إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Nov 2024 21
الخميس 19 جمادى الاولى 1446
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   أرشيف النشاطات والأخبار - محاضرات ومؤتمرات

مدخل إلى حوار مفتوح حول الأوضاع العربية الراهنة (28/09/1999)

  * كلمة الشيخ خلدون عريمط

« للأستاذ بشور مع بيروت حكايات في كل تاريخ وحي ومع كل أسرة وشهيد وجريح، ومع كل مرجعية دينية وسياسية وشعبية.

حكايات الدموع والحصار والصمود، حكايات الجهاد والثورة، حكايات الوحدة الوطنية وندوات الوحدة العربية، والتكامل العربي الإسلامي.

فبيروت عند محاضرنا، وعند أحرار العرب والمسلمين ليست مدينة أو عاصمة عربية كغيرها، فهي القلب والعقل والوجدان، وهي نبض ومرآة الوطن العربي والأمة الإسلامية.

لذلك أحبها الأستاذ بشور بشراً وحجراً وعاصمة للمقاومة وللتحدي، فلم يغادرها عام 1982 وهي الجريحة المحاصرة من العدو الإسرائيلي، وقد تركها الكثير من أبنائها وممن ادعوا محبتها أو حمايتها أو عاثوا فيها فساداً .

في ظهيرة أحد أيام اجتياح بيروت، الحزن يلف الوجوه، ودبابات العدو في كل مكان، شاهدة على مجازر صبرا وشاتيلا، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.

وحده معن بشور ومعه قلة من الرجال دخل دار الفتوى ليلقى سيدها ومفتيها، ويكاد أن يتغلب على الحزن بابتسامة، عاجلته ما بالك أبا ربيع؟ قال بحزم وإصرار، انتفضت بيروت، وبدأت المقاومة، من أين؟ من شارع الحمرا، ومن عائشة بكار، قتلى وجرحى للعدو، وتوارى بطل العملية عن الأنظار.

هذا بعض معن بشور في بيروت، أما بعضه الآخر فهو في دمشق وبغداد، والقاهرة والقدس ومع كل عاصمة عربية، هو مع الهم والجرح العربي.

ورغم الأيام الحزينة في حياة العرب والمسلمين مع ذاك محاضرنا مع قلة من الأخيار يحلم بوطن عربي واحد، وجيش عربي واحد، وعلم عربي واحد، وكثيراً ما تتحقق الأحلام ببيروت، التجربة والدلالات محطة مؤلمة في حياة العرب والمسلمين، سبقها محطات حزينة وقاسية كانت مقدمة لاجتياح أول عاصمة عربية وانطلاق المقاومة المستمرة، وتبعتها مآسي السقوط في أفخاخ النظام الدولي الجديد في أكثر من قطر عربي وإسلامي.

آهٍ آهٍ ما أقسى القرن العشرين على أمتنا العربية والإسلامية بدأ بتفكك الوطن العربي والأمة الإسلامية وبوعد بلفور وتوسط بكارثة فلسطين، وها هو ينتهي بمأساة حرب الخليج والحصار الأميركي الظالم لأكثر الأقطار العربية والإسلامية ما أصعب الكلام في زمن الصمت العربي، والعجز العربي والتمزق العربي والجوع العربي.

بيروت 1982 التجربة والدلالات، المقاومة في جنوب العرب.

مقاومة الحصار الأمريكي في شرق الأمة ومغربها عناوين لمستقبل واعد في زمن التيه العربي، والتمزق الإسلامي، وصراع أم حوار الحضارات بين الشرق والغرب مع بداية قرن جديد، ماذا يمكن لمحاضرنا أن يقول».

                                                                                                   

* كلمة الأستاذ  معن بشور                                                                                                   

« المناسبتان اللتان نلتقي في ظلهما اليوم ليسا ذكريين غاليين من أيام مضت بقدر ما هما حافزين لنا على مواجهة تحديات الحاضر وفتح آفاق المستقبل.

فذكرى رحيل قائد عربي كبير كجمال عبد الناصر هو مناسبة للإعراب عن التمسك بمبادئ وقيم ومثل جسدها جمال عبد الناصر في حياته، ونفتقدها اليوم في العديد من جوانب حياتنا.

