لقاء القمة الروحي، بين الرؤساء الروحيين للطوائف الإسلامية في لبنان، والموفد البابوي، اتسم بالمصارحة الكاملة حيال الأزمة اللبنانية. وضم اللقاء الذي عقد في دار الطائفة الدرزية بعد ظهر أمس، سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، سماحة الإمام السيد موسى الصدر، سماحة شيخ العقل الشيخ محمد أبو شقرا، ونيافة الكاردينال باولو برتولي موفد قداسة البابا بولس السادس، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور الفريدو برونييرا.
وقد أبلغ أصحاب السماحة الموفد البابوي أن حل الأزمة اللبنانية يكمن في إلغاء الطائفية السياسية وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع فئات المواطنين.
وقال مفتي الجمهورية أنه يجب تعديل الدستور والأنظمة والقوانين الانتخابية التي تكرس التمايز. ووصف النظام الحالي بأنه شبيه بنظام الأقلية البيضاء في روديسيا، وإن سلطات رئيس الجمهورية لا يتمتع بها إلا الرئيس الإفريقي عيدي أمين.
في لقاء دار الطائفة الدرزية: الرؤساء الروحيون للطوائف الإسلامية يبلغون الموفد البابوي أن حل الأزمة يكمن في إلغاء الطائفية السياسية وتحقيق العدالة والمساواة.
أبلغ أصحاب السماحة رؤساء الطوائف الإسلامية الموفد البابوي نيافة الكاردينال باولو بارتولي أن إلغاء الطائفية السياسية وتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين، وترسيخ التعايش الأخوي على أسس إنسانية وديمقراطية، هو السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان من المحنة التي عصفت به أخيراً.
وشرح أصحاب السماحة للموفد البابوي والوفد المرافق له خلال اللقاء الذي تم بينهم بعد ظهر أمس في بيت الطائفة الدرزية، أسباب الأزمة، وإن الخلاف والقتال كانا بين فئة تحبذ التعايش في ظل المبادئ الإنسانية والديمقراطية والمساواة، وفئة تتمسك بالامتياز الطائفي وغالبيتها من الساسة المسيحيين الموارنة.
ورد نيافة الكاردينال برتولي أن الحل للأزمة بيد اللبنانيين أنفسهم، "وينبغي أن تحل كل المشاكل بالحوار الذي يجب نبدأ به فوراً وأن نلقي السلاح".
وكان اللقاء قد بدأ في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر أمس، وحضره نيافة الكاردينال باولو برتولي والوفد المرافق له والسفير البابوي في لبنان المونسنيور الفريدو برونييرا، وسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالدو سماحة الإمام السيد موسى الصدر، وسماحة شيخ العقل الشيخ محمد أبو شقرا، وفضيلة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والدكتور حسن صعب والأستاذ حسين القوتلي مدير عام شؤون الإفتاء، والمحامي محسن سليم.
محضر الاجتماع
استهل سماحة الشيخ أبو شقرا اللقاء بقوله: إننا نرحب بنيافة الكاردينال برتولي، ونقابل هذه الزيارة الكريمة بالارتياح وبكل تقدير خصوصا ونيافته موفد من قبل المرجع الحبر الأسمى الذي له في قلوب الجميع وافر الإجلال والاحترام، ونعبر عن شكرنا لقداسة البابا ودعاءنا وشعب لبنان أن يوفق الموفد الباباوي في أداء هذه المهمة الإنسانية وأن يكتب لها أحسن النتائج وأوفر النجاح. وأهلاً وسهلاً.
• برتولي: إنني سأترك الكلام لإخوتي، ولكنني أريد أن أشكر سماحة الشيخ على عواطفه تجاه شخصي، عندما سأعود إلى روما سوف أقدم تقريري إلى قداسة البابا وسيكون قداسته مسرورا لهذه العبارات الطيبة، وليس لدي إلا أن أقول وأكرر أن مهمتي هي مهمة سلام إلى هذا الوطن.
• الصدر: بمقدار ما في هذا اللقاء من جمال وانسجام، بمقدار ما فيه من المحتوى الإنساني الكبير. نحن نأمل أن يكون في هذا اللقاء خير لبنان بل خير الإنسانية كلها التي تعلق أهمية بالغة على مصير لبنان في هذه الأيام، وفي الحقيقة نحن نرحب بمندوب قداسة البابا بيننا الذي يمثل الديانة المسيحية الكبرى في العالم، بالإضافة الى الربط بين هذه الديانة وبين العدالة التي برزت في مواقف الفاتيكان الأخيرة، وإننا نرحب بمؤسسة جعلت في طليعة اهتماماتها الحوار الاسلامي المسيحي، والتي أسست أمانة عامة لهذه المهمة.
