رجل المهمات الوطنية كان الشيخ حسن خالد إلى جانب ذلك كله قائداً وطنياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى . فمنصب الإفتاء في لبنان الذي رافق استحداثه فجر الاستقلال ، أعطاه سماحة الشيخ حسن خالد أبعاداً جديدة وبالغة الأهمية بحيث تجذر تاريخياً وعظم أمره واقعاً ومستقبلاً وصار شأن الإفتاء شبيهاً بشأن الخلافة الراشدة حيث نسب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قوله في عمر بعد استشهاده لقد أتعبت من بعدك حيث سيقول الخلف كلمتين في آن : لقد أتعبت من بعدك يا سماحة المفتي إذا ما حاول أن يقوم بجميع الأعباء دفعة واحدة ، كما سيقول الخلف في نفس الوقت لقد أرحت من بعدك يا سماحة المفتي إذ فارقتنا والإفتاء في أحسن حال وأغنى ما يترك الرجل لأهله وقد يكون الحفاظ على التركة الكبيرة متعباً فوق ما يبذله الرجل من جهد لتحصيلها. لقد فرض الشيخ حسن خالد نفسه في تصدر مسيرة المواجهة عند أدق المفاصل في الحياة الوطنية في لبنان ، إنها صورة مفتي قمم عرمون ، ومفتي خطبة العيد التاريخية في الملعب البلدي، ومفتي ثوابت الموقف الإسلامي ، وصورة الرجل الوطني ، صورة الرجل المؤمن بوحدة وطنه وعروبته ومستقبله ، صورة الرجل الذي جمع بين الورع والمحبة والتسامح وبين الالتزام الوطني الذي بلغ به عند المنعطفات التاريخية حدود التحدي والمواجهة والعمل البناء مع اخوة له من رجال الدين والدنيا . وبالرغم من أنه كان أعزل السلاح فقد استطاع بإيمانه وحكمته ووعيه أن يجنب الوطن آفات التفتت والتشرذم والتقسيم . عاش في أحضان الحرب ، ومسته نيرانها في أحيان كثيرة ، لكنه بقي يعتبر أن ذلك أمر عارض، وأن لبنان أقوى من تأثيرات الحرب ومن نتائجها المروعة ورفض بكل إصرار وشموخ اللجوء إلى العنف، وبقي يرفضه حتى آخر يوم من حياته . المفتي وقضايا لبنان المصيرية لقد سبر سماحته غور القضية اللبنانية ، ووقف على أسبابها وخفاياها القديمة والحديثة ، واطلع على خيوط المؤامرة الصليبية المتعصبة ، واليهودية الحاقدة، والصهيونية التوسعية والاستعمار الجشع ، فكان يرسل الصرخة تلو الصرخة محذراً ومنذراً ، ويسعى بكل ما أوتي من قوة وحنكة وحكمة ليجنب لبنان خطر التقسيم ، متخذاً المواقف الجريئة التي ترضي الله تعالى والضمير والوجدان، غير ملتفت إلى المضايقات والإغراءات ،وغير متهيب للتهديدات . كان يرى من خلال ما يجري في لبنان التخاذل العربي ، ويخشى من جراء ذلك سقوط الأمة بأسرها ، حيث قال في خطبة عيد الفطر عام 1983: « إن ما يجري في لبنان اليوم يصور تاريخ النزاع العربي كله ، ويعبر عن التخاذل العربي كله ، ويحضر لاحتمال سقوط الأمة بأسرها» وكان يرى :« أن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل وأن أي فئة من الفئات لا يمكنها أن تبني لبنان على صورتها سواء كانت حزبية أم طائفية أم مذهبية أم عنصرية » كما أورد في خطبة عيد الفطر عام 1983 وكررها في خطبة عيد الفطر عام 1985 . لقد حمل سماحته بشدة على التفرد بالقرارات المصيرية ، والنظر إلى الإصلاح من منظور طائفي ومذهبي حيث قال في خطبة عيد الفطر 1985 " إن التفرد بالقرارات المصيرية هو الداء وعلة البلاء ، فالإصلاح بات يطرح من منظور الطائفة لا من منظور الوطن ، ومن رؤية مصلحة المذهب لا من رؤية مصلحة الأمة ، ومن موقع الطامع في كل مكسب لا من موقع المستعد لكل عطاء ، مثل هذا الأسلوب أصبح الشأن الأول عند البعض في معالجة قضايا الإصلاح في لبنان، بل هكذا يعالجون قضايا المصير العربي كلها " .
|