فرب متسائل: لماذا بقي جمال عبد الناصر حياً في وجدان الأمة رغم مرور أربعة عقود على رحيله، فيما يعجز كثيرون عن مثل هذا الحضور الحي رغم كل ما يحيطون به أنفسهم من هالة العظمة ومظاهر الفخامة.

بل لماذا نصر على إحياء ذكرى هذا القائد الذي لم تكن تجربته كلها انتصارات، ولم تكن مسيرته خالية من الأخطاء والثغرات.

والجواب يتلخص بكلمتين: صدق عبد الناصر وبساطته، صدقه مع نفسه وشعبه وبساطته في سلوكه وحياته.

ولعل الصدق الأكبر هو الصدق مع النفس، أي المراجعة الدائمة لها والاستعداد الدائم للتراجع عما يكتشفه من أخطاء في المسيرة، فلا تجتمع المكابرة مع الصدق، ولا إنكار الحقائق مع الصدق، ولا يلتقي الصدق مع تعليق الأخطاء على شماعات الآخرين دون محاسبة الذات، كما لا يجتمع الصدق مع الحق ولا مع الروح الثأر والانتقام.

ويوم أطاح مع رفاقه في مجلس قيادة الثورة بالملك فاروق وأراد بعضهم إعدامه ألم يقل لهم الرئيس جمال عبد الناصر: إن الرحمة فوق العدل، والدم يستسقي الدم.

 أما البساطة، البساطة في العيش والسلوك، البساطة التي لا تكلف فيها ولا اصطناع، البساطة النابعة من القلب لا المفتعلة في المظهر، البساطة التي لا استعراض فيها ولا منة، البساطة العفوية المتدفقة، بساطة التواصل مع هموم الناس دون تأفف، والاتصال بآرائهم وأفكارهم دون حواجز، هذه البساطة كانت سر تعلق الناس بجمال عبد الناصر حتى إذا ما رحل لم يكن رصيده في البنوك المحلية والخارجية بل كان في قلوب الناس وعقولهم، فازدادت مع الأيام مكانته، وغمرت محبته قلوب حتى العديد من الذين اختلفوا معه في مسيرته الطويلة.

أما المناسبة الأخرى، مناسبة انتصار بيروت على الغزو والاحتلال، فلا يمكن أن نفصلها عن المناسبة الأولى لا في التوقيت ولا في الروح والدلالات.

فبيروت الوفاء لعبد الناصر ولكل قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين هي نفسها بيروت المقاومة الأسطورية التي صمدت ثمانين يوماً بوجه الحصار، فظن كثيرون أنها قد تعبت ووهنت وأعياها الدمار  والجوع والعطش، فإذا بها تنتفض كالمارد يوم دخول دبابات العدو في ظل تواطؤ دولي شهير، وتنقض على الغزاة في كل مكان حتى تفرض عليهم الانسحاب خلال أسبوعين في سابقة لم يعرف مثلها التاريخ المعاصر، ولم يعرف مثلها بكل تاريخ صراعنا مع المشروع الصهيوني.

والأهم من ذلك كله، انه قد تأسست على هذا الانتصار ملامح مرحلة جديدة في حياة الأمة، هي مرحلة المقاومة المستمرة والمتصاعدة والقادرة على تغيير المعادلات وتصحيح الخلل في موازين القوى.

قد يرى البعض في مرحلة ما بعد 1982م. تنازلات وتراجعات واتفاقات إملاء وإذعان وانهيارات، ولكننا نرى أيضاً في هذه   المرحلة صموداً ومقاومة ووعياً ومحاولات نهوض في غير ساحة من ساحات النضال.

أيها الأخوات والإخوة،
هناك مجموعة أسئلة تتعلق بمجمل الأوضاع العربية الراهنة لا بد من التطرق عليها.

أول هذه الأسئلة التي تلح علينا اليوم ما هو مصير التسوية الجارية حالياً، من هو مصير المسارين السوري اللبناني، ما هو مصير مفاوضات الحل النهائي على المسار الفلسطيني.

