بسم الله الرحمن الرحيم كلمة رئيس المؤسسات المهندس سعد الدين حسن خالد أيها الأخوات والأخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم جميعاً أجمل ترحيب وأخص بالترحيب نائب بيروت القاضي الأستاذ وليد عيدو وعضو منظمة التحرير الفلسطينية الأستاذ محمود الأسدي وأشكرهم على مشاركتنا هذه المناسبة التي أعتبرها أم المناسبات والقضايا المطروحة على ساحتنا العربية والإسلامية ، إن دعم الإنتفاضة وأطفال الحجارة ليس كلاماً يراد به رمي الأمانة عن الأكتاف وإنما هو فعل مبادرة شخصية وتضحية من قبل كل فرد من أفراد مجتمعنا العربي والإسلامي تبدأ بالتضحية بالذات والمال وإملاء الصوت في وجه أصحاب القرار والشأن في أمتنا التي من المفترض أن تكون غنية بمواردها وقدراتها لتمويل القضية من قضية مأساة شعب إلى نضال شعب حقيقته ترهب أعداء العروبة والإسلام وأعداء القيم والمبادئ الإنسانية والحق والعدالة . يقول الرسول عليه الصلاة والسلام من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. هل وصلت بنا الأحوال إلى عدم قدرتنا على التغيير والتبديل وقول كلمة الحق حتى وصلنا إلى هذا الصمت الرهيب المتمثل بالوهن والضعف العربي أمام جبروت الصهاينة ومن وراءهم. هل وصلنا إلى حد الصمت عن الحقيقة بأن الشعوب العربية رافضة لكل ما يحدث في منطقتنا العربية وعلى حدودها هل وصل بنا الحال إلى حد الصمت عن الضحايا التي تنتحر بالعشرات وبشكل لا إنساني أمام أعيننا وأعين العالم بأسره على شاشات التلفزة . هل وصل بنا الحال إلى حد من الصمت عن قدراتنا الكبيرة ورساميلنا وأرصدتنا المجمدة في الدول التي تحمل القرار وتحمى غطرسة هذا العدو الغاشم . هل وصل بنا الصمت إلى حد تغتصب أمامه كرامتنا وشهامتنا التي نتغنى بها في الكتب والشعر والأدب. هل وصل بنا الصمت إلى حد تخلى الله عما وعن دعمنا ودعم قضايانا المحقة. أين عمر المختار وصلاح الدين وعز الدين القسام وأين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وأين عنترة وحمزة وخالد بن الوليد . بسم الله الرحمن الرحيم . « إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ » صدق الله العظيم . ويقول عليه الصلاة والسلام: « ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها . قالوا أو من قلة نحن يا رسول الله قال كلا ولكنكم كغثاء السيل.» لذلك لن أناشد الملوك والرؤساء العرب ولن أناشد القمم العربية ولا القمة المنوي عقدها في بيروت أواخر هذا الشهر. وإنما أحب أن أخاطب هؤلاء الشجعان والأبطال الصامدين المرابطين على الثغور وأشد على أيديهم وأحييهم وأقول لهم لقد استطعتم وبأيام معدودة أن تحققوا بإيمانكم بحقكم ما لم تحققه الآمة خلال عقود من الزمن واستطعتم عن توحدوا الآمة حولكم ، أن أمتكم بشبابها وشيبها وشاباتها وكل قلب ينبض بالحب لهذه الأمة مشتاق إلى مد يده إليكم ومعكم كي تستكمل مسيرة الشهادة ومسيرة العزة ومسيرة النصر . اسأل الله تعالى أن يمدكم بجنود لا تروها ويجهل كلمتكم العليا وكلمة الصهاينة السفلى ويجعل أيدكم فوق أيديهم . لا تخافوا ولا تهابوا الموت فهو الحياة والكرامة لأمتكم ولشعبكم ولأخوتكم وأخواتكم . «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » صدق الله العظيم. كلمة الدكتور أسامة محيو رئيس المنتدى القومي