إذن نحن نجد أمامنا تمثيلا لمبادئ ثلاثة كبيرة هي الإيمان والعدالة والحوار المسيحي – الاسلامي..
وبهذه الفرصة أحب أن أقول بكل أسف أننا نعيش في لبنان الذي كان يمثل هذه المبادئ الثلاثة خير تمثيل، ولكن اليوم نعيش وهذه الأسس الثلاثة معرضة للانهيار والخطر. إذن لا نستغرب أن قداسة البابا، إلى جانب تصريحاتها العديدة ورسالته الشهيرة يبعث لنا وفداً كبيراً لتقديم ما يمكن تقديمه لمعالجة الوضع.
صاحب النيافة.. في لبنان وتحت هذه المظاهر البراقة التي كانت تتمثل في الفنادق والبنايات الفخمة، كان هناك حرمان عميق لدى أكثرية هذا الشعب. الفرق في مستوى الدخل بين بيروت وبين المناطق اللبنانية الأخرى (الجنوب – عكار والبقاع) كان يبلغ عشرين ضعفا هذه الطبقات الواسعة من المحرومين في حياتهم وفي فرصهم للحياة، للوظائف، للصحة، للتعليم، كانت قليلة ويطالبون دائماً بحقوقهم. هذه المطالبة كانت من قبل مواطنين مخلصين للبنان ولم يكفر هؤلاء المحرومون بوطنهم لبنان وبضرورة الحفاظ على هذا الوطن.
لا نريد أن نقول أن هؤلاء المحرومين حملوا السلاح كما أننا لا نريد أن نقول أن أصحاب الامتيازات حملوا السلاح وفجروا الوضع، ولكننا نريد أن نقول بأن عدم العدالة نفسها هي التي فجرت الأوضاع. ولذلك أؤكد لكم أن العدالة وحدها ستعالج مشكلة لبنان.
والحقيقة أن الخسارة في الوطن في لبنان ليست خسارة لبنانية إنما هي خسارة حضارية. لأن التعايش بين المسلمين والمسيحيين في لبنان ثروة حضارية للعالم، ولم يكن الخطر على التعايش كبيرا لو لم يكن بعض الناس استغلوا المسيحية في سبيل تفجير الأوضاع. وبكل أسف شاهدنا رهبان ورجال دين يحاولون تفجير الأوضاع ويدعون إلى استعمال السلاح، شاهدنا مقاتلين في الشوارع يحملون الصليب على صدورهم، وتدريجيا بدأوا يعطوا للمعركة طابعا طائفيا، ويعلنون في العالم ومن خلال المطبوعات أن المسيحية والمسيحيين في لبنان في خطر.
التعايش بين المسلمين والمسيحيين إذا فشل، وإذا قسم لبنان، فهذه خسارة حضارية. كيف تتصورون يا صاحب النيافة وضع المسيحيين في العالم العربي، بعد الاصطدام بين المسلمين والمسيحيين في لبنان؟ ألا تعتقدون ان هناك مشكلة كبيرة ستقع بين المسلمين وبين 16 مليون مسيحي في العالم العربي؟ ألا تعتقدون أن أديرتهم مؤسساتهم ستتعرض للخطر؟ وفي سنة 2000 سيكون بين 10 و15 مليون مسلم في أوروبا كيف سيعيشون غدا؟
إذن المحنة هي محنة الإسلام والمسيحية، وعلاقة الإسلام والمسيحية في العالم جميعا نحن نخشى أن يؤدي سلوك بعض الرهبان في لبنان إلى ردود فعل على صعيد المشايخ في لبنان، وينتقل ذلك إلى العالم العربي. نحن نعرف اهتمام قداسة البابا بهذا التعايش ولذلك نحن لا يمكننا أن نزيد على هذا. ولذلك أطلب من نيافة الكاردينال الذي يمثل الإيمان والعدالة والحوار الاسلامي – المسيحي أن لا يتركوا لبنان إلا مع نهاية المشكلة. وأؤكد له أن مهمته رغم أهميتها الكبيرة ليست صعبة لأننا نحن كمسلمين على استعداد لأن نبذل أرواحنا في سبيل حماية المسيحيين في بلادنا. وأؤكد أن المسيحيين في بلدنا ليسوا أكثر مسيحية من البابا حتى لا يقبلوا وساطته ونصائحه. والحل أن العدالة والخطوات الأساسية العادلة هي التي تنهي المشكلة. وأؤكد له أن هذه المهمة ستجعل الكاردينال وموقف قداسة البابا في مجال التاريخ والخلود، وإن كل ما نملك من طاقات بتصرف هذا الوفد لإنهاء المشكلة. وأتكلم باسم أصحاب السماحة جميعاً.