للرد على هذه الأسئلة لا بد من التأكيد على أن لنا، كقوميين عرب، موقفاً مبدئياًً من كل عمليات التسوية المطروحة، وهو موقف ينطلق من ضرورة التمسك بكل الحقوق الفلسطينية والعربية دون تفريط، كما هو موقف يدرك أن أية تسوية متوازنة تحتاج إلى توازن  قوى ليس في مصلحة العرب في الوقت الراهن.

أما على الصعيد السياسي، فإننا لم نشارك المتفائلين تفاؤلهم بأن وصول باراك إلى الحكم في الدولة العربية  يشكل تغييراً جذرياً عن المرحلة التي سبقته، وأن لا مبرر كعرب محرومين في غالبية أقطارنا من الاقتراع الحر أن نهلل إلى هذا الحد لنتائج انتخابات جرت في دولة معادية.

ومصدر عدم مشاركتنا لهؤلاء المتفائلين تفاؤلهم ينطلق من نظرتين الأولى إستراتيجية تتصل بجوهر المشروع الصهيوني القائم على فكرة التوسع والهيمنة والقهر والأخرى سياسية تتصل بطبيعة الأوضاع الراهنة.

فهل يجهل المفاوض العربي الذي يرى ضرورة أن تعتمد مرجعية المفاوضات على مبدأ الأرض مقابل السلام، إن الدولة العبرية تعتقد إنها هي وحدها صاحبة الأرض ومانحة السلام بل وأن هلا مفهوماً معاكساً لهذا المبدأ يرى إنها هي الدولة المتفوقة على كل صعيد تمنح السلام للعرب مقابل الاحتفاظ بالأرض، الهم إلا تلك  الأرض التي تصبح كلفة الاحتفاظ بها تفوق قدرة هذه الدولة كما هو حاصل اليوم في جنوب لبنا، وكما حصل في المدن والمناطق الآهلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة زمن الانتفاضة، بل كما جرى في بيروت نفسها قبل 17 عاماً ، وكما جرى في مناطق لبنانية متعددة في الجبل والجنوب والبقاع التي تحولت إلى جحيم لقوات الاحتلال فاضطرت إلى الانسحاب منها.

وحتى حين تحاول تل أبيب الانسحاب فإنها تسعى لأن تقبض ثمن الانسحاب مضاعفاً، فهي تخفف من كلفة الاحتلال من جهة، كما تفرض على الطرف الآخر أملاءات جوهرية، كما برز خلال اتفاق أوسلو، أو ترتيبات مخلة بالسيادة كما كان الأمر مع لبنان في 17 أيار أو كما تحاول أن تفعل اليوم.

وبالإضافة إلى هذا كله فإن علينا أن ندرك أيضاً أن داخل المجتمع الصهيوني اليوم إشكالية كبرى تتعلق بمستقبل الدولة العبرية ذاتها ونظرتها لدورها، وهي إشكالية لا بد أن تنعكس على مسيرة التسوية نفسها.

فبين فكرة القلعة الآمنة المغلقة، وفكرة السوق الشرق أوسطية المفتوحة، لم يحسم القرار في الكيان الصهيوني حتى الآن، فلا شرق أوسطية بيريز نجحت تماماً، ولا أولوية نتنياهو الأمنية مكنت من إقناع المجتمع الإسرائيلي  فجاء باراك في محاولة توفيقية مع استعداد دائم للعودة إلى خيار نتنياهو إذ وجد إن الثمن المطلوب منه يفوق قدرته على الاحتمال، وهذا ما ظهر جلياً في اتفاق «شرم الشيخ» حين أصر حتى على تعديل اتفاق ( واي ريفر) الذي وقعه نتنياهو.

وعلى ضفتي هذه الإشكالية تتوزع أيضاً إشكاليات من نوع آخر، كإشكالية التناقض بين الطابع الشديد التقدم للبنية الاقتصادية والتكنولوجية للدولة العبرية وبين الطابع البالغ التخلف لبنيتها الثقافية والفكرية والدينية، كإشكالية التناقض بين العلمانية والتطرف الديني، وبين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين، بل إن السوس أخذ ينخر بجسم المؤسسة العسكرية نفسها حين بدأت الجماعات الدينية تطالب بإعفاء إتباعها من الخدمة.