العربي. مداخلة بعنوان «القدس بين الذاكرة والوجدان» التي ألقاها الدكتور أسامة محيو نائب رئيس المنتدى القومي العربي في لبنان ومدير كلية ا لآداب والعلوم الإنسانية (الفرع الأول) في الجامعة اللبنانية، في الندوة التي دعت إليها مؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد للتربية والثقافة بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لحريق المسجد الأقصى بعنوان «القدس بين الذاكرة والوجدان». ********************* للقدس في الذاكرة والجدان، نبض لا يهدأ، ففيها الخافقان أبداً، الأقصى والقيامة، لهما دان الزمان، وفيهما قدس المكان، والكلام على القدس لا يعني حصراً للقضايا القومية في مدينة مقدسة، أو ربطاً لمصالح الأمة في جزء من القضية الفلسطينية وحسب، لأن القدس على جلالها ووقارها في النفوس والنصوص، تجسد اليوم مرحلة من مراحل النضال القومي في مواجهة العدوان الصهيوني المستمر على الأمة العربية وشعوبها وحقوقها من المحيط إلى الخليج... من المسلّم به أنها المدينة التي شرّفها الله بلقاء الديانات السماوية الثلاث في رحابها، غير أنها لم تكن مدينة للسلام المنشود، بعد أن اجتاحت الغرائز قدسيتها، وهبت عليها رياح هوجاء من شرق وغرب، عبر تاريخها الطويل، قبل أن يفتحها عمر في 638م. وبعد أن حررها صلاح الجدين في عام 1187م. في ذكرى ليلى الإسراء والمعراج، حتى غدت مدينة الأحزان في ظل الاحتلال الصهيوني الحقود... لقد كثر الكلام في الخطاب السياسي العربي على أن إدعاءات إسرائيل التي تنادي بها على مسامع الدنيا، شاكية، باكية، هي أباطيل لا تستند إلى منطق، ولا يقوم عليها دليل، ولا سيما إدعاءات الصهيونية بالحق الديني والتاريخي في القدس، استناداً إلى مفاهيم توراتية، ما هي إلا مرويات شفوية غلبت عليها الحكايات الشعبية وروح الأساطير والملاحم، فإذا بهيكل سليمان قائم تحت أساس المسجد الأقصى بعد أن هدمه البابليون في عهد نبوخذ نصر خلال حملته الثانية على القدس عام 586ق.م، ولم يتمكن الأثريون من إيجاد أي أثر له في المكان الذي بني عليه حسب ادعاءاتهم، تحت المسجد الأقصى... ولم يكن هذا الإدعاء إلا وسيلة ميكيافلية لتحقيق غاية صهيونية تهدف إلى تدمير المسجد الأقصىـ على جلالة ووقاره، تمهيداً لمحوه من الذاكرة العربية والإسلامية ولو بعد حين... وبالتالي إزالة أي حق ديني للمسلمين في هذا المسجد المقدس، فإذا ما خبت الجذوة الوجدانية الدينية في نفوس العرب والمسلمين يصبح في ظنهم تمرير المصالح الإسرائيلية بعدها سهلاً ويسيراً، ولن تنسى الذاكرة الإنسانية محاولة حرق المسجد الأقصى في 21/05/1996 على يد يهودي متعصب، ثم عمليات الحفريات تحت المسجد الأقصى التي بدأت عام 1967 لشق نفق تعبر منه المآرب الصهيونية تحت سمع العالم وبصره. أيها السيدات والسادة، ما أشبه اليوم بالأمس، ففي عام 614م. استولى الفرس بقيادة كسرى الثاني وبمساعدة اليهود على القدس فدمروا معظم مقدساتها المسيحية وعلى رأسها كنيسة القيامة وذبحوا نحو تسعين ألف مسيحي إلى أن استعادها البيزنطيون بقيادة هرقل في عام 628م. فطردوا الفرس منها كما قاموا بذبح اليهود وحظروا عليهم دخولها. لقد أثبتت المكتشفات الأثرية بما لا يدع مجالاً للشك بأن الكنعانيين وأصلهم من العموريين المهاجرين من شبه الجزيرة العربية إلى أرض كنعان في فلسطين هم أول الشعوب التي استوطنت أرض مدينة القدس، وهم بناتها الأولون في حدود الألف الثالث قبل الميلاد... وأن اليبوسيين العرب هم آخر الأقوام التي دخلت مدينة القدس واستوطنوا وعاشوا فيها قبل الاحتلال الصهيوني... وبقايا السور اليبوسي شاهد على ذلك على حد تعبير الدكتورة عبلة مهتدي في كتابها القدس حضارة وتاريخ. غير أن الواقع القائم، والمنطق المستبد، يبدد قوة الحق، ليسود حق القوة الغاشمة ظلماً وعدواناً وتشريداً وقتلاً، ويستمر الرأي العام العالمي شاهد زور في حماة الصراع المكشوف بين العرب والصهيونية العالمية، على الرغم من قرارات الأمم المتحدة التي تكتفي بإدانة كبائر إسرائيل وتحول دون إلحاق العقوبات بها وردعها عن معاودة انتهاكاتها. إن الصراع العربي – الإسرائيلي بات مفتوحاً على كل الاحتمالات باستثناء السلام العادل، لأن الصهيونية العالمية وبدعم أميركي واضح، لا تريد سلاماً في المطلق، إلا تحت سقف وحيد هو استسلام العرب... وهذا برأيي يشكل نسفاً لمرتكزات السلام العادل وإبقاء لمنطقة الشرق الأوسط على فوهة بركان، وتهديداً للأمن والسلام الدوليين. ولا أراني بحاجة ماسّة على مزيد من التوضيح، فالتاريخ لا يرحم، لأنه ذاكرة الزمان، ومرآة أحداثه وأحاديثه... وحسبنا الإشارة في هذا المجال، إلى قضية أساسية عمادها الجوهر الروحي الذي تمثله مدينة القدس في النفوس، وما تشكله من حالة حضارية عمادها الإعجاز الإلهي في الإسراء والمعراج « سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ » هذا الإعجاز ليس وقفاً على المسلمين وحسب، بل قوة وعي فكري يثري النفوس بالإيمان، ويمنح العقل الإيماني، ويمنح العقل الإنساني آفاقاً واسعة للتأمل والتبصير... ولنا في أعداد الباحثين الأوروبيين خير دليل على قيمة الوعي الإنساني لهذه المسألة الجوهرية... إن العودة بالذاكرة على زمان القدس الماضي، لا تعني إلا انعتاقاً من الحاضر المؤلم الذي يعزز روح الانهزام في أجيال هذه الأمة التي كان لها مجد وسلطان، فانطوي المجد تحت أعباء الهزائم، وضاع السلطان بعد أن صرنا شعوباً وقبائل، وأضحى التنائي بديلاً من التداني، فسادت بيننا روح الفرقة والتباغض وحب الزعامة، ونصرة القبائل والعشائر، والمضحك المبكي أنّ واقعنا اليوم لم يتبدل، وطبائعنا لم تتحول، بل ازددنا شراسة، لكن في مواجهة بعضنا البعض الآخر، فازدادت بيننا السدود، وتعالت أسوار الحدود، فيزمن خلعت أوروبا عن شعوبها متاعب الحدود والفيزا والعملة المتعددة الأجناس والقيمة، على الرغم من أننا أمة واحدة وأوروبا تضم أمماً تجر وراءها عقوداً بل قروناً من الحروب. هذا الحاضر المؤلم لا أراه مبشراً بخير... لأننا افتقدنا وحدة الموقف، ونخوة المعتصم، وعزة صلاح الدين... أيها السيدات والسادة، إن المستقبل العربي مرتبط ارتباطاً أساسياً بواقع القدس ومستقبلها، حرباً بحرب، أو سلماً بسلم، فإذا ما استمر حال القدس حلبة صراع، فإن المستقبل العربي سيكون رهينة هذا الصراع، وسيبقى رهينة أسياد العولمة القادرين على الإمساك بزمام الأمور وتحريكها كيفما شاءوا، ومتى شاءوا، ولا أغالي إذا كان الربط أساسياً بين واقع القدس وواقع المستقبل العربي عموماً ، لأن مطامع الصهيونية العالمية، وبدعم مريب عجيب من بع الدول الكبرى، لا تقف عند حدود مدينة عربية، أو