• برتولي: إنني أشكرك على هذه الكلمات الطيبة وأنا مع الحوار. وقد تأثرت جداً للكلمات التي قلتها وخاصة بالنسبة لرسالة البابا الخاصة بالمؤمنين القائمة على المبادئ الثلاثة الإيمان والعدالة والحوار. كنت مسرورا جداً، ولا أريد أن أكرر أن التعايش في لبنان هو نموذج صالح للعالم كله، هذا يعني أنه هدف علينا جميعا أن نعمل من أجله.
إن سماحته أوضع الأسباب حول الأزمة الراهنة، إلا أنه ليس لدي وقت لشرح الأسباب الأخرى المتعلقة بالخارج، لقد جئت من أجل الحوار، وهذا لا يعني أنني جئت لإضافة سبب خارجي، علينا أن نتحاور ونعمل بمزيد من الجدية لإيجاد مزيد من الثقة لتدعيم التعايش بين المسلمين والمسيحيين. ان الشرف العظيم للبابا ولي أنا شخصيا لأنكم وضعتم ثقتكم فينا، وعلينا البدء بسرعة. إن الحل هو في أيدي اللبنانيين وأنا على ثقة بالشعب اللبناني بأن يعيد السلام إلى البلاد.
• المفتي خالد: هذا اللقاء بالنسبة إلينا يعتبر لقاء هاما ذا طابع خاص لأنه يخاطب أعلى سلطة مسيحية في العالم. أن صيغة التعايش الاسلامي – المسيحي في لبنان هي فرصة نادرة للاستفادة من قيم الدينين جميعاً. وهي فرصة ليست لمصلحة اللبنانيين فحسب، وإنما لمصلحة العالم كله، ولذلك فإنه ينبغي دعمها في لبنان وخارج لبنان، وفي هذه المناسبة لا يسعني إلا أن أشكر قداسة البابا الذي عمل بالاتفاق مع الحكومة الليبية على إقامة ندوة للحوار المسيحي الاسلامي في شباط المقبل.
إن التعايش الاسلامي المسيحي الذي تتطلع إليه كل الشعوب الإسلامية والمسيحية وتعمل له هو الذي نحن نفتقر إليه ونرى أن هناك في لبنان من يضرب هذا التعايش عن طريق إقامة التمايز الطائفي والتمايز الديني. وبسبب هذا النزوع لدى البعض في تصنيف المتدينين وتعييشهم متميزين أصبحنا نرى فئتين، الأولى من المسيحيين والمسلمين الذين يدعون إلى العدالة، وفئة أخرى خاصة من الساسة المسيحيين المارونيين تدعو إلى التمايز الدين والطائفي. إذن هناك خلاف وقتال وهما قائمان بين أنصار التعايش في ظل المبادئ الإنسانية والديمقراطية والمساواة وفئة تتمسك بالامتياز الطائفي.
الخلاف اذن لبناني داخلي يأخذ صفة الطائفية عند أصحاب الامتياز الطائفي من الساسة الموارنة، ويأخذ صفة النضال الوطني عند أصحاب الدعوة الوطنية من المسلمين والمسيحيين. لذلك تلاحظون أنه ليس في صف الامتيازات الطائفية أي مسلم. مع أنه في صف التعايش المتساوي تجدون المسلمين والمسيحيين. فالخلاف بين اللبنانيين ليس خلافا طائفيا وإنما هو خلاف سياسي. وسبب ذلك ان الدستور اللبناني عام 1926 أعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة لا مثيل لها في العالم ولا في أي دستور. وقد انتقلت هذه الصلاحيات في عهد الانتداب إلى عهد الاستقلال وللأسف زادوا في الإساءة من استعمالها وسببوا هذه الأزمة. والشكوى تعود إلى نص المادة 95 من الدستور.
هذه الصلاحيات الواسعة قد جعلت من رئيس الجمهورية الحاكم المطلق وزاد في الطين بلة أن النظام الديمقراطي نمارسه لأول مرة في تاريخنا السياسي وهذه الممارسة تستند إلى الدستور الفرنسي الذي صدر منذ مئة سنة تقريباً. إن بعض اللبنانيين يطالبون بالصيغة اللبنانية الحاضرة وهذه الصيغة غير العادلة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن. ونعود إلى ذكر الطائفية السياسية هذه الطائفية أدت إلى شل الإدارات والمؤسسات الحكومية. لقد انعكس هذا على الجيش والإدارة والخدمات وعلى المناطق اللبنانية كلها. وهكذا أصبح البرلمان مشلولا والجيش مجمدا وفسدا الإدارة كلها. هذا الوضع الطائفي الغريب أدى إلى نفور الشباب من الدين، وبالتالي إلى اعتناق التيارات الإلحادية بشتى صورها.
إن كل الذي نطلب إذن هو إلغاء الطائفية السياسية. من الدستور ومن العرف ومن الإدارات والجيش ومن الحياة العامة كلها. والذي يهمني أن أنبه إليه أننا عرب، مسلمين ومسيحيين، ولذلك عندما شاء بعض أعضاء لجنة الإصلاح السياسي أن يدخلوا كلمة لبنان عربي، رفضوا ذلك (من قبل بعض المسيحيين). وبكلمة واحدة نحن نحاول أن نعطي التعايش الاسلامي المسيحي بعده الإنساني والحقيقي والوطني وذلك يتحقق في المساواة في ظل حكم ديمقراطي يتعادل فيه جميع أبناء البلد في الحقوق كما في الواجبات هذا مطلبنا ولا شيء غير ذلك.
• أبو شقرا: لي كلمتان لمعاونة نيافته في مهمته. كلنا رجال الله وكلنا نسعى لرسالة دينية مبنية على الحق والعدالة. إذن لا يمكن أن نختلف في أي مبدأ، وأرى أن يكون مسعى نيافته على الإصرار بشدة على كل فريق بالتسامح والمحبة، ونصح الجميع بوحدة لبنان ومصلحته، هذا ما يراه نيافته ونراه نحن، وكذلك التوعية والتوجيه للحوار المنطقي والعقلي والابتعاد عن العنف.
• برتولي: علي أن أشكر سماحة المفتي خالد الذي أعطانا درسا في الحقوق الدستورية.
• خالد: أهم شيء القضية الدستورية.
• برتولي: إذن ينبغي أن تحل جميعها بالحوار والواقع في ظل السلام، لذلك فإن السلطات السياسية وغير السياسية، ينبغي أن تبحث بين الفريقين.
• خالد: نحن علينا أن نضع هذه الحقائق بين يدي نيافته للتنور في مسعاه.
• برتولي: أشكر سماحتكم على التنويرات التي أعطيتموها.
وكلمات سماحة أبو شقرا ستسهل له مهمته. اعني المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق الجميع هي في ان يرمى السلاح ويبدأ الحوار.
• أبو شقرا: افرض ما تراه ونحن معك. لأننا نعلم أنك تفرض ما يمليه الضمير.
• برتولي: إذا كنت سأفرض شيئاً لا أفرضه بصورة عفوية. إذا ما انتبهنا وما كنا ملتزمين بالله فالمستفيدون سيكونون الملحدون وأعداء الإيمان. أشكركم على كل ما سمعته وساعد بأنني سأعمل بمساعدة الله على إعادة السلام إلى لبنان.
تصريح مفتي الجمهورية
وأثر الاجتماع الذي استمر حتى الخامسة مساء، وبعد أن ودع رؤساء الطوائف الإسلامية الموفد البابوي وصحبه، قال سماحة المفتي خالد: أني أشكر قداسة البابا على اهتمامه الكبير بلبنان واللبنانيين، واهتمامه العظيم بإرساله الوفد الذي لا نعتبره تدخلا خارجيا، لأن هذا الاهتمام يأتي من أكبر مرجع مسيحي، فكأنه تدخل مسيحي من المسيحية الأم التي يكون أبناؤها نصف شعب لبنان، خصوصا، وأن البابا ليس لديه أطماعا وليس لديه قوى عسكرية ولا دبابات او سواها، بل سلاحهم المحبة والأخوة والعزم على تحقيق المساواة بين أبناء العالم جميعاً، وهذا السلاح هو سلاحنا نحن أيضاً في كل آن وفي هذه الظروف على الأخص.
وأضاف: لقد بينا في هذا اللقاء لمندوب قداسة الباب كيف أن الإصرار على الامتيازات الطائفية المارونية ليس إلا لتهديم الصيغة التعايشية التي يرغب بها جميع اللبنانيين، صيغة العدالة والمساواة في ظل حكم يسوي بين الجميع في الحقوق والواجبات. وقال: إن الصيغة التي يتكلم عنها هؤلاء والتي يكررون ذكرها على صفحات الجرائد هي صيغة تمايز وليس صيغة تعايش، ونحن عندما نذكر الصيغة نريد صيغة التعايش الإنساني الأخوي المتعادل. نحن نريد الانتقال من تلك الصيغة إلى هذه الصيغة، أي صيغة التعايش الاسلامي – المسيحي الحقيقي المبنية على أساس من المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، وهذا لا يمكن إلا ببناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي يتساوى فيها الجميع على أساس المبادئ الإنسانية في الحقوق كما في الواجبات، وذلك لن يكون إلا بتعديل الدستور والعرف والأنظمة والقوانين الانتخابية وغيرها مما كرس ذلك التمايز، حتى نعود كما شئنا بالأساس أخوة متعاونين ومتحابين في هذا الوطن العظيم...
وأضاف سماحته يقول: ان النظام الماروني الحالي ليس له شبيه في العالم إلا نظام الأقلية البيضاء في روديسيا، وسلطات رئيس الجمهورية اليوم لا يتمتع بها أي رئيس بالعالم إلا الرئيس عيدي أمين في أفريقيا.
وسئل عما إذا طرح الموفد البابوي اقتراحات محددة بشأن حل الأزمة، فأجاب ليس لديه إلا ما نقله برسالة البابا، وكل ما كان منه إنه أحب أن يستمع إلى رؤساء الطوائف ليكون فكرة كاملة عن وجهة النظر التي يمثلونها.
وقال سماحة الإمام الصدر: أقدر مهمة هذا الوفد الكريم الذي يمثل المؤسسة الدينية الكبرى في العالم المسيحي، بالإضافة إلى أنها المؤسسة التي شاهدت المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي أكد بشدة الترابط بين الإيمان والعدل بين عبادة وخدمة الانسان. كل هذا بالإضافة إلى مبادرات الفاتيكان حول ضرورة التعايش والحوار الاسلامي – المسيحي.
وقال: إني كلبناني أؤكد أن هذه المبادئ الثلاثة، بحد ذاتها فقط، تمثل أسس الحل للمعضلة اللبنانية، أي الايمان وما يلزمه من الالتزام بالقيم ثم العدل وما يلزمه من تأمين الكفاية والفرص لجميع المواطنين، وأخيراً الاحتفاظ بثروة لبنان الكبرى في التعايش الاسلامي – المسيحي.
وتابع يقول: إذن فالأسس التي يمثلها هذا الوفد كفيلة بإخراج لبنان من الأزمة المؤلمة. ولا شك أن في شخصية نيافة الكاردينال برتولي ووفده ورؤية سيادة السفير البابوي ما يسهل مهمة هذا الوفد أما في ما يخصنا رؤساء الطوائف جميعا مسلمين ومسيحيين فسوف نبذل الجهد المتناهي لنجاح مهمة الوفد، وبالتالي خروج لبنان من الأزمة بعد دعائنا لتوفيقهم.
وقال شيخ العقل أبو شقرا: كل ما يهمنا أن يخيم على لبنان الصفاء والسلام، كما تهمنا المحافظة على وحدة أرضه وتفاهم أبنائه وحسن تعايشهم، وكل سعي في هذا السبيل نقابله بالترحيب والتقدير.
وعلى هذا فقد رحبنا بنيافة الموفد الكريم الساعي للصلح والوئام وإحلال الوفاق والسلام. وقد شكرنا له مسعاه الحميد خصوصا ونيافته موفد من قبل المرجع الجدي الأسمى الذي له في نفوس الجميع كل معاني الإجلال والاحترام.
وأضاف: بعد بيان ما يجب، والبحث في ما تقتضيه الأوضاع، تمنينا لنيافته، سماحة المفتي والإمام وأنا، تمنينا النجاح في مهمته الإنسانية الخيرة راجين أن يلقى مسعاه تجاوبا من جميع الأطراف تقديرا لبادرة قداسة البابا واهتمامه من جهة، ولأنه بات من مصلحة الجميع وضع حد للاقتتال والنزاع، إذ يكفي ما أصاب هذا البلد من دمار وخراب وأصاب أهله من فواجع وآلام، والله سبحانه نسأل أن يلهم كل مسؤول اغتنام هذه الفرصة المتاحة فيرجع إلى ضميره ويثبت بالفعل حرصه على سلامة لبنان وتجنيب أهله مضار استمرار الخلاف.