أن مجتمعنا يعج بكل هذه التناقضات هو أعجز من أن يقدم على تسوية تاريخية تحتاج إلى تماسك داخلي، فكيف إذا أدركنا أن تردي الأوضاع العربية، والتشرذم الطاغي على العلاقات بين الدول العربية، وتفاقم التناقضات داخلها، لا يشكل أي عامل ضاغط على الدولة العبرية للتراجع بل هو على العكس من ذلك يشجع على الاستهتار بحقوق العرب وكرامتهم.

أما الإدارة الأميركية فنحن من الذين يعتقدون أن خطتها في منطقتنا ، كما في مناطق عديدة في العالم، تقوم على إستراتيجية إدارة الأزمات لا حلها، فإبقاء الأزمات مفتوحة هو الذي يسمح لها بالإمساك بكل أطرافها والهيمنة على قرارها ومقدراتها، وإذا شعرت أن الأزمة يمكن أن تخرج عن سيطرتها فيمكن لها أن تخطط لعقد اتفاق جزئي هدفه تهدئة الأوضاع لاستعادة  سيطرتها على الأمور.

وحتى لو أرادت الأميركية مثل هذا الحل، فإنها عاجزة عن الضغط على تل أبيب، لأسباب باتت معروفة، فيتحول الضغط ليمارس من جديد على الطرف العربي لكي يقدم تنازلات جديدة ترضي المفاوض الإسرائيلي وتحفظ ماء وجه الراعي الأميركي لكن حتى مثل هذه التنازلات المفروضة لن تنتج سوى المزيد من القهر والاحتقان والتوتر الذي ينعكس سلباً على الأمن والاستقرار، بل على التماسك الداخلي نفسه كما هو الآن حال الضغوط الأميركية على الأردن لاتخاذ الإجراءات المعروفة بحق حماس.

ومن جهة أخرى، فإنني أعتقد أيضاً أنه من الصعب إنجاز حلول جادة على المسار اللبنانية والسوري إذا لم تتم معالجة الوضع في العراق وإيران اللذين ما زالا هدف الاحتواء الأمريكي المزدوج.

فالعراق أولاً، ثم إيران يشكلان العمق الإستراتيجي للصراع، مثلماً يشكلان العمق الإستراتيجي للتسوية أيضاً ، ولقد حاولت الإدارة الأميركية منذ زمن إضعاف إيران وإرباكها خارجياً وداخلياًَ لكنها لم تنجح حتى الآن، كما حاولت هذه الإدارة بالتعاون مع أطراف إقليمية إسقاط العمق العراقي في عام 1996، وأن تنفذ مخططاً لتقسيمه أرضاً بعد أن قسمته جواً ، فكان للعراق صمود بوجه هذا المخطط، وكان لسوريا دور ملحوظ في إفشاله، وتجاوز الرئيس حافظ الأسد كل ما بين القيادتين من حساسيات وخلافات، ليعلن تمسكه بوحدة العراق وسلامة أرضه وتحسسه بمعاناة شعبه.

وفي هذا الإطار من الصعب أن نرى تقدماً جدياً يجري على جبهة المفاوضات إذا لم يحصل ملموس في المسألة العراقية.

فإذا ما نجح العراق في إسقاط الحصار الجائر المفروض عليه، وفي عودة العلاقات الطبيعية مع أشقائه العرب، وفي حل كل الإشكالات القائمة مع إيران، وفي اتخاذ خطوات انفراجية باتجاه الديمقراطية والتعددية داخله، وجدنا أنفسنا أمام جبهة مشرقية منيعة تخرج الوضع العربي من قتامته وترديه،  أما إذا نجحت المؤامرة في إسقاط العراق وتدمير كيانه الوطني وتمزيق وحدته فإننا سنكون حينها أمام إعصار جارف ينعكس على أوضاع الأمة بأسرها.