بلد عربي، فحلمها الكبير في إقامة دولة من الفرات إلى النيل لا يزال حياً ينبض في وجدانها، فلا ينبغي أن يغيب من ذاكرتنا... ومن غفل عن هذه الحقيقة، فإنه لا يجيد قراءة التاريخ، ولا يدرك أبعاد تسلسل الأحداث، ولا تثير اهتمامه الاستعدادات العسكرية العربية والإسلامية المقابلة. فليس صحيحاً أن اتفاقات السلام قد حاصرت إسرائيل ضمن تخوم محددة غير قابلة للتوسع ولكنها إجراءات مرحلية تهدف إلى تفكيك الصف العربي تحت غطاء رغبة إسرائيل في السلام. فإسرائيل قد يبلغ التنافر السياسي فيما بين قواها السياسية والحزبية حد القطيعة، لكنها في ساعة الحرب أو الاستعداد لها، تصبح دولة واحدة، ذات رأي واحد تحت سقف مبدأ واحد: النصر خوفاً من الهزيمة. أما العرب فإذا ما قرروا لقاءً ، على أي مستوى كان، فتشغلهم مدة من الزمن في العمل على تقريب وجهات النظر، وخلق جوّ من التفاهم، وما إلى ذلك من العبارات والتبريرات، ثم يفترقون على أمل إيجاد فرص جديدة من التقارب حرصاً على وحدة الصف ووحدة المصير في مواجهة الأطماع الصهيونية... وإذا ما قدر لهم أن يجتمعوا، فتنكر الذاكرة نتائج اجتماعاتهم ويلفظها الوجدان. بعد هذا فإن القدس، لم تعد قضية مرحلية في حياة العرب والمسلمين وحسب، بل استحالت مع تطور أحداثها، إلى قضية مصيرية تشغل العالم الحرّ، وتمثل مركز الصدارة في الاهتمامات الإنسانية الساعة إلى تحقيق قيم العدل والحق والسلام، ولا سيما في زمن العولمة الشرسة التي تبدد كيانات الأديان، تبدد طاقات الإنسان، وتمحو من خصوصيات الوجدان كل ما له من تراث وحضارة وجذور. فاستفادت قوى الاستعمار العالمي من هذا الواقع لتحويل انتباه النشء عن قضاياه الوطنية والقومية والإنسانية إلى عالم الخيال والجريمة والعنف والانغماس بالملذات تمهيداً لتجريده من كينونته الثقافية والتراثية والحضارية. وهكذا ألبست العولمة التقدم التكنولوجي لباس الحزن باختراقها إلى عوالم تذهل العقول وتصدم النفوس فتسقط في حمئة الاستسلام للقوي الآخر، المسيطر على مقومات حركة الوجود الإنساني. ولا أرى في استعادة القدس إلى فلسطين وإعادة فلسطين إلى العرب أمراً محالاً، فإذا ما ثورنا الشعوب العربية التي لا يزال صوت احتجاجها خافتاً، وإذا ما تمكنت هذه الشعوب من دفع أنظمتها إلى إعادة إنتاج خطاب سياسي رادع والاستعداد لجميع الاحتمالات على قاعدة التضامن العربي انطلاقاً من المصالح المشتركة والمصير المشترك، وإن قضية عربية وإسلامية في آن، وإذا ما أقدم النظامان العربي والإسلامي على تفعيل المقاطعة لإسرائيل، لأنها الحرب الوحيدة التي بوسعها الانتصار فيها بالإرادة المجردة، وبالتالي ممارسة الضغط على حليف إسرائيل الاستراتيجي الولايات المتحدة بتحريك بعض الودائع العربية والإسلامية في المصارف الأوروبية والأميركية واستخدام سلاح النفط، فإن ذلك كله سيمكن العرب والمسلمين من تحقيق تفوق في ميزان القوى لصالحهما. إن تحرير الإرادة العربية والإسلامية سيحول ملايين العرب والمسلمين من رقم كبير إلى قوة فاعلة، لذلك لا بد أن يترافق العمل السياسي والاقتصادي مع العمل العسكري، وحسبنا شهادة فخر واعتزاز على أن الحق لا يموت ما دام رجال آمنوا بربهم « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا». فالمقاومة الوطنية الإسلامية في لبنان، أعطت الدليل والبرهان، وأثبتت أن المقاومة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الصهيوني، وحققت أهم انتصار عربي وإسلامي على إسرائيل، وأهم هزيمة هزت كيان إسرائيل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ومازالت المعاهد الإستراتيجية في العالم تتدارس أسرار هذا الانتصار. وتهب في شرايين الانتفاضة الفلسطينية اليوم، رياح انتصار المقاومة على أرض الجنوب اللبناني، فإذا بالحجر الفلسطيني يواجه دبابة إسرائيلية، صباحاً ومساءً، ولكما سقط شهيد فلسطيني اهتزت أرجاء الوطن العربي والإسلامي دعماً، وانتصاراً، فتزداد الانتفاضة اشتعالاً، ويتلقى العدو الإسرائيلي كل يوم دروساً في الصمود والتحدي والشهادة، لتستمر الانتفاضة، حتى يتحقق النصر المبين من جديد. إن الصراع العربي والصهيوني في القدس يتعدى المدينة المقدسة والوطن الفلسطيني إلى محاصرة المحيط العربي وخنق آماله في الوحدة والحرية والتقدم، ومن أجل ذلك يقيم العدو الصهيوني تحالفات اقتصادية وعسكرية على امتداد الوجود العربي القائم على دوائر ثلاث: الدائرة العربية، والدائرة الأفريقية، والدائرة الإسلامية، كما أشار إلى هذا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة وبني سياساته على تحقيق التواصل بين هذه الدوائر. ولو قدر لإسرائيل أن تنجح في سياساتها التضييقية حول الأمة العربية، فإنها تصبح مصدر قلق، وإلهاء للقوى العربية عن متابعة خطها النضالي سواء لتحرير القدس أو غيرها من المناطق العربية المغتصبة. إن الوضع اليوم داخل الأراضي الفلسطينية ليس مريحاً، ولكنه في الوقت نفسه ليس محبطاً، لأن الانتفاضة الفلسطينية تدرك أن الشهادة هي ضريبة الحرية، وإن النضال هو الطريق الوحيد إليها، ومهما اشتدت عبثية الصهاينة في قهر الإرادة الفلسطينية ستبقى الانتفاضة ملتهبة على رغم فترة المائة يوم الشارونية وفترات أخرى تمتد، وتبقى الإرادة وتستمر الانتفاضة... لأن الصراع هو صراع وجود. إن الانتفاضة هي أمانة في ضمير العرب والمسلمين، ورفدها بالموقف والدعم بات ضرورياً. لأن استمرار صمود الإرادة الفلسطينية قد يدفع شارون إلى ضروب إجرامية متهورة في غياب مواقف عربية وإسلامية رادعة، فهل ستستيقظ القيم والمروءة فينا، عرباً ومسلمين، ونحول دون ارتفاع نهر الدم الفلسطيني، لا بل ونساهم في تحقيق انتصار الانتفاضة في هذا المنعطف الخطير. إننا نثمن غالياً تشكيل «مؤسسة القدس» بتوصية من المؤتمر القومي- الإسلامي وقيام محاولات لدعم صمود الشعب الفلسطيني مثل «ائتلاف الخير» فضلاً عن أطر أخرى تتوخى مؤازرة الشعب الفلسطيني ومؤاخاته وتوفير وسائل التخفيف من خسائره، والأمل معقود على المؤسسات الأهلية العربية لتشكل حالة طوارئ على مستوى الأمة تحرك الشارع العربي والإسلامي وتنسق جهوده وتحفز الأنظمة وتدفعها نحو مواقف على مستوى التحديات، فمتى تطلع من هذه الأمة مؤسسة تستطيع مواجهة المؤسسات الصهيونية في العالم؟ ومتى سيدخل هذه الأمة دائرة الفعل والتخطيط للغد؟ أيها السيدات والسادة، مهما قلبنا صفحات الذاكرة، وسطرنا أحاسيس الوجدان، تبقى القدس ماثلة على الزمان، رابطة الأرض بالسماء، مهما اشتدت الأوجاع، وتراكمت الأطماع، فللقدس رب يحميها، وشعب يفديها، وما النصر إلا من عند الله « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ». |