كلمة ممثل غبطة البطريرك غريغوريس الثالث لحام بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك الأب الدكتور ميشال سبع في ذكرى غياب مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد غريغوريوس الثالث لحام بطريرك كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك لانطاكية واورشليم وسائر المشرق والإسكندرية يهديكم السلام والتحية وينقل لكم فخره واعتزازه برمز كبير من رموز الاستشهاد في سبيل كلمة الحق وإعلانها إلا وهو الراحل الكبير مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد. رجل الدين هو رجل الحق والحقيقة، وفي كل مرة يحجم الآخرون عن قول الحقيقة يتقدم رجل الدين للشهادة، وان لم يفعل يكون كمن يبيع بضاعة لا يؤمن بها. كان يمكن للمفتي الشهيد أن يذهب الى فرنسا ليعيش في بحبوحة وبذخ بحسب النصيحة وكان يمكن ان يساير ويداهن وكان يمكن لبلاغته الكلامية ان يقول تورية تتضمن قوله دون ايضاح لكنه ابى، كانت العمامة البيضاء على رأسه كفناً ناصعاً طالما حمله امام مرأى الجميع شاهداً للشهادتين والثالثة فداء أمته. تعزّ الشهادة على ارض الوطن وترخص اذا كان الاغتيال بيد عدو ظاهر لكن ان يكون الاغتيال على ارض الوطن دون عدو ظاهر فهذا اصعب الصعاب واكثر الوجع إيلاماً، واذا اعتقد البعض ان الزمن كفيل بالنسيان فهذا صحيح اذا كان المغدور له اسباب تبيح اغتياله او ان رحيله هو كفى شره لكن عندما يكون المغدور شهيداً كل الاسباب تدعو لبقائه وضرورة وجوده، عندها لا يرحل هو بل يرحل الزمن ويتثبت هو على جبين الامة. نحن ندرك معنى الشهادة لقول كلمة حق، مطران حيفا غريغوريوس حجار اغتاله البريطانيون لأنه كان يقول كلمة حق من أجل الحق الفلسطيني ولم يتجاوز الثلاثين من عمره، وامضى المطران ايلاريون كبوجي قسماً كبيراً من عمره مضطهداً ومنفياً لأنه كان وما زال اللسان الحي لقول الحق في القضية الفلسطينية، لكن ما يعزينا ان المجرمين هم الصهاينة لكن ليتنا نستطيع ان نقول ان من اغتال مفتينا حسن خالد هو من الصهاينة لتعزينا لكننا نعيش الشك القاتل والشك اقوى من الموت ايلاماً. عرفناه صاحب بسمة لا صاحب عبسة، صديق التلاقي لا عراّب تفرقة، جمع أهل بيروت وأدرك أن حياة الأمة والجماعة اكبر من الاغتيالات والموت، لذا عندما اغتيل الرئيس الشهيد رشيد كرامي ادرك بحسه الوطني الكبير ان البلد اذا ظل فارغاً من الرئاسة السنية فلسوف يكون مشروع فتنة كان مجروحاً ومكلوماً باغتيال رئيس لكنه مسؤول من بيت جماعة وتوازن وطن فأخذ المسؤولية، كان كبيراً في وجعه، وكبيراً في تجاوز هذا الوجع، ولربما وبعد هذه السنوات ادرك من لم يدرك آنذاك أن ما فعله المفتي الشهيد كان ضرورة صائبة. لقد كانت الحرب في لبنان حرب تفرقة بين اللبنانيين فراح بقلبه يجمع الشتات ما تكلم يوماً بنفس طائفي الا وكانت الطائفة عروة لزر وطن كان رحمه الله يشكل مع الراحل الكبير الشيخ مهدي شمس الدين هلالاً كبيراً يزين سماء لبنان وكم كانت الدمعة حراقة في عيني الشيخ مهدي وهو يودّع مفتينا الشهيد. كبار قد رحلوا من رجالات الله، يد الشر لا ترتاح الا بغيابهم لكنها لو تدرك ان غيابهم يولّد حضورهم من جديد لهابوا نبع الماء ان اغلقت منبعه انفجر في مكان آخر، لا يحتبس الماء في صخرة فهل يحتبس صوت الحق في حنجرة. وإن صمت هو فهل تصمت الأربعة عشرة مؤلفاً ومئات العظات المدونة والمسجلة حيث ما زالت تشكل نبراساً لمن اراد الهدى. الراحل مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، انت لست شهيد المسلمين السنة في لبنان، انت شهيد المسيحية ايضاً ونحن نفخر ونعتز اننا قد مررنا بزمن كنت فيه شامخاً وما زلت حياً بضمير كل قائل حق وستبقى رمزاً ومثالاً لكل رجل دين في لبنان. فليكن ذكرك مؤبداً آمين
|