ومن هنا فالدفاع عن شعب العراق ووحدته والتحسس مع معاناة أبنائه، ليس عملاً من أعمال التضامن القومي والإنساني فحسب، بل هو جزء رئيسي من المعركة المصيرية ا لتي نخوضها اليوم في فلسطين ولبنان والجولان.

بل من هنا نفهم هذا الإصرار الأمريكي والبريطاني على استمرار العقوبات، وعلى تعطيل أي توجه دولي لرفع المعاناة، بل وصل بهم الأمر إلى ممارسة ضغوط واضحة وعلنية على مرجع روحي عالمي كبير كالفاتيكان لمنع قداسة البابا من زيارة العراق، وهي الزيارة التي سيكون لها أثرها البالغ في تعزيز   فكرة تلاقي الأديان من جهة، وفي تعميق الدور الإنساني التاريخي للمرجعيات الروحية.

ومن هنا أيضاً نفهم نجاح الاجتماع الأخير لمجلس جامعة الدول العربية برئاسة وزير خارجية العراق في القاهرة، كما نبدي ارتياحنا لحو العقلانية الذي طبع الاجتماعات، ونرى فيه خطوة هامة على طريق التضامن العربي وانعقاد قمة عربية شاملة توقف الانهيار في الوضع العربي، وتؤسس لتكامل عربي على المستوى الاقتصادي والتجاري يشكل ضمانتنا بوجه تحديات العصر وتكتلاته كما بوجه تداعيات العولمة السلبية وتهديداتها لهويتنا الثقافية والحضارية .

وعلى الرغم من أن هذا الاجتماع لم يحافظ على الإجماع المطلوب في نيويورك، حيث لبى بعض أعضائه دعوة وزيرة الخارجية أولبرايت إلى ما سمي بلقاء «شركاء السلام» مع وزير خارجية «الدولة العبرية»، وامتنعوا عن اتخاذ قرار واضح بمقاطعة شركة (والت ديزني) التي سخرت الأطفال والثقافة والترفيه لمصلحة الشعار الصهيوني، إلا إننا نرى في تضامن بعض الدول العربية لا سيما الجزائر والعراق، وخصوصاً الكويت، بالإضافة إلى ليبيا والسودان مع الموقف السوري اللبناني مؤشراً إيجابياً يمكن البناء عليه سواء لجهة تصحيح العلاقات العربية- السورية أو لجهة تعزيز نواة الصمود القومي الممثلة بلبنان وسوريا.

إن هذه النواة ستكون في تقديرنا هدفاً لتطورات بالغة التعقيد بهدف ضربها، كما بهدف ضرب وحدة الموقف بين الدولة والشعب والمقاومة في لبنان.

وأخشى ما نخشاه أن يخفي هذا الحديث المتصاعد عن قرب تحريك المسارين اللبناني والسوري أمر عمليات سياسي وعسكري تقدم حكومة تل أبيب على تنفيذه، وما العدوان الصهيوني اليومي، بدءاً من التهديد بضرب البنية التحتية، إلى ضرب مراكز الجيش اللبناني إلا بعض المؤشرات على أمر العمليات هذا .

ويعزز من هذه المخاوف أيضاً، أن الدولة العبرية لجأت في الآونة الأخيرة إلى طرح مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم بهدف إثارة أجواء احتقان داخلي، كما إلى إعلان موعد نهائي لانسحاب من جنوب لبنان وفي لجهة مقرونة بتحذير وتهديد ووعيد للبنان ولسوريا في الوقت نفسه.

ويبقى السؤال الفعلي لماذا  تلجأ تل أبيب إلى كل هذه المناورات التفجيرية إذا كانت تريد بالفعل الوصول على تسوية سلمية مع لبنان وسوريا.

وإذا كان الانسحاب من الجنوب لا يعني السلام كما يقول الرئيس الحص، فإننا نعتقد أن عودة المفاوضات لا تعني بالضرورة الاتفاق، لا سيما وأن الاتفاق على المسار السوري اللبناني لا يمكن فصله عن نتائج المفاوضات النهائية على المسار الفلسطيني والتي تتصل بقضايا تهم لبنان وسوريا وكل العرب كمصير اللاجئين وكالقدس والمياه، كما أن الاتفاق على المستوى الرسمي لا يعني التزاماً به  على مستوى الشعوب، لذلك فمن الطبيعي أن تلجأ تل أبيب إلى المزيد من إضعاف الموقف التفاوضي اللبناني والسوري عبر الطرق المعروفة، ومن خلال وسائل تبدأ بالعدوان وتنتهي بإثارة الاضطرابات في الداخل.

وبهذا المعنى فإن مهمة باراك الرئيسية ليست في إنجاز تسوية مع أي طرف عربي، بل هي فك العزلة عن الدولة العبرية التي قادت إليها سياسة نتنياهو والسعي مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة عبر مناورات معقدة إلى تحميل الأطراف العربية ، لا سيما سوريا ولبنان، المسؤولية عن تعقيد الأمور.

في هذا الإطار يشعر كل واحد منا بالقلق إزاء انصراف السجال السياسي الداخلي بعيداً عن رصد هذه التطورات الخطيرة المرتقبة، بل يطرح البعض أفكاراً تؤثر على صيغة المشاركة والتوازن الوطني التي جاء بها الطائف، وتعيد إلى الواجهة خطاباً تفوح منه رائحة التحريض العنصري والطائفي.

إزاء هذا كله لا بد من  دعوة الجميع إلى مغادرة المتاريس الإعلامية والسياسية التي انتصبت مؤخراً، وإلى تمسك الجميع بصيغة الطائف المستهدفة اليوم من كل من يريد أن يضرب الاستقرار في الوطن، وإلى الاحتضان الشامل والوضاح للمقاومة الباسلة في الجنوب بوجه كل الضغوط التي تمارس اليوم لضربها، كما إلى توجيه معركة مقاومة التوطين، وهي معركة الفلسطينيين واللبنانيين معاً ، لكي تصبح معركة عربية وعالمية لتطبيق حق العودة من جهة، ولكي تتحول الجهود لمقاومة أصحاب هذا المشروع الفتنوي الخطير أي لمقاومة الدولة الصهيونية وحلفائها في واشنطن والغرب.

وإذا عدنا إلى الوضع العربي لا بد من التوقف أمام إيجابيات تتمثل بانتصار خط الوئام في الجزائر الذي نأمل أن تستعيد  معه الجزائر دورها المعهود، وبإصرار القيادة السودانية على نهج الحوار مع المعارضة رغم ما تتعرض له من حملات وحصار أخطرها هو محاولة تفجير أنبوب النفط السوداني الذي بدأ يضخ مؤخراً، وكأن بعض المعارضين لم يعد بفرق بين نظاماً يعارضه وشعباً ينتمي إليه، فيقبل أن يجوع شعبه بذريعة العداء للنظام.

ومن هنا فإننا نرى أن الأزمة القائمة بين العديد من الحكومات والمعارضات في الوطن العربي تحتاج إلى معالجات عقلانية، وإلى تنازلات متبادلة، بهدف الحفاظ على وحدة الكيانات الوطنية، واستعادة الحد الأدنى من الحريات العامة والشخصية، واحترام حقوق الإنسان.

فإذا كان التضامن العربي اليوم هو سلاح الأمة للبقاء في وجه التحديات على المستوى القومي، فإن الانفراج الديمقراطي هو سلاحها للتماسك على المستوى الداخلي في كل قطر عر بي.

إن روح العصر تقوم اليوم على قيام التكتلات الكبرى، وعلى سقوط العوائق والحواجز أمام انتشار الأفكار والمعلومات والآراء، أي إنها تقوم على التضامن وعلى الديمقراطية، وأي اقتراب للأمة من روح العصر إنما يقوم على الالتزام بالتضامن القومي وبالقيم الديمقراطية التي تقوم على احترام الحريات وحقوق الإنسان، وعلى انتخاب الشعب لممثليه بحرية، وعلى حرية الاعتقاد والتعبير والعمل السياسي، وعلى التداول السلمي الديمقراطي للسلطة».

   القسم السابق رجوع القسم التالي  
جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة