميعاً أنه ليس في الإسلام اسلامات، فالرب واحد، والكتاب واحد، والرسول واحد، والطريق واحد، هو طريق الحق، والعدالة، والأخوة، والمحبة، والتراحم، والسلام. لقد علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل عندما قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». ونحن أيها المسلمون، إذ ندعو اليوم إلى وحدة تقوم بين المسلمين لا نطمع في حدود قصوى نطمح إليها بقدر ما تكفينا حدود دنيا ننطلق منها، ولعل هذه الحدود، تتركز حول التصدي لما أشرنا إليه من تحديات تواجه الأمة من داخلها،وتحديات تغزو الأمة من خارجها، فنعالج بعد المسافة بين المسلمين بالتقريب في ما بينهم، على أساس من عقيدة إسلامية واحدة، كما نعالج مشكلة تغريب المسلمين برفض السيطرة الأجنبية على أفرادهم ومجتمعاتهم ودولهم على أساس من حركة تحرر إسلامية واحدة. أيها المسلمون، إن هذه الدعوة نوجهها لأنفسنا في لبنان قبل أن نوجهها للمسلمين في أرجاء الأرض، ذلك أن المسلمين في لبنان الذين يقفون مع تعدد مذاهبهم، على خط المواجهة مع دولة العدوان والسيطرة والتحدي ، هم مدعوون قبل غيرهم، وبفعل هذا الواقع الخطير إلى تحطيم كل الفواصل الوهمية القائمة بين المذاهب الإسلامية والتي استفاد منها العدو كثيراً في الماضي ويراهن على الاستفادة منها اليوم، هذه الفواصل التي يسأل عنها التاريخ ولا نسأل نحن عنها وإذا كانت هذه الفواصل مأساة من مآسي الماضي فلا يجوز أن تكون مأساة من مآسي الحاضر ولا المستقبل، إننا من هذا المنطلق أيها المسلمون نتوجه بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية في لبنان، وحدة تنصهر فيها المفاهيم، وتتوحد لها المجالس، وتتداخل معها المؤسسات، على أساس تنظيم الجسم الإسلامي الواحد المبني على شريعة إسلامية واحدة، الهادفة إلى عبادة رب الواحد، تحت شعار إسلامي واحد، هو لا إله إلا الله محمد رسول الله . إن هذه الدعوة أيها المسلمون، الخالصة لوجه الله بإذن الله، سوف تسقط من ا لنفس الإسلامية في لبنان كل مقاييس الأرباح والخسائر، وشهوات المراكز والمناصب، وإقطاعيات المذاهب والطوائف، لتجعل من المسلمين في لبنان وحدة واحدة متراصة لا تدع للعدو منفذاً، ولا تجعل للمتآمر مركزاً، وإننا نعلنها من هنا بأننا مستعدون بإذن الله لتقديم كل ما لدينا من إمكانيات من أجل بداية عمل جدي ومنتج لوحدة إسلامية من هذا القبيل. إننا إذ نطلق هذه الدعوة، نعي تمام الوعي، كما نضع في تصورنا بشكل منسق، إن وحدة المسلمين في لبنان ينبغي أن تنطلق من قاعدة وحدة المواطنين والوطن، إن الوحدة الإسلامية التي ندعو إليها، تريد من إحساسنا بالسعادة في رؤية مواطنينا المسيحيين يسيرون في هذا الاتجاه، ذلك إن هذا التوحيد يهمنا بالقدر الذي تهمنا فيه وحدة اللبنانيين ووحدة لبنان الوطن. وينبغي أن يكون واضحاً لدينا ولدى المواطنين جميعاً أن هذه الدعوة ليست دعوة مقاربة بين المسلمين والمسيحيين، مما توحي به باستمرار مستلزمات وفاق طائفي مفتعل، ذلك إن الوفاق الذي نطمح إليه، هو وفاق السياسة لا وفاق الدين أو الطوائف، في الأديان اقتتلت في لنبان ولا رجال الدين، ولا الطوائف اختلفت ولا رؤساؤها، إنما كان الصراع في لبنان وما زال بين اتجاه سياسي، واتجاه سياسي مقبل، لذلك فإن الوفاق ينبغي أن يولد من طبيعة هذا الصراع إذ ما أردنا لهذا الصراع أن ينتهي إلى الأبد ، أما من جهتنا معشر المسلمين فإننا نعتقد جازمين بأن هذا الأمر محسوم على صعيد الدين بقوله تعالى:« شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ». إن دعوتنا إذن ليست دعوة وفاق طائفي، بقدر ما هي دعوة وفاق سياسي وبناء إيماني نرجو فيها مع تخطي عقبات القرن الرابع عشر للهجرة، أن نتخطى المذهبية الإسلامية بغية وحدة المسلمين، كما نتخطى فيها الطائفية السياسية بغية وحدة المواطنين. إن مطلع القرن الخامس عشر للهجرة إن لم يحمل كل إمكانيات هذا الأمل، وكل حوافز هذه الانطلاقة، ليس في ضياع القرن الرابع عشر للهجرة، وإنما في تفرق القرنين الثاني والثالث للهجرة عندما كثرت الفرق الإسلامية في مواجهة الإسلام والمسلمين وأفرزت كل أساب التفسخ والانهيار والفرقة. إننا على أمل كبير ورجاء بالله عظيم وثقة بإخوتنا في لبنان لا تحد، بأننا سوف نصل بإذن الله، وبالتعاون مع كل القوى إلى ما يحقق للإسلام عزته، وللإيمان نصرته، وللبنان وحدته،وقوته وعزته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. *************** كلمة سماحة الشيخ محمد أبو شقرا ثم ألقى سماحة الشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ محمد أبو شقرا، كلمة قوطعت بالتصفيق والهتاف أكثر من مرة، هذا نصها : بسم الله الرحمن الرحيم يا من له العزة والتمكين، أحمده واستغفره واستعين، يا رب العالمين، وصلى الله على محمد سيد المرسلين، وسلم على آله وصحبه الطاهرين، والسلام على أصحاب السماحة والدولة والأخوة الحاضرين وبعد، فإن نبي الهدى، الذي ولد في مكة المكرمة، عام الفيل، قبل الهجرة بثلاث وخمسين سنة، نشأ يتيماً فقيراً، بكفالة جده عبد المطلب، ومن بعده عمه أبي طالب. رعى الغنم، وتاجر، ولما بلغ الأربعين، بعث ودعا إلى الإيمان بالله الواحد، وحين قال أني رسول الله، قالت أهل مكة أما وجد الله من يرسله إلينا إلا يتيم أبي طالب، ولقي من قومه الكثير من الأذى والاضطهاد. صبر النبي على الشدائد وتجلد، ثم هاجر إلى مدينة يثرب، وبعد ثماني سنين، عاد منها إلى مكة، فاتحاً ولقي وجه ربه وهو في الثالثة والستين. كانت هجرة النبي تضحية خالصة لله، وثورة على الكبت وتحكم الباطل، وكذلك كانت هجرة الذين تركوا لله ديارهم ومساكنهم التي نشأوا فيها، ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال. مضى على تلك الهجرة، التي نحتفل لها أربعة عشر قرناً من الزمان، فبم نحتفل ولماذا؟ حتفل للذكرى والاعتبار وللتنبه للمستقبل. أنزل الله القرآن، دستوراً يرشد العالمين، فعمل الرسول بوحيه، وغير مجرى أحداث الكون، وحطم الوثنية، وقوض بالتوحيد والإيمان، عروش الإلحاد والبغي والظلم، وبسط الأمن والعدل، ورسخ مبادئ الإسلام في أرجاء الأرض. وعلى هدى القرآن نظمت شرائع المسلمين وأمورهم في أقطار المعمور وساد اليتيم الأمي، وانتصر الحق وزهق الباطل. آزر النبي في البدء رهط من الصحابة الأخيار، جابهوا الإلحاد بعدد يسير من الموحدين، فتغلبوا ودانت لهم الممالك، وفتحت الأمصار، وانتهى أمرهم إلى ما انتهى إليه من عزة وسؤود. واليوم، والمسلمون يعدون بمئات الملايين، وطاقاتهم البشرية والمادية لا تحد، ومع هذا فهم مستضعفون ومهددون، ثرواتهم منهوبة،وأرضهم مغصوبة ومقدساتهم وكرامتهم مهانة. ... لماذا؟ ... لأنهم بدلوا تبديلاً... بدلوا العمل بالجدل، وتخلوا عن مجاهدة النفوس، ومالوا إلى الراحة والملذات، وإلى مجاراة المتعصبين أهل الأهواء والبدع الذين بعثروا صفوف الأمة، متسترين وراء اجتهادات الأئمة، فصدعوا الوحدة، وشتتوا الشمل، وباعدوا بين الأهل، وفرقوا كلمة المسلمين، وجعلوا بأسهم بينهم، فذهبت ريحهم، وغلبوا في عقر دارهم، ومهبط وحي رسولهم. وهجروا من مواطنهم، هجرة ليست لله، كهجرة يتيم قريش، بل هجرة العار اللاحق بالعرب والمسلمين. لقد دعانا المصطفى إلى الإلفة وإلى توحيد القلوب،« إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً » ولكن قال : «أن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون، أولئك الذين يفرقون، ويبعثون العصبيات، ويورثون المنازعات والعداوات، نظير من أحدثوا الفتنة الأخيرة في الحرم الشريف. يقول القرآن الكريم «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا». ويقول : «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ». فالمتعصبون الذين يعملون على انقسام الصف، وضرب الوحدة الإسلامية تحت شعارات زائفة، يجب أن ننبذهم وأن نقاومهم كما نقاوم الوباء، لأنهم وباء. ولو أن المسلمين وقفوا عند تعاليم الكتاب المنـزل « ...وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ...». أو أنهم وقفوا عند الحديث الشريف : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده: إني لم أؤمر أن أنقب على قلوب الناس ولا أشق بطونهم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله . أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، لو عرف المسلمون، جميعاً هذا، وعملوا بحقيقة الإسلام، وما دعا إليه، لتفاهموا وتعاونوا وجمعتهم رحابة الإسلام، وأخوة المسلمين، ولكانوا قطعوا الطريق على الدساسين والمتعصبين والأئمة المضلين، وأصبحوا بنعمته «إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ» فعز شأنهم، وصانوا ديارهم، وحفظوا كرامتهم، وقهروا عدوهم، واطمأنوا إلى مستقبلهم. إن الهجرة من مكة، كانت تبرز فيها أعظم معاني التضحية والتصميم، وأقوى مظاهر العزم والإرادة ، فلذلك، وبذلك حقق المهاجرون الانتصار. والهجرة المطلوبة منا اليوم، ليست هجرة الدور والقصور، ولا هجرة الأهل والمصالح، بل هجرة الشهوات والأهواء، هجرة الدسائس والخلافات والأنانيات، هجرة كل ما يحول دون توحيدنا ونهضتنا من الكبوة، ويحول دون التصميم على التحرر من الخضوع والذل. كلنا ننتقد ونشكو، دون فعل«... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...». المطلوب منا أن نصمم، أن نعقد العزم على التضحية، وقد آن لنا أن نستيقظ وأن نصمم. وإذا كنا سنكتفي بهذه الذكرى العظيمة بالخطب في المساجد والمؤسسات وفي تحرير المقالات، ستراً لموقف، أو أداءً لواجب، وينتهي الأمر إلى لا شيء ودون عمل جدي، فمسألة لا تشرف أحداً . جاء في بيان مؤتمر القمة العربي في تونس، إن الأمة العربية التي عقدت العزم على مواجهة التحدي، وعلى النضال في سبيل حقوقها المغتصبة، تدرك تماماً أن الصراع الذي تخوضه ضد الصهيونية إنما هو صراع مصيري، يستوجب ... تجنيد كل الطاقات والإمكانيات ؟ فمتى يا عرب؟ متى؟ وفي كلمة وجهها إلى حجاج البيت الحرام، بالأمس القريب، جلالة الملك خالد، عاهل المملكة العربية السعودية، حفظه الله، قال: يعود الأرض المسلوبة إلى أهلها، وعود القدس الشريف.. وإن الأمة الإسلامية عازمة عزماً أكيداً على استرداد أرضها المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشريف، وإني من خلال كلام جلالته، وقرار مؤتمر القمة العربي، وفي مقدمتها القدس الشريف، وإني من خلال كلام جلالته ، وقرار مؤتمر القمة العربي، وأقوال جميع الملوك والرؤساء العرب، وبكل إخلاص وتقدير واحترام، أتوجه إلى حضرة صاحب الجلالة فأقول: الآمال معقودة عليكم، على قيادة بلادكم المقدسة، تفضل يرعاكم الله، وادع إلى مؤتمر في مكة المكرمة، في مكان منطلق الهجرة، لإقرار ما يجب عمله وكل عربي ومسلم شريف، يؤيدكم، فللإسلام مجدهم وعزتهم، وللعرب ماضيهم وأنفتهم، ولم يستكينوا للذل ولن يرضوا العار. القدس يبقى علينا عاره أبدا أن لم نزله وللأسياف تجويد آمنت بالسيف بعد الله معتصما فالسيف عند أباه الضمي معبود الله أكبر... تفضل يرعاك الله ، بعد القضاء على عصابة المارقين العابثين بالبيت الحرام، تفضل وادع إلى مؤتمر تقر فيه التضحية والجهاد والاستشهاد في سبيل الكرامات والأوطان والمقدسات « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ». فتمادى إسرائيل لم يبق معه مجال لغير التضحية والفداء، ولتكن التضحية خمسة من المائة من المال، وليكن الفداء واحداً من المائة من الرجال، من الرجال المؤمنين بقوله تعالى« فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ». وإني أكفل على الله نصر المؤمنين والله أكبر. أيها اللبنانيون، أيها العرب، أيها المسلمون : قلت وأكرر: إن منظمة الأمم ومجلس الأمن الدولي، تمثيليات لن ينالها منها نفع، والدول المؤثرة في مسيرة شؤون العالم، هي زراعة فتن وتاجرة حرب وسلاح فكيف ننتظر منها خلاصاً؟ أيكون لنا على يدها خلاص؟ أيها الأخوة اللبنانيين ... أقولها للمرة الخمسين، عودوا إلى ضمائركم فيقظوها، واهجروا التطرف والتعنت، وعودوا إلى الشرعية وإلى الألفة والتفاهم، وأنت يا أخي في جنوب لبنان، حقك على العرب،النصرة والدعم الكامل، وقد ظهرت بوادر ذلك في قمة تونس ، وللوطن عليك حق الاحتمال والثبات « فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا».. إلا أن نصر الله قريب، وأنتم أيها الأخوة العرب والمسلمون «إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»، « ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ». لن ينال المجد إلا بالسلاح لن يعود الحق إلا بالكفاح أيها الأخوة الكرام، نحن رجال الله، دعاة خير وسلام، لا دعاة حرب، ولكن للسلام أسس وشروط منها: احترام المقدسات، وصيانة الكرامات، وحفظ الحقوق، وإلا فلا سلام، بل بغي وعدوان، وإذلال ومهانة،وهذا لا نقبله ولا نرتضيه، وليكن ما يكون. الجولة الأخيرة هي للحق، هي لنا ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ****************** كلمة سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين ثم ألقى سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعبى الكلمة التالية: بسم الله الرحمن الرحيم نلج عالم الماضي ونحن جرحى ننزف نيابة عن كل العرب في لبنان كله، وفي جنوبه الذي يجتاز الآن أعظم أيامه شرفاً وأشدها مرارة، حيث يتشبث اللبناني بوجوده في الأرض المهتزة من حوله وتحت قدميه أمام عدوان الصهيونية ومؤامرة التوطين، وحيث يبحث الفلسطيني فيه عن منفذ إلى ضمير العالم يقوده إلى أرضه... أرضنا... أرض الله فلسطين، جرحى ننزف في فلسطين كلها، وفي الضفة منها حيث يتشبث الفلسطيني بوجوده في الأرض أمام طغيان الصهيونية وعمليات التهجير ... جرحى ننزف في إيران حيث يتملص الإسلام من قيوده ليواجه الطغيان باللحم العاري والله أكبر... جرحى ننزف في أفغانستان ... في اريتريا... والفيليبين... جرحى ننزف في كل مكان حيث يتخذ الله منا شهداء يجعلون لوجودنا معنى في الحاضر.ويعيدون للإسلام دوره في عالمنا. نلج عالم الماضي لنشهد قبل أربعة عشر قرناً من عمر الدنيا وعمر الإنسان فيها ختام دورة من دورات الوجود البشري في هذا العالم وبداية دورة جديدة بالإسلام الذي تضمن مقاييس جديدة لتكامل وارتقاء الإنسان. وقد عبرت السنة النبوية عن هذه الحقيقة الكونية في نص نادر من نصوصها مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد فيه «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض». وقد أنتج هذا النظام العالمي الأخلاقي الجديد نموذجاً جديداً للإنسان المتكامل الذي توحدت فيه المادة والروح، والحياة السعيدة في الدنيا مع رضوان الله في الآخرة وحلت في هذا النظام جميع التناقضات التي كانت تمزق الوجود الإنساني على الصعيد الفردي والاجتماعي. هذه الدورة الجديدة من دورات الوجود البشري شهدت ذروة انتصارات الإنسان المسلم في الطبيعة وفي المجتمع حينما كان يعيش الإسلام الحي ويتحرك به ومن خلاله، وبهذا النمط من الحياة تكونت حضارته العظيمة بإنسانيتها وقوتها وأخلاقيتها حيث كانت احدى أشد معادلاتها رسوخاً معادلة: الرحمة مع القوة المحبة مع القوة العدالة مع القوة. كما شهدت هذه الدورة أدنى دركات انحطاط المسلم حين انفصل عن روح الإسلام البانية المحركة، وتمسك من الإسلام بالشكل وحده، وعاد إلى القيم الجاهلية، في علاقاته الاجتماعية، واعتنق القيم السحرية في تعامله مع الطبيعة، ودخل العصور الحديثة وهو على هذا الحال: مسلم الشكل جاهلي العلاقات سحري الحياة وهذا ما جعله موضوعاً صالحاً للاستعمار. لقد شهد القرن الرابع عشر الهجري ذروة تسلط الاستعمار القديم على العالم الإسلامي، كما شهد انحسار مظاهر هذا الاستعمار من معظم أنحائه ليحل محله بشكل أو آخر الاستعمار الجديد متمثلاً في عدة مظاهر في السياسة، وتجارة المواد الأولية والجغرافيا ومتمثلاً في عالمنا العربي إضافة غلى ذلك كله في اعتى مظاهرة وهو الوجود الصهيوني في فلسطين، هذا الوجود العنصري العدواني الذي هو مشروع استعماري عالمي أفرزته القوى الكبرى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويستمد مقومات وجوده واستمراره من انحطاط الإنسان المسلم من جهة، ومن تكالب القوى الكبرى عليه من جهة أخرى. وها نحن عشية قرن هجري جديد نرى المسلمين يتابعون حياتهم في حالة انفصام عن القيم المحركة في الإسلام، هذه القيم التي تقضي عليهم بأن يكونوا متحدين وأقوياء غلى جانب كونهم أخلاقيين، وهذا ما جعلهم موضوعاً قابلاً للاستعمار، ومن قم لفقد ذاتيتهم التي جعلهم الله بها خير أمة أخرجت للناس. كما أننا في نهاية قرن ميلادي ينصرم نرى المسيحيين في العالم الغربي يعيشون في حالة انفصام عن دينهم وعداء لقيمه الأخلاقية بانين حياتهم وحياة العالم من حولهم وفقاً لقيم حضارة فاوستية تقوم على المادية والحيوانية وروح العدوان وهذا ما جعل الإنسان العربي ذا نزعة استعمارية فقد معها إنسانيته وحملته على أن يمارس أشنع أنواع الظلم ضد لإنسان العالم الثالث. بين هذا الواقع الإسلامي، وهذا الواقع المسيحي الغربي ما تفعل النخبة الواعية المؤمنة، نخبة الفكر والسياسة في العالم الإسلامي والعربي وفي لبنان بالذات؟ إن هذه الدورة الجيدة والأخيرة من دورات الوجود البشري لم تنته، ولم تنته دور المسلم فيها، فلا تزال مقوماتها موجودة بالإسلام ولا تزال أداتها موجودة بالمسلم. إن القيم الأساسية البانية والمحركة في الإسلام لا تزال موجودة وستبقى وأعظمها مبدأ التوحيد الذي يتخلل البناء الإسلامي كله في أعظم خطوطه وأدق تفاصيله، التوحيد في العبادة والوحدة في الحياة والوحدة في المجتمع. وقد بدأ سقوط المسلم وانطفاؤه حين فقد وحدته الداخلية فسقط في الترف أو في الصوفية المنحرفة والزهد المرضي، وفقد وحدته المجتمعية فسقط في الطائفية والفئوية والعنصرية... وكلها تعبيرات عن الروح الجاهلية القبلية. وبذلك خالف قول الله تعالى في سورة الأنبياء المكية « إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ». وخالف قول الله تعالى « وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ » وخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) خالف كل هذا فسقط في الفرقة، وسقط في الفتنة، وكانت عاقبة ذلك أعظم الشرور على نفسه، وعلى العالم الذي فقد بتوقف الإسلام عن الفعل ضميره الأخلاقي. إن هذه الوحدة الإسلامية التي لا تتبع من السياسة وإنما تنبع من العقيدة وتتجسد في السياسة هي ما يجب أن نحرص عليه بين المسلمين وفي لبنان وأن يتذكر كل منا دائماً أمر الله ورسوله وأهل بيته الكرام سلام الله عليهم أجمعين... وهذه الوحدة الإسلامية هي ما يجب أن نسعى إلى غرسه في العقول والقلوب والضمائر في العالم الإسلامي. في نطاق هذه الوحدة تبعث قيم الإسلام ليعود المسلم بها ومن خلالها إلى حركة التاريخ، ويستعيد دوره في صنع التاريخ: تاريخه وتاريخ العالم من حوله. هل تكون وحدة الإسلام وإتحاد المسلمين وحدة ضد العالم؟ كلا بالتأكيد، إن المسلم إذ يستعيد دوره في صنع التاريخ فإنما ذلك يتعاون مع قوى الإيمان الأخرى في تصحيح مسار الحضارة الإنسانية، ويقدم مع قوى الإيمان الأخرى بديلاً أخلاقياً عن الحضارة الفاوستية القائمة على المادية والحيوانية وردح العدوان. وبذلك تكون وحدة عظمى في نطاق وحدة الإيمان الديني الكبرى التي ربما كانت معنية في قوله تعالى في سورة المؤمنون « يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ». وهذا ما يعيدنا إلى لبنان لنرى فيه المسيحية التي يجب أن تمثل الضمير الحي لمسيحي العالم الغربي الذين فقدوا إيمانهم فتحولوا إلى استعماريين،وتعود بهم إلى دائرة الإيمان الحي وبذلك تعيد إليهم إنسانيتهم الضائعة، ويجب أن تمثل الشريك الفعال لمسلمي لبنان من اجل إعادة بناء الوطن اللبناني والدولة اللبنانية لجميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين على أساس قيم الإيمان الأخلاقية الكبرى في المسيحية والإسلام. وبعد، قبل أن أفارق هذا المنبر أحمل سؤلاً إلى قلوبكم وإلى ضمائركم أيها المسلمون وأيها العرب: أين الإمام موسى الصدر ورفيقاه الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين؟ لقد كان يجب أن يكون الإمام الصدر هو الذي يقف على هذا المنبر الآن، فأين هو؟ وما حاله ومصيره؟ وهل من العروبة في شيء؟ وهل من الأخلاقية الإنسانية في شيء أن ينزل بالإمام الصدر ورفيقيه ما نزل من إخفاء وغموض مصير؟ إنني أدعوكم، ومن يسمعني، ومن يبلغه كلامي، إلى وقفة تأمل ومواجهة مع الضمير بالنسبة إلى مسؤولية الجميع في قضية الإمام الصدر ورفيقيه، متذكرين قول رسول الله ( ان كل مسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |